الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس والخمسون: الحروب
مدخل
…
الفصل الخامس والخمسون: الحروب
ترك المصريون والآشوريون والبابليون واليونان والرومان وغيرهم آثارًا كثيرة، فيها صور معارك وأسلحة ومعدات وجنود مقاتلين أو مستأسرين أو منتصرين، أفادت الآثاريين والعلماء في تكوين رأي في حروب تلك الأمم والآلات التي استعانت بها في قتالها. أما الجاهليون فلم يتركوا، ويا للأسف، إلا نزرًا يسيرًا من الآثار فيه صور حروب أو جنود أو معدات قتال، لهذا صار علمنا بالحروب عندهم مستمدًّا من تلك النصوص القليلة، ومن نصوص معدودة وردت في الآثار الآشورية أو البابلية وفيها إشارات إلى العرب. ومن موارد أعجمية مكتوبة تحدثت عن حروب وقعت مع العرب، ومن الموارد الإسلامية.
ولفظة "الحرب"، وتجمع على حروب، هي اللفظة الشائعة المعروفة عند الجاهليين للخروج لمحاربة العدو والاصطدام به، وترادفها لفظة "ضر" وتجمع على "اضرو" في اللهجات اليمانية1. وهناك لفظة أخرى هي "غزو" وتعني الخروج لمحاربة العدو2. فهي في معنى الحرب والغزو. وترد في اللهجات العربية الجنوبية أيضًا3. ويراد بـ"غزت" غزوات في عربيتنا، أي في حالة
1 تاج العروس "1/ 205"، اللسان "1/ 302"، راجع السطر الخامس من النص الموسوم.
Halevy 149، Rep. Epigr. 4624، Ii، P.276، Jamme 576، 577، Mahram، P.447
2 الأصفهاني: المفردات "ص366".
3 Jamme 586، Mahram، P.445
الجمع1. وبـ"غزوي" غزوتين اثنتين2. وأما لفظة "هغرو" فتعني أغاروا على قوم، والغارة هي "هغر" في العربية الجنوبية3.
وترد لفظة "حربت""ح ر ب ت". بمعنى معركة، وحربًا واحدة في اللغة السبئية. وأما "حريب" فتعني الحروب والمعارك، أي جمع "حرب"4.
وأما "حرب" فتعني المحاربة وحارب والحرب5.
وتطلق لفظة "ضبا" في السبئية بمعنى الحرب، وبمعنى إعلان الحرب أيضًا. ووردت لفظة "ضبات"، بمعنى مقاتلين ومحاربين6. وترد لفظة "تادم"، بمعنى الشروع في قتال والاستعداد لحرب7.
ويقال للحرب: "ضرر" في اللحيانية. أما لفظة "الحرب"، فتعني السطو والسرقة، بالإضافة إلى معنى الحرب التي تعني الخصام والقتال8.
ويعبر عن لفظة قاتل بلفظتي "سبا" و"جنب" في السبئية9. وتؤدي لفظة "حرب" هذا المعنى أيضًا، إذ إنها تعني حارب10. و"جنب"، بمعنى قتال وتعارك وتحارب.
ويقال للحرب: "حرب" في اللهجة الصفوية، أي على نحو ما نجده في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
ويعبر عن الحملة أو الغزوة بلفظة "برث" في السبئية11. ويقال لها: "خرجت" أيضًا. ويراد بـ"خرجت" ثورة كذلك12. ويعبر عن الحملة والغزوة بلفظة
1 Jamme 586، Mahram، P.445
2 Jamme 577، Mahram، P.445
3 Mahram، P.433
4 Jamme 575، 577، 650، 658، 665، Mahram، P.436.
5 Mahram، P.436
6 Jamme 555، 577، 579، 581، 635، 636، 658، Mahram، P.446
7 Jamme 644، Mahram، P.447
8 راجع النص 41 و84 من كتاب: W. Caskel، 97، 118
9 Jamme 597، Mahram، P.430
10 Mahram، P.436
11 Jamme 561 Bis، 578، 635، Mahram، P.430
12 Jamme 665، 712، Mahram، P.437
"منشا" في بعض الأحيان1. ويعبر عنها بلفظة "مسبا" "مسبأ" كذلك2. كما يقال: "مقرن" أيضًا3.
والعرب تقول: الحرب غشوم؛ لأنها تنال غير الجاني4. وتصيب أناسًا لا علاقة لهم بها ولا صلة، فهي لا تعرف التفريق بين الجاني ومن لا ذنب له5.
وقد عرف علماء اللغة الجيش بأنه الجند، أو جماعة الناس في الحرب، والجمع جيوش6. وقالوا الجيش: العسكر7. فالمراد بالجيش إذن الجماعة المقاتلة التي تخرج للقتال. وترد لفظة "جيش" في العربيات الجنوبية كذلك. وتجمع على "اجيش""أجيش" فيها، أي: في مقابل "جيوش" و"الجيوش" في عربيتنا8.
ويذكر علماء اللغة أن الجيش واحد الجيوش، ويراد به جماعة الناس في الحرب 9.
وترد لفظة "خمس" خميس" في العربيات الجنوبية بمعنى الجيش10. وترد في عربية القرآن الكريم كذلك. فقد ورد أن الخميس الجيش، أو الجيش الجرار، أو الجيش الخشن. وذكر بعض علماء اللغة أن العرب سمت الجيش خميسًا؛ لأنه مكون من خمس فرق: المقدم والقلب والميمنة والميسرة والساقة11. وقالوا: بل سمي الجيش خميسًا؛ لأنه يخمس فيه الغنائم12. والظاهر أن الأصل في "الخميس" الجيش المنظم الكبير الذي يحارب بإمرة وبنظام. وتجمع لفظة "خمس" أي: "جيش".
1 Jamme 643، 644، Mahram، P.440
2 Jamme 665، 750، Mahram، P.440
3 Jamme 578، 586، Mahram، P.441
4 العقد الفريد "1/ 110""لجنة".
5 الدينوري، عيون الأخبار "1/ 127".
6 لسان العرب "6/ 277"، تاج العروس "4/ 291".
7 لسان العرب "4/ 568".
8 Jamme 616، 635، 649، 665، 577، Mahram، P.430
9 اللسان "6/ 277"، تاج العروس "4/ 291".
10 Nami 71، 72، 73، Le Museon، 1967، 3-4، P.437
11 اللسان "6/ 70"، تاج العروس "4/ 140".
12 اللسان "6/ 70"، تاج العروس "4/ 140".
في العربية الجنوبية على "اخمس" أي: جيوش1.
ويعبر عن الجيش بلفظة أخرى هي: عسكر و"العسكر". وأما الموضع الذي يعسكر فيه فهو "المعسكر"2.
ويطلق الجاهليون على الجيش الكثير الذي لا يسير إلا زحفًا من كثرته "الجرار" ويطلقون على الجيش العظيم "الجحفل"3. ويقولون: "جيَّش الجيش" و"جيَّش فلان الجيوش" للتعبير عن التعبئة وتحضير المحاربين لقتال العدو4.
وللعرب آداب وقواعد في الحرب، يطلبون من المحاربين اتباعها لكسب الحرب.
قيل لأكثم بن صيفي: صف لنا العمل في الحرب، قال: أقلوا الخلاف على أمرائكم، فلا جماعة لمن اختلف عليه. واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، فتثبتوا، فإن أحزم الفريقين الركين، ورب عجلة تعقب ريثًا، وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، وتحفظوا من البيات5. وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لما رأى عسكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أما ترونهم خرسًا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ الحيات6.
و"المعسكر" هو موضع تجمع العسكر وموضع نزولهم فيه. ويقال له: "حيرت""حيرة" في السبئية7.
وتقول العرب: إن الشجاعة وقاية والجبن مقتلة. واعتبر من ذلك أن من يقتل مُدبرًا أكثر ممن يقتل مقبلًا8. وتقول أيضًا: الشجاع موقّى، والجبان مُلَقّى9. فاستقبال الموت عندهم، خير من استدباره. ولم يكونوا يهتمون بالكثرة قدر اهتمامهم بالألفة بين المحاربين، وبالعمل يدًا واحدة وكأنهم بنية مرصوصة.
قيل لعنترة: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: كنا مائة، لم نكثر فنتكل، ولم
1 Mahram، P.437، Jamme 576، 635
2 اللسان "4/ 568".
3 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الثاني "ص281، 301، 303".
4 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الثاني "ص376 وما بعدها".
5 العقد الفريد "1/ 113"، الدينوري، عيون الأخبار "1/ 108".
6 المصدر نفسه.
7 Jamme 576، 631، Mahram، P.436
8 العقد الفريد "1/ 116".
9 المصدر نفسه.
نقل فنذلّ1.
وللحرب عند الجاهليين أسباب عديدة، يدخل في ضمنها ضنك العيش في البادية مما يحمل القبائل على التناحر والتقاتل فيما بينها للحصول على الماء والكلأ، وهما عماد الحياة في البادية، أو الحصول على غنيمة2. ويعبر عن هذه الحروب بـ"الغزو". والواحدة "غزو"، وهي تعتمد على مبدأ المباغتة في
الغالب. أما الحروب، فإنها الحروب الكبيرة التي تقع بين دول وحكومات. كما أن الغارة، هي غزو مفاجئ يفاجئ به العدو عدوّه، ليأخذه على غرة، ولينتزع منه ما يجده عنده من مال.
وقد كانت القبائل تغير بعضها على بعض، ثم تتراجع حاملة ما حصلت عليه من غنائم وأسلاب، وقد ترجع، وهي مسلوبة مهزومة، في حالة تمكن من أريد إيقاع الغارة به من الدفاع عن نفسه، ومن تغلبه على المغير ورده خائبًا على الأعقاب.
وتكون الغارات في وجه الصبح في الغالب، حتى يؤخذ من يراد الإغارة عليه بغرة ويفاجأ بالغارة مفاجأة. وقد يقصد في الليل من غير أن يعلم، فيؤخذ بغتة، والاسم "البَيات". و"بيت القومَ والعدوَّ: أوقع بهم ليلًا"3. وقد أشير إلى "البيات" في الحديث. فقد كان المسلمون يصيبون في البيات من ذراري المشركين، فسألوا الرسول حكمه فيهم. فكان حكمه: "هم منهم" و"هم من آبائهم"4.
والغارة دفع الخيل على من يراد الإغارة عليهم. يقال: أغار على القوم غارة وإغارة، دفع عليهم الخيل. فتكون الغارة بالخيل في الأخص. ويقال: أغار إغارة الثعلب، إذا أسرع ودفع في عدوّه5. فالغارة غير الغزو والحرب، تكون سريعة في الغالب، يعقبها رجوع سريع.
1 المصدر نفسه "1/ 121".
2 كتاب الفاخر "ص49"، "ليدن 1915م".
3 اللسان "2/ 16"، "بيت"، تاج العروس "1/ 531"، "بيت".
4 صحيح مسلم "5/ 144 وما بعدها"، "باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد".
5 تاج العروس "3/ 458"، "غور".