المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الستون: حكم العرب ‌ ‌مدخل … الفصل الستون: حكام العرب الحاكم منفذ الحكم بين - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٠

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد العاشر

- ‌الفصل الرابع والخمسون:‌‌ الغزووأيام العرب

- ‌ الغزو

- ‌الخيل:

- ‌الجمل:

- ‌أيام العرب:

- ‌الفروسية:

- ‌الخيل:

- ‌الفصل الخامس والخمسون: الحروب

- ‌مدخل

- ‌المحاربون:

- ‌التحصينات:

- ‌الفصل السادس والخمسون: في الفقه الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌العدل:

- ‌سقوط المسؤولية

- ‌إزالة الضرر:

- ‌الولاية:

- ‌الفصل السابع والخمسون: الاحوال الشخصية

- ‌مدخل

- ‌النكاح:

- ‌القاعدة العامة في الازدواج:

- ‌الصداق:

- ‌أنواع الزواج:

- ‌نكاح الضيزن:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح البدل:

- ‌نكاح الشغار:

- ‌نكاح الاستبضاع:

- ‌نكاح الظعينة:

- ‌أمر الجاهلية في نكاح النساء:

- ‌تعدد الزوجات:

- ‌الطلاق:

- ‌الرجعة:

- ‌الحيض:

- ‌العدة:

- ‌النفقة:

- ‌النسب:

- ‌التبني:

- ‌الزنا:

- ‌كسب الزانية:

- ‌الوصية:

- ‌الإرث:

- ‌العصبة:

- ‌إرث النساء:

- ‌ميراث السائبة:

- ‌الفصل الثامن والخمسون: الملك والاعتداء عليه

- ‌الملكية:

- ‌الشفعة:

- ‌الرق:

- ‌زوال الرق:

- ‌الإباق:

- ‌الكتابة:

- ‌العتق:

- ‌الأموال الثابتة:

- ‌الجرائم:

- ‌القتل:

- ‌قتل القاتل:

- ‌القتل الخطأ:

- ‌السجن:

- ‌الجلد:

- ‌الخلع والطرد:

- ‌التغريب:

- ‌الدية:

- ‌العاقلة:

- ‌الذحل:

- ‌الشدخ:

- ‌التعقبة

- ‌الأشناق:

- ‌الحمالة:

- ‌السعاة:

- ‌القسامة:

- ‌الحيوان المؤذي:

- ‌السرقة:

- ‌قاطع الطريق:

- ‌الصلح:

- ‌المال:

- ‌التمليك:

- ‌العمري:

- ‌حرمة الأماكن المقدسة:

- ‌الحبوس:

- ‌اللقطة:

- ‌الركاز:

- ‌الفصل التاسع والخمسون: العقود والالتزامات

- ‌مدخل

- ‌البيوع:

- ‌الفصل الستون: حكم العرب

- ‌مدخل

- ‌القضاء بعكاظ:

- ‌فهرس: الجزء العاشر

الفصل: ‌ ‌الفصل الستون: حكم العرب ‌ ‌مدخل … الفصل الستون: حكام العرب الحاكم منفذ الحكم بين

‌الفصل الستون: حكم العرب

‌مدخل

الفصل الستون: حكام العرب

الحاكم منفذ الحكم بين الناس، والذي يمنع الظالم من الظلم1. وهو في معنى "القاضي"، الذي هو القاطع للأمور المحكم لها2. وحكام العرب، هم الذين حكموا بينهم فيما حدث من خلاف، وما وقع لهم من خصومات. وقد كان لكل قبيلة حكام، عرفوا برجاحة عقولهم وبسعة مداركهم وبوقوفهم على أعراف قومهم، وبعدلهم وإنصافهم، وبترفعهم عن الظلم والدنايا، فتحاكموا إليهم. ومنهم من طار اسمه إلى خارج مواطن قبيلته، فتحاكم إليه أبناء القبائل الأخرى، لما وجدوا فيه من صفات الحكم العادل والنزاهة والسلامة والصدق في إعطاء الحكم.

ولم يكن الحكم بين الناس والقضاء بينهم، عملًا رسميًّا من أعمال الحكومة، بمعنى أن الحاكم موظف من موظفي الدولة، كما هو في الوقت الحاضر، وكما وقع في الإسلام، وإنما كان القضاء أمرًا يعود إلى الناس، إن شاءوا رجعوا إلى عقلاء الحي لفض ما قد يقع بين أهل الحي من خلاف، وإن شاءوا اختاروا حكمًا يرتضونه لكي يقضي بينهم في الخصومة، فيقضي فيما بينهم برأيه وبرجاحة عقله، ثم ينتهي واجبه، وهم لا يختارون حكمًا، إلا لوجود خلال حميدة فيه تؤهله للحكم، مثل العدل والفهم والحنكة، والفطنة، وسرعة إدراك أسباب الحق.

1 تاج العروس "8/ 252"، "حكم".

2 تاج العروس "10/ 297"، "قضم".

ص: 307

ولهذا صار الرجل الذي تتوفر فيه الصفات التي يجب أن تكون في الحاكم، مرجعًا لأصحاب الخصومات، يرجعون إليه لعمق تفكيره ولرجاحة عقله في استنباط الحكم الذي يرضي ويقنع الطرفين، ولم يكن هذا الحاكم من رؤساء القبيلة بالضرورة، وإنما قد يكون من الذين برزوا في مجتمعهم وأظهروا مقدرة في فهم طبائع قومهم وأعرافهم وأنسابهم وامتازوا عن غيرهم بسعة الفهم والإدراك.

وحكام العرب إما حكام منحوا مواهب ومزايا، جعلت الناس يركنون إليهم في حل المشكلات، وإما كهان، لجأ الناس إليهم يستفتونهم في الحكم فيما يقع بينهم من شجار، لاعتقادهم بصحة أحكامهم، وإما "عراف"، وإما فقهاء ومفتون، أي: رجال دين، كالقلامسة، يفتون في أمور الدين.

ويلاحظ أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون على الذي ينظر في الخصومات "الحكم" و"الحاكم". أما في الإسلام قد تغلبت لفظة "القاضي" عليه. وصار القاضي هو الذي يقضي بين الناس في جميع الأمور القضائية من مدنية وجزائية، ثم عاد الناس في هذه الأيام فخصصوا "الحاكم" بمن يحكم في القوانين الجزائية والمدنية، و"القاضي" بمن يقضي في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية التي لها علاقة بأمور الدفن كالزواج والطلاق والإرث.

وذكر علماء اللغة أن "الفِتاحة"1، الحكومة والقضاء، قال الأشعر الجعفي:

ألا من مبلغٍ عمرًا رسولًا

فإنّي عن فتاحتكم غني2

وأن الفتح، الحكم بين الخصمين في لغة حمير. يقال: فتح الحاكم بينهم، إذا حكم3.

وإذا تجاوز الحاكم العدل وتباعد عن الحق، يقال: شط عليه في حكمه. و"الشطط" مجاوزة القدر في بيع أو طلب أو احتكام4.

و"الجور" الظلم والتعدي على الغير، وإذا شط الحاكم على شخص، يكون قد جار عليه وظلمه، وما أنصفه في حكمه.

1 بالكسر والضم.

2 تاج العروس "2/ 194".

3 تاج العروس "2/ 194".

4 تاج العروس "5/ 167".

ص: 308

ويجب على الحاكم أن يحكم بين الناس بالقسط، حكم "الميزان"، فلا يجوز في العدالة، أن يرجح كفة على أخرى. ولهذا قيل: الميزان العدل، وجعل رمزًا للعدالة. قال تعالى:{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} 1. والقسطاس الميزان، وقيل: هو أقوم الموازين وأعدلها2.

وكانت العادة أن يلجأ اليتيم والضعيف إلى ذوي رحمه، أو إلى أبناء حيه، للحصول على ظلامته. فيتدخل أهل المروءة والإنصاف في الأمر، لإكراه الظالم على إنصاف المظلوم. ورد أنه "كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها الشاة المهزولة. ويقول: شاة بشاة، ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف، ويقول: درهم بدرهم"3. ومنهم من كان يأكل مال اليتيم والضعيف، ويجبر اليتيمة على الزواج به، للحصول على مالها، وقد منع ذلك في الإسلام4.

وحكام العرب في الجاهلية: أكثم بن صيفي بن رياح، وحاجب بن زرارة بن عدس، والأقرع بن حابس، وأبو عيينة، وربيعة بن مخاشن، وضمرة بن ضمرة "ضمرة بن أبي ضمرة" التميمي، هؤلاء كانوا حكام تميم5.

و"الأفعى بن الحصين بن غنم بن رهم بن الحارث الجرهمي"، و"عيينة بن حصن بن حذيفة"، و"حرملة بن الأشعر المري"، وهرم بن قطبة بن سنان بن عمرو الفزاري، وبشر بن عبد الله بن حبان، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، وأبو جهل بن هشام، وأنس بن مدرك، و"عامر بن الظرب" العدواني، وغيلان بن سلمة بن معتب الثقفي وهما حكمان لقيس، وهاشم بن عبد مناف، وعبد المطلب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل القرشي، "العاصي"، والعلاء بن حارثة بن نضلة بن عبد العزى القرشي، هؤلاء كانوا حكّامًا لقريش. وربيعة بن حذار الأسدي، ويعمر بن الشداخ "يعمر الشداخ" الكناني، هؤلاء كانوا حكّامًا لكنانة6. وكان من حكامهم أيضًا:

1 الشعراء، الرقم 26، الآية 182.

2 تاج العروس "4/ 218"، "القسطاس"، "9/ 360 وما بعدها"، "وزن".

3 تفسير الطبري "4/ 153".

4 سورة النساء، الآية 2 وما بعدها.

5 تاج العروس "8/ 252"، "حكم"، "5/ 461"، "قرع".

6 تاج العروس "8/ 252"، "حكم"، "5/ 461"، "قرع".

ص: 309

صفوان بن أمية، وسلمة بن نوفل الكناني، ومالك بن جبر العامري، وعمرو بن حُممة الدوسي، والحارث بن عبّاد الربيعي، والقلمس الكناني، وذو الأصبع العدواني1.

وقد تعرض "اليعقوبي" لموضوع حكام العرب، فقال:"وكان للعرب حكام ترجع إليها في أمورها وتتحاكم في منافراتها ومواريثها ومياهها ودمائها؛ لأنه لم يكن دين يرجع إلى شرائعه، فكانوا يحكمون أهل الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والسن والمجد والتجربة. وكان أول من استقضي فحكم: الأفعى بن الأفعى الجرهمي، وهو الذي حكم بين بني نزار في ميراثهم، ثم سليمان بن نوفل ثم معاوية بن عروة، ثم صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل، ثم الشداخ، وهو يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وسويد بن ربيعة بن حذار بن مرة بن الحارث بن سعد، ومخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم، وكان يجلس على سرير من خشب فسمّي ذا الأعواد، وأكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن، وعامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن قيس، وهرم بن قطبة بن سيار الفزاري، وغيلان بن سلمة بن معتب الثقفي، وسنان بن أبي حارثة المري، والحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وعامر بن الضحيان بن الضحاك بن النمر بن قاسط، والجعد بن صبرة الشيباني، ووكيع بن سلمة بن زهير الإيادي، وهو صاحب الصرح بالحزورة، وقس بن ساعدة الإيادي، وحنظلة بن نهد القضاعي، وعمرو بن حممة الدوسي. وكان في قريش حكام، منهم: عبد المطلب، وحرب بن أمية، والزبير بن عبد المطلب، وعبد الله بن جدعان، والوليد بن المغيرة المخزومي"2.

وكان في نساء العرب أيام الجاهلية حاكمات اشتهرن بإصابة الحكم وفصل الخصومات وحسن الرأي في الحكومة. منهن: صحر بن لقمان، وابنة الخس، وجمعة بنت حابس الإيادي، وخصيلة بنت عامر بن الظرب العدواني، وحذام بنت

1 بلوغ الأرب "1/ 330 وما بعدها"، المحبر "132"، البيان "1/ 109"، الاشتقاق "172"، الأغاني "3/ 2 وما بعدها".

2 اليعقوبي "1/ 227 وما بعدها".

ص: 310

الريّان1.

ويذكر أهل الأخبار أن "ابنة الخس"، هي "هند بنت الخس الإيادية"، وهي جاهلية قديمة، وقد أدركت "القلمس" الكناني، ونسبوا لها أسجاعًا كثيرة، وقالوا: إنها كانت تحاجي الرجال. ورووا لها شعرًا قليلًا2. و"الخس"، والد هذه الحكيمة، هو الخس بن حابس بن قريط الإيادي. وذكر بعضهم أنه من العماليق. وقد اختلف في اسمها فقيل: هند وقيل جمعة. وقد جاء عنها الأمثال. وكانت معروفة بالفصاحة3.

وقد نسبوا لها حديثًا في وصف المرأة وفي وصف الرجل، كما ذكروا لها كلامًا مع والدها، حين سألها عن أسئلة4.

وذكر بعض أهل الأخبار أن "جمعة بنت حابس الإيادي"، هي أخت "ابنة الخس"5. والدها "حابس" رجل من إياد، أو هو "الخس بن حابس". وذكر بعض آخر، أن "جمعة" ليست أخت "هند" وإنما هناك حاكمة أخرى6، وزعموا أن "صحر بنت لقمان"، كانت عاقلة اشتهرت بالعقل والكمال والفصاحة، وكانت العرب تتحاكم عندها فيما يقع بينهم من خلاف في الأنساب وغيرها. وكان والدها "لقمان". وبعضهم يقول غير ذلك. وأخوها "القيم". ويذكر بعضهم أن لقمان قتلها7.

أما "الأفعى الجرهمي"، فقد جعله بعض أهل الأخبار من أول الحكام، وهو الذي حكم بين "بني نزار بن معد" في ميراثهم على حد زعم أهل الأخبار، وهو مضر وربيعة وإياد وأنمار. وكان منزله نجران من اليمن. ومن ولده السيد والعاقب أسقفا نجران في أيام الرسول8. وجعله "اليعقوبي" من أقدم من حكم عند العرب في خلاف، إذ قال عنه: "وكان أول من استقضي إليه فحكم:

1 تاج العروس "8/ 252 وما بعدها"، "حكم"، بلوغ الأرب "1/ 338 وما بعدها".

2 بلوغ الأرب "1/ 339 وما بعدها".

3 تاج العروس "4/ 137"، "خس"، "8/ 253"، "حكم".

4 الأمالي، للقالي "2/ 256 وما بعدها"، ذيل الأمالي "107، 119".

5 بلوغ الأرب "1/ 342".

6 تاج العروس "4/ 137"، "خس".

7 تاج العروس "4/ 327"، "صحر"، "8/ 253"، "حكم".

8 المحبر "ص132"، الاشتقاق "ص218".

ص: 311

الأفعى بن الأفعى الجرهمي. وهو الذي حكم بين بني نزار في ميراثهم"1. وجعله "المسعودي" ملكًا من ملوك نجران1.

وكان أكثم بن صيفي من حكام تميم، ذكر أنه أدرك الإسلام، ولما سمع بأمر النبي، وكان إذ ذاك شيخًا، بعث ابنه "حُبيشًا" إلى النبي ليأتي بخبره، فلما جاء به، جمع قومه وخطب فيهم، ودعاهم إلى الإسلام. ونسبوا له أمثلة، منها: مقتل الرجل بين فكيه، وجمعوا له تسعة وعشرين مثلًا أو أكثر من ذلك. ونسبوا له كلامًا مع "كسرى"3. ونسب له "الجاحظ" بيتًا في الزهد، هو:

نُربّي ويهلك آباؤنا

وبينا نربّي بنينا فنينا4

وزعم أهل الأخبار أنه عاش تسعين ومائة سنة، ومنهم من استقل هذا العمر واستصغره، فجعله ثلاثمائة وثلاثين سنة5.

ولأكثم صلات وعلاقات بالنعمان بن المنذر ملك الحيرة. وكان الملك قد اختاره في جملة من اختارهم لمحادثة "كسرى" في أمر العرب على ما يذكره أهل الأخبار.

ونسب أهل الأخبار إليه حكمًا زعموا أنه قالها للملك "النعمان" في أصول الحكم، وفي كيفية إدارة شئون الرعية في حقوق الراعي. وزعم أن "الحارث بن أبي شمر الغساني"، طلبه ليكون في الألسنة الموهوبة التي تكلم "هرقل" عظيم الروم عند زيارته له6. وذكر أنه كان يحث على التآلف والوحدة وجمع الشمل، ونبذ التخالف والتنافر. ونسبوا له أقوالًا في ذلك. وفي أصول الحروب والقيادة وأمثال

1 اليعقوبي "1/ 227".

2 مروج "2/ 89 وما بعدها".

3 بلوغ الأرب "1/ 308 وما بعدها"، البخلاء "146، 208"، رسائل الجاحظ "1/ 66".

4 الحيوان "3/ 51".

5 المحبر "134"، الاشتقاق "127"، المعمرون، للسجستاني "10"، الإصابة "1/ 118 وما بعدها"، "رقم 485"، اليعقوبي "1/ 227"، أسد الغابة "1/ 113"، المعارف "299"، مروج الذهب "2/ 116"، عيون الأثر "1/ 70"، الأمالي، للقالي "1/ 309".

6 المعمرون "19".

ص: 312

ذلك، مما يحتاج إليه المجتمع في ذلك العهد1.

وذكر أن سادة نجران كانوا يتصلون به، وكذلك ملك "هجر"2. وأن سادات جهينة ومزينة وأسلم وخزاعة، كانوا يسألونه الرأي والاستشارة3.

وحاجب بن زرارة بن عدس من حكام تميم، ومن البلغاء الفصحاء في زمانه، وممن وفد على "كسرى" من سادات تميم، وكان له كلام معه. وكان في جملة من توسط عنده ليسمح لقومه أن يدخلوا الريف. فسمح لهم بذلك. وقد هلك قبل الإسلام. فصار ابنه "عطارد" سيد تميم. وقد أدرك عطارد الإسلام، وذهب إلى الرسول، فأسلم4. وكان حاجب بن زرارة يقال له: ذو القوس، وذلك أن تميمًا أقحطوا، فارتحل حاجب إلى كسرى، فسأله أن يأذن له، أن ينزل حول بلاده. فقال: إنكم أهل غدر! فقال: أنا ضامن. فقال: ومن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي، فأذن لهم دخول الريف. فلما مات حاجب، رحل عطارد بن حاجب إلى كسرى، يطلب قوس أبيه، فردها عليه وكساه حلة. فلما وفد إلى النبي عطارد، وأسلم على يديه أهداها للنبي، فلم يقبلها، فباعها. وقال عمر: يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها لوفود العرب وللعيد، فقال: إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة. وقد ارتد عطارد مع من ارتد من بني تميم بعد النبي وتبع سجاح، ثم عاد إلى الإسلام5.

وكان "الأقرع بن حابس بن عقال بن محرر بن سفيان" التميمي المجاشعي الدارمي من حكام تميم، اسمه "فراس"، وإنما قيل له: الأقرع لقرع كان برأسه. وكان شريفًا في الجاهلية والإسلام. وفد على النبي، وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه. وقد نادى النبي، من وراء الحجرات: يا محمد، فلم

1 عيون الأخبار "1/ 108"، "كتاب السلطان"، "1/ 246"، "باب ذي الغنى ومدح الفقر"، البخلاء للجاحظ "208"، "الحاجري"، المزهر، للسيوطي "1/ 501"، البلدان "4/ 374"، العقد الفريد "1/ 170"، البخلاء "208".

2 المعمرون، للسجستاني "18".

3 المعمرون "15".

4 بلوغ الأرب "1/ 311 وما بعدها"، السيرة الحلبية "1/ 10"، الاشتقاق "1/ 144"، الأمالي، للقالي "2/ 299 وما بعدها".

5 الإصابة "2/ 476"، "رقم 5568"، بلوغ الأرب "1/ 311 وما بعدها"، الاشتقاق "145"، الطبري "3/ 115 وما بعدها"، "قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات".

ص: 313

يحبه. فقال: والله يا محمد إن حمدي لزين، وإن ذمي لشين. فقال رسول الله: ذلكم الله. وفي هذا الحادث نزلت الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} 1. وذكر أنه كان مجوسيًّا قبل أن يسلم. وأن "عيينة" والأقرع استقطعا أبا بكر أرضًا. فقال لهما عمر: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفكما على الإسلام. فأما الآن فاجهدا جهدكما، وقطع الكتاب. وقد عاش إلى زمن عثمان2.

وإليه تحاكم "الفرافصة" الكلبي، وجرير بن عبد الله، وقد نفر "الأقرع" جرير على الفرافصة بن الأحوص الكلبي3.

وكان ربيعة بن مخاشن من حكام تميم البارزين في أنساب قومه، كما كان من خطبائهم وفصحائهم. وهو من "بني أسيد بن عمرو بن تميم"4، وكان يجلس على سرير من خشب في قبة من خشب، فسمي: ذا الأعواد. وإليه أشار الأسود بن يعفر بقوله:

ولقد علمتُ سوى الذين نبأتني

أن السبيل سبيل ذا الأعواد5

وذكر أنه كان مرجع قومه، وعالمهم بالأنساب، وزعم قومه أنه أول من قرعت له العصا6. وكان أبوه "مخاشن": حكمًا أيضًا7.

وكان ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم التميمي من حكام تميم المعروفين. وكان قومه يلجئون إليه فيمن كانوا يلجئون إليهم عند أخذ الرأي. ذكر أنه حكم فأخذ رشوة فغدر8. وأنه كان من رجال بني تميم لسانًا

1 الحجرات، رقم 49، الآية 4، تفسير الطبري "26/ 76 وما بعدها"، روح المعاني "26/ 126"، الاشتقاق "146"، المحبر "134".

2 الإصابة "1/ 72 وما بعدها"، "رقم 231"، بلوغ الأرب "1/ 315 وما بعدها".

3 كتاب نسب قريش "7"، الروض الأنف "1/ 60".

4 بلوغ الأرب "1/ 316".

5 المحبر "134".

6 بلوغ الأرب "1/ 316".

7 المحبر "134".

8 بلوغ الأرب "1/ 316"، وكان اسمه:"شق بن ضمرة"، المحبر "134"، الأمالي، للقالي "2/ 279".

ص: 314

وبيانًا. وكان اسمه: شق بن ضمرة، فسماه بعض ملوك الحيرة ضمرة1. والرشوة ما يعطيه الشخص الحاكم أو غيره ليحكم له، أو يحمله على ما يريد2. وقد عرف بـ"شقة"3.

ومن حكام "تميم" الأحنف بن قيس السعدي التميمي". واسمه "الضحاك بن قيس" وقيل: "صخر بن قيس"، ويكنى "أبا بحر" وهو ممن أدرك النبي. وكان من الحلماء الدهاة الحكماء العقلاء. وقد ضرب بحلمه المثل. "قال رجل للأحنف بن قيس: بم سدت قومك وأنت أحنف أعور؟ قال: بتركي ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك"4. وذكر أنه هو القائل:"لا تزال العرب بخير ما لبست العمائم. وتقلدت السيوف وركبت الخيل، ولم تأخذها حمية الأوغاد. وقيل: وما حمية الأوغاد؟ قال: أن يروا الحلم ذلًا، والتواهب ضيمًا"5.

وكان عامر بن الظرب العدواني من حكام قيس. وذكر أنه كان أول من قرعت له العصا. ونسبوا له حكمًا وأمثالًا منها: رب أكلة تمنع أكلات. ورب زارع لنفسه حاصد سواه، ومن طلب شيئًا وجده. إلى أمثلة أخرى من أمثلة في الحكم والمواعظ وفي كيفية السير في هذه الحياة6. وذكر أنه هو الذي جعل الدية مائة من الإبل، وجعله "محمد بن حبيب" في طليعة "أئمة العرب"7.

وذكر أنه التقى بـ"حممة بن رافع الدوسي" عند ملك من ملوك حمير،

1 الاشتقاق "149"، نوادر المخطوطات "305"، "كتاب ألقاب الشعراء ومن يعرف منهم بأمه".

2 تاج العروس "10/ 150"، "رشا".

3 نواد المخطوطات، ألقاب الشعراء، "ص305".

4 الإصابة "1/ 110"، "رقم "429"، الاستيعاب "1/ 135"، "حاشية على الإصابة"، الأمالي، للقالي "1/ 59 وما بعدها، 231 وما بعدها، 241، 269"، "2/ 20، 41، 167، 227 وما بعدها، 306"، ذيل الأمالي "14، 27، 118، 186، 212، 215"، نوادر المخطوطات "أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام"، "ص158"، رسائل الجاحظ "1/ 344".

5 رسائل الجاحظ "1/ 362"، البيان والتبيين "2/ 88"، "/ 98".

6 بلوغ الأرب "1/ 316"، الاشتقاق "1/ 164"، تاج العروس "5/ 461"، "قرع".

7 المحبر "181".

ص: 315

"فقال: تساءلا حتى أسمع ما تقولان"، فجرى بينهما كلام في الحكم وفي أمور الحياة1.

وقد اختلف أهل الأخبار في أول من قرعت له العصا. فقال بعض منهم: هو "عامر بن الظرب العدواني"، وقال بعض أخر: هو "قيس بن خالد بن ذي الجدين". وهو قول ربيعة، أو "عمرو بن حممة" الدوسي، وهو قول تميم، أو "عمرو بن مالك". وذكر أن قيسًا كانوا لا يعدلون بفهم عامر بن الظرب فهمًا ولا بحكمه حكمًا. فلما طعن في السن، أو بلغ ثلاثمائة سنة، أنكر من عقله شيئًا، فقال لبنيه: أنه كبرت سني وعرض لي سهو، فإذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره، فأقرعوا لي المجن بالعصا. وقيل: كانت له ابنة يقال لها: خصيلة، فقال لها: إذا أنا خولطت، فاقرعي لي العصا. فأتى عامر بخنثى ليحكم فيه، فلم يدر ما الحكم، فجعل ينحر لهم ويطعمهم ويدافعهم بالقضاء. فقالت خصيلة ما شأنك قد أتلفت مالك؟ فخبرها أنه لا يدري ما حكم الخنثى، فقالت اتبعه مباله2. وذكر "محمد بن حبيب"، أنه حكم في الخنثى حكمًا جرى الإسلام به3. وذكر بعض آخر أن "العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء، إلا أسندوا ذلك إليه، ثم رضوا بما قضى فيه. فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه في رجل خنثى له ما للرجل، وله ما للمرأة. فقالوا: أنجعله رجلًا أو امرأة، ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه. فقال: حتى أنظر في أمركم، فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب، فاستأخروا عنه، فبات ليلته ساهرًا يقلب أمره وينظر في شأنه، لا يتوجه له منه وجه. وكانت له جارية يقال لها: سخيلة ترعى عليه غنمه"، فلما رأت سهره وقلقه وقلة قراره على فراشه، سألته عن حاله، فقال: ويحك اختصم إليّ في ميراث خنثى أأجعله رجلًا أو امرأة. فقالت: سبحان الله! لا أبالك اتبع القضاء المبال. أقعده، فإن بال من حيث يبول الرجل، فهو رجل، وإن بال من حيث تبول المرأة، فهو امرأة. فسرَّ بهذا الجواب4

1 الأمالي "2/ 276 وما بعدها".

2 تاج العروس "5/ 461"، "قرع".

3 المحبر "236".

4 الروض الأنف "1/ 86 وما بعدها"، ابن هشام "1/ 86".

ص: 316

ومن حكّام قيس: "هَرِم بن قطبة بن سيّار بن عمرو". وهو العشراء بن جابر بن عقيل. وإليه تنافر "عامر بن الطفيل"، وعلقمة بن علاثة. وسنان بن أبي حارثة بن مرة1.

ويذكر أهل الأخبار أيضًا أن "ذرب بن حوط بن عبد الله بن أبي حارثة الطائي"، كان حاكمًا شهيرًا في الجاهلية، وقد حكم "عامر بن الظرب" في الخنثى. وذكروا أن الشاعر "أدهم بن أبي الزهراء" الطائي، وهو من الشعراء في الإسلام، ذكره في شعر له، حيث قال:

منّا الذي حكم الحكوم فوافقت

في الجاهلية سنة الإسلام2

وقد أدخل "ذرب" واسمه "سويد بن مسعود بن جعفر بن عبد الله بن طريف بن حيي" الشاعر، في جملة من حكم في الجاهلية بحكم، فوافق حكمه السُّنة3.

ومن حكّام العرب المعروفين وأحد المعمرين "عمرو بن حممة بن رافع الدوسي" من الأزد. ذكروا أنه عمَّر طويلًا، وأنه ذو الحلم الذي ضرب به العرب المثل، وأنه هو الذي قرعت له العصا4. وذكر "ابن دريد" أنه وفد إلى النبي5.

ولم يذكر أحد غيره أنه وفد عليه. بل الذي عليه الآخرون أنه مات في الجاهلية بعد عمر طويل، إذ ذكروا أنه كان أحد المعمّرين، حتى أوصل بعضهم عمره إلى حوالي الأربعمائة سنة، فذكر أنه عاش ثلاثمائة وتسعين سنة6. وذكروا أنه عُرف بـ"ذي الحلم" وأنه هو الذي ضربت به العرب المثل في قرع العصا؛ لأنه بعد أن كبر صار يذهل فاتخذوا له من يوقظه فيقرع العصا، فيرجع إليه فهمه. وأنه هو الذي أشار إليه "الحارث بن وعلة" بقوله:

وزعمتم أن لا حُلوم لنا

إن العصا قرعت لذي الحلم7

1 المحبر "135".

2 المحبر "236".

3 الاشتقاق "2/ 232".

4 معجم الشعراء "ص209".

5 الاشتقاق "296".

6 بلوغ الأرب "1/ 331".

7 بلوغ الأرب "1/ 331 وما بعدها".

ص: 317

ويذكر أهل الأخبار أن الذين يزعمون أن "عمرو بن حممة" هو الذي كان يقال له: "ذو الحلم"، وأنه هو أول من قرعت له العصا، إنما هم أهل اليمن، وذلك تعصبًا منهم إليه1. ويظهر من ذلك أن العصبية القبلية قد لعبت دورًا في هذه القصة: قصة أول من قرعت له العصا، فزعم القيسيون أن أول من قرعت له العصا، هو "عامر بن الظرب العدواني"، وزعم أهل اليمن، أنه "عمرو بن حممة".

وقد كان له قبر معروف، تزوره المارة، ذكر أن "الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد، أبو كلثوم بن الهدم" الذي نزل عليه النبي، و"عتيك بن قيس بن هيشة بن أمية بن معاوية"، و"حاطب بن قيس بن هيشة" الذي كانت بسببه حرب حاطب، مرّوا بقبره قادمين من الشأم، فعقروا رواحلهم على قبره. وقال كل واحد منهم شعرًا في رثائه2.

ونعرف حكمًا آخر من حكام "عدوان"، عرف بـ"ذي الأصبع العدواني" وهو "حرثان بن محرث"، أو "حرثان بن عمرو"، أو "حرثان بن الحارث"، أو "حرثان بن السموأل بن محرث بن شبابة"، إلى غير ذلك من أقوال3.

وقد عدّه أهل الأخبار من الشعراء المعمرين، وأعطاه "أبو حاتم السجستاني" عمرًا، جعله ثلاثمائة سنة بالتمام والكمال4.

وغيلان بن سلمة الثقفي، أحد حكام قيس في الجاهلية، وهو شريف شاعر. قالوا: إنه كانت له ثلاثة أيام: يوم يحكم بين الناس، ويوم ينشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جماله، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة فخيره النبي فاختار أربعًا، وكان ممن أسلم. وذكر أنه وفد على كسرى، فكان بينه وبين غيلان كلام أعجبه، فأكرمه وقدمه وسهل تجارته وتجارة من كان معه، وكان فيهم

1 بلوغ الأرب "1/ 332".

2 الأمالي، للقالي "2/ 143".

3 بلوغ الأرب "1/ 335 وما بعدها" الاشتقاق "2/ 163"، "حرثان بن محرث بن الحارث بن شباة"، نوادر المخطوطات، ألقاب الشعراء "307"، "شباب"، شرح المفضليات "312"، الخزانة "1/ 408".

4 بلوغ الأرب "1/ 335"، الأمالي، للقالي، "1/ 129، 255"، "2/ 220"، الأغاني "3/ 9".

ص: 318

أبو سفيان في بعض الروايات، وأرسل معه من بنى له أطمًا بالطائف1. وكان غنيًّا صاحب تجارة. وقيل: إنه أحد من نزل فيه: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} .

وذكر عنه أن "بني عامر" أغاروا على ثقيف بالطائف، فاستنجدت ثقيف ببني نصر بن معاوية، وكانوا حلفاءهم، فلم ينجدوهم، فخرجت ثقيف إلى بني عامر وعليها "غيلان"، فقاتلت "بني عامر"، وانتصرت عليهم وخلد "غيلان" هذا القتال في شعر رووه له2.

وأشير إلى اسم قاض آخر عرف واشتهر في الجاهلية، اسمه "حذار"، وهو "ربيعة بن حذار" الأسدي من "بني أسد بن خزيمة". وقد نعت بـ"قاضي العرب"3. وكان حكمًا من حكام "بني أسد"، وإليه مرجعهم في أمورهم ومشورتهم. وإليه نافر "خالد بن مالك بن تميم النهشلي""القعقاع بن معبد التميمي"، فنفر القعقاع4. وله ولد اسمه:"سويد بن ربيعة بن حذار". كان حاكمًا كذلك5.

ومن حكام "طيء""ابن صعترة الطائي". وكان من الحكام الكهان6.

وممن اشتهر بالقضاء بين الناس من "إياد": "وكيع بن سلمة بن زهر بن إياد"، وهو صاحب الصرح بحزورة مكة وقد أكثروا فيه فقالوا: كان كاهنًا، وقالوا: كان صديقًا من الصديقين. وذكروا له أقوالًا ووصية لقومه من إياد، جاء فيها:"اسمعوا وصيتي: الكلام كلمتان. والأمر بعد البيان، من رشد فاتبعوه ومن غوى فارفضوه، وكل شاة معلقة برجلها"، فكان أول من قال هذه الكلمة فذهبت مثلًا7.

وقد ذكر عنه، أنه كان ولي أمر البيت بعد جرهم، فبنى صرحًا بأسفل

1 الإصابة "3/ 186 وما بعدها"، "رقم 6926"، الاستيعاب "3/ 186"، "حاشية على الإصابة"، بلوغ الأرب "1/ 319"، المحبر "135"، البخلاء "186، 393"، ابن سعد "5/ 371"، الأغاني "12/ 48 وما بعدها"، اللآلي "478".

2 بلوغ الأرب "1/ 321".

3 اللسان "4/ 177".

4 بلوغ الأرب "1/ 329"، الاشتقاق "145".

5 المحبر "134".

6 تاج العروس "6/ 226"، "قلطف".

7 المحبر "136"، بلوغ الأرب "2/ 260 وما بعدها".

ص: 319

مكة وجعل فيه أمة يقال لها: "حزورة" وبها سمّيت حزورة مكة وجعل في الصرح سلمًا، فكان يرقاه، ويزعم أنه يناجي ربه، ونسبوا له أمورًا كثيرة. ومن كلامه على ما يزعمه أهل الأخبار "مرضعة وفاطمة، ووادعة وقاصمة، والقطيعة والفجيعة، وصلة الرحم وحسن الكلم"، وقوله:"زعم ربكم ليجزين بالخير ثوابًا، وبالشر عقابًا، إن من في الأرض عبيد لمن في السماء. هلكت جرهم وربلت إياد، وكذلك الصلاح والفساد" وذكر أنه لما مات، نعي على الجبال1.

ومن حكام إياد: قس بن ساعدة الإيادي الشهير2. وذكر أنه أول من قال: "أما بعد"3، وسأتكلم عنه في أثناء كلامي على الخطباء البلغاء.

ومن حكام "كنانة""صفوان بن أمية"، و"سلمى بن نوفل الكناني"، وكان من المعاصرين لـ"عامر بن الظرب العدواني"4. وجعل "صفوان بن أمية بن محرث الكناني" في عداد من حرّم الخمر في الجاهلية تكرمًا وصيانة لأنفسهم. ونسبوا له شعرًا في سبب تركه لها5.

ومن حكام "كنانة": "يعمر بن عوف الشدّاخ الكناني"، وكان خبيرًا بالأنساب وبالأحساب والأخبار، وحكمًا من حكام كنانة. وهو الذي شدخ دماء خزاعة6. وكانت قريش قاتلت خزاعة وأرادت إخراج خزاعة من مكة، فتراضى الفريقان بيعمر، فحكم بينهم بشدخ الدماء بين قريش وخزاعة، وعلى ألا يخرج خزاعة من مكة7. وورد في رواية أخرى، أنه حكم أن كل دم أصاب قريش من خزاعة موضوع، وكل ما أصاب خزاعة من قريش ففيه الدية، وأن قصيًّا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة8.

ومن حكام "كنانة""القلمس الكناني". وكان من نسأة الشهور، كان يقف عند "جمرة العقبة"، ثم يعلن حكمه بنسيء الشهور، كأن يحلّ أحد الصفرين ويحرم صفر المؤخرة، وكذلك في الرجبين، يعني رجبًا وشعبان. فهو

1 بلوغ الأرب "2/ 260 وما بعدها".

2 المحبر "136".

3 صبح الأعشى "1/ 433".

4 بلوغ الأرب "1/ 330"، "سلمى بن نوفل بن معاوية"، المحبر "133".

5 الأمالي للقالي "1/ 204"، المحبر "133، 237".

6 بلوغ الأرب "1/ 330".

7 المحبر "133 وما بعدها".

8 ابن هشام "79 وما بعدها"، المحبر "134 حاشية".

ص: 320

من الحكام ومن النسأة1. قال "محمد بن حبيب": "نسأة الشهور من كنانة، وهم القلامسة، وأحدهم قلمس، وكان فقهاء العرب والمفتن لهم في دينهم"2.

وكان عبد المطلب من حكام قريش، وكان يقال له:"الفيّاض" لجوده، و"مطعم طير السماء"؛ لأنه كان يرفع من مائدته للطير والوحوش في رءوس الجبال، وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية. وكان يأمر بترك الظلم والبغي، ويحث قومه على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيئات الأمور، وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها وجاءت السنة بها، منها: الوفاء بالنذر، والمنع من نكاح المحارم، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموءودة، وتحريم الخمر والزنا وأن لا يطوف بالبيت عريان3.

وقد روت كتب الأدب والأخبار بعض الأحكام التي حكم بها حكام العرب، فصارت سنة للناس نهجوا عليها، منها: قطع يد السارق، وقد زعموا أن أول من سنَّ ذلك هو "الوليد بن المغيرة" أو "عبد المطلب"، فقطع رسول الله في الإسلام4. والقسامة وقد حكم بها "الوليد بن المغيرة" كذلك و"تحريم الخمر" وقد حكم بهذا التحريم جملة حكام، منهم "الوليد بن المغيرة" وعبد المطلب5، و"المنع من نكاح المحارم"، و"النهي عن قتل الموءودة" وتحريم الزنا، وأن لا يطوف إنسان بالبيت عريان، وتنسب هذه الأحكام إلى عبد المطلب6.

ولا بد أن يكون الوليد بن المغيرة من الرجال المبجلين المشهورين في أيامه بسداد الرأي، ولهذا اكتسب إجلال الجميع له ونال تقدير الناس، حتى قيل: إن الناس كانوا يقولون في الجاهلية: لا وثوبي الوليد الخلق منهما والجديد7. وإليه تحاكم "بنو عبد مناف" في مقتل "عمرو بن علقمة بن عبد المطلب"، حيث اتهموا "خداش بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل"

1 بلوغ الأرب "1/ 335"، تاج العروس "4/ 222"، "القلمس".

2 المحبر "156 وما بعدها".

3 بلوغ الأرب "1/ 323 وما بعدها".

4 المعارف "ص240"،Ency، Iv، P.173.

5 المعارف "ص240"، بلوغ الأرب "1/ 323 وما بعدها".

6 بلوغ الأرب "1/ 323 وما بعدها".

7 المعارف "ص240".

ص: 321

بقتله. وكان "عمرو بن علقمة" أجيرًا لخداش بن عبد الله، خرج معه إلى الشأم، ففقد خداش حبلًا، فضرب عمرًا بعصا، فقضى عليه، فتحاكم "بنو عبد مناف" فيه إلى الوليد بن المغيرة، فقضى أن يحلف خمسون رجلًا من بني عامر بن لؤي عند البيت: ما قتله خداش، فحلفوا، إلا حويطب بن عبد العزى. فإن أمه افتدت يمينه، فيقال: إن من حلف هلك، قبل أن يحول عليه الحول1. وقد تحدثت عن هذه القصة في أثناء كلامي على "القسامة". وذكر أنه عرف بين قومه بـ"العدل"2.

وذكر أن "عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن النمر بن قاسط"، كان يجلس للناس في الضحى، فيقضي بين المتخاصمين، فسمي الضحيان3. وكان سيد قومه في الجاهلية وصاحب مرباعهم4. وكانت ربيعة تغزو المغازي وهو في منزله، فتبعث له نصيبه مما تصيبه ولنسائه حصة، إعظامًا له5.

ومن حكم "مالك بن جبير العامري" قوله: "على الخبير سقطت"6. وهو مَثل اشتهر وعرف بين العرب، ولا زال الناس يتمثلون به.

وكان "نفيل بن عبد العزيز" من حكام قريش7. وإليه تنافر "عبد المطلب" و"حرب بن أمية"، فنفر عبد المطلب على حرب8. وأمه حبشية9.

وقد ذكر "أبو حنيفة الدينوري" اسم رجل من أهل الجاهلية، قال عنه: إنه كان فقيه العرب في الجاهلية، وإنه كان من عدوان أو من إياد. قدم في قوم معتمرًا أو حاجًّا، فلما كان على مرحلتين من مكة قال لقومه وهم في نحر الظهيرة: من أتى إلى مكة غدًا في مثل هذا الوقت كان له أجر عمرتين فصكّوا الإبل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد في ذلك الوقت10.

1 الزبيري، نسب قريش "424 وما بعدها".

2 المحبر "132".

3 المحبر "135"، الاشتقاق "2/ 202".

4 الاشتقاق "2/ 202".

5 نوادر المخطوطات، أسماء المغتالين "122".

6 اللسان "7/ 316"، "سقط"، بلوغ الأرب "1/ 331".

7 الزبيري، كتاب نسب قريش "347".

8 المحبر "173 وما بعدها".

9 المحبر "306".

10 الروض الأنف "1/ 92".

ص: 322

فالرجل المذكور أن صحت رواية "الدينوري" عنه، فقيه من الفقهاء وحاكم كان بين الناس. ومعنى هذا وجود الفقه عند الجاهليين بالمعنى المفهوم من الكلمة في الإسلام.

وأكثر من ذكرت، هم ممن أدركوا الإسلام، وسمعوا بخبر الرسول. وقد زعم أن بعضهم عُمّر عدة مئات من السنين. ويظهر أن ذاكرة أهل الأخبار لم تعِ من أخبار الحكام الذين عاشوا قبل الإسلام بزمن طويل، فاقتصر علمها على هؤلاء وأمثالهم ممن عاش في الفترة الملاصقة للإسلام.

وقد نسب أهل الأخبار إلى الحكام المذكورين علم بأنساب الناس وأحسابهم، كما نسبوا لهم الفصاحة والبلاغة والبيان. وكلها من مستلزمات ومن ضروريات الحاكم في ذلك الوقت. وكان من واجبه العلم بأنساب الناس وأحسابهم؛ لأن المنافرات والمفاخرات، هي من أهم المحاكمات في ذلك الوقت. ولكي يكون حكم الحاكم فيها صحيحًا دقيقًا كان لا بد له من الوقوف على أحوال الناس وعلى مآثرهم ومفاخرهم في ذلك الوقت. وكان عليه أن يكون فصيحًا بليغًا؛ لأن الناس كانوا يقيمون وزنًا للكلام آنذاك، ومن يحسن الاختيار في الكلام، ويحسن صياغة الكلم، يكون ذا أثر فعال في نفوس المستمعين وفي إصدار الأحكام.

ويتبين من دراسة ما ينسب إلى أولئك الحكام من حكام "قريش"، أي:"مكة"، وكذلك حكام أهل المدن. كانوا حكامًا بالمعنى المفهوم من "الحاكم"، فأحكامهم هي أحكام قانونية، مقتبسة من منطق العدالة والحق. وهي تشريع مدني ينسجم مع التشريع المدني للأمم المختصرة. وسبب ذلك على ما يظهر هو أن البيئة التي عاش فيها هؤلاء الحكام، هي بيئة حضرية، وقد كانوا أنفسهم من الحضر، ولكثير منهم وقوف على أحوال الأمم الأخرى، ولهم علم بالكتب وببعض اللغات الأعجمية وبالديانات وبالآراء، وفي جملتها القوانين، فتأثروا أو تأثر بعضهم بتلك المؤثرات.

وقد روت كتب الأدب والأخبار بعض الأحكام التي حكم بها حكام العرب، فصارت سُنة للناس نهجوا عليها، منها: قطع يد السارق، وقد زعموا أن أول من سنَّ ذلك هو "الوليد بن المغيرة" أو "عبد المطلب"، فقطع رسول الله

ص: 323