الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن للفرس والفارس شأنًا كبيرًا في سرعة كسب الحرب، وتفتيت جبهة العدو، وإحداث ثُغَر في صفوفه، تؤدي إلى تشتيت شمله وبعثرته ثم هزيمته هزيمة منكرة. وهي لقوتها هذه لم تكن تعتمد على غيرها في الحروب والغزو، إلا إذا قابلت بالطبع قوة كبيرة من القبائل لا يمكن التغلب عليها إلا بالتعاون مع القبائل الأخرى فعندئذ تضطر إلى البحث عن حليف.
الفروسية:
والفارس فخر القبيلة؛ لأنه المدافع عنها في الحروب والمهاجم الكاسر للأعداء.
وهو أهم من الراجل في القتال، لما له من أثر في كسب النصر وفي إيقاع الرعب والفوضى في صفوف العدو. ولهذا فخرت القبائل بفرسانها، وفي كثرة الفرسان في القبيلة دلالة على عظمتها وقوتها. نظرًا لغلاء ثمن الفرس، ولأهميته في تطوير الحرب وفي توجيهها، وإنهائها في صالح من له أكبر عدد من الفرسان.
ومن حسن حظ القبيلة أن يكون بها عدد وافر من الفرسان، وعدد من الشعراء فالفارس فنان القبيلة في الحرب وفارسها في الطعان وحامي الذمار والعرض، والشاعر فارس الكلام، يؤجج نيران العواطف ويلهب جذوة الحماس في النفوس، ويدفع الفارس إلى الإقدام، وبذلك يساعد في كسب النصر لقبيلته، وفي الدفاع عن عرض القبيلة بسلاحه الموزون المقفى.
وقد حفظت ذاكرة أهل الأخبار أسماء جماعة من فرسان الجاهلية، دوّنت في كتبهم، فوصلت بفضل تدوينهم لها إلينا. وعلى رأس من دوّنوا أسماءهم في الشهرة وبعد الصيت:"عنترة بن شداد العبسي" الذي لا يزال الناس يضربون به المثل في الشجاعة. وهو أحد "أغربة العرب" وهم ثلاثة: أولهم هو، وثانيهم "خفاف" واسم أمه "ندبة"، وثالثهم "السليك" واسم أمه "السلكة"، وأم الثلاثة إماء سود. كانت أم "عنترة" أمة سوداء، اسمها "زبيبة"، فلما كبر أغار بعض أحياء العرب على قوم من "عبس"، فأصابوا منهم. فتبعهم العبسيون، فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة. فقال له أبوه:"كر يا عنترة"، فقال:"العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر"، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده، فعدّ "عنترة" من العبيد.
فقال له: كر وأنت حر. فقاتلهم واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة، فادعاه أبوه بعد ذلك، واسمه "عمرو بن شداد". فنسب إليه.
وقد برز اسمه في حرب "داحس والغبراء". وقد قتل فيها ضمضمًا المريّ، أبا الحصين بن ضمضم. وقد كان مصيره القتل كذلك. وتزعم "طيء" أن قاتله منها. ويزعمون أن الذي قتله "الأسد الرهيف"1.
ومن مشاهير الفرسان "ربيعة بن مكدم" وهو من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. وقد عرف "بنو فراس" بالشجاعة والنجدة. وقد كان يعقر على قبره تعظيمًا له وتقديرًا. مر على قبره "حسان بن ثابت"، فقال فيه شعرًا2.
و"ملاعب الأسنة"، وهو "عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب"، "أبو براء"، وهو ممن اشتهر بالفروسية كذلك. وكان سيدًا في قومه. ذكر أنه أخذ أربعين مرباعًا في الجاهلية. وفي ذلك دلالة على ما كان له من مقام في قومه. قيل إنه سمي "ملاعب الأسنة" بقول أوس بن حجر:
ولاعب أطراف الأسنة عامر
…
فراح له حظ الكتيبة أجمع3
وقد عرف بـ"ملاعب الرماح" كذلك4. وقد لقب بهذا اللقب في شعر الشاعر "لبيد"5.
وذكر "السكري". "عامر َبن مالك" في جملة من اجتمعت عليه هوازن، ولم تجتمع هوازن كلها في الجاهلية إلا على أربعة نفر من "بني جعفر بن كلاب" وهم:"خالد بن جعفر بن كلاب" بعد قتله "زهير بن جذيمة بن رواحة" و"عروة الرحال بن عتيبة بن جعفر" و"الأحوص بن جعفر"
1 بلوغ الأرب "2/ 126 وما بعدها"، الدينوري، عيون الأخبار "1/ 125".
2 بلوغ الأرب "2/ 125".
3 بلوغ الأرب "2/ 127"، تاج العروس "3/ 423"، "عمر"، "ومن رجال بني جعفر بن كلاب: عامر بن مالك ملاعب الأسنة، وابن أخيه عامر بن الطفيل"، الاشتقاق "2/ 180"، الإصابة "2/ 249"، "رقم4424".
4 الثعالبي، ثمار "101، 102".
5 الثعالبي، ثمار "101".
و "عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب"1.
و"عامر بن الطفيل بن مالك بن كلاب العامري"، من فرسان الجاهلية المعروفين أيضًا، وهو ابن أخي "عامر بن مالك ملاعب الأسنة، وقد أدرك الإسلام فكان في جملة من وفد مع قومه في سنة تسع من الهجرة على الرسول. وكان قد أضمر الغدر برسول الله. ولكنه لم يتمكن منه. ثم قال لرسول الله: أتجعل لي نصف ثمار المدينة وتجعلني ولي الأرض بعدك فأسلم؟ فأبى عليه رسول الله. فانصرف عامر وقال: والله لأملأنها عليك خيلًا ورجالًا. وكان متعجرفًا متغطرسًا، لما ناله من مكانة عند قومه. حتى زعم أهل الأخبار أن اسمه كان قد طار إلى خارج جزيرة العرب، حتى بلغ "قيصر"، فكان "قيصر" إذا قدم عليه قادم من العرب قال: ما بينك وبين عامر بن الطفيل؟ حتى وفد عليه "علقمة بن علاثة" فانتسب له، فقال: ابن عم عامر بن الطفيل، فغضب علقمة2.
ورجع ونافر "عامر بن الطفيل" في قصص من هذا القصص المألوف وروده عن أهل الأخبار.
وروى بعض أهل الأخبار، أن "عامر بن الطفيل" لما مات نصبت بنو عامر نصابًا ميلًا في حمي على قبره، لا تنشر فيه راعية ولا يرعى ولا يسلكه راكب ولا ماش. تعظيمًا لقبره واحترامًا لذكراه3.
وذكر "أبو عبيدة"، أن "عامر بن الطفيل"، أحد فرسان العرب المعروفين و"فرسان العرب ثلاثة: فارس تميم: عتيبة بن الحارث بن شهاب، وكان يقال له: صياد الفوارس وسم الفوارس، وفارس ربيعة: بسطام بن قيس بن مسعود، وفارس قيس: عامر بن الطفيل ملاعب الأسنة. فأما ملاعب الرماح فأبوه براء عامر بن مالك بن جعفر4. وذكر أن "عامر بن مالك بن جعفر، "أبو براء"، بعث إلى رسول الله يسأله أن يوجه إليه قومًا يفقهونهم في الدين،
1 المحبر "253 وما بعدها"، أسد الغابة "3/ 84".
2 بلوغ الأرب "2/ 129"، الاشتقاق "180، 215"، الأغاني "15/ 50، 131".
3 بلوغ الأرب "2/ 131"، العقد الفريد "1/ 172".
4 الثعالبي، ثمار "101"، "وبسطام اسم فارسي، وبسطام أحد الفرسان الثلاثة المذكورين عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبسطام هذا"، الاشتقاق "2/ 225".
فبعث إليهم قومًا من أصحابه، فعرض لهم "عامر بن الطفيل"، فقتلهم يوم "بئر معونة" فاغتم أبو براء لذلك، وقلق لإغفار عامر بن الطفيل بقتلهم ذمته. ومات "عامر بن الطفيل، وهو منصرف من عند رسول الله، ودعا "أبو براء" قينتين له، واستدعى "لبيدًا"، وأخذ يشرب حتى أثقله الشراب، فاتكأ على سيفه حتى فاضت نفسه، فرثاه "لبيد"، ودعاه بـ"ملاعب الرماح"1.
وقد عدّه أهل الأخبار في جملة "من كان يركب الفرس الجسام فتخط إبهامه في الأرض"2، وفي جملة "العوارن الأشراف"3. وقد نافر "عامر بن الطفيل" "علقمة بن علاثة" عند "هرم بن قطبة بن سنان"4.
وزُعم أنه كان في جملة من أوفدهم "النعمان بن المنذر" إلى "كسرى" ليبينوا له مكارم العرب، وفي الوفد: أكثم بن صيفي، وحاجب بن زرارة، والحارث بن عبّاد البكري، وعمرو بن الشريد السلمي، وخالد بن جعفر الكلابي، وعلقمة بن علاثة. فتكلم في جملة من تكلم منهم. ودوّن أهل الأخبار كلامهم وأجوبة كسرى عليه، وكأنهم كانوا كتّاب محضر، دوّنوه بالنص5! وله منافرة مع "علقمة بن علاثة"، كان حكمها "هرم بن قطبة بن سنان" الفزاري. وقد سجل أهل الأخبار حديثها بالنص كذلك6.
ويعدّ "زيد الخيل" من مشاهير فرسان العرب كذلك، واسمه "زيد بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي". وهو من سادات "طيء" ومن الشعراء وكان بينه وبين "كعب بن زهير" هجاء؛ لأن كعبًا اتهمه بأخذ فرس له. قدم في وفد طيء، وهو سيدهم على الرسول. فلما انتهوا إليه كلموه. وعرض عليهم الإسلام فأسلموا. ثم بدل الرسول اسمه فسماه زيد الخير. وكلمه فأعجبه فلما ولى عائدًا من عنده إلى وطنه قال الرسول: "ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد الخيل، فإنه لم
1 الثعالبي، ثمتر "101 وما بعدها"، المحبر "118".
2 المحبر "234".
3 المحبر "303".
4 المحبر "135".
5 البيان والتبيين "1/ 45".
6 بلوغ الأرب "1/ 288 وما بعدها".
يبلغ فيه كل ما فيه"، وقطع له "فيدًا" وأرضين معه. وكتب له بذلك. فلما عاد من المدينة وانتهى إلى ماء من مياه نجد يقال له: "قردة" أصابته الحمى، حمى يثرب الشهيرة المكناة عندهم بـ"أم ملدم"، فمات بها1.
وكان كما يصفه أهل الأخبار طويلًا جسيمًا وسيمًا يركب الفرس العظيم الطويل فتخبط رجلاه في الأرض كأنه راكب حمارًا. أسر عامر بن الطفيل وجز ناصيته2.
"قيل له زيد الخيل لطول طراده بها وقيادته لها"3. وقد عدّه "ابن حبيب" في جملة المتعممين مخافة النساء على أنفسهم لجمالهم4.
ومن الفرسان "عمرو بن معديكرب"، وهو ممن وفد على رسول الله في قومه من "زبيد". فأسلم ثم ارتد بعد وفاة الرسول5. فلما سيّر الخليفة "أبو بكر" جيشًا على المرتدين انهزم "عمرو بن ودّ"، ثم أخذ أسيرًا إلى الخليفة، فأنبه فعاد إلى الإسلام واشترك في معركة "اليرموك" ثم في معركة "القادسية" وتوفى سنة "21" من الهجرة6. ويعد "فارس اليمن"7. ونعته "ابن حبيب" بـ"فارس العرب"8.
ومنهم: "دريد بن الصِّمة"، وهو من "بني جشم". وله أخبار مع "بني كنانة"، وقد أسرته بنو فراس من "بني كنانة"، فلما عرفته امرأة منهم وهي امرأة "ربيعة بن مكدم"، توسلت إلى قومها بفك أسره، لمساعدته لها في وقت شدة وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه، ثم جهزته ولحق بقومه9. وقد عده "ابن حبيب" من "أشراف العميان" و"البرص الأشراف"10.
1 الطبري "3/ 145 وما بعدها"، "وكان شاعرًا، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم. فسماه زيد الخير، وقال له: يا زيد ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا كان دون الصفة ليسك. يريد غيرك، الثعالبي، ثمار "101".
2 بلوغ الأرب "2/ 138".
3 الثعالبي، ثمار "101".
4 المحبر "232 وما بعدها".
5 الطبري "3/ 132 وما بعدها".
6 بلوغ الأرب "2/ 131 وما بعدها"، الثعالبي، ثمار "439، 535، 621"، وفقئت عينه يوم اليرموك، المحبر "261، 303".
7 الثعالبي، ثمار "621 وما بعدها".
8 المحبر "2/ 245".
9 بلوغ الأرب "2/ 134 وما بعدها"، الثعالبي، ثمار "397"، "فمن بني غزية دريد بن الصمة"، الاشتقاق "177".
10 المحبر "298، 299".
وزيد الفوارس من هذا الرعيل الشهير من فرسان الجاهلية. وكان الرؤساء في قومه. وشهد يوم "القرنتين" ومعه ثمانية عشر من ولده يقاتلون معه، وهو من سادات "بكر بن سعد بن ضبة". وهو "زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي". وقد طالت رياسته1.
ومنهم "عمرو بن كلثوم" الشاعر الشهير قاتل "عمرو بن هند" ملك الحيرة وصاحب المعلقة. وينتهى نسبه إلى "تغلب"، وهو أحد فتاك العرب وأخوه "مرة" هو الذي قتل "المنذر بن النعمان"، وأمه "أسماء بنت مهلهل بن ربيعة". وقد ساد قومه وهو ابن خمس عشرة سنة، ومات وهو ابن مائة وخمسين سنة2.
ومن الفرسان الشجعان "أمية بن حرثان الكناني"، وكان من سادات قومه، وقد أدرك النبي وأسلم، وله ولد اسمه "كلاب بن أمية" دخل في الإسلام كذلك3.
ومن الفرسان "الشنفرى الحارثي" وهو من الشعراء وأحد العدّائين. والعدّاءون من العرب: السليك، والشنفرى، والمنتشر بن وهب، وأوفى بن مطر. ولكن المثل سار من بينهم بالسليك. والعرب تضرب به المثل، وتزعم أنه والشنفرى أعدى من رئي، ويزعمون أنهما كانا يسبقان الأفراس، ويصيدان الظباء عدوًا4. وقد عرف السليك بـ"سليك المقانب" ومقانب أمه، وكانت أمه سوداء، وسليك أيضًا أسود، وهو أحد أغربة العرب5.
ولمع في هذه الأيام اسم حذيفة بن بدر، واسم حمل أخيه، وكانا سيدي بن فزارة. وقد عرف حذيفة بـ"رب" معد6، وقاد قومه بني فزارة في عدة أيام هي: يوم النسار، ويوم الجفار، وحرب داحس والغبراء حيث قتل فيها
1 بلوغ الأرب "2/ 137 وما بعدها"، "قال الفرزدق:
زيد الفوارس وابن زيد منهم
…
وأبو قبيصة والرئيس الأول
وزيد الفوارس بن حسين بن ضرار، واشتقاق قبيصة من قولهم قبصت قبصة، أي: أخذت بثلاث أصابعي شيئًا" والاشتقاق "120".
2 بلوغ الأرب "2/ 141 وما بعدها".
3 الاشتقاق "107"، بلوغ الأرب "2/ 138".
4 الثعالبي، ثمار "135".
5 الأغاني "18/ 133 وما بعدها"، الثعالبي، ثمار "105".
6 العمدة "2/ 193""باب ذكر الوقائع والأيام" المحبر "461".