الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الشغار، بكسر الشين: نكاح كان في الجاهلية، وهو أن تزوج الرجل امرأة ما كانت على أن يزوجك أخرى بغير مهر1. وخص بعضهم به القرائب، فقال: لا يكون الشغار إلا أن تنكحه وليتك على أن ينكحك وليته"2. فكان الرجل يقول للرجل: شاغرني، أي: زوجني أختك أو بنتك أو من تلي أمرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من إلىَّ أمرها ولا يكون بينهما مهر3. وقد نهى عنه الإسلام4. وورد "أن أناسًا كان فيهم: يعطي هذا الرجل أخته، ويأخذ أخت الرجل، ولا يأخذون كثير مهر"5. "وكان ذلك من أولياء النساء، بأن يعطي الرجل أخته الرجل على أن يعطيه الآخر أخته، على أن لا كثير مهر بينهما، فنهوا عن ذلك"6.
والغالب أنه مثل "البدل" بدون مهر. وهو معروف حتى اليوم مع ورود النهي عنه، ولا سيما بين الطبقات الفقيرة والأعراب، وللوضع الاقتصادي والاجتماعي دخل كبير في هذا الزواج، لعدم وجود المهر فيه، إذ حل التقايض فيه محل المهر. ولهذا لم ينظر إليه نظرة استهجان لوجود هذا التقايض فيه الذي يقوم مقام المهر.
1 بلوغ الأرب "2/ 5"، "باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه"، شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، حاشية على القسطلاني "6/ 141"، سنن أبي داود "2/ 227"، عمدة القارئ "20/ 108 وما بعدها"، "كتاب النكاح: باب الشغار حديث رقم 48"، السنن الكبرى "7/ 199 وما بعدها"، إرشاد الساري "6/ 141 وما بعدها".
2 اللسان "6/ 85 وما بعدها"، تاج العروس "3/ 306 وما بعدها"، "شغر".
3 النهاية "2/ 245".
4 "لا شغار في الإسلام"، صحيح مسلم "4/ 139"، المبسوط، للسرخسي "5/ 105"، إرشاد الساري "6/ 141"، الكافي، للرازي "5/ 361"، "طهران 1378هـ"، مجمع البيان "4/ 162".
5 تفسير الطبري "4/ 162".
6 تفسير الطبري "4/ 162".
نكاح الاستبضاع:
وأشار أهل الأخبار إلى نوع غريب من الزواج، سموه "نكاح الاستبضاع". وهو -على ما يزعمون- أن يقول رجل لامرأته إذا طهرت من طمثها: ارسلي
إلى فلان فاستبضعي منه، لتحملي منه، ويعتزلها زوجها، ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد؛ لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك فكان هذا النكاح الاستبضاع1.
كذلك كان بعض أصحاب الجواري على ما يرويه أصحاب الأخبار أيضًا، يكلفون جواريهم الاتصال برجل معين من أهل الشدة والقوة والنجابة، ليلدن ولدًا منه يكون في يمينه وملكه2. والغاية من هذا النوع من التكليف الحصول على أولاد أقوياء يقومون بخدمة الرجل المالك، إن شاء استخدمهم في بيته وفي ملكه، وإن شاء باعهم وربح منهم، فهي تجارة كان يمارسها المتاجرون بالرقيق للربح والكسب.
وأما ما أشار إليه أهل الأخبار من وجود زواج دعوه زواج الرهط، وزواج آخر قالوا له:"زواج صَوَاحِبات الرايات"3. فلا يمكن عدّهما زواجًا بالمعنى المفهوم من الزواج؛ لأنهما في الواقع نوع من أنواع البغاء، وخاصة "زواج صواحبات الرايات". وقد عرفوا الزواج الأول بأنه زواج يجتمع فيه الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، وذلك برضاء منها وتواطؤ بينهم وبينها، فإذا حملت ووضعت، أرسلت إليهم فلم يستطيع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي من أمركم، وقد ولدت، ثم تسمي أحدهم وتقول له: فهو ابنك يا فلان، فيلحق بها ولدها، ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل. وقد قيل إن هذا يكون إن كان المولود ذكرًا، وإلا فلا تفعل لما عرف من كراهتهم للبنت وخوفًا من قتلهم للمولودة4.
ويقال لهذا النوع من الزواج زواج "تعدد الأزواج" Polyandry، في
1 النهاية في غريب الحديث "1/ 98"، شرح العيني "17/ 246"، "20/ 121"، صحيح البخاري "3/ 162"، بلوغ الأرب "2/ 4".
2 تاج العروس "5/ 279"، اللسان "9/ 361".
3 بلوغ الأرب "2/ 4 وما بعدها".
4 بلوغ الأرب "2/ 4"، عمدة القارئ "20/ 121 وما بعدها"، القسطلاني، إرشاد الساري "8/ 45"، الأمومة عند العرب "24 وما بعدها"، الملل والنحل "2/ 442"، "لندن".
الإنكليزية، وذلك لوجود امرأة واحدة فيه وعدد من الرجال تختارهم المرأة، التي تكون زوجة مشتركة بينهم، وهو عكس زواج الـPolygamy، أي: زواج تعدد النساء للرجل الواحد، حيث يتزوج الرجل الواحد بموجبه عددًا من النساء، بعلًا لهن1.
وعَرَّفوا "زواج صَواحِبات الرايات" بأن نكاح يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها، وهي البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن. فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها، ودعوا لهم "القافة"، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فاستلحقه به، ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك2. وذكر أن تلك الرايات كانت رايات حمرًا. فالنكاحين المتقدمين ليسا في الواقع زواجًا بالعرف الشائع عند غالبية الجاهليين وإنما هو سفاح، وقد عُدّ في القرآن الكريم "زنا"، ولو كان فيه استحقاق الولد بوالد. فليس في هذا الزواج صداق ولا خطبة على عادة العرب، ومن يفعله من الرجال، لم يكن يقصد به زواجًا بمعنى الأزواج وبالدرجة الأولى، وإنما التسلية وتحقيق شهوة بثمن، ولهذا فهما من أبواب الزنا والسفاح.
وقد تعرض "السكري" لموضوع "صواحبات الرايات"، فقال:"ومن سنتهم أنهم كانوا يكسبون بفروج إمائهم. وكان لبعضهم راية منصوبة في أسواق العرب، فيأتيها الناس فيفجرون بها. فأذهب الإسلام ذلك وأسقطه فيما أسقط، ولهن أولاد ونسل كثير معروف"4.
وممن أشار إلى وجود إباحة تعدد الأزواج للزوج الواحدة في شرائع الجاهليين، "سترابو" ذكر أن الأخوة كانوا يشتركون في كل شيء، في المال وفي الزوج، فللإخوة جميعهم زوج واحدة تكون مشتركة بينهم. ولكن الرئاسة تكون للأخ الأكبر. وإذا أراد أحد الأخوة الاتصال بالزوجة، وضع عصاه على باب الخيمة، لتكون علامة تفهم الآخرين أن أحدهم في داخلها، فلا يدخلها، وهم
1 Ency، Relig، Vol، 8، P.468
2 بلوغ الأرب "2/ 4 وما بعدها".
3 تفسير المنار "5/ 22".
4 المحبر "340".
جميعًا يحملون العصي معهم. أما في الليل فتكون الزوجة من نصيب الولد الأكبر. وهم يعاشرون أمهاتهم معاشرة جنسية. وذكر أنهم يعاقبون الزاني عقابًا شديدًا: يعاقبونه بالموت. والزاني في عرفهم هو الشخص الغريب، يعاشر امرأة من أصل غريب عنه1.
وذهب بعض العلماء إلى أن اشتراك الأخوة في زوج واحدة، وهو ما يعبر عنه بـFraternal Polyandry عند علماء الاجتماع، على نحو ما أشار "سترابون" إليه، هو زواج يعدّ مرحلة وسطى بين تعدد الأزواج Polyandry، البدائي الذي لم يكن مقيدًا بقيود وبين الزواج المقيد المعروف، زواج البعولة، وهو اختصاص المرأة بزوج واحد، أي: الزواج الذي أباحته الأديان السماوية. وكان شائعًا بين غالبية الجاهليين القريبين من الإسلام وعند ظهور الإسلام. وليس بمستبعد أن يكون "سترابون" قد قصد بـ"زواج الأخوة" الزواج المعروف بـLe Virate Marriage عند علماء الاجتماع. وهو زواج الأخ زوجة أخيه بعد وفاته، وهو زواج نشأ على رأي علماء الاجتماع من زواج الـPolyandry. وهو معروف عند العرب وعند العبرانيين والحبش وغيرهم2.
وحينما يتوفى الزوج عند العبرانيين، تاركًا له زوجًا دون ولد، يأخذ الأخ أرملة أخيه، فإذا ولدت له ولدًا عدّ المولود للأخ المتوفى. وللباحثين آراء عن أصل هذا الزواج وفي الأسباب التي أدت إلى وقوعه4. وهو في رأي "جيمس فريزر" صفحة من صفحات اشتراك الأخوة في زوج واحدة، واشتراك الأخوة في تزوج الأخوات، وهو متمم لما سماه بـSororate5.
والجمع بين الأختين زوجين لرجل واحد، زواج معروف عند الجاهليين6. وهذا الزواج هو صورة معكوسة لزواج الأخوة مشتركًا في زوج واحدة، فلم
1 Strabo، Xvi، 4، Ency. Relig.، Vol.، 8، P.467
2 Ency. Relig.، Vol.، 8، P.467، Die Socalen Verhaltnisse Der Israeliten، S. 28
3 Ency. Breta.، Vol.، 13، P.979
4 Westermark، History Of Human Marriage، Vol.، Iii، “1921”
5 Ency، Brita، Vol، 21، P.2، “Sororate”، Sir Jamme Frazer، Folklore Of The Old Testement. Vol.، Ii، P.317.
6 تفسير الطبري "4/ 217 وما بعدها"، روح المعاني "4/ 260".
يكن هناك رادع قانوني يمنع الرجل من التزوج من الأخوات في زمن واحد ومن الجمع بينهن في صعيد الزوجية، وفي بعولة رجل واحد، وهو في جملة أنواع الزواج الذي نهى عنه الإسلام1.
وتعدد الأزواج للزوجة الواحدة يسبب مشكلة خطيرة في قضية تعيين أبوة الأولاد، إذ يكون من الصعب في أكثر الحالات إثبات ذلك، ولهذا نسبوا إلى الأمهات في الغالب. وهذا ما يعرف بالأمومة. وزواج مثل هذا يكون داخليًّا، أي: في أفراد العشيرة الواحدة، ويعاقب مرتكبه عقابًا صارمًا إذا كان من عشيرة غريبة، إذ يعد ذلك نوعًا من الزنا، ويكون هذا الزواج مؤقتًا في الغالب، ينتهي أجله بارتحال أهل المرأة وانتقالهم من مكان إلى آخر.
وقد أشار "أميانوس مارسيلينوس" Ammianus Marcelinus إلى زواج قال: إنه موجود عند العرب، تزف العروس إلى زوجها ومعها حربة وخيمة، وقال: إنها تستطيع أن تعود إلى بيتها بعد مدة إذا رغبت في ذلك. وقد ذهب "جورج برتن" George Barton إلى أن هذا الزواج الذي يذكره هذا المؤرخ القديم هو نوع من الزواج المتقدم2.
إن هذا الزواج يجعل المرأة تعيش مع أهلها وبين أبويها وإخوتها ومعها أولادها، ولهذا يكون نسب الأطفال هو نسب الأم، ولهذا صار الخال أقرب إليهم من العم. ومن هنا نرى أن للخال شأنًا كبيرًا بالقياس إلى الأطفال عند الساميين3.
ويظن بعض علماء الاجتماع المحدثين أنه من الأسباب التي دعت إلى شيوع تعدد الأزواج للزوج الواحدة، هو قلة عدد النساء بالقياس إلى الرجال. وذلك بسبب الوأد4. ولكن كيف نتمكن من إثبات انتشار عادة الوأد بين جميع العرب وفي كل العهود؟ ثم من الذي يثبت لنا أنه كان من سعة الانتشار بحيث أحدث مشكلة خطيرة في عدد النساء بالقياس إلى الرجال؟ ثم إن هذا النوع من الزواج كان معروفًا عند غير العرب من الأمم، ولا زال معروفًا عند بعض القبائل الإفريقية، وهو في نظرهم نوع من أنواع الزواج، وهم لا يمارسون مع ذلك الوأد!
1 سورة النساء، الآية 23
2 Ency، Relig، Vol، 8، P.467
3 Ency، Relig، Vol، 8، P.467
4 Ency، Relig، Vol، 8، P.467
وقد نص في الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} 1 ونص في الآية: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} 2، وذلك بسبب النسب والصهر والرضاع2. ونزول الوحي بتحريم الزواج بالمذكورات، يبعث على الظن أن من الجاهليين من كان يتصل اتصالًا جنسيًّا بهن. غير أن من العلماء من يقول إن الجملة "إنشائية، وليس المقصود منها الإخبار عن التحريم في الزمان الماضي"4، بمعنى أنها ليست حكاية عن تجويز الجاهليين الاقتران بالنساء المذكورات، وتحريم الإسلام له، وإنما الآية تقرير وتوضيح للتحريم والمحرمات على سبيل العدّ والحصر، لا الحكاية والإبطال لأحكام سابقة لظهور الإسلام5.
وللآيتين شأن خاص بالقياس إلى بحثنا في زواج الجاهليين، ولهذا كان لشرح أسباب نزولهما والعوامل التي دعت إلى نزول الوحي بهما، والغاية من نزول الحكم بالتحريم، شأن كبير عند الباحث في هذا الموضوع، غير أن غالبية المفسرين لم تتعرض للبحث في هذه المسألة، ويا للأسف، وإنما تبسطت في أمور لغوية وفقهية لا تزيل الغموض عن الأسباب التي دعت إلى النص على التحريم، وعن آراء الجاهليين في الزواج بالمذكورات في الآية، إذ إن التحريم يعني وقوع الإباحة عند من حرم ذلك عليهم إلى حين نزول الوحي: ولا سيما أن المفسرين قد ذكروا أمثلة تشير إلى أن بعضهم قد تزوج ممن ورد ذكره في تلك الآية. ثم إن بعضه من النوع المعروف المألوف عند بعض الأمم، وما زال معروفًا حتى
1 النساء، الآية 22 وما بعدها، تفسير الطبري "4/ 219"، تفسير الألوسي "4/ 223".
2 النساء، الآية 22.
3 تفسير القرطبي، الجامع لأحكام القرآن "5/ 105 وما بعدها".
4 روح المعاني "4/ 249 وما بعدها".
5 عمدة القارئ "20/ 100".
الآن، وأن بعض ما حرم في الإسلام جائز في ديانات أخرى، ومنها اليهودية والنصرانية، فليس بغريب ولا بمعيب إذا كان موجودًا بعضه عند الجاهليين.
والاتصال الجنسي بين الأولاد والأمهات شيء قليل الوقوع عند البشر1.
ولم تبحه ديانة من الديانات، وهو غير معروف في العرب، ولم يشر إليه أهل الأخبار. أما ما ذكره "سترابون" فلعلّ المراد منه الزواج بزوجات الآباء بعد موتهم، أي: إنه ذكر الأمهات على سبيل التجوز، وهو زواج المقت الذي كان معروفًا في الجاهلية وعند غير الجاهليين، إلى أن نهى عنه الإسلام2.
وأما زواج الأخوة بالأخوات، فهو معروف وثابت وما زال معروفًا حتى الآن في "سِيام" وفي بورما وسيلان وأوغندا وأماكن أخرى. وقد كان عند الفرس والمصريين3، وخاصة بين أفراد الأسر المالكة والأشراف. والظاهر أن ذلك لاعتقادهم ضرورة المحافظة على نقاوة الدم وخصائص الأسرة. خاصة وقد كانت عقيدة القدماء أن تلك الطبقات مقدسة مؤلهة، فلا يجوز إهراق دمها في دم أوطأ منه.
وقد ذهب "موركن""Morgan" وآخرون إلى أن زواج الأخ بأخته، هو الزواج المألوف العام الذي كان شائعًا بين البشر، وأنه المرحلة السابقة للزواج المألوف4. أما زواج الآباء ببناتهم، فهو معروف ومذكور ولكنه قليل، وقد أشير إلى وجوده عند بعض الشعوب ومنهم المجوس والمصريون، ذكر ذلك اليونان والرومان، وأشار الأخباريون إلى تزوج "حاجب بن زُرارة" ابنته "دختنوس" لمجوسيته، وذكروا أنه أولدها، وأوردوا في ذلك شعرًا وقصصًا. ثم ذكروا أنه ندم بعد ذلك على عمله، وأنه فعل ذلك بتأثير المجوسية التي دان بها، وحاجب بن زرارة هو من تميم، فالمجوسية على زعم أهل الأخبار هي التي أباحت لحاجب الاقتران بابنته5.
1 Ency، Relig، Vol، 8، P.425، 467
2 المصدر نفسه.
3 كذلك.
4 Ency، Relig، Vol، 8، P.467
5 الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي "5/ 104"، الأغاني "10/ 38"، بلوغ الأرب "2/ 52، 235".
ودعوى الأخباريين هذه فيها نظر، والشعر المذكور والقصص الذي يورده أهل الأخبار يحتاج إلى إثبات. وقد رأينا كثيرًا منه تعمله معامل الوضع، وقد ثبت وضعه، وليس بمستبعد أن يكون ما ذكره هؤلاء هو من هذا القبيل. وضعه خصوم تميم للطعن فيها، وإلحاق مثلبة بها، ثم رَوَّجه وأشاعه الطالبون لمثالب القبائل من العرب، وقد كانوا يبحثون عن أمثال هذه السقطات، وهم جماعة لهم رأي في الدين وفي السياسة معروف مشهور.
وفي بعض الأخبار أن "دختنوس" كانت ابنة "لقيط بن زرارة التميمي"، وأنها كانت تحت "عمرو بن عدس" سماها أبوها "دختنوس" باسم ابنة كسرى، وأن البيتين اللذين ينسبهما أهل الأخبار إلى "حاجب" ويزعمون أنه قالهما حين نكح ابنته وهما:
يا ليت شعري عنك دختنوس
…
إذا أتاها الخبر المرموس
أتسحب الذيلين، أم تميس؟
…
لا بل تميس، إنها عروس
لم يكونا لحاجب، بل كانا من رجز "لقيط" وقد قالهما يوم شعب جبلة عند موته، وجعلت بنو عامر يضربونه، وهو ميت، وقد رووهما على هذه الصورة:
يا ليت شعري اليوم دختنوس
…
إذا أتاها الخبر المرموس
أتحلق القرون، أم تميس؟
…
لا بل تميس إنها عروس.
وذكروا أن "دختنوس" أخذت ترثي أباها بأبيات ذكروها. وليس في كل هذه القصة أية إشارة إلى تزوج لقيط بابنته، بل هي تنص على أن زوجها كان "عمرو بن عدس". وأن قصة زواج "حاجب" بابنته قصة مصنوعة.
وقد أشار أهل الأخبار إلى نوع آخر من الزواج قالوا له: "نكاح الخِدْن" وقد أشير إليه في القرآن الكريم {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} ، ومعناها اتخاذ أخلاء في السر، وذلك باتخاذ الرجل
1 بلوغ الأرب "2/ 235".
2 الأغاني "10/ 38"، تاج العروس "4/ 147"، "دختنوس".
3 الأغاني "10/ 38"، بلوغ الأرب "2/ 235 وما بعدها".
4 النساء، الآية 25، المائدة، الآية 5، الأنعام، الآية 151.