الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتقلت ملكيتهم إلى الأرض الجديدة التي ينزلون بها فيمتلكونها طوعًا، أي: من غير مقاومة، أو بحق السيف.
ويدخل في باب الملك كل شيء وضع ليستفاد منه أو ليدل على حماية ملك، أو يفهم من وضعه أنه ذو فائدة وأن له صاحبًا، كجدران الأملاك وحيطان البستان أو سور القرى أو الرجمات، وهي أحجار القبور. وقد عثر المنقبون على رجام في مواضع مختلفة من جزيرة العرب، كتب عليها: إن لعنة الآلهة على من يرفع هذا الحجر عن موضعه وعلى من يغيره أو يأخذه أو يتصرف به. كما سألوا الآلهة بأن تنزل الأمراض ومنها العمى والبرص وأنواع الأذى، والشر بكل من يتطاول على هذه الرجام، أو على معالم القبور أو القبور وذلك لأنها ملك. ولا يجوز لأحد التصرف بملك غيره بأي وجه من الوجوه.
الشفعة:
وقد أخذ الجاهليون بحق الشفعة في شراء الملك، كالدور والأرض. وقد أقرها الإسلام أيضًا1.
1 صحيح مسلم "5/ 57".
الرق:
الأصل في الإنسان1 أن يولد حرًّا، إلا أن يكون من رقيق، فيولد عندئذ رقيقًا، ويكون ملكًا لمالك والديه، والإنسان الحر، هو حر في تصرفاته وفي أمواله، وفي كل شيء. أما الرقيق، أي: العبد، فإنه يكون ملكًا لمالكه، ليس له حق التصرف بنفسه إلا بإذن مالكه؛ لأنه ملك سيده، فإذا تصرف بنفسه، أضر بحق سيده في تملكه له. وفي ذلك تجاوز على حقوق الملكية، وإن كان الرقيق إنسانًا مثل سيده له حس وشعور، إلا أنه فقد حريته بسقوطه في الرق، وصار ملكًا لمالكه، وحكمه حكم الأشياء المملكة، وليس له أن يتصرف بأي شيء يعود إليه ولا أن يتصرف بنفسه، أي: بجسمه إلا بموافقة سيده وإقراره، لأنه سيده ومالك رقبته.
1 صحيح مسلم "5/ 57".
ولما كان الرقيق ملكًا ومن حق المالك أن يتصرف بملكه كيف يشاء، صار من حق المالك بيع رقيقه أو إهدائه، أي: إعطاءه هبة إلى من يشاء دون حاجة إلى أخذ ذلك الرقيق، كما كان من حقه عتق رقبته. كما كان له حق الاستمتاع بالإماء وإكراههن على البغاء للإتيان بالمال أو لإنجاب الأولاد. ولم يكن للرقيق أن يملك شيئًا؛ لأن الرقيق وما يملكه ملك للمالك. ولم يكن للرقيق حق التوريث إذ لا مال له؛ لأنه وما يملكه ملك مالكه. فإرثه لسيده وحده.
وقد حرم الإسلام على مالك الرقيق دفع إمائه على البغاء. وقد نزلت الحرمة في القرآن: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} 1. وكان سبب نزول هذه الآية أنهم "كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا، يأخذون أجورهن. فقال الله لا تكرهوهن على الزنا من أجل المنالة في الدنيا". "وذكر أن هذه الآية أنزلت في عبد الله بن أبي بن سلول حين أكره أمته مسيكة على الزنا" وكانت تكره ذلك وحلفت أن لا تفعله فأكرهها لتأتيه بمزيد من المال. فنزلت الآية في تحريم ذلك2.
ومن معاني "الرق"، "العبودية" Slavery، وتقابلها لفظة "عبوداه"Abodah في العبرانية، والمفرد "عبد" Abed، في العبرانية أيضًا. والذكر "مملوك" أما الأنثى، فإنها "أمة"3. والرق ملك العبيد والرقيق المملوك منهم وجمعه أرقاء4. والمملوك هو الرقيق، فيقال عبد مملوك، و"المِلْكة" تختص بملك العبيد5. ويعبر عن العبد بلفظة "المَدِين" أيضًا. أما "الأمة" فيقال لها:"المدينة"6.
ويعبر عن المملوك بلفظة "ادم" في العربيات الجنوبية، إذا كان المملوك ذكرًا وبـ"أمت" إذا كان أنثى. وتقابل لفظة "ادم" لفظة "أو ادم" و"أوادمنا"، في لهجة أهل العراق، التي تعني "الخدم" و"خدمنا". وأما لفظة "أمت"،
1 النور، الآية 23.
2 تفسير الطبري "18/ 103 وما بعدها"، روح المعاني "18/ 141 وما بعدها".
3 Dictionary Of Islam. P.596
4 المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني "ص200".
5 المصدر نفسه.
6 المفردات، للراغب الأصفهاني "ص175".
فإنها "أمة" في عربيتنا أيضًا، وهي المملوكة1.
ويعبر عن الرقيق بلفظة "عبد" في اللحيانية، أي: بالتعبير المستعمل في عربيتنا2، وترد اللفظة في لغة بني إرم وفي لغة النبط كذلك3.
واستعملت اللحيانية لفظة "هغلم""ها-غلام""ها-غلم"، أي:"الغلام" تعبيرًا عن "مملوك"، أي: إنسان غير حر. وقد قدم أحد اللحيانيين ثلاثة غلمان ليكونوا في خدمة الإله "ذو غابت"4 "ذو غابة"، وليس لصاحب هؤلاء الغلمان أية حاجة لأن يأخذ رأيهم في تقرير مصيرهم، وفي تحويل رقبتهم من ملكه إلى ملك معبد ذلك الإله؛ لأنه مالكهم، وللمالك أن يفعل بمكله ما يشاء.
وللمالك الأسير، حق التصرف بأسيره، كما يشاء، يجوز له بيعه لقبض ثمنه في أي مكان وفي أي زمان يشاء ويختار، ليس لرقيقه حق الاعتراض على مالكه؛ لأنه "ملك يمين"، ويجوز له إبقاؤه عنده وفي ملكه ليعهد إليه القيام بأي عمل يكلفه إياه، مهما كان شأنه، سواء أكان عملًا محترمًا أم عملًا وضيعًا؛ لأنه مملوك، وليس لمملوك حق الاعتراض على مالكه. ويجوز أن يتفضل عليه بمنحه الحرية، فيكون إنسانًا حرًّا. ويجوز له أن يقاضي أهل الأسير ثمن أسيرهم، ومتى قبض ثمنه أعاده إلى أهله، وصار حرًّا. ويقال لأخذ عوض عن الأسير لفك أسره "الفداء"5.
ولا يشترط في الأسر أن يكون في حالة الحرب فقط، فقد يقع في سلم أيضًا. فإذا أدرك إنسان إنسانًا آخر من قبيلة معادية وتمكن منه صار أسيره، كما أن ما يقع في أيدي المغيرين في الغارات والغزوات من أشخاص يكونون في حكم المأسورين. أما "السبي"، فإنه ما يسبى بعد الحرب. وحكمه حكم الأسر.
والغالب عند الجاهليين هو فداء أسراهم، أي: دفع فدية عن الأسرى أو مقايضتهم أسيرًا بأسير، أو بحسب الاتفاق إن كان هناك أسرى عند الطرفين. ولا يقع الرق في الغالب إلا في حالات الأشخاص الضعاف الذين لا أهل لهم،
1 راجع النص الموسوم بـ: Glaser 509.
2 W. Caskel، S. 136
3 W. Caskel، S. 82
4 النص 9 من كتاب: W. Caskel.
5 المعاني الكبير "1/ 1025".
أو الذين هم من عشائر مستضعفة أو بعيدة، أو في حالات الذين وقعوا أسرى في غارات مفاجئة من أناس يقيمون في أماكن بعيدة أو نهبوا وهم صغار، فلم يكن بالمستطاع ملاحقتهم، فيكونون بذلك رقيقًا، وهو في القليل، كالذي حدث لـ"زيد بن حارثة الكلبي"، الذي تبناه الرسول. وقد كان مولى لخديجة زوج الرسول.
وليست في الأفدية قواعد معينة في فداء النفس، وإنما سارت على التعامل وعلى التشدد والتساهل وفق منزلة الشخص الأسير. ويكون ما للأسير مما عنده ملكًا لآسره. وقد وقع "قيس بن عيزارة" أسيرًا في أيدي "فهم" فأخذ سلاحه "تأبط شرًّا"1.
ووقع "ثابت بن المنذر" والد "حسان بن ثابت" شاعر الرسول في أسر "مُزَيْنة"، فعرض عليهم الفداء، "فقالوا: لا نفاديك إلا بتيس، ومزينة تسب بالتيوس، فأبى وأبوا. فلما طال مكثه، أرسل إلى قومه أن أعطوهم أخاهم، وخذوا أخاكم"2. وقصده بذلك التعريض بمزينة.
وقد بقي السباء معروفًا حتى أيام "عمر" فمنعه بقوله: "لا سباء على عربي". ويذكر أنا "أبا وجزة يزيد بن عبيد" من "سُلَيم" وقع أبوه في سباء في الجاهلية، في سوق ذي المجاز. فلما كبر، استعدى عمر، فأصدر أمره المذكور3.
والمنبع الأول للرقيق الحروب والغزوات. فبعد الحرب والغزوات يؤخذ من يقع في أيدي المحاربين من الرجال والنساء والأطفال "أسرى"، ويكونون غنائم لآسريهم. أما العدد الضخم منهم الذي يقع في أيدي الجيش ولا يكون في استطاعة المحارب أن يفرض ملكيته عليه. وذلك بوضعه تحت حيازته، فيكون ملكًا للحكومة أو للقبيلة، تتصرف به على وفق قوانينها وقواعد أحكامها ورأيها.
والمنبع الثاني من منابع الرقيق، أسواق النخاسة، ومنها أسواق تقع في بلاد العرب نفسها، يؤتى بالرقيق إليها لبيعه فيها، وأسواق تقع في خارج بلاد العرب، يذهب إليها النخاسون لشراء ما فيها من هذه البضاعة البشرية. ولما كان الرقيق
1 المعاني الكبير "2/ 1037".
2 طبقات الشعراء، لابن سلام "ص53""طبعة ليدن".
3 "أصابني سباء في الجاهلية كما يصيب العرب بعضها مع بعض"، الأغاني "11/ 75 وما بعدها".