المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكان مما حدده الإسلام من مبدأ تعدد الزوجات، أن قيد - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١٠

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد العاشر

- ‌الفصل الرابع والخمسون:‌‌ الغزووأيام العرب

- ‌ الغزو

- ‌الخيل:

- ‌الجمل:

- ‌أيام العرب:

- ‌الفروسية:

- ‌الخيل:

- ‌الفصل الخامس والخمسون: الحروب

- ‌مدخل

- ‌المحاربون:

- ‌التحصينات:

- ‌الفصل السادس والخمسون: في الفقه الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌العدل:

- ‌سقوط المسؤولية

- ‌إزالة الضرر:

- ‌الولاية:

- ‌الفصل السابع والخمسون: الاحوال الشخصية

- ‌مدخل

- ‌النكاح:

- ‌القاعدة العامة في الازدواج:

- ‌الصداق:

- ‌أنواع الزواج:

- ‌نكاح الضيزن:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح البدل:

- ‌نكاح الشغار:

- ‌نكاح الاستبضاع:

- ‌نكاح الظعينة:

- ‌أمر الجاهلية في نكاح النساء:

- ‌تعدد الزوجات:

- ‌الطلاق:

- ‌الرجعة:

- ‌الحيض:

- ‌العدة:

- ‌النفقة:

- ‌النسب:

- ‌التبني:

- ‌الزنا:

- ‌كسب الزانية:

- ‌الوصية:

- ‌الإرث:

- ‌العصبة:

- ‌إرث النساء:

- ‌ميراث السائبة:

- ‌الفصل الثامن والخمسون: الملك والاعتداء عليه

- ‌الملكية:

- ‌الشفعة:

- ‌الرق:

- ‌زوال الرق:

- ‌الإباق:

- ‌الكتابة:

- ‌العتق:

- ‌الأموال الثابتة:

- ‌الجرائم:

- ‌القتل:

- ‌قتل القاتل:

- ‌القتل الخطأ:

- ‌السجن:

- ‌الجلد:

- ‌الخلع والطرد:

- ‌التغريب:

- ‌الدية:

- ‌العاقلة:

- ‌الذحل:

- ‌الشدخ:

- ‌التعقبة

- ‌الأشناق:

- ‌الحمالة:

- ‌السعاة:

- ‌القسامة:

- ‌الحيوان المؤذي:

- ‌السرقة:

- ‌قاطع الطريق:

- ‌الصلح:

- ‌المال:

- ‌التمليك:

- ‌العمري:

- ‌حرمة الأماكن المقدسة:

- ‌الحبوس:

- ‌اللقطة:

- ‌الركاز:

- ‌الفصل التاسع والخمسون: العقود والالتزامات

- ‌مدخل

- ‌البيوع:

- ‌الفصل الستون: حكم العرب

- ‌مدخل

- ‌القضاء بعكاظ:

- ‌فهرس: الجزء العاشر

الفصل: وكان مما حدده الإسلام من مبدأ تعدد الزوجات، أن قيد

وكان مما حدده الإسلام من مبدأ تعدد الزوجات، أن قيد العدد بأربع، وهو تبديل لسنة الجاهليين. فلما نزل الأمر بالتحديد، اضطر من كان قد تزوج بأكثر منه على تطليق الزائد والاكتفاء بالحد القانوني الذي أقره الإسلام وهو أربعة. روي أن "غيلان بن سلمة الثقفي"، كان قد تزوج في الجاهلية بعشر نساء، فلما أسلم، أمره رسول الله بتطليق الزائد وبالتقيد بما جاء في حكم القرآن1. وقد أمر الرسول "الحارث بن قيس" أن يختار من نسائه أربعًا، ويطلق بقيتهن، وكانت عنده ثماني نسوة2. وكان "مسعود بن معتب" و"معتب بن عمرو بن عمير"، و"عروة بن مسعود"، و"سفيان بن عبد الله"، و"أبو عقيل مسعود بن عامر بن معتب". وكلهم من ثقيف، وقد تزوجوا عشر نسوة، فنزل غيلان وسفيان وأبو عقيل للإسلام عن ستٍّ ستٍّ، وأمسكوا أربعًا أربعًا. ومات عروة مسلمًا، ولم يكن أمر بالنزول عن نسائه3.

1 النساء، الآية 3، الشوكاني، نيل الأوطار "5/ 160"، زاد المعاد "4/ 7".

2 تفسير القرطبي "5/ 17".

3 المحبر "357".

ص: 220

‌الطلاق:

وكما كان الزواج. كذلك كان الطلاق عند الجاهليين، ولا بد أن تكون له قواعد وعرف وأسباب. وقد ذكر أن عادة أهل الجاهلية أن يقول الرجل لزوجته إذا طلقها "حبلك على غاربك"، أي: خليت سبيلك، فاذهبي حيث شئت1، ويقول:"أنتِ مُخلَّى كهذا البعير"2، و"الحقي بأهلك"، و"اذهبي فلا أنده سربك"، و"اخترت الظباء على البقر"3، و"فارقتك"، أو "سرحتك"، أو الخلية، أو البرية، وما شاكل ذلك من عبارات4.

ومصطلحات الطلاق هذه مصطلحات نابعة من صميم محيط جزيرة العرب، آثار

1 تاج العروس "1/ 411"، "غرب".

2 اللسان "1/ 644"، "غرب"، "صادر"، "21/ 136"، تاج العروس "1/ 411"، "غرب".

3 اللسان "1/ 644"، "غرب"، الميداني، الأمثال "1/ 179، 253، 408".

4 عمدة القارئ "20/ 238".

ص: 220

البداوة عليها واضحة جلية، والروح الأعرابية ظاهرة فيها بارزة، وما الأمثلة المتقدمة إلا نماذج من تلك المصطلحات.

وورد أن الجاهليين كانوا يقولون للمرأة: أنت خلية، كناية عن الطلاق، فكانت تطلق منه، وكانوا يقولون: أنتِ برية أنت خلية، فتطلق بها المرأة1.

والطلاق من المصطلحات الجاهلية القديمة، وهو يعني عندهم تنازل الرجل من كل حقوقه التي كانت على زوجه ومفارقته لها2.

والطلاق الشائع بين أهل مكة عند ظهور الإسلام، هو طلاق المرأة ثلاثًا على التفرقة: وينسب أهل الأخبار سَنَّةُ إلى إسماعيل بن إبراهيم، فكان أحدهم يطلق زوجته واحدة، وهو أحق الناس بها، ثم يعود إليها إن شاء، ثم يطلقها ثانية، وله أن يعود إليها إن رغب، حتى إذا استوفى الثلاث انقطع السبيل عنها، فتصبح طالقة طلاقًا بائنًا3، ومعنى هذا عدم إمكان الرجوع إلى الزوجة بعد وقوع الطلاق الثالث مهما أوجد المطلق له من أعذار4. ويذكر أهل الأخبار قصة وقعت للأعشى حينما أتاه قوم زوجه وطلبوا منه تطليقها، ولم يقبلوا منه طلاقها إلا بعد ثلاث تطليقات، أعادها ثلاث مرات. فعد طلاقه لها طلاقًا بائنًا5.

ويظهر أن الجاهليين كانوا قد أوجدوا حلًّا لهذا الطلاق الشاذ، فأباحوا للزوج

1 تاج العروس "10/ 119"، "خلو".

2 Ency.، Vi، P.363، Kinship، P.112، Welhausen، “I” Die Ehe Bei Den Araber، In Nachrichten D. Konig. Gess. Der Wiss.، Gottingen، 1893، S. 452

3 الأغاني "8/ 80 وما بعدها"، بلوغ الأرب "2/ 49".

4 المحبر "309 وما بعدها".

5 بلوغ الأرب "2/ 49"، قال الأعشى:

أيا جارتي بيني فاتك طالقة

كذاك أمور الناس غاد وطارقه

قالوا: ثانية، فقال:

وبيني فإن البين خير من العصا

وألا تري لي فوق رأسك بارقه

قالوا: ثالثة، فقال:

وبيني حصان الفرج غير ذميمة

وموموقة قد كنت فينا ووامقة

"أيا جارتا" وهناك بعض الاختلاف في الألفاظ، المحبر "309 وما بعدها".

ص: 221

أن يرجع زوجه إليه بعد الطلاق الثالث، ولكن بشرط أن تتزوج بعد وقوع الطلاق الثالث من رجل غريب، على أن يطلقها بعد اقترانها به، وعندئذ يجوز للزوج الأول أن يعود إليها بزوج جديد. ولذلك عرف الطلاق البائن: أنه الذي لا يملك الزوج فيه استرجاع المرأة إلا بعقد جديد. وقد ذكر في كتب الحديث ويقال في الإسلام للرجل الذي يتزوج المطلقة بهذا الطلاق ليحلها لزوجها القديم: "المحلل" ويقال لفاعله: "التيس المستعار" و"المجحش". وهو حل مذموم عند الجاهليين ومحرم في الإسلام1. لم يعمل به إلا بعض الجهلاء من الناس، ممن ليست لهم سيطرة على أنفسهم، بل يعملون أعمالًا ثم يندمون على ما فعلوه.

وهناك نوع آخر من الطلاق يسميه أهل الأخبار بـ"الظهار". ذكروا أنه إنما دعي ظهارًا من تشبيه الرجل زوجته أو ما يعبر به عنها أو جزء شائع بمحرم عليه تأييدًا، كأن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي أو كبطنها، أو كفخذها أو كفرجها، أو كظهر أختي أو عمتي، وما شابه ذلك2، فيقع بذلك الظهار. وقد أشير إليه في القرآن الكريم:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} 3. وهو طلاق يظهر أنه كان شائعًا فاشيًا بين الجاهليين، سبب انتشاره التسرع، والتهور، وعدم ضبط النفس، والانفعالات العاطفية.

1 "لعن الله المحلل والمحلل له"، النهاية "1/ 288"، عمدة القارئ "20/ 236"، المبسوط، للسرخسي "5/ 2 وما بعدها"، السنن الكبرى "7/ 207 وما بعدها"، "إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ هو المحلل. ثم قال: لعن الله المحلل والمحلل له، والحديث المذكور رواه الدارقطني. قيل: إنما لعنه النبي صلى الله عليه وسلم مع حصول التحليل؛ لأن التماس ذلك هتك للمروءة والملتمس ذلك، هو المحلل له. وإعادة التيس للوطء لغرض الغير أيضًا رذيلة. ولذلك شبه بالتيس المستعار"، الدميري، حياة الحيوان "1/ 166"، "التيس" عمدة القارئ "2/ 236"، وفي حديث ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثماني تطليقات، اللسان "13/ 64"، "بين".

2 المفردات "220"، الإصابة "1/ 85"، الجصاص "3/ 417"، عمدة القارئ "2/ 280"، المبسوط، للسرخسي "6/ 223"، تفسير الطبري "21/ 121"، "الطبعة الثانية 1951"، تفسير الطبرسي "21/ 96"، بيروت".

3 المجادلة، الآية 2 وما بعدها، الكشاف، للزمخشري "4/ 423".

ص: 222

وكان الظهار من أشد طلاق أهل الجاهلية، وكان في غاية التحريم عندهم1.

فكان الرجل إذا ظاهر امرأته، بأن قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، حرمت عليه، وصارت طالقًا، فلما كان الإسلام، ظاهر "أوس بن الصامت" أخو عبادة بن الصامت امرأته "خولة بنت ثعلبة بن مالك"، فنزل الأمر بجعل كفّارة فيه، ولم يجعله طلاقًا، كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم2.

فإن تخاصموا مع نسائهم أو مع أقربائها، أقسموا يمين الظهار3. وقد كان هذا اليمين من أيمان أهل الجاهلية خاصة4. ولهذا الطلاق باب في كتب الحديث والفقه في أحكام الطلاق، وقد نهى عنه الإسلام وأوجب الكفّارة على من ظاهر من امرأته5.

وأشار أهل الأخبار إلى نوع آخر من أنواع الطلاق ذكروا أنه كان من طلاق أهل الجاهلية سمّوه "الإيلاء"، وهو القسم على ترك المرأة مدة، مثل شهور أو سنة أو سنتين، أو أكثر، لا يقترب في خلالها منها، وقد أشير إليه في رواية تنسب إلى ابن عباس6.

وفي كتب الحديث وكتب الفقه باب خاص في هذا الطلاق7. وقد منع

1 تفسير النيسابوري "28/ 7"، "حاشية على تفسير الطبري".

2 المجادلة، رقم 58، الآية 2، تفسير الطبري "28/ 7"، تفسير ابن كثير "4/ 320 وما بعدها".

3 تنوير الحوالك، شرح موطأ الإمام مالك "2/ 20 وما بعدها"، زاد المعاد "4/ 81".

4 عمدة القارئ "20/ 281".

5 تاج العروس "3/ 373"، "ظهر" اللسان "6/ 201"، "ظهر" سنن أبي داود "2/ 265 وما بعدها"، عمدة القارئ "20/ 281"، البخاري، كتاب الطلاق، الباب 23، ابن حنبل "4/ 37"، "6/ 410".

6 تفسير الطبري "2/ 256 وما بعدها"، البخاري، كتاب الطلاق، الباب 23، بلوغ الأرب "2/ 50"، اللسان "18/ 43"، "بولاق"، الفروع في الكافي، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق "6/ 130"، "طهران 1379هـ"، تفسير ابن كثير "1/ 268".

7 تنوير الحوالك، "2/ 18 وما بعدها" عمدة القارئ "20/ 281"، المبسوط للسرخسي "7/ 19 وما بعدها"، البخاري، كتاب الطلاق، الباب 23، السنن الكبرى، للبيهقي "7/ 381"، عمدة القارئ "2/ 474".

ص: 223

الإسلام التربُّص مدة تزيد على أربعة أشهر1. وقد جعله طلاقًا مؤجلًا2.

والطلاق حق من حقوق الرجل، يستعمله متى شاء. أما الزوجة، فليس لها حق الطلاق، ولكنها تستطيع خلع نفسها من زوجها بالاتفاق معه على ترضية تقدمها إليه، كأن يتفاوض أهلها أو ولي أمرها أو من توسطه للتفاوض مع الزوج في تطليقها منه في مقابل مال أو جُعْل يقدم إليه. فإذا وافق عليه وطلقها، يقال عندئذ لهذا النوع من الطلاق:"الخلع". وقد ذكر أهل الأخبار أن أول خلع كان هو خلع عامر بن الظرب، وذلك أنه زوّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه، نفرت منه3.

فالخلع إذن، هو طلاق يقع بدفع مالٍ، تدفعه المرأة أو أقرباؤها للرجل في مقابل تخلية سبيلها وافتداء نفسها به4. ويدخل في هذا الباب ما تدفعه زوج الأب المتوفى إلى ابنه الذي يتزوجها بعد وفاة أبيه من مال مقابل فراقه لها، وتطليقه إياها5.

وكان من الجاهليين من يطلق زوجته، ويفارقها، غير أنه لم يكن يسمح لها بالتزوج من غيره حمية وغيرة، ويهددها ويهدد أهلها إن حاولت الزواج، أو يرضي أهلها وأولياءها بالمال. فلا يجيزوا لها الزواج وقد نهى عن ذلك الإسلام6.

وقد يهمل الرجل زوجته، فلا يراجعها ولا يطلقها. ويظل مفارقًا لها، إلى أن ترضيه بدفع شيء له، فيسمح لها عندئذ بالطلاق وبالزواج من غيره، ويقال لذلك "العَضْل". و"كان العضل في قريش بمكة، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلّها لا توافقه فيفارقها، على أن لا تتزوج إلا بإذنه فيأتي بالشهود، فيكتب ذلك عليها، ويشهد، فإذا خَطَبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها، وإلا

1 البقرة، الآية 226، ابن قدامة، المغني "8/ 502"، الجصاص "1/ 357"، الشوكاني، نيل الأوطار "6/ 257 وما بعدها".

2 المبسوط، للسرخسي "7/ 19 وما بعدها".

3 عمدة القارئ "20/ 260"، المبسوط "6/ 176 وما بعدها" السنن الكبرى "7/ 316"، اللسان "9/ 429"، تاج العروس "5/ 321"، "خلع"، تفسير المنار "4/ 461"، تفسير الطبري "2/ 461"، فتح الباري "9/ 318".

4 جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام "5/ 271".

5 Kinship. P.92

6 عمدة القارئ "20/ 121، 124"، روح المعاني "2/ 144".

ص: 224

عضلها"1. وقد حرم العضل في جملة ما حرم من أحكام الجاهليين في الإسلام2.

ومن العضل الذي هو منع المرأة من الزواج، أنهم كانوا في الجاهلية إذا مات زوج إحداهن، كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره. ومنها بنفسه. إن شاء نكحها وإن شاء عضلها. فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت3.

و"الحميم" الذي كان يرث الرجل إذا كان في الجاهلية، هو الصديق والقريب4، والقريب المشفق الذي يهتم لأمر حميمه5. ولم يذكر العلماء كيف كان يرث الحميم حميمه، هل كان ذلك عن وصية، أو عن عدم وجود قريب نسب، أو أنه حق من حقوق أهل الجاهلية فرضوها بالنسبة إلى الحميم؟

وكان الرجل من أهل الجاهلية يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك، ثم يراجع ما كانت في العدة. لا حدّ في ذلك، فتكون امرأته. ذكر أن رجلًا من الأنصار غضب "على امرأته، فقال لها: لا أقربك ولا تحلّين مني، قالت: كيف؟ قال: أطلقك حتى إذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك، فإذا دنا راجعتك". "وطلق رجل امرأته حتى إذا كادت أن تحلّ ارتجعها، ثم استأنف بها طلاقًا بعد ذلك ليضارها بتركها، حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها، وصنع ذلك مرارًا. فلما علم الله ذلك منه، جعل الطلاق ثلاثًا. مرتين، ثم بعد المرتين إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان" وذكر "كان الطلاق قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاثًا، ليس له أمد. يطلق الرجل امرأته مائة، ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحل كان ذلك له"6. وقد حرم الإسلام هذا الضرر، في الآية: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 7.

والطلاق هو بأيدي الرجال، كما سبق أن ذكرت، بيدهم حلّه وعقده،

1 سنن أبي داود "2/ 230"، تفسير الطبري "4/ 208 وما بعدها"، المفردات "342"، تفسير المنار "4/ 454"، تاج العروس "8/ 21"، "عضل".

2 البقرة، الآية 230 وما بعدها، النساء، الآية 19.

3 تفسير الطبري "4/ 208 وما بعدها".

4 تفسير ابن كثير "4/ 101"، تفسير الطبري "24/ 76"، روح المعاني "24/ 109".

5 تاج العروس "8/ 259"، "حمم".

6 تفسير الطبري "2/ 276 وما بعدها".

7 البقرة، الرقم 2، الآية 229، الكشاف "1/ 268".

ص: 225

أما النساء فلهن العدة، ولذلك كان بعض النسوة يشترطن على أزواجهن أن يكون أمرهن بأيديهن، إن شئن أقمن، وإن شئن تركن معاشرتهم وأوقعن الطلاق، وذلك لشرفهن وقدرهن. ومن هؤلاء النسوة: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش الخزرجية، وفاطمة بنت الخرشب الأنمارية، وأم خارجة صاحبة المثل: أسرع من نكاح أم خارجة، ومارية بنت الجعيد، وعاتكة بنت مرّة، والسوا بنت الأعبس. وقد عرفن بكثرة ما أنجبن من ذرية في العرب، وقد تزوجن جملة رجال1.

وطريقة طلاق المرأة للرجل في الجاهلية، طريقة طريفة لا كلام فيها ولا خطاب. "كان طلاقهن أنهن إن كن في بيت من شعر حوَّلن الخباء، إن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب. وإن كان قبل اليمن حولنه قبل الشأم، فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته، فلم يأتها"2. وهذه الطريقة هي طريقة أهل الوبر في الطلاق. ومتى طلقت المرأة زوجها. تركت داره والحي الذي يسكنه، لتعود إلى بيتها والحي الذي تنتمي إليه.

ولما كان الطلاق بيد الرجل في الغالب، لذلك كان أهل الزوجة يكرهون زوجها أحيانًا على تطليقها، إذا أرادوا تطليقها منه، بتخويفه أو بضربه أو بما شاكل ذلك من طرق حتى يرضخ لأمرهم، ويعدّ ذلك طلاقًا مشروعًا عندهم، وإن كان قد وقع كرهًا ومن غير رضى الزوج، وعدّ طلاق الغاضب والسكران والهازل طلاقًا عند بعض الجاهليين لصدور صيغة الطلاق من الرجل وتفوهه به.

هذا وللظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في ذلك الوقت دخل كبير في الطلاق. فالطلاق كان سهلًا على ما يظهر، وكان عقوبة أحيانًا يوقعها الرجل بامرأته لمسائل بسيطة تافهة، انتقامًا منها أو من ذوي قرابتها لأسباب لا علاقة لها بالزوجية وبالحياة العائلية في أكثر الأحيان، كما أن الفقر والجهل كان عاملين مهمين في وقوع الطلاق. وإلا فما ذنب امرأة تطلق مثلًا؛ لأنها منجبة للبنات، لا تلد إلا البنات؛ أو لأنها تلد البنات أكثر من الأولاد، وطالما يكون الطلاق من عصبية وهياج ومن سلطان غضب، وحين يهدأ روع المرء يندم على ما فرط منه، ولذلك شدد الإسلام فيه مع إباحته له لضرورته بأن جعله أبغض الحلال إلى الله.

1 المحبر "ص398، 435"، النهاية "3/ 47 وما بعدها".

2 الأغاني "16/ 102"، "أخبار حاتم ونسبه"، "17/ 291 وما بعدها"، "بيروت 1957".

ص: 226