الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤدونها في الجاهلية على مراتب آبائهم. وفي الحديث: كتب بين قريش والأنصار كتابًا فيه المهاجرون من قريش على رباعيتهم يتعاقلون بينهم معاقلهم الأولى. أي: يكونون على ما كانوا عليه من أخذ الديات وإعطائها1.
1 تاج العروس "8/ 27"، "عقل" مناقب الترك، من رسائل الجاحظ "1/ 12"،
اللسان "11/ 460"، "عقل"، القسطلاني "10/ 68".
العاقلة:
والعاقلة: هم العصبة، وهم القرابة من قبل الأب الذين يتحملون الديات. وقيل: القبيلة، إلا أنهم يحملون بقدر ما يطيقون.
ولا يعقل حاضر على باد. وورد أن "عمر" قال: "إنا لا نتعاقل المضغ بيننا، معناه: أن أهل القرى لا يعقلون عن أهل البادية، ولا أهل البادية عن أهل القرى"1. ويظهر أن هذا كان حكم الجاهليين أيضًا، أو حكم بعض منهم في أصول دفع الديات.
وليس في إسقاط الجنين دية عند بعض الجاهليين. ورد أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها، وهي حامل، فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى الرسول، فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة. فقال ولي المرأة التي غرمت:"كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل"2.
وورد في الحديث: "من لا أكل ولا شرب ولا استهل، ومثل ذلك يطل3 والطل: هدر الدم، وقيل: هو أن لا يثأر به أو تقبل ديته، وفي الحديث أيضًا أن رجلًا عض يد رجل فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه فطلّها رسول الله"، أي: أهدرها وأبطلها4.
وإذا تنوزل عن الجراحة والدم بدفع الدية، قيل لذلك: أرش الجراحة، أي:
1 اللسان "11/ 461 وما بعدها".
2 صحيح مسلم "5/ 110 وما بعدها"، إرشاد الساري "8/ 399"، اللسان "5/ 19".
3 اللسان "11/ 406".
4 اللسان "11/ 405 وما بعدها"، تاج العروس "8/ 27"، "عقل".
ديتها1. ومتى تم الاتفاق وحصل التراضي بدفع الدية، انتهى الدم، ويعبر عن ذلك بـ"الفصل" وما زال هذا التعبير مستعملًا بين عشائر العراق2.
فالأرش إذن دية ما دون النفس، أي: القتل، كدية الجروح. فهو تعويض عن الضرر الذي يلحق بالعضو المصاب، ويختلف الأرش عند الجاهليين باختلاف التلف الذي أصاب عضو الإنسان، وباختلاف منازل الناس والقبائل. وهو على العموم دون الدية؛ لأن الدية تعويض عن قتل، أي: هلاك أصاب جسم الإنسان كله، بينما الأرش تعويض عن جزء من جسم.
وفي الحديث: في أرش الجراحات الحكومة. ومعنى الحكومة في أرش الجراحات التي ليس فيها دية معلومة: أن يجرح الإنسان في موضع في بدنه مما يبقي شَيْنه ولا يبطل العضو، فيقتاس الحاكم أرشه بأن يقول:"هذا المجروح لو كان عبدًا غير مشين هذا الشين بهذه الجراحة كانت قيمته ألف درهم، وهو مع هذا الشين قيمته تسعمائة درهم، فقد نقصه الشين عُشر قيمته، فيجب على الجارح عشر ديته في الحر؛ لأن المجروح حر، وهذا وما أشبهه بمعنى الحكومة"، التي تستعمل في أرش الجراحات3.
وتؤدي لفظة "أرش" في اللحيانية معنى "عوض"، ودَفَع بدلًا. وهي من المصطلحات القانونية الواردة في الكتابات. فإذا بدل إنسان شيئًا بشيء عبر عن ذلك بلفظة "أرش"4. ولا أستبعد أن يكون اللحيانيون قد استعملوها في التعبير عن التنازل عن الجراحة والدم بعد دفع الدية.
ويعوض عن الضرر الذي يلحقه إنسان بإنسان آخر مثل قطع عضو من أعضاء جسمه أو إلحاق عجز به أو جراحة مؤذية بدفع "دية" من الضرر. أما الجراحة التي لا تكون مؤذية، ولا تلحق ضررًا، فلا يدفع عنها دية، ويعبر عن ذلك
1 تاج العروس "4/ 279"، "أرش"، شمس العلوم، "الجزء الأول، القسم الأول، ص69".
2 "وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس على عربي ملك.. ولكنا نقومهم كما نقوم أرش الديات ونذر الجراح " ، اللسان "11/ 632"، "ملل".
3 اللسان "12/ 145"، "حكم".
4 راجع النص 4 في كتاب: W. Caskel، S. 79
بـ"الخماشة"1. و"الخمُاشة" ما ليس له أرش معلوم من الجراحات، أو هو دون الدية، كقطع يد أو أذن أو نحوه. أي: جرح أو ضرب أو نهب، أو نحو ذلك من أنواع الأذى. والخماشات: الجراحات والجنايات. وهي كل ما كان دون القتل والدية2.
ويقال لما يدفع عن الجراحات "نذرًا". وذكر أن النذر لا يكون إلا في الجراح صغارها وكبارها وهي معاقل تلك الجراح3.
وقد نص في القوانين العربية الجنوبية على تعويض الجروح والأضرار التي تلحق بالجسم كذلك، فورد فيها:"ثوب بقبتن"، أي: "ثياب بمقتينات، ويراد بذلك أن يعوض بمال4. ويقدر ما يدفع من المال إلى ما نزل به الضرر بحسب شأن الجرح ومقدار الضرر؛ يقدره الحكام وعرّاف القبيلة.
وقد سادت شريعة الجاهليين في معاقبة المجرمين في الجرائم الأخرى التي ليست قتلًا على أساس التعويض وإصلاح الضرر والسجن والخلع والنفي ومعاقبة الفاعل عقابًا يناسب عمله وما صدر منه.
وإذا عجزت عصبة القاتل عن دفع دية القتيل، وقد حملها على أقرباء العصبة، فإن نأوا بها وجب على القبيلة تحملها. ويدخل فيها سيد القبيلة. فالقبيلة وحدة اجتماعية قائمة بذاتها وعليها لذلك تحمل مسئوليات أفرادها. ولهذا توزع الديات على أفرادها إن ثبت عدم تمكن أقرباء القاتل من دفعها.
وتدفع الدية إلى "ولي القتيل" أو إلى أوليائه الشرعيين، أي: الذين لهم حق المطالبة بدم القتيل. وهم وحدهم لهم حق الفصل في موضوع الدم.
ولا تقع جناية العبد على مولاه، وإنما تقع جنايته في رقبته، فلا يعقل سيده عنه، ولا تتحمل عصبة سيده عنه أي شيء في حالة عدم تمكن سيده من أداء "العقل"، أي: الدية، إنْ قتل العبد شخصًا. وللفقهاء في الإسلام في استيفائها منه خلاف5.
1 المعاني الكبير "2/ 1016".
2 تاج العروس "4/ 308 وما بعدها"، "خمش".
3 اللسان "5/ 200"، "صادر".
4 M. Hofner، Zur Interpretation Altsudarabischer Inschriften، Ii، Wzkm، 43، 1936، S. 107. F.، Arabien، S. 134
5 اللسان "11/ 461"، "15/ 137".