الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تتمة حرف الميم]
2385 -
محمد بن عبدة بن حرب [218 - 313](1)(قاضي مصر)
[4 ب] محمد بن عبدة بن حرب، العبّادانيّ، أبو عبيد الله، البصريّ، قاضي مصر.
ولد سنة ثماني عشرة ومائتين. قدم مصر، وولي القضاء بها. روى عن إبراهيم بن الحجّاج الشاميّ، وشيبان بن فرّوخ، ويحيى بن عبد الحميد الحماني.
قال الخطيب: سكن بغداد. وذكر عن أبي عليّ حامد بن محمد الهرويّ: كان أبو عبيد الله القاضي ببغداد منصرفا من قضاء مصر، وكان بمصر يعرف بأبي عبيد بن حربويه. كان أوّلا يحدّث عن أبي الأشعث، وعمر بن شبّة وطبقتهما، ثمّ ارتقى إلى بندار وأبي موسى وطبقتهما. فلمّا كان بعد انصرافه من مصر إلى العراق حدّث عن إبراهيم بن الحجّاج الساميّ، وأبي الربيع الزهرانيّ وطبقتهما. وكان إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهانيّ يختصّ به، فقال لي إبراهيم يوما: يا أبا عليّ، إنّ أبا عبيد الله قال لي: عزمت [على أن] أحدّث عن أبي الوليد الطيالسيّ، الحوضيّ (2)، ومسدّد. (قال ابن حمزة: ) فقلت له: الله! الله! فإنّا نرجم أيّها القاضي!
قال الخطيب: وصاحب هذه القصّة أبو عبد الله ابن عبدة، لا [أبو عبيد] ابن حربويه، فإنّ أبا عبيد
ابن حربويه كان أحد الأمناء الأتقياء الصالحين الصادقين، ولم يرو عن إبراهيم بن الحجّاج ولا أبي الربيع شيئا، ولا عن بندار وأبي موسى، وإنّما روايته عن أبي الأشعث وطبقته. ولعلّ إبراهيم بن حمزة حكى ما حكى لأبي علي الهرويّ عن أبي عبيد الله القاضي مطلقا غير مسمّى ولا منسوب، فظنّ أبو عليّ أنّه أبو عبيد بن حربويه.
وسئل الدارقطنيّ عن محمد بن عبدة بن حرب القاضي فقال: لا شيء. وقال الدارقطنيّ: سمعت [الحسن بن أحمد] السبيعيّ يقول: كان يظهر جزءا من سماعه يحدّث به- يعني محمد بن عبدة بن حرب- ثمّ بعد ذلك أخذ كتب الناس وحدّث بها، ولم يكن له سماع. ثمّ انكشف أمره. (قال):
وسمعت أبا بكر البرقانيّ يقول: محمد بن عبدة بن حرب عند أصحاب الحديث، من المتروكين.
فقلت: من تركه؟
فقال: أبو منصور ابن الكرخيّ، وكان ابن أبي سعد أيضا لا يكتب حديثه.
وقال أبو أحمد عبد الله بن عديّ في حقّه: يحدّث من كتب عن قوم لم يرهم. كتبت عنه ببغداد والموصل.
وأخبرني إبراهيم بن محمد بن عيسى أنّه كتب عن بكر بن عيسى الراسبيّ قال: وابن عبدة هذا ادّعى قوما لم [5 أ] يلحقهم، وحدّث بأحاديث لم يحدّث بها إلّا الأجلّاء الحفّاظ المتقدّمون من أصحاب الحديث. وقوله:«كتب عن بكر بن عيسى» كذب عظيم، وذلك أنّه كان يقول: ولدت سنة ثماني عشرة ومائتين، وبكر مات سنة أربع ومائتين.
فكيف يكتب عنه؟ والضعف على حديثه بيّن.
(1) الأعلام 7/ 130، الكندي 479، 514، النجوم 3/ 52، 99، 138، تاريخ بغداد 2/ 379 (892)، سير أعلام النبلاء 14/ 408 (224).
(2)
في المخطوط: الحوطيّ، والإصلاح من كتاب الولاة والقضاة 515.
وقال ابن زولاق: وكان أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب يذهب إلى قول أبي حنيفة. وكان جبّارا متملّكا سخيّا جوادا مفضالا. وكان له مائة مملوك ما بين خصيّ ومزلّم (1). وكان محدّثا عارفا بالحديث، وحدّث بمصر وبغداد. وكانت له مع أصحاب الحديث ببغداد لوثة، فكان يحدّث عن شيبان بن فرّوخ، وإبراهيم بن الحجّاج، ويحيى الحماني. وكان سبب أمره ببغداد أنّ موسى بن هارون الحمّال حدّث بمجلس حسن (2)، وانتشر في أيدي أصحاب الحديث، وأخرج بعض الحفّاظ لأبي عبيد القاضي من حديثه مثل [ذلك] المجلس عن أولئك بأعيانهم وأرسله. فقال الناس: هذامجلس موسى بن هارون.
قال القاضي أبو طاهر الذهليّ: وأنا كتبت المجلس [الأوّل] عن موسى بن هارون [والمجلس الآخر](3) عن أبي عبيد الله، فظنّ أصحاب الحديث أنّ المجلس سرقه أبو عبيد الله، ولم يكن كذلك، وإنّما كان باتّفاق الحديث والشيوخ.
ولمّا مات القاضي بكّار بن قتيبة جعل الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون أبا عبيد الله على المظالم فنظر بين الناس إلى آخر سنة سبع وسبعين. ثمّ ولّاه القضاء فنظر فيه وحكم بين الناس أوّل سنة ثمان وسبعين ومائتين، وأظهر كتابه من جهة الخليفة المعتمد على الله أبي العبّاس أحمد ابن المتوكّل، فاستكتب أبا جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطحاويّ واستخلفه وأغناه.
وكان أبو عبيد مهيبا يرهبه الشهود ويخافونه، وكان الشهود يلزمون مجلسه، فاتّفق أنّه حضر المسجد الجامع للقضاء، فلمّا كان قرب انصرافه، جاء أحد الشهود إلى مجلسه فنظر إليه ودعا به، وقال: ما أخّرك إلى هذا الوقت مع علمك بجلوسي؟
فقال: شغل.
فقال: شغل؟ كأنّك أشغل منّي؟ سر إلى السجن!
فقام وحده وفتح باب المقصورة ومضى وحده إلى السجن. فلمّا أراد أبو عبيد الله القيام تكلّم الشهود بسببه فقال: إذا انصرفتم فخذوه معكم! - وكان له شهود كثير.
واقتنى بمصر دارا عظيمة ذكر عنها أنّه قال: أنفقت في [5 ب] هذه الدويرة مائة ألف دينار، سوى [أصل] الثمن ودرهمي دينار، والسعيد من قضى لي حاجة، [يعني: فيكون مصروفها ضعف ما ذكر].
وكان أبو الجيش يجلّه ويعظّمه إلى الغاية، وكان عند الناس من المهابة والإجلال في العلياء.
وكان أبو الجيش يجري عليه في كلّ شهر ثلاثة آلاف دينار. وكان ينظر في القضاء والمواريث والأحباس والحسبة. وكان له مجلس في الفقه يحضره جماعة من الفقهاء كأبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي، وأبي جعفر الطحاويّ، ومجلس في الحديث يحضره جماعة من الحفّاظ كأحمد بن محمّد بن رشدين، والطحاويّ، وابن السكّريّ.
وكان يطعم الناس في داره في كلّ عيد، فلا يتأخّر عنه أحد من وجوه البلد من فقيه وشاهد ومتفقّه وصاحب حديث ومحدّث ووجوه الكتّاب ووجوه القوّاد ووجوه التجّار، ويتولّى خدمة الناس صاحبه يحيى بن محمد بن عمروس المعدّل أحد شهوده. وكان خاصّا به، وهو الذي يقال فيه:
(1) المزلّم من الرجال: القصير الخفيف الظريف. وفي كتاب الولاة 515: ما بين خصيّ وفحل.
(2)
موسى بن هارون [البزّار] الحمّال (ت 294): أعلام النبلاء 12/ 116 (39)، ولم يذكر له مجلس [أو جزء] حسن.
(3)
زيادة من الكنديّ 515.
وكانت أسرار القاضي أبي عبيد الله عنده.
وكان أبو جعفر الطحاويّ قد نهض في أيّامه فكان يجلس بين يديه ويقول للخصوم وهو بين يديه: من مذهب القاضي، أيّده الله، كذا
…
ومن مذهبه كذا وكذا، حاملا عنه وملقّنا له.- فأحسّ القاضي منه تيها واستظهارا فقال له: ما هذا الذي أنت فيه؟ والله لو أرسلت قصبة في حارتك، لقال الناس: هذه قصبة القاضي. فاسكن يا أبا جعفر!
وكان قويّ النفس والبيان، فرأى يوما من أبي الجيش انكسارا، فقال له: ما الخبر أيّها الأمير؟
فشكا إليه ضيق الحال واستئثار الغلمان والقوّاد بالضياع. فخرج إليهم وهم في موضع من الدار- وهم فائق، وبدر، ولؤلؤ، وقباوجي، وكنجو، ومحمد بن أبا، وأحمد بن فجاة، وسوّار بن مسهر، وجماعة- فقال: ما هذا الذي يلقاه الأمير؟
إنّي والله أشدّ السّيف والمنطقة وأحمل عنه- ووقفهم على أمور رضيها أبو الجيش وشكره عليها.
وأراد أبو جعفر الطحاويّ مقاسمة عمّه في ريع كان بينهما، فحكم له القاضي أبو عبيد الله بالقسم، وأرسل إلى أبي جعفر بمال يستعين به فيالقسم. ووافق ذلك حضور إملاك في مجلس أبي الجيش، فحضره أبو جعفر وقرأ الكتاب وعقد النكاح. ثمّ خرج خادم بصينيّة فيها مائة دينار وطيب. فقال: كمّ القاضي! [6 أ] فقال القاضي:
كمّ أبي جعفر!
ثم خرج إلى الشهود وكانوا عشرة- بصينيّة لكلّ واحد، والقاضي يقول: كمّ أبي جعفر!
ثمّ خرجت صينيّة أبي جعفر، فانصرف أبو جعفر باثنتي عشرة صينيّة فيها ألف دينار ومائتا دينار، سوى الطيب.
ولم يزل أبو عبيد الله ينظر في القضاء وما أضيف إليه، ويصطنع الناس والشهود وينفع من قصده، إلى أن قتل أبو الجيش بدمشق، ووصل تابوته إلى مصر. فصلّى عليه القاضي، وولي ابنه جيش، وأبو عبيد الله على حاله، إلى أن خلع جيش بن خمارويه وخلع عليّ بن أحمد الماذرائيّ في الفتنة التي ثارت عند المنظر، وكان القاضي راكبا يريد المنظر، فبلغه الخبر، فرجع إلى داره وأغلق أبوابه واستتر من عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين ومائتين مدّة عشر سنين. فانحرف الناس عن أصحابه وأغروا بهم محمد بن أبّا خليفة هارون بن جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون، فاعتقل أبا جعفر الطحاويّ وطلبه بحساب الأوقاف، وجماعة من خاصّة أبي عبيد، ولم يتطلّب أحد أبا عبيد الله، بل قنعوا منه بالجلوس في داره. واعتلّ مرّة مزيّنة، وكان مقيما بمنزله، فاحتاج إلى مزيّن فأدخل إليه مزيّن، فلمّا فرغ قال له: أين منزلك؟ - فذكره، فأرسل إلى منزله وعياله من يقوم لهم بأمرهم، وأقام المزيّن في داره ثلاث سنين خوفا من أن يخبر أنّه رآه، فإنّه كان أظهر أنّه قد سار إلى العراق، وكانت مدّة ولايته إلى أن استتر ستّ سنين وتسعة أشهر.
وكان عليّ بن أحمد الماذرائيّ قد أودع عند أبي عبيد الله مالا جزيلا، وأودع عند هارون بن عليّ العبّاسيّ مالا جزيلا. فلمّا قتل عليّ بن أحمد طلب ولده أبو بكر محمّد بن عليّ المال من أبي عبيد الله، فدافعه وقال: أمرني أبوك أن أشتري لكم به ضياعا بالبصرة وأعمال العراق، وقد اشتريت.
فطلب من العبّاسيّ المال الذي عنده، فقال:
أرسل من يستلمه.- فوجد الأكياس قد عشّش