الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضاء مصر والقاهرة بعد أن أفردت عنه ولم يبق معه غير قضاء القاهرة مدّة سبعة وسبعين يوما (1).
وعدّ ما وقع من بركته. وعظمت بذلك مهابته وزاد تمكّنه، إلى أن أتاه أجله. فمات وهو قاضي القضاة في يوم السبت خامس جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ودفن بالقرافة، وكان الجمع عظيما.
2659 - ابن أبي عمر [- 595]
محمد بن عثمان بن خلف بن إبراهيم بن عبد الكريم بن عليّ بن قابوس، أبو عبد [الله]، المعروف بابن أبي عمر.
روى مقامات الحريريّ عن عليّ بن أحمد بن أسعد الغسّانيّ عن الحريريّ. رواها عنه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد الصفراويّ في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.
وتوفّي بالإسكندريّة في سادس ذي الحجّة سنة خمس وتسعين وخمسمائة عن ثمانين سنة.
2660 - ابن السلعوس [- 693]
(2)
محمد بن عثمان بن أبي الرجاء بن أبي زهر، الوزير، الصاحب، شمس الدين، ابن فخر الدين، المعروف بابن السلعوس، التنوخيّ، الدمشقيّ.
كان أبوه عدلا مقبولا، وتوفّي سنة ثلاث وسبعين وستّمائة. وكان مولد ابنه، صاحب الترجمة، بدمشق، وبها نشأ، وعانى المتجر.
وكان يأخذ نفسه بالتحشّم ويتعاظم، حتى كان
التجّار لكثرة تيهه يهزءون به ويسمّونه «الصاحب» .
ثمّ تعلّق بالخدم وانتمى إلى الصاحب تقيّ الدين توبة التكريتيّ وزير دمشق. فباشر به في بعض الجهات، ثمّ سعى في حسبة دمشق ووليها عوضا عن شرف الدين أحمد بن عيسى بن الشيرجي (3) في شهر رمضان سنة سبع وثمانين وستّمائة.
ثمّ أضيف إليه نظر ديوان الملك الأشرف خليل بن قلاوون في أيّام أبيه فاستأجر له ضياعا، وعمل له متجرا، وحصّل له أموالا جزيلة، فحظي عنده، واستدعاه. فقدم إلى القاهرة في صفر سنة ثمان وثمانين، واستناب عنه في حسبة دمشق وديوان الأشرف بها تاج الدين أحمد بن عماد الدين محمّد ابن الشيرازيّ. فولّاه الأشرف نظر ديوانه بمصر عوضا عن تاج الدين محمد ابن الأعجميّ، وخلع عليه خلع الوزارة، وفوّض إليه وكالته. فاستمرّ إلى جمادى الأولى سنة تسع وثمانين. فخلع عليه الأشرف خلعة سنيّة تشبه خلع الوزارة. فرآه الملك المنصور وعليه الخلعة، فأنكر هيئته، وسأل الأمير طرنطاي نائب السلطنة عنه فقال: هذا وزير الملك الأشرف- وغضّ منه وعدّد مساوئه. فغضب السلطان، وأحضره بين يديه وأنكرعليه كونه خدم ابنه بغير مشاورته ولا مشاورة النائب أو الوزير. ونزع الخلعة عنه وسلّمه إلى الأمير زين الدين أحمد الصوابي شادّ الدواوين فأمره بمصادرته وضربه والإخراق به.
فبعث الأشرف إليه يتوعّده إن فعل فيه سوءا.
وبعث النائب طرنطاي يحثّه على عقوبته والمبالغة في إهانته. فخاف الصوابيّ غاثلة الأشرف وتوقّف
(1) أي: بعد أن اقتصرت ولايته على القاهرة مدّة 77 يوما.
(2)
شذرات 5/ 424، النجوم 8/ 53، الوافي 4/ 86 (1555)، الدليل الشافي 652 (2243).
(3)
السلوك 1/ 745.
عن عقوبته، ورسم عليه وجعله في قاعة بمفرده.
وأخذ الأشرف يسعى في خلاصه ويبعث إلى طرنطاي وغيره إلى أن شفع فيه عند السلطان، فأطلقه وأمر بصرفه. فلزم داره إلى أن خرج الركب إلى الحجاز في شوّال، فسافر يريد الحجّ.
فقدّر الله موت الملك المنصور وسلطنة الأشرف في ذي القعدة، فقبض على طرنطاي، وجعل يقول لمّا جيء إليه بأمواله: أين أنت [92 أ] يا ابن السلعوس؟ - وكتب إليه كتابا يخبره بما صار إليه من سلطنة مصر وكتب بخطّه بين الأسطر: يا شقير (1)، يا وجه الخير، عجّل السير! فقد ملكنا.
فوافاه الكتاب في عوده من الحجّ، فأتاه أعيان الركب وصاروا في خدمته حتى صعد قلعة الجبل يوم الثلاثاء العشرين من المحرّم سنة تسعين وستّمائة. فأكرمه السلطان وفوّض إليه الوزارة في يوم الخميس ثاني عشرينه وخلع عليه، ورسم لبيدرا نائب السلطنة وسنجر الشجاعيّ وجميع الأمراء وسائر أرباب الدولة من القضاة ونحوهم أن يجوّدوا في خدمته (2)، وحمل بغدي الدوادار الدواة قدّامه. وجلس في دست عظيم لم يعهد لوزير مثله، ومكّنه من الدولة تمكّنا لم ينله وزير من وزراء الدولة التركيّة قبله. وجرّد في خدمته جماعة من المماليك السلطانيّة يركبون قدّامه في الموكب ويترجّلون في ركابه ويقفون بين يديه وينصرفون بأمره. فصار إذا ركب من داره بحارة زويلة من القاهرة إلى القلعة لا يخرج حتى يجتمع ببابه نظّار الدولة (3) ومشدّ الدواوين، ووالي القاهرة، ووالي مصر، ومستوفي الدولة، ونظّار
الجهات، ومشدوّ المعاملات، والأعيان. ثمّ يحضر آخر الناس قضاة القضاة الأربعة بأتباعهم.
فإذا تكامل جميع الموكب بالباب، ويكون آخرهم مجيئا القضاة، دخل الحجّاب إلى الوزير وعرّفوه حضور القضاة الأربعة، فيخرج عند ذلك، ويسير راكبا، والخلائق بين يديه على طبقاتهم، وأقربهم إليه قاضي القضاة الشافعي، وقاضي القضاة المالكيّ، ويكون أمامه أمامهما قاضي القضاة الحنفيّ، وقاضي القضاة الحنبليّ، ثمّ نظّار الدولة والأعيان، والمستوفون بالدولة، ونظّار الجهات. فيستمرّ القضاة معه كذلك حتى يستقرّ في مجلسه من القلعة، ثم ينصرفون إلى منازلهم، ويعودون عشيّة النهار إلى القلعة حتّى ينزل وهم بين يديه إلى داره.
وتأخّر ليلة بالقلعة إلى قرب العشاء الآخرة وأغلق باب القلعة، فانقلب الموكب من باب القلعة إلى باب الإصطبل ووقف الجميع إلى أن خرج وركب، فساروا في خدمته بين يديه إلى داره على عادته، ولم يحل بذلك قطّ في سائر أيّامه.
وكان لا ينتصب لأحد قائما، ثمّ لمّا عظم موكبه- فإنّ مباشري الدولة من الكتّاب والمشدّين كانوا حينئذ عددا كثيرا- صاروا يزدحمون في شوارع القاهرة وتضيق بهم لكثرتهم، وتزدحمهم غلمانهم.
فانتقل من القاهرة لهذا السبب، وسكن القرافة.
فاحتاج الناس إلى الركوب من القاهرة إلى القرافة حتّى يقفوا ببابه ليركبوا معه إلى القلعة فتعاظم تعاظما مفرطا، واستخفّ بالناس، وتعدّى طور الوزير بحيث كان [92 ب] أكابر الأمراء إذا دخلوا مجلسه لا يستكمل القيام لأحد منهم، وفيهم من لا يلتفت إليه، ويستدعي أمير جندار والأستادار على كبر مناصبهما، ولا يخاطب واحدا منهما بلقبه بل يقول: فلان أمير جندار! وفلان أستادار!
ثم ترفّع عن هذه الرتبة واستخفّ بالأمير بدر
(1) في الوافي: وكان أشقر سمينا أبيض
…
وانظر السلوك 1/ 760.
(2)
في السلوك 1/ 761: ويمتثلون أمره.
(3)
في المخطوط: نظار النظار، والإصلاح من السلوك 1/ 761.
الدين بيدرا نائب السلطنة، ولم يعبأ به وشاركه في متعلّقات النيابة، واستبدّ عنه، وعارضه فيما له فيه غرض. فلم يجد بيدرا بدّا من الاحتمال، لما يعلمه من إفراط عناية السلطان به، بحيث إنّ الوزير قام يوما من مجلس الوزارة بالقلعة في بعض أيّام المواكب، وقصد الدخول إلى الخزانة السلطانيّة فصادف خروج الأمراء من الخدمة قدّام النائب، فبادر أكابر الأمراء إلى خدمة الوزير، وقبّل بعضهم يده، وأخلوا له بأسرهم الطريق، وهمّوا بالرجوع معه، فما زادهم على أن أومأ إليهم لينصرفوا. وعند ما وطئ عتبة باب القلعة ليدخله وافى الأمير بيدرا النائب، فسلّم كلّ منهما على الآخر، وأومأ بالخدمة. وكان النائب أكثر خدمة للوزير من خدمة الوزير له. ثمّ رجع النائب معه ومشى، من غير أن يسامته في مشيته بل تقدّم يسيرا. وبقي يميل إليه بوجهه ويحدّثه حتى وصل معه إلى داخل الباب الثاني. فأمسك الوزير بيده وأشار له بأن يرجع ولم يزد على أن قال له: باسم الله، يا أمير بدر الدين!
فلم يزل على حاله من التمكّن التامّ إلى أن خرج الملك الأشرف إلى الصيد بناحية البحيرة.
فتقدّم الوزير من الطرانة إلى الإسكندريّة ليعبّئ القماش ويجهّز (1) الأموال. فكتب إلى السلطان يغريه بالأمير بيدرا النائب، وأنّ نوّابه قد استولت على جميع ما في الثغر، وأنّه لم يجد ما يكفي به التعابى الجاري بها العادة. فاشتدّ غضب السلطان على بيدرا، وأخرق به حتى حمله ذلك على قتل السلطان كما ذكر في ترجمته (2). فلم يشعر ابن السلعوس، وقد شدّد في الطلب على أهل
الإسكندريّة، واشتدّ خوف أعيانها منه، إلّا وقد وقعت بطاقة في آخر يوم السبت عاشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستّمائة من تروجة بقتل الملك الأشرف. فأخذها الأمير سيف الدين الجاكي متولّي الخبر وكتم الخبر حتى جنّ الليل. واستأذن على ابن السلعوس، فلمّا دخل عليه قال له: ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ هل ظهرت لك مصلحة يعود نفعها؟
فقال: يا مولانا، لم يخف [93 أ] عن علمك أنّ أهل الثغر غزاة مرابطون، وما قصد واحد له مقصوده (3)، والذي يراه المملوك أن يحسن مولانا إليهم، ويبسّط خواطرهم، ويفرج عنهم.
فسبّه أقبح سبّ وهمّ أن يوقع به، فأخرج إليه البطاقة، فلمّا قرأها سقط في يده وترفّق للوالي، وصار يخاطبه فيقول: يا خوند، بعد ما كان يسبّه، فلم يؤاخذه الوالي بما كان منه إليه، وأخذه إلى باب المدينة وفتح الباب، وأمره فمضى، وجدّ في سيره إلى أن نزل بزاوية للشيخ جمال الدين ابن الظاهريّ خارج باب البحر من القاهرة في الليل، وبات ليله ساهرا لم ينم، وركب سحرا إلى داره وجلس في دسته بهيبة، فأتاه القضاة والأعيان للسلام عليه، فجرى معهم على عادته من الكبر والتعاظم. واستشار من يثق به فيما يفعل، فأشار عليه بأن يختفي حتى تسكن الفتنة، وتستقرّ القاعدة، فقال: هذا لا نفعله، ولا نرضاه لعامل من عمّالنا، فكيف نختاره لأنفسنا؟
وبقي على حاله، والناس تتردّد إليه خمسة أيّام. وكانت رسالة دور الملك الأشرف ترد على الأمير كتبغا، وهو القائم حينئذ بأمر الدّولة، تتضمّن الشفاعة في ابن السلعوس، وأنّه لا
(1) في السلوك 1/ 788 نقلا عن النويري: ويحصّل.
(2)
ترجمة بيدرا المنصوريّ مرّت برقم 1009 وترجمة الأشرف خليل برقم 1397.
(3)
كلام مطموس.