الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشام، جاء عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعبد الله بن مطيع في رجال من قريش والأنصار وقالوا لابن الحنفيّة: اخرج معنا نقتل يزيد (1).
فقال لهم: على ماذا أقاتله، ولم أخلعه؟
قالوا: إنّه قد كفر وفجر وشرب الخمر وفسق في الدين.
فقال لهم: ألا تتّقون الله؟ هل رآه أحد منكم يعمل ما تذكرون؟ لقد صحبته أكثر ممّا صحبتموه فما رأيت منه سوءا.
فقالوا: إنّه لم يكن يطلعك على فعله.
قال: أفأفطلعكم أنتم عليه؟ فلئن كان فعل، إنّكم لشركاؤه! ولئن كان لم يطلعكم لقد شهدتم غير ما علمتم.
فخافوا أن يثبط قعوده الناس عن الخروج.
فعرضوا عليه أن يبايعوه إذ كره أن يبايع لابن الزبير.
فقال: لست أقاتل، تابعا ولا متبوعا.
قالوا: فقد قاتلت مع أبيك؟
قال: وأين مثل أبي اليوم؟
فأخرجوه كارها ومعه بنوه متسلّحين، وهو في نعل ورداء، وهو يقول: يا قوم اتّقوا الله! لا تسفكوا دماءكم!
فلمّا رأوه غير [126 ب] منقاد لهم، خلّوه.
فذهب أهل الشام ليحملوا عليه، فضارب بنوه دونه، فقتل ابنه القاسم بن محمّد، وضرب أبو هاشم بن محمد قاتل أخيه فقتله. وأقبل ابن الحنفيّة إلى رحله فتجهّز، ثمّ خرج إلى مكّة من
فوره ذلك. فأقام بها حتّى حصر عبد الله بن الزبير حصاره الأوّل، وهو في ذلك قاعد عنه لا يغشاه ولا يأتيه.
وسأل قوم من الشيعة من أهل الكوفة عن خبره فأعلموا أنّه بمكّة، فشخصوا إليه. وكانوا سبعة عشر رجلا، وهم: معاذ بن هاني بن عديّ، ابن أخي حجر بن عديّ الكنديّ، ومحمد بن يزيد بن بزعل الهمدانيّ ثمّ الصائديّ، ومحمد بن نشر الهمدانيّ، وأبو المعتمر حنش بن ربيعة الكنانيّ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكنانيّ، وهاني بن قيس الصائديّ، وصخير بن مالك المزنيّ، وسرح بن مالك الخثعميّ، والنعمان بن جعد المحامديّ، وشريح بن إحنا الحضرميّ، ويونس بن عمرو بن عمران الجابريّ، من غمدان، وعبد الله بن هاني الكنديّ، وهو الذي قتل مع المختار بعد ذلك، وجندب بن عبد الله الأزديّ، ومالك بن حزام بن ربيعة، قتله المختار بعد ذلك، وهو ابن أخي لبيد بن ربيعة الشاعر، وعبد الله بن ربيعة، وقيس بن جعونة الضباثيّ (2)، وعبد الله بن ورقاء السلوليّ.
[رفض ابن الحنفيّة مبايعة ابن الزبير]
فبعث عبد الله بن الزبير إلى ابن الحنفيّة بعد انصراف أهل الشام من مكّة مع الحصين بن نمير السكونيّ، وموت يزيد بن معاوية أن: هلمّ فبايعني!
فأبى عليه. وبايع الناس ابن الزبير بالمدينة والكوفة والبصرة. فأرسل إليه: إنّ الناس قد بايعوا واستقاموا فبايعني!
فقال له: إذا لم يبق غيري بايعتك.
وبعث إلى السبعة العشر الكوفيّين يسألهم عن
(1) حاشية في الهامش: هذا كذب على ابن عمر، بل في البخاري أنّه نهى بنيه ومواليه أشدّ النهي عن الخروج على يزيد.
(2)
قال في الأنساب: ضباث بطن من جشم.
حالهم فأمرهم بالبيعة له فقالوا: نحن قوم من الكوفة اعتزلنا الناس حين اختلفوا، وأتينا إلى هذا الحرم لئلّا نؤذي أحدا ولا نؤذى. فإذا اجتمعت الأمّة على رجل دخلنا معهم فيما دخلوا فيه وهذا مذهب صاحبنا، ونحن معه عليه وله صحبناه.
فوقع ابن الزبير حينئذ في ابن الحنفيّة وتنقّصه وقال: والله ما صاحبكم [127 أ] بمرضيّ الدين، ولا محمود الرأي، ولا راجح العقل، ولا لهذا الأمر بأهل!
فقام عبد الله بن هاني فقال: قد فهمت ما ذكرت به ابن عمّك من السوء. ونحن أعلم به وأطول معاشرة له منك. وأنت تقتل من لم يبايعك وتقول: والله ما أحبّ أنّ الأمّة بايعتني كلّها غير سعد مولى معاوية. فبعثت إليه فقتلته- وإنّما عرّض بابن الزبير لأنّه كان بعث إلى سعد فقتله- وكلّمه عبد الله بن هاني بكلام كبير.
فقال: الهزوه وجئوا في قفاه (1)! فقال: أتفعل هذا في حرم الله وأمنه وجوار بيته؟ فقالوا له: لئن لم يضرّك إلّا تركنا بيعتك لا يضرّك شيء أبدا ولا يلحقك مكروه.
ودعا ابن الزبير بعبد الله بن هاني فقال: أبي تضرب الأمثال، وإيّاي تأتي بالمقاييس؟
فقال: إني عذت بربّي، وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب!
فقال ابن الزبير: ادفعوهم عنّي، لعنكم الله من عصابة!
فأتوا محمد بن الحنفيّة فأخبروه بما كان بينهم وبين ابن الزبير فجزاهم خيرا، وعرض عليهم أن يعتزلوه فأبوا. وقالوا: نحن معك في اليسر
والعسر، والسهل والوعر، لا نفارقك حتى يجعل الله لك فسحة وفرجا.
وبايعوه على ذلك، فقال لهم: إنّي بكم لمتأنّس كبير.
وسأله بعضهم أن يرصدوا ابن الزبير فيقتلوه إذا خرج من الحرم، فكره ذلك وقال: ما يسرّني أنّي قتلت حبشيّا مجدّعا ثمّ أجمع سلطان العرب كلّه.
وقدّم على السبعة العشر الرجل من أبنائهم ثلاثة نفر: بشر بن سرح، والطفيل بن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وبشر بن هاني بن قيس. فلمّا يئس ابن الزبير من بيعة ابن الحنفيّة وأصحابه، وقد فسدت عليه الكوفة، وغلب المختار بن أبي عبيد الثقفيّ عليها، وأخرج ابن مطيع عامل ابن الزبير عنها، ودعت الشيعة بها لابن الحنفيّة، ثقل عليه مكان ابن الحنفيّة معه، وخشي أن يتداعى الناس إلى الرضاء به [127 ب] فحبسه وأهل بيته ومن كان معه من أصحابه أولئك بزمزم، ومنع الناس منهم، ووكّل بهم الحرس.
ثمّ بعث إليهم: أعطي الله عهدا. لئن لم تبايعوني لأضربنّ أعناقكم أو لأحرّقنّكم بالنار!
وكان رسوله بذلك عمرو بن عروة بن الزبير.
فقال له ابن الحنفيّة: قل لعمّك: لقد أصبحت جريئا على الدماء، منتهكا للحرمة، متلثلثا (2) في الفتنة.
وقال له عدّة من السبعة العشر الرجل: إنّ هذا قد حصرنا بحيث ترى وخوّفنا بما تعلم. وو الله ما ينتظر إلّا أن يقدم علينا وقد ظهر بالكوفة من يدعو إلى بيعتك والطلب بدماء أهل بيتك. فالطف لبعثة رسل من قبلك يعلمونهم حالك وحال أهل بيتك.
فقال: اختاروا منكم نفرا.
(1) لهزه (وزن فتح): طعنه ولكزه، ووجأه يوجؤه كذلك، والقياس أن يقول: اوجئوه، فعامل الفعل مثل ودع يدع.
(2)
تلثلث في الأمر وعليه: ألحّ وتردّد.