الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر الحافي، فخالف وصيّته ودفنه في مقبرة باب أبرز. فلمّا كان بعده بمدّة، رآه مظفّر في النوم كأنّه يعاتبه على مخالفته، فنقل في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب ودفن عند قبر بشر. وكان كفنه جديدا وبدنه طريّا يفوح منه رائحة الطّيب.
ووقف كتبه على أهل العلم.
ومن شعره قوله [الوافر]:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا
…
سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلّا
…
لأخذ العلم أو لصلاح حال
وقوله [الوافر]:
طريق الزهد أفضل ما طريق
…
وتقوى الله بادية الحقوق
فثق بالله يكفك واستعنه
…
يعنك وذر بنيّات الطريق
وقوله [الوافر]:
كتاب الله عز وجل قولي
…
وما صحّت به الآثار ديني
وما اتّفق الجميع عليه بدءا
…
وعودا فهو عن حقّ مبين
فدع ما صدّ عن هذي وخذها
…
تكن منها على عين اليقين
3008 - الكتيلة الجنكيّ
(1)
محمد بن [فراتقان]، بدر الدين، الماردينيّ، المعروف بالكتيلة الجنكيّ.
كان أبوه يعرف بفراتقان، وكان يخدم النجم يحيى الشاعر الموصليّ من صغره، وفيه يقول، وقد ثلم له بركة ماء بحجر رماها به [السريع]:
قل للّذي ثلّم لي بركة
…
ما يأخذ الثأر ولو هدّها
فتحت في أسفله ثغرة
…
لو عاش ذو القرنين ما سدّها
وخدم في كبره ببلاد ماردين، وولي نظر دنيسر. ونشأ ابناه مسعود ومحمد كتيلة. فمات مسعود شابّا، واشتهر محمّد كتيلة. [فأصله من أبناء الكتّاب، وكتب خطّا حسنا، وقرأ طرفا من العربيّة والنحو] وأتقن علم الموسيقى، وحفظ الكثير من شعر القدماء والمحدثين، ونقل أصواتا
- ملصقين بهامشي الورقة 216 أ، كأنّما قطعت الورقة نصفين وألصق كلّ شطر معكوسا بالنظر إلى الشطر الآخر.
وقد انطمس كثير من كلام هذه الترجمة فأكملناه من الترجمة اللاحقة في ل 3، ولا شكّ أنّ موقع الترجمة الطبيعيّ هو في مخطوط ل 2، الذي يتضمّن حرف الفاء بين فتوح وفرج وبينهما فراتغان- من آباء المحمّدين.
فورودها في ل 3 دليل على أنّ بعض الورقات من ل 2 حوّلت إلى ل 3 تخمينا عند جمع الورقات المبعثرة من المخطوط.
هذا وقد جمعنا الترجمتين في نصّ واحد، ورسمنا اسم الأب «فراتقان» اعتمادا على الورقة 83 أالتي ذكرت «محمد ابن فراطقان» واضحا بالفاء والطاء. أمّا في ل 2 - 216 أفقد ورد بالغين والتاء. وكذلك في متن ترجمة ل 3 - 249 أ. أمّا في عنوانها فقد كتب المقريزيّ «محمد بن
…
» وترك اسم الأب بياضا، ممّا يدلّ على تردّده بين الفاء والقاف والغين في صيغة هذا الاسم الغريب.
وذكره ابن فضل الله في الجزء العاشر من المسالك، وهو السفر الخاصّ بأهل الموسيقى ص 331، باسم بدر الدين محمد الجنكيّ الماردينيّ، فبقي اسم أبيه مجهولا أو ملتبسا.
(1)
تكرّرت الترجمة في ل 2 ول 3، وهي في ل 3 على صورتين: الأولى- ورقة 83 أ- تذكر الاسم لا غير:
محمد بن فراطغان، والثانية ترجمة مفصّلة واضحة الخطّ نسبيّا. أمّا ترجمة ل 2 فتأتي في صورة نصفي ورقة-
مشهورة، وحفظ كثيرا من نوب صفيّ الدين أبي الفضائل عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر الأرمويّ، الذي ألّف أشتات الضروب وصنّف النوب.
وانخرط في سلك الندماء وأهل المحاضرات، وملح وندر، [وحكى الحكايات والخبر](1)، وكثرت ملحه ونوادره، وخدم ملوك ماردين، وحظي عند الملك الصالح شمس الدين وراج لديه.
فسمع به السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون فاستدعاه، وأقبل عليه غاية الإقبال [حتى تمكّن منه.] وكان له منه مكانة لم يبلغها أحد من أمثاله. وأمره بملازمة الجواري وتعليمهنّ، فكان يتردّد إلى باب الستارة في كلّ يوم، ويخرج إليه الجواري فيعلّمهنّ ويلقي عليهنّ الأصوات حتى تخرّجبه غالب الجواري.
وكان مجيدا في الغناء، متقنا لسائره الخفيف والثقيل منه، غاية في ضرب الجنك العجميّ (2)، وتأليف الأنغام عليه لا [249 ب] يكاد يثبت سامعه لشدّة الطرب.
وكان يقيم بمصر المدّة الطويلة، ثمّ يسأل في العود إلى ماردين، فيؤذن له، فلا يكاد يصل إلى ماردين ويستقرّ بها حتى يجهّز السلطان في طلبه ويحثّ في سرعة عوده. فإذا وصل ضاعف له الإكرام وعومل بأكثر ممّا يعهد، وحصل له بهذا
مال جزيل ونعم كثيرة جدّا. ورتّب له السلطان رواتب سنيّة تزيد على عادة مثله.
قال القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله بعد ما ذكر ما تقدّم ذكره: وحضرت مجلس السلطان مرّة، وعنده الأمير موسى بن مهنّا، وكتيلة هذا يضرب بالجنك بين يديه. فرأيت موسى على سكونه العظيم ووقاره يميل يمنة ويسرة، وكان كتيلة ذلك اليوم كلّه يردّد صوتا صنعه، والصوت [البسيط]
يا دار عزّة من للواله الباكي
…
بنظرة يتملّى من محيّاك
ما هبّ من أيمن الوادي نسيم صبا
…
إلّا وكان الهوى العذريّ يمناك
تحمّلي واجملي يا نوق واصطبري
…
على المسير فهذا من سجاياك
فلم يبق أحد من علماء الدار وأعيان الأمراء حتّى هزّه الطرب، ولولا مهابة السلطان لرقصوا، فلمّا فرغ ممّا هو فيه، أثنى السلطان عليه وقال لموسى بن مهنّا: كيف رأيت؟
فقال: والله ظننت أنّه يجذبني إليه، ولو لم أملك نفسي لوقعت عليه.
وأمر له السلطان بألف دينار مصريّة ليتّجر بها وكتب توقيع مسامحة بما يجب عليها من الموجبات الديوانيّة في السفر دائما، صادرا وواردا. ومضى يوم عجيب لم ير مثله.
(قال): ودخلت على السلطان يوما آخر، وهو عنده، وقد أخذ في صوت صنعه، والصوت [الطويل]:
سلام على ليلى، وليلى بعيدة
…
ولكنّها طيف إليّ قريب [250 أ]
(1) الزيادات من مسالك الأبصار 10/ 332.
(2)
الجنك والجنك: آلة كالعود والضارب بها جنكيّ (دوزي، تاج العروس، أدّي شير)، ولا نعرف شكلها بالتدقيق. وقد وصفها الشاعر نور الدين الإسعردي (ت 656) فقال [البسيط]:
لبنت شعبان جنك حين تنطقه
…
يغدو بأصناف ألحان الورى هازي
لا غرو أن صاد ألباب الرجال لها
…
أما تراه يحاكي مخلب البازي؟
ديوان الصبابة 194.