الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسنة، وأقرأ العربيّة وغيرها. وابنه أحمد بن محمد (1) من الفضلاء أيضا.
وتوفّي بالقاهرة يوم الأربعاء سادس صفر سنة ستّ وستين وستّمائة، ودفن بكهف الأشراف من القرافة.
2431 - الخطيب القزوينيّ صاحب التلخيص [666 - 739]
(2)
محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عبد الكريم بن حسن بن عليّ بن إبراهيم بن عليّ بن أحمد بن دلف، ابن أبي دلف القاسم بن عيسى، قاضي القضاة، جلال الدين، أبو عبد الله، ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي القاسم، ابن إمام الدين أبي حفص، العجليّ، الكرجيّ، ثمّ القزوينيّ، الموصليّ المولد، الدمشقيّ الدار، الشافعيّ، الخطيب.
أصل أجداده من الكرج، وبها كان أبو [15 ب] دلف (3). ثمّ انتقلوا إلى قزوين فسكنوا بها. وولد هو بالموصل يوم الاثنين ثاني عشرين شعبان سنة
ستّ وستّين وستّمائة. وقدم دمشق فسمع من جماعة، منهم أحمد بن إبراهيم الفاروثيّ، وتقيّ الدين سليمان بن حمزة. وخرّج له الحافظ علم الدين البرزاليّ جزءا من حديثه.
سمع منه جماعة بديار مصر والشام. وخرّج له مشيخة، واشتغل بعدّة علوم، وبرع في علم الأصول والعربيّة والبيان حتى صار أوحد الفضلاء حلما وعلما، وأحد الفضلاء نثرا ونظما، يظهر معاني العلوم استنباطا وفهما، والمحتوي على عمدة أصولها حفظا وحكما، مسدّد الأحكام، مفتي الأنام، خطيبا بارعا فصيحا مفوّها حسن الإيراد لما ينقله وما يحكيه، فردا فيما يظهره ويبديه، مع الذات الحسنة والهيئة الجميلة، والمكارم الجزيلة، وللمشتغلين بالعلوم ميله، حتى قيل: ما مثله.
وصنّف في علم البيان كتاب التلخيص قرئ عليه بخانقاه سعيد السعداء في مجلسين، آخرهما ثالث عشر جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وسبعمائة، بقراءة تاج الدين أحمد بن مكتوم.
وأوّل ما ولي القضاء ببعض نواحي الروم لمّا أقام بها. ثمّ استنابه أخوه إمام الدين عمر لمّا ولي قضاء القضاة بدمشق في سنة ستّ وتسعين وستّمائة. ثمّ عزل بنجم الدين ابن صصرى (4). ثمّ ولي خطابة دمشق عوضا عن [
…
] [16 أ]. فلمّا تنكّر الأمير تنكز نائب الشام على جمال الدين سليمان الزرعيّ قاضي القضاة بدمشق، كتب إلى السلطان بالحطّ عليه، وعيّن عوضه جلال الدين القزوينيّ الخطيب وكتب بإحضاره في يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وخرج إليه البريد فقدم إلى القاهرة يوم الجمعة ثالث عشرينه، وطلع إلى قلعة الجبل،
(1) أحمد بن محمد الحسينيّ ابنه مرّت ترجمته برقم 567 ج 1 (ت 695) ولم يذكر المقريزيّ ترجمة أبيه هناك ولا ترجمته هو هنا، وهذا من غريب ترتيب المقفّى مثلما مرّ بنا في ترجمة ابن الأستاذ.
(2)
الأعلام 6/ 77، الوافي 3/ 242 (1255)، النجوم 9/ 318، السبكيّ 5/ 238، الدرر 4/ 3 (2)، البدر الطالع 2/ 183، البداية والنهاية 10/ 185، طبقات الإسنويّ 2/ 329 (963)، دائرة المعارف الإسلاميّة 4/ 896، السلوك 2/ 439.
(3)
حاشية في الهامش:
أبو دلف: القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعيّ بن عبد العزّى بن دلف بن خيثم بن قيس بن سعد بن عجل، أحد اللهازم، ابن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وعمير بن شيخ شهد صفّين مع عليّ رضي الله عنه. وأبو دلف القاسم هو صاحب الكرج، له أخبار كثيرة في الجود.
(4)
النجم ابن صصرى أحمد بن محمد (ت 723) مرّت ترجمته برقم 664.
واجتمع بالسلطان، فأقبل عليه إقبالا زائدا، وتقدّم له بأن يخطب بجامع القلعة فخطب، وصلّى بالسلطان فأعجب بخطبته. ثمّ إنّه بعد انقضاء الصلاة قبّل يد السلطان واعتذر أنّه من أثر السفر ولم يكن في ظنّه أن يخطب ويصلّي بالسلطان.
فشكره على خطبته وسأله عن أحواله وما عليه من الديون. وكان نائب الشام قد كتب بالشكر والثناء عليه وأنّه اجتمع عليه بسبب مكارمه ديون عجز عن وفائها. فأخبر السلطان بأنّها تزيد على ثلاثين ألف درهم فرسم بوفائها عنه. ونزل من القلعة إلى خانقاه سعيد السعداء، إلى يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة، [ف]- خلع عليه، واستقرّ في قضاء القضاة بدمشق، وسافر على البريد في يوم الاثنين رابع عشرينه. فوصل إلى دمشق في خامس شهر رجب. وأوفى السلطان عنه ما كان من الدّين، وهو مبلغ ألف دينار ومائة وستّون دينارا.
ودرّس بدمشق في الغزاليّة والعادليّة مع استمراره في خطابة جامع بني أميّة، وهو ثالث من اجتمعت له الخطابة والقضاء بدمشق، وهم: عماد الدين عبد الكريم بن عبد الصمد الحرستانيّ، وبدر الدين محمد ابن جماعة، والجلال محمد القزوينيّ المذكور.
فلم يزل إلى أن استدعي من دمشق إلى [16 ب] القاهرة، فوافى والسلطان بسرياقوس يوم الجمعة ثالث عشرين شهر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة. فخطب بجامع خانقاه سرياقوس، وصلّى بالسلطان الجمعة، وبالغ السلطان في إكرامه. ثمّ صار مع السلطان إلى قلعة الجبل، فخلع عليه وأركبه بغلة بزنّاري في جوخ (1)، وفوّض إليه قضاء القضاة بديار مصر عوضا عن بدر الدين محمد ابن جماعة، وأضيف إليه تدريس المدرسة الصالحيّة والمدرسة الناصريّة، ومدرسة الشريف ابن ثعلب، ودار الحديث الكامليّة، وخطابة جامع القلعة، شريكا لابن القسطلانيّ. واستقرّ ابنه بدر الدين محمد في خطابة جامع بني أميّة (2).
وتوجّه إلى دمشق فقام بالدروس حقّ القيام، وباشر القضاء بحسن سياسة ومكارم جمّة. وبلغ من العزّ والوجاهة ما لا يوصف.
وحجّ مع السلطان في سنة اثنتين وثلاثين، ورتّب له ما يكفيه فوصله بجملة كبيرة.
وكان إذا جلس في دار العدل لم يكن لأحد معه كلام، ويذيّل على ما يكتبه السلطان بدار العدل، وتخرج قصص كثيرة مقضيّة الشغل بوسيلته وشفاعته. وحصل لأهل الشام به رفق كثير ونجحت أمورهم، وتيسّرت حوائجهم.
وكان جميل المحاضرة حسن التلقّي لا يردّ سائلا يسأله، فصيحا جميلا، حلو العبارة مليح الصورة، موطّأ الأكناف سمحا جوادا حليما جمّ الفضائل حادّ الذهن عارفا بالجدل جيّد البحث يمشي فيه على القواعد مع إنصاف وتأنّ، وقوّة الذكاء والميل إلى الأدب وأهله، وله فيه ذوق كثير [17 أ] ويستحضر من مختاره قطعة كبيرة، ويكتب الخطّ الحسن. وكان يتعصّب لناصح الدين الأرّجانيّ الشاعر (3)، واختار شعره وسمّاه: الشذر المرجانيّ من شعر الأرّجانيّ.
وما برح في قضاء القضاة حتّى صرف عنه في
- المملوكيّة 106).
(1)
الزّنّاري: لحاف للفرس أو البغلة مفتوح على الصدر ويغطّي الظهر وذيل الدابّة (دوزي)، والجوخ والمجوّخ بالجاخات: مخطّط بأشرطة ملوّنة للزينة (الملابس-
(2)
البدر القزوينيّ تأتي ترجمته برقم 3120 ج 7، والإشارة إلى هذه وتلك مفقودة.
(3)
ناصح الدين أحمد بن محمد الأرّجاني (ت 544) له ديوان مطبوع، الأعلام 1/ 209.
يوم الاثنين [
…
] جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين، بسبب ولده جمال الدين عبد الله وتجاسره بما لا يقدم عليه غيره من الانهماك في اللهو، ومدّ يده إلى أخذ الأموال في الولايات، وكثرة توسّعة واقتنائه الخيول المسوّمة الكثيرة ومعاشرة المماليك وأولاد الأكابر. فلمّا زاد أمره في ذلك أخرجه السلطان إلى دمشق فأقام بها مدّة، ثمّ تشفّع أبوه بالأمراء حتّى أحضر إلى القاهرة، فسلك على عادته وزاد. فأخرجه السلطان ثانيا إلى دمشق وهدّده، فلم يطق الصبر على فراقه لفرط حبّه إيّاه فسأل في عوده وضمن توبته، فأجيب إلى ذلك وطلب إلى القاهرة.
فبسط يده في عمارة الدار التي اشتراها أبوه من شمس الدين [
…
] بن الأطروش على النيل بجزيرة الفيل، حتى لم يكن على شاطئ النيل كحسنها، واستدعى لها الرخام وغيره من قضاة الأعمال وأحضر الصّنّاع من دمشق، فبلغت النفقة عليها زيادة على خمسمائة ألف درهم. فشنعت القالة بسببها وكثر تعنيف الأمراء لقاضي القضاة، فلم يعبأ بذلك. وجدّد ابنه عبد الله أيضا دارا بالقاهرة أنفق فيها ثمانين ألف درهم مع ما كان فيه من جفاء وقوّة نفس. فاشتدّ النكير على الجلال، ورفعت فيه وفي ابنه عبد الله وبقيّة أولاده عدّة قصص للسلطان بأنّه لا يولي أحدا [17 ب] قضاء شيء من الأعمال إلّا برشوة كبيرة، وأنّه يجتمع لولاية قضاء الناحية جماعة فيتزايدون في الولاية، وتبلغ الخمسة آلاف والستّة آلاف، والسلطان يغضي عن ذلك لمحبّته في الجلال وكثرة عنايته به، إلى أن عمل فيه حسن الغزّيّ الشاعر قطعة طويلة يعرّض فيها بأولاده وبالصارم مملوكه، منها [الرجز]:
قاض على الأيتام سلّ صارما
…
بحدّه يلتقط الدراهما
وشنّ من أولاده لهاذما
…
جرّدهم فانتهكوا المحارما
والشبل في المخبر مثل الأسد
…
وابنه البدر خطيب جلّق
بامرأة الكامل مشغوف شقيّ
…
بادره بالعزل فليس يرتقي
منابر الإسلام إلّا متّقي
…
متّزر ثوب العفاف مرتدي
يا ملك الإسلام يا ذا الهمّة
…
أزل عن الإسلام هذي الغمّة
واحلل بعبد الله سيف النقمة
…
فإنّه حجّاج هذي الأمّة
واردعه ردع كلّ مفسد
فلمّا بلغت السلطان بعث إليه الدوادار بأن يتوجّه لقضاء دمشق (وقال): فإنّه استحيى منك ومن الأمراء والناس. وكلّما عرّفك أن ترجع ابنك عمّا هو فيه يكثر فساده. فإذا طلعت إلى دار العدل فاستعف من القضاء بحضرة الأمراء.
فعند ما حضر دار العدل يوم الاثنين استعفى، فأعفي. ورسم بسفره على البريد، فسأل المهلة أيّاما فأجيب ونزل. وكان قد اقترض من المدرسة الأشرفيّة جملة، ومن مال الأيتام نحو مائتي ألف وثلاثين ألف درهم. فباع أملاكه وأثاثه، وباع من صنف الصينيّ خاصّة بمبلغ أربعين ألف درهم.
وباع ابنه عبد الله إحدى عشرة جارية ما بين ثمانية آلاف الجارية إلى أربعة آلاف، ومن الجوهر واللؤلؤ بما ينيف على مائة وعشرين ألف درهم، ودارا بخطّ دكّة الحسبة من القاهرة بمبلغ خمسة وثلاثين ألف درهم، وكان مصروفها زيادة على مائتي ألف درهم.
وأوفى ما عليه من الديون، وعوّض وقف الأشرفيّة كتبا كانت له بما في جهته للوقف.