الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2707 - أبو بكر الماذرائيّ [258 - 345]
[106 ب] محمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن الحسين، أبو بكر، ابن أبي الحسن، ابن أبي بكر، الماذرائيّ، الكاتب، متولّي خراج مصر.
أوّل من تولّى بمصر من الماذرائيّين جدّه أبو بكر أحمد بن إبراهيم الأطروش في أيّام أحمد بن طولون كما قد ذكر في ترجمته (1).
وولد محمد بن علي بنصيبين في ثالث عشر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين ومائتين- وقيل:
بل ولد لعشر خلون من شوّال. وقدم مصر في سنة اثنتين وسبعين هو وأخوه أبو الطيّب أحمد بن عليّ، وسنّه خمس عشرة سنة، وأبوه عليّ بن أحمد يملك النظر في جميع أمور مصر خلافة لأبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ووزارة.
فاستخلفه أبوه على الخراج ثمّ استخلفه أيضا على ديوان الترسّل في سنة ثمانين [ومائتين] بعد الحسين بن محمّد كاتب ابن أبي الساج.
فلمّا قتل أبوه وزر لهارون بن خمارويه، ولم يزل بمصر إلى أن زالت دولة بني طولون (2) فحمل هو وسائر الماذرائيّين فيمن حمل من مصر من الطولونيّة، إلى العراق. وأقام هناك من سنة اثنتين وتسعين إلى سنة إحدى وثلاثمائة.
فلمّا سار مؤنس بالعساكر من العراق لقتال
حباسة بمصر، قدم معه بأهله وولده يوم السبت لتسع خلون من ربيع الأوّل سنة اثنتين وثلاثمائة ودبّر أمر البلد وأمر ونهى، وأمر الخراج يومئذ إلى أخيه أبي الطيّب أحمد بن عليّ.
فلمّا مات أبو الطيّب في سنة ثلاث وثلاثمائة تقلّد أبو بكر الخراج بعده وأقام إلى آخر سنة أربع وثلاثمائة. فولي عمّه أبو زنبور (3) عوضه وأقام بمصر. وسار مع عمّه إلى العراق غير مرّة.
وواصل الحجّ من سنة إحدى وثلاثمائة إلى سنة اثنتين وعشرين تمام اثنتين وعشرين حجّة، أنفق في كلّ حجّة مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار.
وكان يخرج إلى الحجّ بتسعين ناقة [ب] أقتبة وأربعمائة جمل لجهازه وميرته، ومعه المحامل فيها أحواض البقول وأحواض الريحان بأنواعه، ومحامل فيها كلاب الصيد. فإذا وصل إلى الحجاز أنعم على بني الحسن والحسين، عليهما السلام، وعلى أبناء الصحابة رضي الله عنهم. وكان لهم عنده ديوان فيه أسماؤهم فينفق فيهم صررا مختومة بأسمائهم. وبلغت نفقته في عشر حجّات ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار. وكانت الوفود ترد إليه وتسير معه وتتلقّاه. وكان يبرز إلى أرض الجبّ (4) من الفسطاط إذا بقي من شوّال ثلاثة أيّام، فإذا استهلّ هلال ذي القعدة رفع من أرض الجبّ وسار إلى المدينة فصلّى بها جمعتين ثمّ يخرج إلى مكّة فيقيم بها [107 أ] إلى أن يستهلّ المحرّم. ثمّ يعود إلى المدينة فيصلّي بها جمعتين أيضا ويرحل إلى مصر.
(1) ترجمة الأطروش أحمد بن إبراهيم مرّت برقم 403، وترجمة أحمد بن طولون برقم 458. أمّا أبو بكر هذا فله ترجمة في تاريخ بغداد 3/ 79 (1062)، مع تغيير في اسم الجدّ: رستم عوض إبراهيم، وفي تاريخ الولادة:
257.
(2)
زالت الدولة الطولونيّة في ربيع الأوّل سنة 292 على يد محمد بن سليمان الكاتب (ترجمته رقم 2319).
(3)
أبو زنبور الحسين بن أحمد: مرّت ترجمته برقم 1224.
(4)
بركة الجبّ أو بركة الحجّاج: على نحو بريد شرقيّ القاهرة، وهي منزل واجب للحجّاج عند مسيرهم من القاهرة أو عودهم إليها (تعليق المرحوم الشيّال ص 273 من الاتّعاظ).
وكان تكين أمير مصر يشيّعه إذا خرج ويتلقّاه إذا رجع. وكان يحمل إلى الحجاز في كلّ سنة جميع ما يحتاج إلى تفرقته هناك من الدنانير والدراهم والثياب والحلوى والطيب والحبوب، ولا يترك من الأصناف صنفا حتى يحمله، بحيث إنّه لا ينصرف من الحجاز إلّا وجميع من فيهأغنياء.
ولقد قيل مرّة وهو بالمدينة النبويّة: «ما بات في هذه الليلة أحد بمكّة والمدينة وأعمالهما إلّا وهو شبعان من طعامك! » فبكى وخرّ ساجدا.
ووافى مرّة الوزير علي بن عيسى وهو بالمدينة النبويّة، فمشى في خدمته، وصاح أهل المدينة من الأشراف وغيرهم، ودعوا له وقالوا: أنت أبو الدنانير، وأبو الدراهم، وأبو القمح، وأبو الثياب، وأبو الحلوى، وأبو الخيرات، أحياك الله وكبت عدوّك!
وهو يقول: ادعوا لسيّدنا الوزير، أيّده الله!
فصاحوا: لا، أنت! ما نعرف سواك!
فضجر عليّ بن عيسى وقال: قد أغريتهم بي!
فقال: سبحان الله! إنّما الدعاء لسيّدنا الوزير، أيّده الله!
وكان طول السنة يرسل إلى الحجاز في البحر، فلم يزل مواصلا للحجّ إلى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. فلمّا دخل أبو بكر محمد بن طغج الإخشيد إلى مصر انقطع حجّه واستتر منه، فإنّه كان قد منعه من الدخول إلى مصر ونصب العساكر لقتاله وكانت عدّة العساكر التي جمعها لقتال الإخشيد ثلاثين ألفا، قام بتدبيرهم منذ مات تكين أمير مصر في ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين [وثلاثمائة]. فلمّا مات تكين استوحش وخاف أن يحضر جنازته فأتاه عبد الله بن أحمد بن طباطبا (1)، وقال له: رأيت فيما يرى النائم أنّ تكين يموت في يوم كذا، وأنّ محمّد بن عليّ الماذرائيّ لا يصيبه شيء، إلّا أنّه يعيش حياة نكدة.
فمات تكين في ذلك اليوم بعينه، وما زال به حتى ركب وحضر الجنازة. فلمّا وضعت، وتقدّم القاسم بن عبد الله الشبيبي ليصلّي، وكبّر أبو بكر من ورائه تكبيرتين، قرأ أبو جعفر ابن المتّفق وزير تكين، وهو إلى جانبه: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص: 20]. فقطع أبو بكر الصلاة ومضى. ولمّا شيّع الناس محمّد بن تكين وقد مضى بتابوت أبيه إلى القدس، سعوا بينه وبين أبي بكر حتى وقعت فتن عظام، وأحرقوا دوره ودور أهله وكثير من مجاوريه. واستتر وأخذ خليفته محمد بن عليّ الكرخيّ وجماعة من عمّاله.
[107 أ] وكتب أبو بكر محمد بن تكين إلى بغداد يسأل في إمارة مصر. وكتب أبو بكر الماذرائيّ أيضا يلتمس أميرا. فعاد إلى ابن تكين سجلّ بإمارة مصر. ورجع جواب أبي بكر الماذرائيّ بتفويض أمر مصر وردّ تدبيرها إليه، وأن يولّي من يختار. وقدم بهذا الجواب أحمد بن كيغلغ، فورد قبل قدوم ولاية ابن تكين. وورد كتاب من الحضرة على كلّ من ابن تكين وأبي بكر الماذرائيّ بوصيّة كلّ منهما بصاحبه. فظهر حينئذ أبو بكر الماذرائيّ من الاستتار ودبّر أمر البلد، وصار ابن كيغلغ من تحت يده، وجميع الجيش يغدون إليه ويروحون. فأنفق في الناس واصطنع قوما وقتل جماعة من أصحاب ابن تكين وأبيه.
هذا وابن تكين بالقدس.
فلمّا ورد عليه تقليد إمارة مصر سار إليها.
(1) عبد الله ابن طباطبا: له ترجمة في المقفّى (رقم 1516)، وكانت وفاته سنة 348.
فامتنع محمد بن عليّ من ذلك، واستجاش بالمغاربة، ومنعه من مصر فأقام بجرجير (1).
ووردت ولاية محمّد بن طغج في رمضان، وهو بدمشق. ثمّ قدمت ولاية أحمد بن كيغلغ في تاسع شوّال. فشغب الجند في أرزاقهم على محمد بن عليّ [الماذرائيّ] وحرقوا دوره ودور أهله. ووقعت فتنة بين الجند فافترقوا فرقتين، واقتتلوا في خامس ذي الحجّة وجرت بينهم أمور.
فبينا هم فيها إذ قدم عليهم محمد بن تكين في ثالث عشر ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين [وثلاثمائة] وأظهر ولايته على مصر فأنكر ذلك محمد بن عليّ، وصار في فرقة، وابن تكين في فرقة، وأحمد بن كيغلغ في فرقة. ووقعت حروب آلت إلى انهزام محمد بن تكين بعد مائة يوم واثني عشر يوما.
وأخذ أحمد بن كيغلغ المدينة وأسر ابن تكين ونفاه إلى الصعيد برأي محمد بن عليّ.
فوافت عساكر محمد بن طغج إلى تنيس مع صاعد بن الكلملم، وسار من مقدّمته في البرّ.
فعزم أحمد بن كيغلغ على أن يسلّم إلى محمد بن طغج، فأبى عليه محمد بن عليّ، وجهّز جيشا ليمانعه، فانهزم جيشه في سابع عشر شعبان، وكان قد أخرج محمد بن عليّ جميع من في مصر من أصحاب ابن تكين وأبيه، ولم يبق بمصر سوى المصريّين وأصحاب أحمد بن كيغلغ والمغاربة.
فلمّا فرغ من عرض العساكر عليه وضع العطاء، وعسكر خارج المدينة من الجبل إلى البحر، وصار يواصل الركوب إلى الجمعة لا يدعها على حال، وبين يديه وخلفه جيش مصر، فيهم جميع الأمراء
والقوّاد، وهو بالطيلسان.
فلمّا قدم محمد بن طغج خرج [108 أ] إليه أكثر الجند، ولقيه أحمد بن كيغلغ في ثالث عشر من شهر رمضان، فلم يقاتله، وسلّم إليه. فدخل محمد بن طغج إلى الفسطاط في رابع عشر منه واستتر محمد بن عليّ إلى أن قدم الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات (2)، فدلّ على موضعه، فركب هو والأمير محمد بن طغج وكبسا عليه الدار وأخذاه، فأسلمه محمد بن طغج إلى ابن الفرات. فلمّا دخل عليه قال له: إيش خبرك يا أبا بكر؟
قال: بخير أيّد الله الوزير!
فقال: إيش هذا الاستيحاش والتستّر؟ أنت تعلم أنّ الحجّ قد أطلّ ونحتاج لإقامة الحجّ.
فقال: نعمل على هذا إن كان إليّ (3) خمسة عشر ألف دينار.
قال: إيش خمسة عشر ألف دينار؟
قال: ما عندي غير هذا.
فقال له ابن الفرات: بهذا ضربت وجه السلطان بالسيف- يعني الأمير محمد بن طغج- ومنعت البلد من الدخول!
ثمّ صاح: يا شادن (4)، خذه إليك!
فأقامه وأدخله إلى بيت، وانصرف محمد بن طغج.
(1) خبر الفتن بين المترشّحين لولاية مصر مستفيض في تراجمهم في المقفّى: أحمد بن كيغلغ، محمد بن طغج، محمّد بن تكين إلخ
…
(2)
الفضل بن الفرات ابن حنزابة، هو والد الوزير جعفر بن الفرات الذي استقبل جوهرا وعقد معه العهد. وانظر عن الفضل التعليق ص 567 من فهرس كتاب العيون والحدائق.
(3)
معناه: إذا كلّفتموني بإمارة الحجّ، بذلت هذا المبلغ.
(4)
شادن: مولى الفضل بن الفرات، وقد تولّى شرطة مصر بعد سعيد بن عثمان في صفر سنة 328.
وكان محمد بن عليّ صائما فطوى وامتنع من الأكل والشرب لا يزيد على القراءة والصلاة، وبات على ذلك. وأصبح صائما، وامتنع عند العشاء من الأكل، حتّى عرف أنّ الوزير ابن الفرات لم يأكل في ليلته الماضية شيئا، وأنّه قال:
لا آكل أبدا حتى يأكل محمد بن عليّ!
فأكل حينئذ وشرب. فأنفذ ابن الفرات بمصادرته على ألف ألف، وقبض ضياعه التي بالشام ومصر، وتتبّع أسبابه، وحمله معه إلى الشام.
ثمّ عاد به إلى مصر. وخرج به ثانيا، فمات ابن الفرات بالرملة بعد ما أقام (1) معتقلا خمس سنين بالرملة وغيرها.
ثمّ عاد إلى مصر، فردّ إليه الأمير أبو بكر محمد بن طغج الإخشيد الأمور، وخلع على ابنه الحسين بن محمّد، وقلّده السيف وألبسه المنطقة، ولزم محمد بن عليّ الدّرّاعة (2) وسار إلى منزله وخلفه ابنه بالخلع، فعادت الأمور كلّها إليه.
فلمّا توجّه الإخشيد إلى قتال محمد بن رائق بالشام في المحرّم سنة ثمان وعشرين [وثلاثمائة] واستخلف أخاه الحسن بن طغج على مصر، أقام محمّد بن عليّ معه. فلم يزل يدبّر الأمور إلى أن قبض عليه الإخشيد في سنة إحدى وثلاثين [وثلاثمائة] بعد ما أعدّ له دارا تناهى في فرشها وملأها بجميع ما يحتاج إليه من ملبوس وطيب وطرائف ومآكل ومشارب، ونزل إليها وطافها، فلمّا أعجبه هيئة ما فيها، أمر به فاعتقل بها. وقيل
له: عملت كلّ هذا لمحمّد بن علي؟
فقال: نعم، هذا ملك وأروم أن لا يحتقر شيء لنا ولا يطلب حاجة إلّا ويجدها، لأنّه إن عجز [نا] عن شيء (3) أحضره من داره ونسقط من عينه.
فلمّا خرج الإخشيد إلى الشام في رجب سنة اثنتين وثلاثين [108 ب] حمل محمد بن عليّ معه، وعرض عليه الدخول إلى أمير المؤمنين المتّقي بالله إبراهيم ابن المقتدر فامتنع، وعاد معه إلى مصر.
فلم يزل بها حتى مات الإخشيد بدمشق في ذي الحجّة سنة أربع وثلاثين [وثلاثمائة] وورد الخبر إلى مصر بوفاته.
فاجتمع أبو المظفر الحسن بن طغج ووجوه مصر بدار الإمارة وتفرّقوا عن غير رأي. ثمّ اجتمعوا من الغد وهو يوم الخميس السادس من المحرّم سنة خمس وثلاثين [وثلاثمائة] وأحضروا محمد بن عليّ وشاوروه في أمرهم، فقال: أليس المتّقي لله استخلف الأمير أبا القاسم ابنه وكنّاه، واستخلفه الأمير أبو بكر محمد بن طغج الإخشيد رحمه الله، وكذلك استخلفه أمير المؤمنين المستكفي بالله؟
فكره الحاضرون قوله وأشاروا إلى أنّه صبيّ، فقال: هذا هو الرأي عندي، وأنا أجلست هارون بن أبي الجيش [بن] أحمد بن طولون وهو أصغر منه، ونزعت القرطين من أذنيه. ولقد انضبطت الأمور وطالت المدّة وحصّلت له ما كان لأبيه وجدّه من الرقّة إلى برقة. والأمير أبو القاسم نصبه واجب، حفظا لأبيه، ويخلفه عمّه أبو المظفّر.
(1) الذي بقي معتقلا هو الماذرائيّ. أمّا الفضل بن الفرات فقد مات سنة 327.
(2)
الدرّاعة: لباس مدني في مقابل القبا والمنطقة والسيف، وهي شارات القيادة العسكريّة. انظر: العيون والحدائق 671.
(3)
في المخطوط: إن عجز شيئا، واللغة في الحوار مختلّة منحطّة بوجه عامّ.