الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حَرْفُ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ] [
الْعَادَةُ فِيهَا مَبَاحِثُ]
(الْعَادَةُ) فِيهَا مَبَاحِثُ (الْأَوَّلُ) :
أَنَّهَا تَحْكُمُ فِيمَا لَا ضَبْطَ لَهُ شَرْعًا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله) فِي أَقَلِّ (سِنِّ) الْحَيْضِ وَالْبُلُوغِ، وَفِي قَدْرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَغَالِبٍ، وَكَذَلِكَ فِي إحْرَازِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، وَفِي ضَابِطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الضَّبَّةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَفِي قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ عِنْدَ مُوَالَاةِ الْوُضُوءِ، وَفِي الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ (وَكَثْرَةِ) الْأَفْعَالِ (الْمُنَافِيَةِ) لِلصَّلَاةِ، وَفِي التَّأْخِيرِ الْمَانِعِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الشُّرْبِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدَاوِلِ، وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ الْمَجْرَى إذَا كَانَ لَا يُضِيرُ مَالِكُهَا، إقَامَةً (لِلْعُرْفِ) مَقَامَ الْإِذْنِ اللَّفْظِيِّ، وَكَذَا الثِّمَارُ السَّاقِطَةُ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمَمْلُوكَةِ، وَفِي عَدَمِ رَدِّ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، وَمَا جُهِلَ حَالُهُ فِي الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ فِيهِ إلَى عَادَةِ بَلَدِ الْبَيْعِ فِي الْأَصَحِّ.
نَعَمْ لَمْ يَعْتَبِرْهَا (الْإِمَامُ) الشَّافِعِيُّ (رحمه الله) فِي صُورَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: اسْتِصْنَاعُ الصُّنَّاعِ (الَّذِينَ) جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ إلَّا (بِالْأُجْرَةِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله عَنْهُ) : إذَا لَمْ (يَجْرِ) مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ اسْتِئْجَارٌ لَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا.
الثَّانِيَةُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدِّهِ (بَيْعًا) ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ خِلَافَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ.
تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ: نَقَلَ الْأَئِمَّةُ (تَرَدُّدًا)(لِلشَّافِعِيِّ)(رحمه الله) فِي أَنَّ الْمُتَّبَعَ الْقِيَاسُ أَوْ الْعَادَةُ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الرُّمَاةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ (فِي الشَّرْعِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُوَافِقَةً) لِمُوجَبِ (الشَّرْعِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّرَدُّدِ، وَالْمُتَّبَعُ الشَّرْعُ وَقِيَاسُهُ. وَإِنْ كَانَ لِلرُّمَاةِ عَادَةٌ يُنَاقِضُهَا)
الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ فَلَا مَعْنَى لِاتِّبَاعِ عَادَتِهِمْ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالتَّعَلُّقِ بِالْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ عَادَةَ الْفُقَهَاءِ.
الثَّانِي:
بِمَاذَا تَسْتَقِرُّ الْعَادَةُ؟ اعْلَمْ أَنَّ مَادَّةَ الْعَادَةِ تَقْتَضِي تَكَرُّرَ الشَّيْءِ وَعَوْدَهُ (تَكَرُّرًا) كَثِيرًا يَخْرُجُ عَنْ
كَوْنِهِ وَقَعَ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقَاضِي (أَبُو بَكْرٍ الْأُصُولِيُّ) وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: الْإِنْسَانُ إذَا تَعَسَّرَ فَأَخَذَ السَّقَمُونْيَا (فَأَسْهَلَتْهُ) ثُمَّ أَخَذَهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَكَذَا وَقَعَ الْعِلْمُ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ مَتَى شَرِبَهَا (أَسْهَلَتْهُ) ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ تُفِيدُ الْعِلْمَ (الضَّرُورِيَّ) ، وَلِهَذَا كَانَ خَرْقُ الْعَوَائِدِ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ أَوْ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَيَخْتَلِفُ الْأَمْرُ بِحَسَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَمِنْهَا الْعَادَةُ فِي وُجُودِ أَقَلِّ الطُّهْرِ إذَا خَالَفَتْ الْعَادَةُ الْمُعْتَادَةَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِثَلَاثٍ مُتَوَالِيَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ إذْ قَالَ: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ (طُهْرَ الْمَرْأَةِ) أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ (يَوْمًا) قَبِلْنَا قَوْلَهَا فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:(إمَّا) أَنْ يَتَكَرَّرَ طُهْرُ الْمَرْأَةِ مِرَارًا مُتَوَالِيَةً أَقَلُّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، (فَإِنْ تَفَرَّقَ) وَلَمْ يَتَوَالَ لَمْ (يَصِرْ) عَادَةً، أَوْ يُوجَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ (جَمَاعَةِ) نِسَاءٍ أَقَلُّهُنَّ (ثَلَاثٌ) .
وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْعِدَدِ وَجْهًا أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ (وَقَالَ) وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، وَمِنْهَا الِاسْتِحَاضَةُ، وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَثْبُتُ بِالْمَرَّةِ قَطْعًا وَهِيَ أَصْلُ الِاسْتِحَاضَةِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ إذَا فَاتَحَهَا الدَّمُ الْأَسْوَدُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ (مَثَلًا ثُمَّ تَغَيَّرَ) إلَى الضَّعِيفِ فَلَا تَغْتَسِلُ وَلَا تُصَلِّي بَلْ تَتَرَبَّصُ فَلَعَلَّ الضَّعِيفَ يَنْقَطِعُ دُونَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا، فَإِنْ (جَاوَزَ) الْخَمْسَةَ عَشَرَ تَدَارَكَتْ مَا فَاتَ (فَإِنْ) كَانَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فَكَمَا انْقَلَبَ الدَّمُ إلَى الضَّعِيفِ تَغْتَسِلُ (إذْ) بَانَ اسْتِحَاضَتُهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِحَاضَةُ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ (أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ دَامَتْ) .
ثَانِيهَا: مَا (تَثْبُتُ) بِمَرَّةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ فِي الْمُعْتَادَةِ الَّتِي سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ فَتَرُدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ هُنَا، لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ (لَا يُوثَقُ بِهِ فَقِيلَ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ) .
ثَالِثُهَا: (مَا لَا يَثْبُتُ بِالْمَرَّةِ) وَلَا بِالْمَرَّاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ قَطْعًا، وَهِيَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً، وَاسْتَمَرَّتْ بِهَا الْأَدْوَارُ هَكَذَا، وَقُلْنَا بِقَوْلِ اللَّقَطِ فَأَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّا لَا نَلْتَقِطُ لَهَا (نَظِيرَ) أَيَّامِ الدَّمِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا (نُحَيِّضُهَا) مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ عَلَى الْوَلَاءِ مَا كُنَّا (نَجْعَلُهُ) حَيْضًا بِالتَّلْفِيقِ حَتَّى لَوْ
كُنَّا نَلْتَقِطُ (لَهَا) خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ (فَنُحَيِّضُهَا) خَمْسَةً وَلَاءً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُطْبَقِ.
قَالَ الْإِمَامُ وَلِلِاحْتِمَالِ فِيهِ مَجَالٌ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ مِرَارًا، وَلَمْ تَرَ نِفَاسًا ثُمَّ وَلَدَتْ، وَأَطْبَقَ الدَّمُ وَجَاوَزَ سِتِّينَ يَوْمًا فَإِنَّ عَدَمَ النِّفَاسِ لَا (يَصِيرُ) عَادَةً لَهَا بِلَا خِلَافٍ، بَلْ (هَذِهِ) مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ.
رَابِعُهَا: مَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِسَبَبِ تَقَطُّعِ الدَّمِ، إذَا كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخَرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالْمَرَّةِ وَهِيَ (الِانْقِطَاعُ) الْأَوَّلُ بَلْ تُؤْمَرُ بِمَا تُؤْمَرُ بِهِ (الطَّاهِرَاتُ بِمُجَرَّدِ) الِانْقِطَاعِ، بِخِلَافِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ، لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ قَدْ (أُثْبِتَ) عَادَةً فِي الِانْقِطَاعِ.
وَمِنْهَا اخْتِبَارُ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَكُونُ بِمَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ.
وَمِنْهَا اخْتِبَارُ الْجَارِحَةِ فِي الصَّيْدِ لَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ (التَّعَلُّمِ)، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ:(يُكْتَفَى) بِمَرَّتَيْنِ.
وَمِنْهَا الْقَائِفُ هَلْ يُشْتَرَطُ بِثَلَاثٍ أَوْ يُكْتَفَى بِمَرَّتَيْنِ (رَجَّحَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ الْأُوَلَ، وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا بُدَّ مِنْ تَكْرَارٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عَارِفٌ.
الثَّالِثُ:
الْعَادَةُ إذَا اطَّرَدَتْ يَنْزِلُ اللَّفْظُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهَا، وَإِذَا اضْطَرَبَتْ لَمْ تُعْتَبَرْ وَوَجَبَ الْبَيَانُ، (وَإِذَا) تَعَارَضَتْ الظُّنُونُ فِي اعْتِبَارِهَا فَخِلَافٌ.
وَهَذَا الْأَصْلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، فَقَالَ كُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اضْطِرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ (الْمُحْكَمُ) وَمُضْمَرُهُ (كَالْمَذْكُورِ) صَرِيحًا، وَكُلُّ مَا يُعَارِضُ الظُّنُونَ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ انْتَهَى.
فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ، وَأَطْلَقَ (يَنْزِلُ) عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَلَوْ اضْطَرَبَتْ الْعَادَةُ فِي الْبَلَدِ فَإِطْلَاقُ الدَّرَاهِمِ فَاسِدٌ، بَلْ لَوْ غَلَبَتْ الْمُعَامَلَةُ بِجِنْسٍ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ بِنَوْعٍ مِنْهُ (انْصَرَفَ) الثَّمَنُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَصَحِّ "، كَالنَّقْدِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِلْخِيَاطَةِ أَوْ النَّسْخِ أَوْ الْكُحْلِ، فَفِي وُجُوبِ الْخَيْطِ (وَالْحِبْرِ) وَالْكُحْلِ عَلَى مَنْ خِلَافٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي (الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ فَإِنْ اضْطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلَّا فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ.
وَمِنْ هَذَا الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ يَتَقَيَّدُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَالْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا (يَجِبُ)(إبْقَاؤُهَا) إلَى
أَوَانِ الْقِطَافِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ السَّقْيِ بِمَائِهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ بِاللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فِي أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي، وَكَذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَخْتَلِفُ (عَادَةُ) النَّاسِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ وَنَحْوِهِ.
وَمَنْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَمَنْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَزِمَهُ شَاةٌ مِنْ غَالِبِ شِيَاهِ الْبَلَدِ، وَالْفِدْيَةُ فِي الْحَجِّ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ، وَالْكَفَّارَةُ كَذَلِكَ، وَإِبِلُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْجَانِي، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ تَجِبُ مِنْ غَالِبِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ أَغْلَبِهَا كَذَلِكَ.
وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْحَرْبِيِّ فِي الدُّخُولِ لِدَارِ الْإِسْلَامِ بِلَا شَرْطٍ فَهَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْعُشْرَ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمَعْهُودِ أَمْ لَا؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: فِي الْوَجِيزِ الثَّانِي.
الرَّابِعُ:
الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي نَاحِيَةٍ نَزَّلَهَا الْقَفَّالُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ فَقَالَ إذَا عَمَّ النَّاسَ اعْتِيَادُ إبَاحَةِ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ فَاطِّرَادُ الْعَادَةِ فِيهِ (بِمَثَابَةِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ حَتَّى يَفْسُدَ الرَّهْنُ، وَجَعَلَ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ) بِمَثَابَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ وَلَمْ يُسَاعِدْهُ الْجُمْهُورُ فِيهِمَا.
وَلَوْ جَرَتْ عَادَةٌ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَرُدُّ أَزْيَدَ مِمَّا اقْتَرَضَ، فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ وَيَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَصَدَ ذَلِكَ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِقَطْعِ الْحِصْرِمِ قَبْلَ النُّضْجِ فَهَلْ تَنْزِلُ عَادَتُهُمْ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا، وَقَالَ الْقَفَّالُ نَعَمْ، وَكَذَا بَيْعُ الْعِينَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مُؤَجَّلًا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ نَقْدًا إذَا صَارَ
ذَلِكَ عَادَةً، (وَقَالَ) الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، لَكِنْ يُكْرَهُ.
قَالَ الْإِمَامُ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا فُرِضَ نُدُورُهُ فِي قُطْرٍ ثُمَّ تُصُوِّرَ اطِّرَادُهُ، وَالْحُكْمُ بِالْعَادَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ (، وَمِنْهُ)(مَنْشَأُ) اخْتِلَافِهِمْ فِي (كَثْرَةِ) دَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي بَعْضِ (الصِّقَاعِ) فِي حُكْمِ الْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ بَارَزَ كَافِرٌ مُسْلِمًا، وَشَرَطَ الْأَمَانَ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إعَانَةُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ الْمُبَارَزَةِ بِالْأَمَانِ، فَفِي كَوْنِهِ كَالْمَشْرُوطِ (وَجْهَانِ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الرُّويَانِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ كَالْمَشْرُوطِ) قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي السِّيَرِ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: عَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ، وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (رحمه الله) .
وَمِنْهَا أَمْرُ السُّلْطَانِ ذِي السَّطْوَةِ، وَعَادَتُهُ أَنْ يَسْطُوَ بِمَنْ يُخَالِفُهُ يَقُومُ (مَقَامَ) التَّوَعُّدِ (نُطْقًا) وَنَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ
حَتَّى يَأْتِيَ فِي (وُجُوبِ) الْقِصَاصِ عَلَى مَأْمُورِهِ (إذَا عَلِمَ أَنَّهُ) مُبْطِلٌ الْقَوْلَانِ فِي الْمُكْرَهِ.
وَفِي أَمْرِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْهُ ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدَاهُمَا: عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِيَةُ: عَلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ (بِإِكْرَاهٍ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ جَزْمًا حَكَاهُمَا فِي الْمَطْلَبِ.
الْخَامِسُ: الْعَادَةُ إنَّمَا (تُقَيِّدُ) اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ إذَا تَعَلَّقَ بِإِنْشَاءِ أَمْرٍ فِي الْحَالِ دُونَ مَا يَقَعُ (إخْبَارًا) عَنْ مُتَقَدِّمٍ فَلَا (يُقَيِّدُهُ) الْعُرْفُ الْمُتَأَخِّرُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَقَالَ: الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا؛ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيمَا يَرُوجُ فِي (الْبُقْعَةِ) غَالِبًا، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِيهَا.
أَمَّا فِي التَّعْلِيقِ فَلِقِلَّةِ وُقُوعِهِ، وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ (وُجُوبٍ) سَابِقٍ وَرُبَّمَا يُقَدَّمُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ أَوْ (رَغَبٍ) فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى، وَفِي الْإِقْرَارِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ سِكَّةِ الْبَلَدِ لَا يُقْبَلُ.
وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ فَلَيْسَ هَذَا (بِتَعَلُّقٍ)(فَنَزَلَ عَلَى الْغَالِبِ) عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعَامَلَاتِ، قُلْت: وَمِثْلُ الْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ الدَّعْوَى قَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَقْضِيَةِ: الدَّعْوَى بِالدَّرَاهِمِ لَا تَنْزِلُ عَلَى الْعَادَةِ، كَمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَا لَا يَنْزِلُ عَلَى الْعَادَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفِ، وَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَفَرَّقُوا بِمَا سَبَقَ أَنَّ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا تَقَدَّمَ، فَلَا (يُقَيِّدُهُ) الْعُرْفُ (الْمُتَأَخِّرُ) ، بِخِلَافِ (الْعَقْدِ) فَإِنَّهُ (أَمْرٌ) بَاشَرَهُ (فِي الْحَالِ فَقَيَّدَهُ الْعُرْفُ، لَكِنْ حَكَاهُ صَاحِبُ رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَجْهًا، وَصَدَّرَ كَلَامَهُ بِجَوَازِ الْإِطْلَاقِ، وَيُحْمَلُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ)، قَالَ: وَاخْتَارَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ.
وَلَوْ أَقَرَّ فِي بَلَدٍ (دَرَاهِمُهُ) نَاقِصَةٌ بِأَلْفٍ (مُطْلَقَةٍ) لَزِمَهُ النَّاقِصَةُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِعُرْفِ الْبَلَدِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْوَازِنَةُ؛ لِعُرْفِ الشَّرْعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ، لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي بَلَدٍ دَرَاهِمُهُ نَاقِصَةٌ (أَنَّهُ) تَلْزَمُهُ النَّاقِصَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَامَلَةٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فِيهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ
الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ أَمْ لَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَوَافُقِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَلْفٍ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِأَلْفَيْنِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ لُزُومَ (أَلْفٍ) وَازِنَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ (وُجُوبُ) أَلْفَيْنِ.
(السَّادِسُ) :
إذَا اخْتَلَفَتْ الْعَادَةُ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِنَفْسِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ فِيهِ خِلَافٌ فِي صُوَرٍ: (مِنْهَا) : لَوْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ فَوْقَ الْعَادَةِ وَجَاوَزَ الصَّفْحَةَ لَمْ (يُجْزِهِ) الْحَجْرُ، وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِعَادَةِ النَّاسِ أَمْ بِعَادَةِ نَفْسِهِ فِيهِ؟ وَجْهَانِ (حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ) .
(وَمِنْهَا) : لَوْ تَعَذَّرَ الْمَشْيُ فِي الْخُفِّ؛ لِسَعَتِهِ الْمُفْرِطَةِ أَوْ لِضِيقِهِ فَفِي الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ صَالِحٌ لِلْمَشْيِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ غَيْرُهُ لَارْتَفَقَ بِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي إدَامَةِ مِثْلِ هَذَا الْخُفِّ فِي الرِّجْلِ.
(وَلِهَذَا شَبَهٌ) بِالْكَفَّارَةِ يُدْفَعُ (لِلْكَبِيرِ مَا لَا يَصْلُحُ) إلَّا لِلُّبْسِ الصَّغِيرِ.