المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[حَرْفُ الْجِيمِ] [

- ‌الْجَائِزُ]

- ‌[الْجُبْرَان]

- ‌[الْجَعَالَةُ كَالْإِجَارَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ]

- ‌[الْجِلْسَاتُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ]

- ‌[الْجَمْعُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[الْجَهْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[حَرْفُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الْحَاجَةُ الْعَامَّةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ الْخَاصَّةِ فِي حَقِّ آحَادِ النَّاسِ]

- ‌[الْحَاجَةُ الْخَاصَّةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ]

- ‌[الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ]

- ‌[الْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحُجَّةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ]

- ‌[حَدِيثُ النَّفْسِ لَهُ خَمْسُ مَرَاتِبَ]

- ‌[الْحُدُودُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحَدَثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَالِاسْتِيلَاءِ]

- ‌[الْحَرِيمُ يَدْخُلُ فِي الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ]

- ‌[الْحَشَفَةُ]

- ‌[الْحَصْرُ وَالْإِشَاعَةُ]

- ‌[الْحُقُوقُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[الْحُقُوقُ تُوَرَّثُ كَمَا يُوَرَّثُ الْمَالُ]

- ‌[الْحُقُوقُ الْمُوَرَّثَةُ]

- ‌[حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَة]

- ‌[حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَتْ]

- ‌[الْحُكْمُ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[حُكْمُ الْحَاكِمِ]

- ‌[الْحَلَالُ]

- ‌[الْحَلِفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحَمْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحَوَاسُّ خَمْسَةٌ]

- ‌[الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ وَحَقِّهِ]

- ‌[الْحِيَلُ]

- ‌[الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالْمُسْتَمِرَّةُ وَعَيْشُ الْمَذْبُوحِ]

- ‌[الْحَيَوَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أُمُورٌ]

- ‌[حَرْفُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الْخَبَرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ]

- ‌[الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَة]

- ‌[الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ]

- ‌[الْخُطَبُ اثْنَتَا عَشْرَةَ]

- ‌[الْخَطَأُ يَرْفَعُ الْإِثْمَ]

- ‌[الْخَلْطُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ]

- ‌[الْخُلْفُ فِي الصِّفَةِ]

- ‌[الْخِلَافُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْخِيَارُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[حَرْفُ الدَّالِ] [

- ‌الدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ]

- ‌[الدَّوْرُ قِسْمَانِ]

- ‌[الدَّيْنُ ضَرْبَانِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ]

- ‌[حَرْفُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الذَّهَبُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّجَالِ]

- ‌[حَرْفُ الرَّاءِ] [

- ‌الرُّخَصُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الرِّدَّةُ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ]

- ‌[الرِّشْوَةُ أَخْذُ الْمَالِ لِيُحِقَّ بِهِ الْبَاطِلَ أَوْ يُبْطِلَ الْحَقَّ]

- ‌[الرِّضَا بِالشَّيْءِ رِضًا بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ]

- ‌[حَرْفُ الزَّاي] [

- ‌الزَّائِلُ الْعَائِدُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ]

- ‌[الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ]

- ‌[الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا أَثَرَ لَهَا]

- ‌[الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ]

- ‌[الزَّرْعُ النَّابِتُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ]

- ‌[حَرْفُ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌السَّبَبُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[السِّرَايَةُ حَقِيقَتُهَا]

- ‌[السَّفَرُ قِسْمَانِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ]

- ‌[السَّفِيهُ تَصَرُّفَاتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[السَّكْرَانُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالصَّاحِي]

- ‌[السُّكُوتُ ضَرْبَانِ]

- ‌[السُّنَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[السُّؤَالُ مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ]

- ‌[سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ]

- ‌[السَّهْوُ]

- ‌[السَّهْوُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[السَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً]

- ‌[حَرْفُ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الشَّبَهُ]

- ‌[الشُّبْهَةُ فِيهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الشَّرْطُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[شَرْطُ الْعِلَّةِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى شَطْرِ الْعِلَّةِ]

- ‌[الشُّرُوعُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ]

- ‌[الشَّفَاعَةُ ضَرَاعَةٌ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ]

- ‌[الشَّرِكَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الشَّكُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الشَّلَلُ هَلْ هُوَ مَوْتٌ أَوْ تَيَبُّسٌ]

- ‌[حَرْفُ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الصَّبِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الصِّحَّةُ وَالْجَوَازُ وَالِانْعِقَادُ فِي بَابِ الْعُقُودِ]

- ‌[الصَّرِيحُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الصِّفَةُ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلتَّوْضِيحِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحُقُوقِ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ]

- ‌[حَرْفُ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا]

- ‌[الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ]

- ‌[أَسْبَابُ الضَّمَانُ]

- ‌[حَرْفُ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الطَّارِئُ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ]

- ‌[الطَّهَارَةُ تَثْبُتُ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ]

- ‌[حَرْفُ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌ظُهُورُ أَمَارَاتِ الشَّيْءِ هَلْ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَحَقُّقِهِ]

- ‌[الظَّنُّ إذَا كَانَ كَاذِبًا فَلَا أَثَرَ لَهُ]

- ‌[حَرْفُ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الْعَادَةُ فِيهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الْعِبَادَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِ]

- ‌[الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ بِمَعَانِيهَا]

- ‌[الْعَدَالَةُ هَلْ تُتَحَرَّى]

- ‌[الْعُذْرُ الْعَامُّ]

- ‌[الْعُرْفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْعَزْمُ عَلَى الْإِبْطَالِ مُبْطِلٌ]

- ‌[الْعَقْدُ حقيقته]

- ‌[الْعَمَلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[عِلَّةُ الْحُكْمُ إذَا زَالَتْ وَخَلَفَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[الْعَوْلُ وَالرَّدُّ]

- ‌[الْعُيُوبُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا]

- ‌[حَرْفُ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الْغَايَةُ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ]

- ‌[غَالِبُ الْبَلَدِ يُعْتَبَرُ فِي مَسَائِلَ]

- ‌[حُكْم غَرِيمُ الْغَرِيمِ]

- ‌[الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ]

- ‌[حُكْم غُسْلُ الْعِيدَيْنِ]

الفصل: ‌[العرف يتعلق به مباحث]

الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْعُذْرَ كَمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ يَحْصُلُ الثَّوَابُ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ الْفِعْلَ عَلَى الدَّوَامِ.

وَلِهَذَا الْمَعْذُورُ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ [اللَّهُ] لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا» .

نَعَمْ الْحَائِضُ لَا يُكْتَبُ لَهَا (ثَوَابُ الصَّلَاةِ) زَمَنَ الْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ أَنَّ نِيَّتَهُمَا الْفِعْلُ عَلَى الدَّوَامِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِمَا لَهُ، وَالْحَائِضُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّ نِيَّتَهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ زَمَنَ الْحَيْضِ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا (فَنَظِيرُهَا) مُسَافِرٌ أَوْ مَرِيضٌ كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي وَقْتٍ، وَيَتْرُكُهَا فِي آخَرَ غَيْرُ نَاوٍ لِلدَّوَامِ عَلَيْهَا فَهَذَا لَا يُكْتَبُ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَنْتَفِلُ فِيهِ.

[الْعُرْفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

ُ الْأَوَّلُ: الْحَقَائِقُ ثَلَاثَةٌ: لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَعُرْفِيٌّ

وَاللَّا عُرْفِيُّ تَارَةً يَكُونُ عَامًا وَتَارَةً يَكُونُ خَاصًّا، ثُمَّ تَارَةً تَتَّفِقُ هَذِهِ الْحَقَائِقُ، وَتَارَةً تَخْتَلِفُ فَإِنْ اتَّفَقَتْ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ أَوْ النَّهْرِ (فَإِنَّ) اسْمَهُ

ص: 377

بِذَلِكَ (مِمَّا) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحَقَائِقُ الثَّلَاثُ.

وَإِنْ اخْتَلَفَتْ، وَتَعَارَضَتْ فَلَهَا أَحْوَالٌ الْأُولَى:(أَنْ) يَتَعَارَضَ الْعُرْفُ مَعَ الشَّرْعِ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ حُكْمٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَرَّرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَلَا يَحْنَثُ (بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ) ، وَإِنْ (سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى) لَحْمًا، أَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ (سَمَّاهَا) اللَّهُ (تَعَالَى) بِسَاطًا.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي سِرَاجٍ لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ فِي الشَّمْسِ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سِرَاجًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ تَحْتَ سَقْفٍ فَقَعَدَ تَحْتَ السَّمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ (تَعَالَى) سَقْفًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ فَوَضَعَهَا عَلَى (جَبَلٍ)(لَمْ يَحْنَثْ) ، وَإِنْ سَمَّى اللَّهُ الْجِبَالَ أَوْتَادًا.

ص: 378

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً فَأَكَلَ سَمَكًا أَوْ جَرَادًا مَيْتًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ (سَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْتَةً) أَوْ لَا يَأْكُلُ دَمًا فَأَكَلَ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ لَمْ يَحْنَثْ قَطْعًا.

وَوَجْهُهُ فِي الْكُلِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُسَمُّونَهَا (بِذَلِكَ) فَقُدِّمَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ تَسْمِيَةٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا تَكْلِيفٌ.

الثَّانِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِمَا نَوَاهُ وَفَعَلَهُ قَالَ (اللَّهُ) تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] أَيْ: قَصَدْتُمْ، وَعَقْدُ الْقَلْبِ: قَصْدُهُ وَتَصْمِيمُهُ.

نَعَمْ لَوْ تَقَاطَرَ مِنْ الْكَبِدِ (أَوْ الطِّحَالِ) دَمٌ فَأَكَلَهُ حَنِثَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ دَمًا.

وَلَيْسَ لَنَا عَيْنٌ تُؤْكَلُ مُتَّصِلَةً، وَلَا تُؤْكَلُ مُنْفَصِلَةً إلَّا هَذِهِ وَدُودُ الْفَاكِهَةِ وَالرَّوْثُ فِي جَوْفِ السَّمَكِ الصِّغَارِ، وَفِي (الْجَرَادِ) ، وَقِشْرُ الْبَيْضِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مُنْفَصِلًا، وَيَحِلُّ ابْتِلَاعُ الْبَيْضَةِ بِقِشْرِهَا.

وَلَيْسَ لَنَا عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مِنْ الْجَمَادِ إذَا انْفَصَلَ مِنْهَا جُزْءٌ يَصِيرُ نَجَسًا إلَّا دَمَ الْكَبِدِ

ص: 379

وَالطِّحَالِ، فَإِذَا انْفَصَلَ صَارَ نَجِسًا فِي الْأَصَحِّ؛ لِكَوْنِهِ صَارَ دَمًا.

النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعُرْفِ الشَّرْعِ حُكْمٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ التَّسْبِيحِ.

وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا (بِالْإِمْسَاكِ) بِالنِّيَّةِ فِي زَمَنٍ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ وَلَا يَحْنَثُ بِمُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ، وَإِنْ كَانَ صَوْمًا لُغَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ فَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْعُرْفِ لَا يَعْنِي بِهِ غَيْرَ الْوَطْءِ.

وَلَوْ قَالَ: (إنْ) رَأَيْتِ الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَآهُ غَيْرُهَا وَعَلِمَتْ بِهِ طَلُقَتْ حَمْلًا (لَهُ) عَلَى الشَّرْعِ، فَإِنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: لَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ نَكَحَ أَوْ رَاجَعَ أَوْ طَلَّقَ هَازِلًا نَفَذَتْ وَصَحَّتْ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَهَا بَيْعًا وَشِرَاءً وَنِكَاحًا وَطَلَاقًا، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ فَفِي الْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» ، وَنَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالثَّلَاثِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا، وَأَوْلَى مِنْهَا (كَمَا) قَالَ تَعَالَى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65]{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة: 66] فَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا، وَلَمْ يَقْصِدْ الْكُفْرَ كَفَرَ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ (مَازِحًا) وَلَمْ يَقْصِدْ السَّرِقَةَ حَرُمَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ

ص: 380

لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ جَادًّا وَلَا هَازِلًا» .

وَهُنَا تَنْبِيهٌ: وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ قُدِّمَ الشَّرْعِيُّ عَلَى الْعُرْفِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ فَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى أَدْنَى الْمَرَاتِبِ (تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ) وَعَدَمِ (النَّقْلِ)، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ سِرًّا فَنِكَاحُ السِّرُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ: الْوَطْءُ سِرًّا دُونَ الْعَقْدِ، وَفِي الشَّرْعِ أَدْنَى مَرَاتِبِ (نِكَاحِ) السِّرِّ أَنْ يَكُونَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، فَإِنْ عَقَدَ بِوَلِيٍّ وَثَلَاثَةِ شُهُودٍ خَرَجَ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ، وَلَمْ يَحْنَثْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ (مُخَالِفٌ لِلسِّرِّ) فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ السِّرَّ لُغَةً مَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ شَخْصًا وَاحِدًا.

وَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ قَاعِدَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ تَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَالشَّرْعُ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهَا أَمْ يَتَعَيَّنُ تَخْصِيصُ الشَّرْعِ؟ يُخَرَّجُ مِنْ كَلَامِهِمْ (فِيهَا وَجْهَانِ)، وَالْأَصَحُّ: اعْتِبَارُ خُصُوصِ الشَّرْعِ.

وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَمَا وَقَعَ فِي (زَوَائِدِ) الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحِنْثِ مَمْنُوعٌ، بَلْ الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عَلَى مُقْتَضَى مَا رَجَّحَهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

ص: 381

وَمِنْهَا: لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ، فَهَذَا عَامٌّ وَلَكِنْ فِي الشَّرْعِ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَدْخُلُونَ عَمَلًا بِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ وَلِلرَّافِعِيِّ بَحْثٌ فِيهِ.

وَمِنْهَا: (لَوْ) حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ الْمُتَغَيِّرَ بِمَا يُخَالِطُ الْمَاءَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْهُ كَزَعْفَرَانٍ لَا يَحْنَثُ.

وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي الْمَاءَ، فَاشْتَرَى لَهُ الْوَكِيلُ هَذَا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ، حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ، فَإِنْ قِيلَ: هُوَ فِي الْعُرْفِ يُسَمَّى مَاءً، قُلْنَا: الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ مُقَدَّمٌ، أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُطْلَقٌ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فَيَجِيءُ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا هَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْمَيْتَةِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ مَاءً قَدْ تَنَجَّسَ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ؛ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قُلْنَا: مُطَلَّقٌ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ، كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ فَيَجِيءُ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: إنْ رَأَيْتِ الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ حُمِلَتْ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِنَّهَا الشَّرْعِيَّةُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» دُونَ الرُّؤْيَةِ بِالْبَصَرِ.

ص: 382

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ إنْ رَأَيْت (الدَّمَ) .

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ تَعَارُضُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ الْعَامِّ.

فَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْكَافِي رِوَايَةَ (وَجْهَيْنِ) فَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا اجْتَمَعَ فِي الْيَمِينِ الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ، وَالدَّلَالَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ أَوْلَى، وَاللَّفْظُ مَتَى كَانَ مُطْلَقًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.

الثَّانِي: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحْيِي السُّنَّةِ الدَّلَالَةُ الْعُرْفِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ (مُحْكَمٌ) فِي التَّصَرُّفَاتِ سِيَّمَا فِي الْأَيْمَانِ.

قَالَ فَلَوْ (دَخَلَ) دَارَ صَدِيقِهِ فَقَدَّمَ إلَيْهِ طَعَامًا فَامْتَنَعَ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَأْكُلْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَخَرَجَ، وَلَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ قَدِمَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَقَدَّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ الطَّعَامَ فَأَكَلَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْنَثُ (انْتَهَى) .

ص: 383

وَأَقُولُ اللُّغَةُ تَارَةً يَعُمُّ اسْتِعْمَالُهَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَتَارَةً يَخُصُّ اسْتِعْمَالُهَا، وَتَارَةً يُقَيَّدُ فِي إطْلَاقِهِمْ فَإِنْ عَمَّتْ اللُّغَةُ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ هَذَا مَذْهَبُ (الْإِمَامِ) الشَّافِعِيِّ (رحمه الله) ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّوسَ، (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إنْ تَطَابَقَ الْعُرْفُ وَالْوَضْعُ فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى الْوَضْعِ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ (اعْتِبَارَ) الْعُرْفِ.

(وَيَنْبَنِي) عَلَى هَذَا قَاعِدَةٌ:

(وَهِيَ) إذَا عَارَضَ اللُّغَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عُرْفٌ خَاصٌّ وَيُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ: يُرَاعِي عُرْفَ وَاضِعِ اللِّسَانِ أَوْ عُرْفَ الْحَالِفِ، وَإِنْ شِئْت فَقُلْ: هَلْ يُعْتَبَرُ عُرْفُ اللَّفْظِ أَوْ عُرْفُ اللَّافِظِ؟ (أَوْ: أَنَّ) الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ الْعَامَّ؟ وَقَدْ سَبَقَتْ بِفُرُوعِهَا فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ مَاءً حَنِثَ بِالْعَذْبِ وَالْمِلْحِ، وَإِنَّمَا حَنِثَ بِالْمِلْحِ (، وَإِنْ لَمْ) يَعْتَدْ شُرْبَهُ (اعْتِبَارًا) بِالْإِطْلَاقِ وَالِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ.

وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخَاصُّ لَيْسَ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَجْهٌ (أَلْبَتَّةَ)(فَالْمُعْتَبَرُ) اللُّغَةُ، كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَنَظَائِرِهَا.

ص: 384

وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ اسْتِعْمَالٌ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا (أَوْ لَا) يَسْكُنُهُ فَاسْمُ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَى الْمَبْنِيِّ بِالطِّينِ وَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ (سُمِّيَ) بَيْتًا؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، كَمَا قَالَهُ (الزَّجَّاجُ) فِي تَفْسِيرِهِ.

ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَالِفُ بَدْوِيًّا حَنِثَ بِكُلٍّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَظَاهَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَاللُّغَةُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَهُ بَيْتًا، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَوَجْهَانِ بِنَاءً (عَلَى الْأَصْلِ) الْمَذْكُورِ (، وَإِنْ) اعْتَبَرْنَا الْعُرْفَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ اسْمِ الْبَيْتِ هُوَ الْمَبْنِيُّ،، وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ (يُسَمُّونَهُ) بَيْتًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ ثَبَتَ عِنْدَ سَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ فَرَدُّهُ عَلَى التَّعْمِيمِ؛ عَمَلًا بِاللُّغَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ اللُّغَةُ وَالشَّرْعُ، قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80] وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إلَّا دَخَلَهُ الْإِسْلَامُ»

ص: 385

وَمِنْهَا: حَلَفَ (أَنْ) لَا يَأْكُلَ الْخُبْزَ حَنِثَ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْأُرْزِ، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَتَعَارَفُونَ أَكَلَ (خُبْزِ) الْأُرْزِ، كَمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ طَبَرِسْتَانَ؛ لِأَنَّ خُبْزَ الْأُرْزِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ لُغَةً فِي سَائِرِ الْبِلَادِ ثُمَّ (إنَّ) أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْخُبْزِ عَلَى مَا (يَجِدُونَهُ) عِنْدَهُمْ، وَذِكْرُ (بَعْضِ) أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يَخُصُّ (إذْ) الْخُبْزُ (لُغَةً) اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُخْبَزُ (أَوْ يَنْضَجُ) بِالنَّارِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ بَعِيرًا لَمْ يُعْطَ نَاقَةً عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: نَعَمْ؛ لِانْدِرَاجِهِ فِيهَا لُغَةً، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ دَابَّةً أُعْطِيَ (فَرَسًا أَوْ بَغْلًا أَوْ حِمَارًا) عَلَى الْمَنْصُوصِ، لَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ (ذَلِكَ يُطْلَقُ) عَلَيْهَا لُغَةً، وَقِيلَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مِصْرً لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا الْفَرَسَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ (رحمه الله) قَالَ: ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ مِصْرَ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الدَّابَّةَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي بِغَيْرِ مِصْرَ لَمْ يُعْطَ إلَّا الْفَرَسَ، وَإِنْ تَخَصَّصَتْ اللُّغَةُ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ، وَهُجِرَ اسْتِعْمَالُ بَعْضِهَا، فَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا نَادِرًا أَوْ صَارَتْ نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَالْمُقَدَّمُ الْعُرْفُ، كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا يُزَايِلُ بَائِضَهُ أَيْ: يُفَارِقُهُ فِي الْحَيَاةِ كَبَيْضِ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَالْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ.

ص: 386

وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَحْنَثُ بِمَا يُبَاعُ (مُفْرَدًا) كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ دُونَ رَأْسِ الْعَصَافِيرِ (وَالْحِيتَانِ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الرُّءُوسِ الَّتِي تُؤْكَلُ عَادَةً وَهِيَ مَشْوِيَّةٌ أَوْ الْمَصْلُوقَةُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَتَعَارَضْ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَاللُّغَةُ، بَلْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّسْمِيَةِ.

وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ لَوْ قَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقُ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ (وَضْعُ) اللُّغَةِ يَقْتَضِي الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ.

وَلَوْ أَوْصَى (لِلْقُرَّاءِ) فَهَلْ يَدْخُلُ مَنْ لَا يَحْفَظُ وَيَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فِيهِ وَجْهَانِ يُنْظَرُ فِي أَحَدِهِمَا إلَى الْوَضْعِ، وَفِي الثَّانِي إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَهَذَا لَفْظُ الرَّافِعِيِّ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَافِي أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى (لِلْفُقَهَاءِ) فَهَلْ يَدْخُلُ الْخِلَافِيُّونَ الْمُنَاظِرُونَ، قَالَ:(وَيَحْتَمِلُ) وَجْهَيْنِ؛ لِتَعَارُضِ الْعُرْفِ وَالْحَقِيقَةِ.

تَنْبِيهٌ مَوْضِعُ الْكَلَامِ فِي اعْتِبَارِ عُرْفِ اللَّفْظِ أَوْ اللَّافِظِ (هُوَ فِي اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ

ص: 387

فَيُعْتَبَرُ وَضْعُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ فَيُعْتَبَرُ عُرْفُ اللَّافِظِ) إذْ لَا وَضْعَ هُنَاكَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ.

وَلِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْبَيْتِ بِالْفَارِسِيَّةِ: لَا يَحْنَثُ بِبَيْتِ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ (إذْ) لَمْ يَثْبُتْ شُمُولُ اللَّفْظِ لَهُ فِي عُرْفِ الْفَارِسِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ رَأَيْت الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَآهُ غَيْرَهَا طَلُقَتْ إنْ عَلَّقَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَلَّقَ بِالْعَجَمِيَّةِ نَصَّ الْقَفَّالِ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ سَوَاءٌ فِيهِ الْبَصِيرُ، وَالْأَعْمَى، وَادَّعَى أَنَّ الْعُرْفَ الشَّرْعِيَّ فِي حَمْلِ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعِلْمِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَمَنَعَ الْإِمَامُ الْفَرْقَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ (مَا يَسْكُنُهُ) بِإِجَارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: إنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَارِسِيَّةِ حُمِلَ عَلَى (الْمَسْكَنِ) ، قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ مَادَّةُ الْفَرْقِ (تُعْلَمُ مِمَّا) ذَكَرْنَا.

الْحَالَةُ (الثَّالِثَةُ) تَعَارُضُ الْعُرْفِ الْعَامِّ (وَالْخَاصِّ) ، فَإِنْ كَانَ (الْخُصُوصُ) مَحْصُورًا لَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَوْ كَانَ عَادَةُ امْرَأَةٍ فِي الْحَيْضِ أَقَلَّ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ (عَادَةِ) النِّسَاءِ رَدَّتْ إلَى الْغَالِبِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: تَعْتَبِرُ عَادَتَهَا.

ص: 388

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ اُعْتُبِرَ، كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِحِفْظِ (زُرُوعِهِمْ) لَيْلًا وَمَوَاشِيهِمْ نَهَارًا فَهَلْ يَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْعُرْفِ الْعَامِّ؟ فِي الْعَكْسِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ.

الْبَحْثُ الثَّانِي: إذَا اطَّرَدَ الْعُرْفُ فِي نَاحِيَةٍ هَلْ يَطَّرِدُ فِي سَائِرُ النَّوَاحِي كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتَ الشَّعْرِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ قَرَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي عُرْفِ الْبَادِيَةِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ فَأَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ بِغَيْرِ طَبَرِسْتَانَ حَنِثَ، وَقِيلَ إنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ بِطَبَرِسْتَانَ؛ لِاعْتِيَادِهِمْ أَكْلَهُ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ، وَعَادَةُ بَلَدٍ بَيْعُ رُءُوسِ الْحِيتَانِ وَالصَّيُودِ مُنْفَرِدَةً حَنِثَ بِأَكْلِهَا هُنَاكَ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الْحِنْثُ، وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ (قَوْمٍ) .

وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ (يَخُصُّ) أَهْلَ الْبَادِيَةِ أَمْ يَعُمُّ الْبَادِيَ وَالْحَاضِرَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ كَجٍّ، وَخَرَجَ عَنْ هَذَا صُوَرٌ: إحْدَاهَا: إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً (لَمْ) يَحْنَثْ بِالْحِمَارِ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُطَّرِدًا بِتَسْمِيَتِهِ دَابَّةً.

ص: 389

الثَّانِيَةُ:

لَوْ اشْتَهَرَ فِي بِلَادٍ اسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الطَّلَاقِ، فَفِي كَوْنِهِ كِنَايَةً أَوْ صَرِيحًا وَجْهَانِ، أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَهُوَ كِنَايَةٌ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، قِيلَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَرِيبَ إذَا تَلَفَّظَ (بِهِ) أُجْرِيَ عَلَيْهِ عُرْفُ بَلَدِهِ لَا عُرْفُ مَوْضِعِ الْحَلِفِ.

الثَّالِثُ: إذَا عَمّ الْعُرْفُ فِي نَاحِيَةٍ بِشَيْءٍ فَهَلْ يُجْعَلُ عُمُومُ الْعُرْفِ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ سَبَقَ فِي بَحْثِ (الْعَادَةِ) .

الرَّابِعُ: إذَا وَجَدْنَا اسْمًا مُشْتَرَكًا فِي اللُّغَةِ وَاشْتَهَرَ الْعُرْفُ بِأَحَدِ مَدْلُولِيهِ، فَهَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ أَمْ اللُّغَةُ؟ (يَتَخَرَّجُ) فِيهِ خِلَافٌ (مِمَّا) لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ زَيْدٌ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِ الْيَوْمِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ (الْفَجْرِ) إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَيُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْقِطْعَةِ مِنْ الزَّمَانِ.

(وَالضَّابِطُ) فِي هَذَا أَنَّهُ (إنْ) كَانَ أَحَدُ الْمَدْلُولَيْنِ أَشْهَرَ فِي اللُّغَةِ وَوَافَقَهُ

ص: 390

الْعُرْفُ قُدِّمَ، وَإِنْ خَالَفَ الْعُرْفَ قُدِّمَ؛ لِتَرْجِيحِهِ بِالْمَدْلُولِ الْآخَرِ.

(الْخَامِسُ)

قَالَ الْفُقَهَاءُ: كُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا، وَلَا ضَابِطَ لَهُ فِيهِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ يَحْكُمُ فِيهِ الْعُرْفُ وَمَثَّلُوهُ (بِالْحِرْزِ) فِي السَّرِقَةِ، وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ، وَوَقْتِ الْحَيْضِ وَقَدْرِهِ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَيَخْتَلِفُ الْحِرْزُ بِاخْتِلَافِ عَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ، الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ.

وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ (نَاحِيَتِهِ) فَمَا عَدُّوهُ حِرْزًا فَالْمَالُ مُحَرَّزٌ وَمَا لَا فَلَا، وَمِنْهُ الِاكْتِفَاءُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِالْمُقَارِنَةِ لِلتَّكْبِيرَةِ الْعُرْفِيَّةِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّهَا تُبْنَى أَوَّلًا عَلَى اللُّغَةِ ثُمَّ عَلَى الْعُرْفِ.

وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ (الْعُرْفُ) الشَّرْعِيُّ ثُمَّ الْعُرْفِيُّ ثُمَّ اللُّغَوِيُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْأَدِلَّةِ الَّتِي (تُسْتَنْبَطُ) مِنْهَا الْأَحْكَامُ فَيُقَدَّمُ (فِيهَا) الشَّرْعِيُّ عَلَى الْعُرْفِيِّ، كَبَيْعِ الْهَازِلِ وَطَلَاقِهِ فَإِنَّهُ نَافِذٌ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُنَفِّذُونَهُ، وَيُقَدَّمُ الْعُرْفِيُّ فِيهِمَا عَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ فَهُوَ كَالنَّاسِخِ.

ص: 391

وَهُنَا تَنْبِيهَانِ " الْأَوَّلُ: إنَّهُمْ لَمْ يَجُرُّوا هَذَا الْأَصْلَ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى الْعُرْفِ فِيمَا لَا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلَا (فِي) اللُّغَةِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَا فِيمَا يَعُدُّونَهُ بَيْعًا، وَكَمَا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِصْنَاعِ الصُّنَّاعِ الْجَارِيَةِ عَادَتُهُمْ بِالْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا (إذَا) لَمْ يَشْرِطُوهُ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مِنْ مَنَاصِيصِ (الْإِمَامِ) الشَّافِعِيِّ (رضي الله عنه) ، (وَكَذَلِكَ) إذَا أَوْجَبْنَا الْمُوَالَاةَ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يَرْجِعُ فِي ضَبْطِهَا لِلْعُرْفِ فِي الْأَصَحِّ وَضَبَطُوهُ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَجِفُّ فِيهَا الْعُضْوُ الَّذِي قَبْلَهُ، (وَكَذَلِكَ) إذَا أَوْجَبْنَا إيصَالَ الْمَاءِ إلَى (بَاطِنِ) الشَّعْرِ الْخَفِيفِ لَا يُرْجَعُ فِي ضَبْطِ الْخِفَّةِ لِلْعُرْفِ فِي الْأَصَحِّ وَضَبَطُوهُ بِمَا تُرَى مِنْهُ الْبَشَرَةُ فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ.

وَمِنْهَا الْمَرْأَةُ الْمُخَدَّرَةُ (تُعْفَى) عَنْ الْإِحْضَارِ لِلدَّعْوَى عَلَيْهَا، وَلَمْ يَرْجِعُوا فِي (ضَبْطِ) التَّخْدِيرِ لِلْعُرْفِ، وَاخْتَلَفُوا (هُمْ فِيهِ) : فَقِيلَ: مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِلْحَاجَاتِ، وَقِيلَ: مَنْ لَا تَحْضُرُ الْأَعْرَاسَ، (وَقِيلَ:) غَيْرُ ذَلِكَ.

ص: 392

الثَّانِي: سَكَتُوا عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَابِطٌ فِي الْعُرْفِ أَيْضًا، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ عَلَى الْإِجْمَالِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مَالٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِ تَحْدِيدٌ مُقَدَّرٌ فِي الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ، فَيَبْقَى عَلَى إجْمَالِهِ وَيَرْجِعُ إلَى (الْمُقِرِّ) فِي بَيَانِهِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ (رحمه الله) فَقَالَ أَقَلُّ (مَالٍ) يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ نِصَابُ الزَّكَاةِ (فَأَلْزَمَهُ) بِهِ، وَعُورِضَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَلِهَذَا رَدَّهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ.

(السَّادِسُ) الْعُرْفُ تَارَةً يَكُونُ قَوْلِيًّا وَتَارَةً (يَكُونُ) فِعْلِيًّا (وَفَرْقٌ) بَيْنَ قَوْلِنَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي هَذَا الْمُسَمَّى، وَبَيْنَ قَوْلِنَا جَرَتْ بِفِعْلِ هَذَا الْمُسَمَّى، وَالْأَوَّلُ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ، وَالثَّانِي الْفِعْلِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُرْفًا لَهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَيْهَا، بَلْ سُلْطَانُهُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ سُلْطَانُهُ عَلَى الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ عُرْفٌ لَهَا (فَيُخَصِّصُهَا) وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُرْفًا لَهَا.

وَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ السُّلْطَانَ مَثَلًا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبِسُ ثَوْبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَأَكَلَ خُبْزَ الشَّعِيرِ أَوْ لَبِسَ الْكِرْبَاسَ يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ عَدَمَ تَنَاوُلِهِ، وَلَوْ حَلَفَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُءُوسًا فَأَكَلَ رُءُوسَ السَّمَكِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ الرُّءُوسَ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ (التَّخْصِيصَيْنِ) مَا ذَكَرْنَا.

ص: 393

(السَّابِعُ) أَنَّ الْعُرْفَ الَّذِي تُحْمَلُ الْأَلْفَاظُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمُقَارِنُ (أَوْ) السَّابِقُ، وَأَغْرَبُ مَنْ حَكَى فِي جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِهِ قَوْلَيْنِ.

وَبَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَطَالَةِ فِي الْمَدَارِسِ فَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ تَرْكُ الدُّرُوسِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ، (فَكُلُّ) مَدْرَسَةٍ وُقِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ (وَاقِفُهَا) لِذَلِكَ يَنْزِلُ لَفْظُهُ عَلَى الْعَادَةِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ قَبْلَ هَذِهِ الْعَادَةِ أَوْ مَا شَكَّ فِيهِ هَلْ هُوَ قَبْلَهَا فَلَا يَنْزِلُ عَلَى الْعُرْفِ الطَّارِئِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي رَمَضَانَ وَنِصْفِ شَعْبَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ حَيْثُ لَا (نَصَّ) مِنْ الْوَاقِفِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ (الِاشْتِغَالَ) فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَا يَقَعُ مِنْهَا قَبْلَهُمَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ مُسْتَمِرٌّ وَلَا وُجُودَ لَهَا فِي أَكْثَرِ الْمَدَارِسِ وَالْأَمَاكِنِ فَإِنْ (اتَّفَقَ)(بِهَا) عُرْفٌ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، (وَاشْتُهِرَ) غَيْرُ مُطَّرِدٍ فَيَجْرِي فِيهَا فِي ذَلِكَ (الْبَلَدِ) الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ هَلْ يَنْزِلُ فِي التَّأْثِيرِ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ، وَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُهُ فِي أَهْلِهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ انْتَهَى.

ص: 394

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْبَطَالَةَ مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ إلَى آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْعُرْفُ بِهَا مُسْتَمِرٌّ (شَائِعٌ) وَالْمُضْطَرِبُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدَانِ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهَا (، وَأَوْجَبَ) رَدُّ مَنْ حَمَلَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هِيَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعَادَةَ اسْتَمَرَّتْ قَدِيمًا، بِأَنَّهَا تُبَدَّلُ كُلَّ سَنَةٍ، وَيَأْخُذُ بَنُو شَيْبَةَ تِلْكَ الْعَتِيقَةَ فَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا (بِالْبَيْعِ) وَغَيْرِهِ، وَيُقِرُّهُمْ الْأَئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَلَا تَرَدُّدَ فِي جَوَازِهِ.

(وَأَمَّا بَعْدَ مَا اتَّفَقَ) فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ وَقْفِ الْإِمَامِ ضَيْعَةً مُعَيَّنَةً عَلَى أَنْ يُصْرَفَ رِيعُهَا فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ فَلَا تَرَدُّدَ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ هَذِهِ (الْعَادَةِ) وَالْعِلْمِ بِهَا فَيَنْزِلُ لَفْظُ الْوَاقِفِ عَلَيْهَا، قُلْت: وَالْأَشْبَهُ صَرْفُهَا فِي مَصَالِحِ الْكَعْبَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا سَدَنَتُهَا، إلَّا بِالتَّصْرِيحِ.

قُلْت: وَثَالِثَةٌ: وَهِيَ الْأَوْقَافُ الْقَدِيمَةُ الْمَشْرُوطُ نَظَرُهَا لِلْحَاكِمِ، وَكَانَ الْحَاكِمُ إذْ ذَاكَ شَافِعِيًّا، وَيَسْتَنِيبُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ ثُمَّ إنَّ (الْمَلِكَ الظَّاهِرَ) أَحْدَثَ الْقُضَاةُ (الثَّلَاثَةُ)

ص: 395