الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكْمُلُ فَيُحَصِّلُ طَلْقَتَيْنِ، قَالَ الْمُزَنِيّ وَعِنْدِي تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا لِظَاهِرِ التَّشْرِيكِ.
[الشَّكُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
ُ الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ رَجَحَ كَانَ ظَنًّا وَالْمَرْجُوحُ وَهْمًا، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَزَعَمَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ كَاللُّغَةِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَاوِي وَالرَّاجِحِ وَهَذَا إنَّمَا قَالُوهُ فِي الْأَحْدَاثِ وَقَدْ فَرَّقُوا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ " بَيْنَهُمَا "
" وَمِنْهَا " فِي بَابِ الْإِيلَاءِ لَوْ قُيِّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَنُزُولِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَمُولٍ وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ قَطْعًا وَإِنْ شَكَّ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَذَلِكَ.
وَمِنْهَا: مَا سَبَقَ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ شَكَّ فِي الْمَذْبُوحِ هَلْ فِيهِ حَيَاةٌ بَعْدَ الذَّبْحِ حَرُمَ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَقَاؤُهَا حَلَّتْ.
وَمِنْهَا: فِي " بَابِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَجْعَلُوا لِلتَّسَاوِي أَثَرًا وَاعْتَبَرُوا الظَّنَّ الْمُؤَكَّدَ وَكَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ إذَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فِي بَعْضِ " صُورَةٍ ".
وَمِنْهَا: فِي الْأَكْلِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الرِّضَا جَازَ، وَإِنْ شَكَّ فَلَا وَمِثْلُهُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ فِي الْحَجِّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَإِنْ شَكَّ فَلَا وَمِثْلُهُ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ مَخُوفًا نَفَذَ التَّصَرُّفُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ
مَخُوفًا " لَمْ يَنْفُذْ إلَّا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ.
وَمِنْهَا قَالُوا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنَّهُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ " فَأَرَادُوا " بِهِ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ، " وَلِهَذَا " قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي " بَابِ " الِاعْتِكَافِ قَوْلَهُمْ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ. انْتَهَى.
وَيَشْهَدُ لَهُ: لَوْ قَالَ إنْ كُنْت " حَامِلًا " فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَعَ أَنَّ الْأَقْرُؤَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَلِهَذَا أَبْدَى الْإِمَامُ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ بِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا " إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ دَمَ فَسَادٍ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْيَقِينِ " وَهُوَ يُؤَيِّدُ " احْتِمَالَ الْإِمَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَقَالُوا: لَوْ عَصَرَ عِنَبًا ثُمَّ قَالَ " إنْ لَمْ يَكُنْ " تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إنَّهُ وَجَدَهُ خَلًّا وَقَعَ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ.
وَمِنْهَا " سُئِلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَمَّنْ قَنَتَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى اعْتِقَادِ " أَنَّهُمَا " فَرْضٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ " قَالَ " صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ وَإِتْيَانُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّكِّ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ " قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الظَّنَّ بِالشَّكِّ وَالشَّكُّ يَقْتَضِي
التَّرَدُّدَ وَإِتْيَانُ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ ". وَالظَّنُّ لَا يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ، بَلْ غَايَةُ " مَا " فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَطَأً وَسَهْوًا وَالْخَطَأُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا.
الثَّانِي: الشَّكُّ الطَّارِئُ بَعْدَ الشُّرُوعِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَذَكَّرَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ عَلَى قُرْبٍ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ عَلَى الْقُرْبِ قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِ رُكْنٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ فِي النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ.
وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا - مَا لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ وَشَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا؟ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَتَابَعُوهُ.
الثَّانِيَةُ - إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوَابِ بِالِاجْتِهَادِ " عَلَى " الْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَلَى الصَّوَابِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ.
ثَانِيهَا " الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ، " فَرَّقَ " " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الشَّكِّ فِي الْفِعْلِ وَبَيْنَ الشَّكِّ بَعْدَ الْفِعْلِ فَلَمْ يُوجِبْ إعَادَةَ الثَّانِي، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمَشَقَّةِ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ كُلِّفَ أَنْ
يَكُونَ ذَاكِرًا لَمَا صَلَّى لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُطِقْهُ أَحَدٌ فَسُومِحَ فِيهِ وَبَيَانُهُ بِصُوَرٍ:
مِنْهَا: لَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ هُوَ النِّيَّةُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَرْكَانِ يَكْثُرُ لِكَثْرَتِهَا بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ فِي بَاقِي الشُّرُوطِ، لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ النَّصِّ عَدَمُ الْإِعَادَةِ فِي صُورَةِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فِي حَرْفٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ.
وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاكِّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ " الصَّلَاةِ أَنَّهَا " يَسِيرَةٌ مَضْبُوطَةٌ فَلَا مَشَقَّةَ فِي ضَبْطِهَا بِخِلَافِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَتَشْدِيدَاتِهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فِي تَرْكِ بَعْضِ حُرُوفِهَا لِلْمَشَقَّةِ، وَقِيَاسُ التَّشَهُّدِ، " إلْحَاقُهُ " بِالْفَاتِحَةِ.
وَمِنْهَا: فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ نَسِيَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى فَأَعَادَهَا ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَةٍ فِي إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ فِي إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ فَطَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ الْآنَ، وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَسْحَ مِنْ الْأُولَى وَالسَّجْدَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَصَلَّى الْخَمْسَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ الَّتِي صَلَّاهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ثَانِيًا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَمْرَيْنِ:" أَحَدُهُمَا " أَنَّ السَّجْدَةَ لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّهَا مَتْرُوكَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْمَتْرُوكَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا، لِأَنَّ وُقُوعَ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَعٍ أَكْثَرُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ.
وَالثَّانِي " أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ ثَانِيًا لَمْ نَأْمَنْ وُقُوعَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَمَا قَالُوهُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الْحَجِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِفْسَادُ مَرَّةً ثَانِيَةً.
وَمِنْهَا: لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي تَرْكِ مَسْحِ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا " لَا يُؤَثِّرُ "، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا.
قِيلَ " لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ " فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا، قَالَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا.
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ " ثُمَّ " تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ بَعْدَ أَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ " وَهَا هُنَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ زَالَ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ".
وَمِنْهَا: لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ هَلْ اسْتَوْعَبَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ اسْتَجْمَرَ وَصَلَّى وَشَكَّ هَلْ اسْتَعْمَلَ حَجَرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَعْدَ الْوُضُوءِ شَكَّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَصَلَّى ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ شَكَّ فِي رُكْنٍ وَفِيهِ خِلَافٌ، فَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَهَا هُنَا لَا يُعِيدُ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً أُخْرَى بَعْدَ الشَّكِّ مَا لَمْ " يَسْتَكْمِلْ " الِاسْتِنْجَاءَ، " لِأَنَّهُ " حَالَةَ شُرُوعِهِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا، وَلَوْ وَقَعَ هَذَا الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا. قُلْت: وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِي صُورَةِ الْوُضُوءِ، وَمَا سَبَقَ مِنْ التَّصْحِيحِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ.
وَفِي كِتَابِ الْحِيَلِ لِلْقَزْوِينِيِّ: لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَشَكَّ هَلْ مَسَحَ رَأْسَهُ
فِي ذَلِكَ الْوُضُوءِ أَمْ لَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
وَلَوْ أَنَّهُ صَامَ ثُمَّ لَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ شَكَّ هَلْ كَانَ نَوَى فِيهِ أَمْ لَا، لَمْ " يَضُرَّهُ "، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ اعْتَرَضَهُ الشَّكُّ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْحَدَثِ بَطَلَ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَرَضَهُ الشَّكُّ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّوْمِ.
وَمِنْهَا لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا أَثَرَ لَهُ " وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ " فِي الرَّوْضَةِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ.
وَمِنْهَا لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَافَ بِطَهَارَةٍ أَمْ لَا لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ، لِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ ذَلِكَ بِالشَّكِّ.
نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، قَالَ: وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُصَلِّي يَشُكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ.
وَمِنْهَا لَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْضٌ وَالْآخَرُ نَفْلٌ وَعَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَتْ إعَادَةُ الْفَرْضِ، وَقَالَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ: لَا يَجِبُ لِلشَّكِّ، قَالَهُ فِي الْبَحْرِ.
" ثَالِثُهَا ": الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ.
وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا كَانَ عَدَمُهُ مَانِعًا، فَالشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالْعَجْزُ مَانِعٌ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الشَّرْطِ، لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ مِنْهُ " أَثْبَتْنَا " الْحُكْمَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ " تَرَتَّبَ "، لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ وَذَلِكَ مُحَالٌ.
وَالْجَوَابُ " قَالَ " ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّا لَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ إذَا كَانَ وُجُودِيًّا كَمَا إذَا شَكَّ هَلْ تَطْهُرُ أَمْ لَا، " لِأَنَّ " الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَدَمِيًّا، فَالْأَصْلُ الْعَدَمُ فَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا " رحمهم الله ": إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ وَأَنْكَرَتْ الْإِذْنَ " فَالْقَوْلُ " قَوْلُهَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَمَنْ لَمْ يُوقِعْهُ يَتَمَسَّكْ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَكَذَا يُقَالُ هُنَا إنَّمَا رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمَانِعِ، إذَا كَانَ " الْمَانِعُ " وُجُودِيًّا، كَمَا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَإِنْ كَانَ عَدَمِيًّا فَلَا " يَتَرَتَّبُ " الْحُكْمُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ أَنْتَجَ أَنَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا فَعَدَمُهُ مَانِعٌ وَعِنْدَ الشَّكِّ " فِي وُجُودِهِ " لَا " يَتَرَتَّبُ " الْحُكْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَالْأَصْلُ وُجُودُ الْمَانِعِ فَلَا " تَنَاقُضَ ".
رَابِعُهَا: أَنْ يُعَارِضَهُ أَصْلٌ " ضَعِيفٌ " فَيَضْعُفُ الشَّكُّ حِينَئِذٍ.
وَيَتَّضِحُ بِصُوَرٍ:
" إحْدَاهَا " لَوْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَشَكَّ هَلْ كَانَ تَزْوِيجُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، أَوْ
بَعْدَهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ " الشَّافِعِيُّ " رحمه الله " فِيمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ " وَوَجْهُهُ " أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ " الْإِحْرَامِ "، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ " رحمه الله " " أَيْ " مِنْ جِهَةِ الْوَرَعِ عَلَى إيقَاعِ طَلْقَةٍ، وَيُعْطِي نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ سَمَّى وَالْمُتْعَةَ إنْ لَمْ يُسَمِّ، قَالَ وَفِي الْحُكْمِ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلًا أَنَّهُ بَاطِلٌ " بِنَاءً " عَلَى الْمَلْفُوفِ.
" الثَّانِيَةُ " لَوْ أَرَادَ الْمُعْتَمِرُ إدْخَالَ الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ جَازَ وَبَعْدَهُ: يَمْتَنِعُ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ، قَالَ " الْأَصْحَابُ الْأَصْلُ " يَجْزِيهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ " مَا يَمْنَعُ "، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا.
" الثَّالِثَةُ " أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَشَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَوْ بَعْدَهَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ " الْعُمَرِيِّ "، قَالَ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ " مِنْ هَذَا الزَّمَانِ، وَفِي شَكٍّ " مِمَّا " تَقَدَّمَ.
وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُؤْخَذُ " أَنَّ " صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا " لَوْ " تَيَقَّنَ دُخُولَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ دَخَلَتْ أَمْ لَا " انْعَقَدَ " عُمْرَةً.
وَلِهَذَا قَالَ: لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ "، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ، وَفِي الْبَحْرِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ وَهُوَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، هَلْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ " أَوْ " هُمَا؟ وَجْهَانِ عَنْ وَالِدَيْ أَحَدُهُمَا يَجْتَهِدُ وَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَالثَّانِي يَأْتِي بِالْحَجِّ " فَيَتَيَقَّنُ " سُقُوطَ الْفَرْضِ.
وَأَصْلُهَا إذَا أَحْرَمَ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ نَسِيَ بِمَاذَا أَحْرَمَ مَا الَّذِي يَلْزَمُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَوَقْتَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ، وَشَكَّ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأَشْهُرِ فَإِنْ عَلِمَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ وَشَكَّ فِي وَقْتِ دُخُولِ الْأَشْهُرِ لَزِمَهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَشْهُرَ لَمْ تَدْخُلْ.
الرَّابِعَةُ: إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَنَفِيِّ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَلَوْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ أَوْ أَتَى بِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الْجَوَازُ، كَمَا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيَحْتَمِلُ بِنَاؤُهَا عَلَى الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْأَجْزَاءِ فِي الرُّكُوعِ، لَا تُحْسَبُ رَكْعَةٌ فِي الْأَظْهَرِ.
الْخَامِسَةُ: إذَا شَكَّ فِي " التَّقَدُّمِ " عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ لَمْ يَضُرَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ إنْ جَاءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ الْإِمَامِ ضُرَّ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّ
وَجْهَ النَّصِّ أَنَّ الصَّلَاةَ انْعَقَدَتْ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالشَّكُّ فِي الْمُبْطِلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
وَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا لَوْ صَلَّى وَشَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ أَمْ لَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْمَوْقِفِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ وَتَبْطُلُ فِي وَاحِدَةٍ: فَتَصِحُّ مَعَ التَّأْخِيرِ وَالْمُسَاوَاةِ وَتَبْطُلُ مَعَ التَّقْدِيمِ خَاصَّةً، وَالصِّحَّةُ فِي التَّكْبِيرِ أَقَلُّ وُقُوعًا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالْمُقَارَنَةِ وَالتَّقَدُّمِ، وَتَصِحُّ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ التَّأْخِيرُ.
السَّادِسَةُ: لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَشَدَّ مِائَةً وَضَرَبَهُ بِهَا " ضَرْبَةً " بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ، وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ، فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَنَصَّ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ وَلَمْ يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ شَاءَ أَمْ لَا، " أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ "، وَفِيهِ طَرِيقَانِ " أَصَحُّهُمَا تَقْرِيرُ " النِّصْفَيْنِ " وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ وَالتَّثْقِيلِ " فَيَكْتَفِي " فِيهِ " وَلَا إمَارَةَ هُنَا تَدُلُّ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا " قَالَ " النَّوَوِيُّ ذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ " إذَا " شَكَّ حَنِثَ، وَإِنَّمَا " لَمْ " يَحْنَثْ عَلَى الْمَنْصُوصِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إصَابَةُ الْجَمِيعِ وَهُوَ أَحْسَنُ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ بَعْدَ هَذَا الضَّرْبِ شَكَّ فِي الْحِنْثِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ قَطَعَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقَالَ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
السَّابِعَةُ: لَمَسَ امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ مَحْرَمٌ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ فَتَحْرُمُ وَكَذَا لَوْ شَكَّ
أَلَامِسٌ هُوَ " أَمْ " مَلْمُوسٌ " فَمَلْمُوسٌ " جَزَمَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ.
وَلَوْ تَيَقَّنَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ هَلْ كَانَ النَّوْمُ الَّذِي رَأَى " فِيهِ " تِلْكَ الرُّؤْيَا عَلَى هَيْئَةِ الِاضْطِجَاعِ أَوْ الْقُعُودِ، قَالَ الْبَغَوِيّ يُحْكَمُ بِحَدَثِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ.
الثَّامِنَةُ: لَوْ انْتَبَهَ فَرَأَى بَلَلًا وَشَكَّ أَنَّهُ " وَدْيٌ " أَوْ مَنِيٌّ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ لِكَوْنِ الْوَدْيِ لَا يَلِيقُ بِطَبْعِهِ " أَوْ لِتَذَكُّرٍ " وِقَاعِ تَخَيُّلِهِ فِي النَّوْمِ قَالَ الْإِمَامُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَسْتَصْحِبُ يَقِينَ الطَّهَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْأَمْرَ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ، " قَالَ " الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْمُعْظَمِ انْتَهَى، وَفِي هَذَا أَعْمَالُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ.
التَّاسِعَةُ: وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ " وَشَكَّ " هَلْ هُوَ قُلَّتَانِ فَالْمَنْقُولُ نَجَاسَتُهُ وَالْإِمَامُ احْتِمَالُ أَنَّهُ طَهُورٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلشَّكِّ فِي التَّنْجِيسِ.
الْعَاشِرَةُ: أَدْخَلَ الْكَلْبُ فَاهُ فِي إنَاءٍ وَخَرَجَ بِلَا رُطُوبَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ وَلَوْ خَرَجَ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ لُعَابِهِ، وَالْأَصْلُ طَهَارَةُ الْإِنَاءِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ مُقَابِلَهُ بِأَصْلٍ فَيَنْتَهِضُ الشَّكُّ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَجْرِ هَلْ نَوَى أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ،
قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافٌ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مَانِعٌ أَوْ مَاءٌ لَمْ يَصِحَّ لِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَشَرْطُهَا الْجَزْمُ وَهُوَ مَفْقُودٌ.
وَلَوْ اسْتَنْجَى بِشَيْءٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ مَطْعُومٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ " بِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ " قَوْلَانِ ": وَلَوْ مَسَّ مَنْ لَهُ كَفَّانِ عَامِلَتَانِ أَوْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ " بِإِحْدَاهُمَا "، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ مَعَ الشَّكِّ فِي أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ أَوْ زَائِدَةٌ وَكَذَا " الذَّكَرَانِ "، كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ اللَّمْسِ، وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ أَحَدُ الْعَامِلِينَ كَالْخُنْثَى وَهُوَ الْقِيَاسُ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: إذَا " أَقْدَمَ " شَاكًّا فِي حُصُولِ الشَّرْطِ، ثُمَّ بَانَ مُصَادَفَتُهُ هَلْ يَجْزِيهِ " هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ أَوْ بَنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ، فَلَا يَجْزِيهِ "، كَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَانَ دُخُولُهُ، وَكَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالْإِنَاءِ الْمُشْتَبَهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ طَاهِرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَا وُضُوءُهُ، فَلَوْ غَسَلَ بِهِ نَجَاسَةً لَمْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى نِيَّتِهِ قَبْلَ التَّبْيِينِ وَتَصِحُّ بَعْدَ التَّبْيِينِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ.
وَلَوْ شَكَّ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فَمَسَحَ ثُمَّ تَيَقَّنَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ، وَيَقْضِي مَا صَلَّى بِهِ.
وَلَوْ تَيَمَّمَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَكَذَا لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَاءَ، لَمْ يُحْسَبْ تَيَمُّمُهُ.
وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ يَتَحَقَّقْهَا فَتَيَمَّمَ لَهَا، ثُمَّ تَذَّكَّرَهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ " بِالتَّذَكُّرِ ".
قَالَ الشَّاشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ " مُحْتَاطًا "" بِمَاءٍ طَاهِرٍ "، ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ، وَكَذَا لَوْ صَامَ الْأَسِيرُ فِي " مَطْمُورَةٍ " مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ صَامَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى لِلْقِبْلَةِ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ " بَانَ مُصَادَفَتُهُ " لِلْمُسْتَنَدِ لَا يَصِحُّ.
وَلَوْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ اتِّصَافَهُ بِالْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ " كَانَ أَهْلًا "، وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا " لَوْ وُلِّيَ " وَحَكَمَ لَمْ تَنْفُذْ أَحْكَامُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَوَابًا، قَالَهُ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَحَكَى " ابْنُ عَبْدَانِ " فِي الشَّرَائِطِ مَنْ
وَلِيَ " الْقَضَاءَ " مِنْ غَيْرِ أَهْلِيَّةٍ فَوَافَقَ الْحَقَّ فِي حُكُومَةٍ نُفِّذَتْ تِلْكَ الْحُكُومَةُ عِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ، قَالَ وَخَالَفَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ.
وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ شَكَّ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ، كَالْخُنْثَى، ثُمَّ بَانَ لَمْ يَصِحَّ.
وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت حَلَفْت فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ ظَاهَرَ لَا يُعْتَقُ.
" وَمِنْهَا " لَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ زَيْدٍ فَوَكَّلَ الْوَلِيُّ فِي تَزْوِيجِهَا، وَأَطْلَقَ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الَّذِي عَيَّنَتْهُ هِيَ لِوَلِيِّهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ.
وَلَوْ ارْتَابَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا " لَمْ تُنْكَحْ بَعْدَ " الْأَقْرَاءِ إنْ اسْتَمَرَّتْ الرِّيبَةُ فَلَوْ نُكِحَتْ بَطَلَ، وَإِنْ بَانَ بِمُصَادَفَتِهِ لِلْبَيْنُونَةِ.
وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ جُزَافًا وَخَرَجَتَا سَوَاءٌ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أُخْتُهُ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ أَمْ مُعْتَدَّةٌ فَبَانَتْ أَجْنَبِيَّةً خَلِيَّةً.
وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَمْ لَا " لَمْ " يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ قَضَاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا قَالَهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ شَكَّ فِي حَدَثِهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ لَا يَرْتَفِعُ فِي الْأَصَحِّ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَيُجْزِئُهُ فِي صُوَرٍ: إحْدَاهَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَعَ فَإِنَّ وُقُوفَهُ صَحِيحٌ مُسْقِطٌ لِلْفَرْضِ، قَالَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ.
الثَّانِيَةُ: " إذَا " أَحْرَمَ بِالْحَجِّ شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ، لِأَنَّهُ شَدِيدُ اللُّزُومِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ أَنَّهُمْ لَوْ اجْتَهَدُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَحْرَمُوا " وَبَانَ " الْخَطَأُ عَامًّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجًّا، كَمَا لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ " أَوْ عُمْرَةً " وَجْهَانِ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ الدَّارِمِيُّ: لَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَهُ الْأَكْلُ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَكَلَ " مِنْ " قَبْلِ الْفَجْرِ " أَوْ لَمْ " يَبِنْ فَلَا شَكَّ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ أَعَادَ، وَإِنْ شَكَّ فِي غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لَمْ يَأْكُلْ فَإِنْ أَكَلَ فَعَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ غَائِبَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَغِبْ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَعَادَ.
قُلْت وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا غَرَبَتْ حَيْثُ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ صَادَفَ اللَّيْلَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْعِبَادَةَ هُنَا وَقَعَتْ عَلَى الصِّحَّةِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْمُفْسِدِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا وَقَعَ عَلَى الشَّكِّ
الرَّابِعَةُ: شَكَّ الصَّائِمُ فِي أَنَّهُ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ " وَالْعِمْرَانِيُّ " بِمَنْعِ الصِّحَّةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْتَمِلُ مَجِيءُ وَجْهٍ مِنْ الشَّكِّ فِي إدْرَاكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَذَكَّرَ " بَعْدَ " مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ التَّبْيِيتَ صَحَّ قَطْعًا.
الْخَامِسَةُ: أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ آخِرَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَنَوَى الْجُمُعَةَ إنْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا،
وَإِلَّا فَالظُّهْرَ، " ثُمَّ بَانَ " بَقَاءُ " الْوَقْتِ "، وَمِثْلُهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ.
السَّادِسَةُ: بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ.
السَّابِعَةُ: عَقَدَ النِّكَاحَ بِخُنْثَيَيْنِ فَبَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.
الثَّامِنَةُ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عَلَى الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاتِهِ وَتَنْكِحُ، فَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ.
التَّاسِعَةُ: صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ظُهْرًا بِنِيَّةِ الْفَائِتَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ، قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ وَالِدِي يَجُوزُ عَنْ فَرْضِهِ الْفَائِتِ، لِأَنَّ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَفَرَغَ " مِنْهُ " ثُمَّ شَكَّ فِي بَعْضِ فَرَائِضِهِ " يُسْتَحَبُّ " الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَلَوْلَا أَنَّ الْأُولَى إذَا تَبَيَّنَ " فَسَادُهَا "" تَقَعُ " الثَّانِيَةُ عَنْ فَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِعَادَةِ مَعْنًى وَبَانَ " بِذَلِكَ " أَنَّ شَكَّهُ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ فِعْلِهِ، وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا أَنْ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ يُؤَدِّيهَا كُلَّهَا وَفِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِعْنِيهَا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ لَا تَكُونُ شَرْطًا فِيمَا يُؤَدِّيه مِنْ الصَّلَوَاتِ. قُلْت وَالْمُتَّجَهُ جَعْلُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَفَعَلَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَا تُجْزِئُهُ.
الْعَاشِرَةُ: لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَعْطَاهُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَقَالَ إنْ كَانَ " عَلَيْهِ " دَيْنٌ
فَهَذَا مِنْ قَبْلِ الدَّيْنِ " وَإِنْ لَمْ " يَكُنْ فَهُوَ تَبَرُّعٌ وَهِبَةٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَقَعُ مَحْسُوبًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَفَرَّقَ " بَيْنَهَا " وَبَيْنَ مَا سَبَقَ " بِأَنَّ " النِّيَّةَ " هُنَا " لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى " أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَوْ أَخَذَ " قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ.
تَنْبِيهٌ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ " هَذَا " الضَّابِطَ فَقَالَ مَا أَتَى بِهِ الْمُكَلَّفُ فِي حَالِ الشَّكِّ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ " وَلَا " لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ فَوَافَقَ الصَّوَابَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَجْلِ اشْتِرَاطِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ.
قَالَ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا " لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ " صُوَرٌ:
" أَحَدُهَا ": إذَا شَكَّ هَلْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا فَغَسَلَهُ احْتِيَاطًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ.
قُلْت: هَذَا إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى وَجْهِ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُوجِبِ لِلنِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
الثَّانِيَةِ: الْمُحْدِثُ إذَا شَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ " فَلَمْ " يَكُنْ لِلتَّرَدُّدِ هُنَا تَأْثِيرٌ.
قُلْت: وَتَصْوِيرُهُ مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ إمَّا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ، فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَلَا
اعْتِبَارَ بِهِ إذْ لَمْ يَنْوِ التَّجْدِيدَ، بَلْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَلَا يَصِحُّ، لِعَدَمِ جَزْمِ نِيَّتِهِ.
وَيَظْهَرُ تَصْوِيرُهُ فِيمَا إذَا قَالَ نَوَيْت رَفْعَ " الْحَدَثِ إنْ " كَانَ عَلَيَّ حَدَثٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ ارْتَفَعَ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَيُغْتَفَرُ التَّعْلِيقُ هُنَا، كَالْمُسَافِرِ إذَا نَوَى خَلْفَ مَنْ شَكَّ فِي " نِيَّةِ " الْقَصْرِ، فَقَالَ، إنْ قَصَرَ قَصَرْت.
الثَّالِثَةُ: إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيَبْرَأُ مِمَّا عَلَيْهِ مَعَ الشَّكِّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ.
قُلْت: فَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ " يَتَخَرَّجَ " عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ. انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَالْفَرْقُ " بَيْنَهَا " وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ تَحَقُّقُ شَغْلِ الذِّمَّةِ، فَهُوَ جَازِمٌ " بِهِ " بِقَصْدِ الْبَرَاءَةِ، وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ الْيَقِينِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ صُورَةِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ جَازِمًا بِالشَّغْلِ فَافْتَرَقَا.
وَقَوْلُنَا " وَلَا " لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ " احْتِرَازًا " مِمَّا إذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِالِاجْتِهَادِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعَاطِيهِ، وَإِنْ كَانَ " الشَّكُّ " بَعْدُ قَائِمًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ.
نَعَمْ، إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ وَمَتَى تَجَرَّدَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ مَعَ الشَّكِّ " مِنْ " هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ كَانَ غَيْرَ مُجْزِئٍ، كَمَا فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ.
الرَّابِعُ: الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْيَقِينُ، وَلَا يَجُوزُ مَعَهُ إلَّا الِاجْتِهَادُ، كَالْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ، وَكَمَا إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَالْجَدِيدُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ وَطَرِيقُهُ " أَنْ " يَنْوِيَ الْقِرَانَ، وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِ النُّسُكَيْنِ، لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ نَوَاهُ لَمْ تَضُرَّ نِيَّتُهُ ثَانِيًا كَأَنْ نَوَى عُمْرَةً فَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ نَوَى حَجًّا فَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ وَإِنْ كَانَ فِي " صِحَّتِهَا " خِلَافٌ، وَفِي الْقَدِيمِ يَجْتَهِدُ لِإِمْكَانِ ادِّرَاكِهِ بِالتَّحَرِّي، كَمَا فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَا إمَارَةَ عَلَيْهِ، وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَارَاتِ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا بِيَقِينٍ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا، وَلَا " يُرَدُّ " الِاجْتِهَادُ.
فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَالْوَقْتِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَحْصُلُ بِهَا بِيَقِينٍ، إلَّا بَعْدَ فِعْلٍ مَحْظُورٍ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسِ وَيُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ وَيُصَلِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ، " فَلِذَلِكَ " جَازَ الِاجْتِهَادُ.
وَقَالُوا لَوْ اجْتَهَدَ جُمِعَ فِي أَوَانِ فِيهَا إنَاءَانِ طَاهِرَانِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلٍّ وَاحِد " مِنْهُمْ " طَهَارَةُ وَاحِدٍ هَلْ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ، حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، " قَالَ " وَهَذَا خِلَافٌ فِي " أَنَّ " الِاقْتِدَاءَ هَلْ يَجُوزُ بِالتَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ؟ نَعَمْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ لِلصَّائِمِ آخِرَ النَّهَارِ خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ لَا يُفْطِرُ إلَّا بِيَقِينٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَخِلَافُهُ جَارٍ فِيهَا أَيْضًا.
الْخَامِسُ: إذَا شَكَّ هَلْ فَعَلَ أَمْ لَا فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَكَّ هَلْ " رَضَعَ " خَمْسًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ.
" وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ " الْمُتَوَضِّئُ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَكِنْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ " مَنِيّ " أَمْ لَا، فَلَا خِلَافَ، كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْتَسِلَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَقَدْ مُثِّلَ هَذَا بِمَنْ يَرَى فِي نَوْمِهِ أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَرَى فِي ثَوْبِهِ بَلَلًا، وَقَالَ وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رحمه الله " فَمَا إذَا شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا " أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ " أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ " الْحَالَةِ " الْغُسْلُ وَإِذَا فَعَلَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ " تَرَكَ فِعْلًا فَالْأَصْلُ " أَنَّهُ فَعَلَ، " لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ فَعَلَ " يَقِينًا، فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ فِي مُبْطِلِهِ.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ صَلَّى ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَرَكَ بَعْضًا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ أَمْ لَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى " النَّصِّ "، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْمُبْطِلِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي " إصَابَةِ " الْجَمِيعِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ.
وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، هَلْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَيَحِلُّ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْحِلُّ.
السَّادِسُ: إذَا تَيَقَّنَ الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَمَلَ عَلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ يَبْنِي عَلَى وَاحِدَةٍ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ.
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْمُتَيَقَّنِ فَقَطْ قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ فِي " بَابِ " زَكَاةِ النَّقْدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَشْتَغِلَ الذِّمَّةُ بِالْأَصْلِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ، كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ يَلْزَمُهُ الْخَمْسُ.
وَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الرُّكْنُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ الْقِرَاءَةُ أَوْ الرُّكُوعُ أَوْ الِاعْتِدَالُ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْوَأِ " الْأَحْوَالِ "، وَيَرْجِعُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ فَإِنَّهُمَا تَجِبَانِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ " وَقَاسَهُ " عَلَى الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَصْوِيرُهَا بِمَا " إذَا " وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ، وَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا وَشَكَّ فِيهِ أَمَّا إذَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ فَيُتَّجَهُ إلْحَاقُهَا بِمَا إذَا شَكَّ فِي الْخَارِجِ هَلْ هُوَ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ " بِمُوجِبِهِمَا "، وَالصَّحِيحُ التَّخْيِيرُ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
وَالنَّقْدِ فَشَكَّ فِي أَنَّ عَلَيْهِ " زَكَاةَ " جُمْلَتِهَا أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَهُ زَكَاةُ الْكُلِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ زَكَاتِهِ " عَلَيْهِ "، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصِّيَامِ وَقَالَ أَنَا شَاكٌّ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ هَلْ عَلَيَّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْهُ أَوْ صَوْمُ جَمِيعِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ جَمِيعِهِ.
قَالَ وَيُفَارِقُ هَذَا مَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ جُمْلَةِ الزَّكَاةِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَ " ذَلِكَ " الْمَالِ، وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ فَإِنَّ هَا هُنَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ. " وَقَالَ " فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ " فِي كِيسٍ وَمِائَتَانِ أُخْرَى فِي كِيسٍ فَشَكَّ هَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ " مِنْ جُمْلَةِ زَكَاةِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي مِائَتَيْنِ فِي كِيسٍ بِعَيْنِهِ هَلْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ أَمْ لَا، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ.
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ عَلَيْهِ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ فَأَعْتَقَ رِقَابًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ " مِنْهَا " أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي ظِهَارٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَشُكُّ فِي الظِّهَارِ الَّذِي كَانَ " فِي " يَوْمِ " جُمُعَةٍ " هَلْ كَفَّرْته أَمْ لَا، فَهَا هُنَا الْأَصْلُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ " فَتَلْزَمُهُ " انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ " أَنَّ " عَلَيْهِ " زَكَاةَ خَمْسَةٍ " أَوْ عَشَرَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا خَمْسَةٌ.
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٌ أَوْ
كَفَّارَةٌ فَنَوَى صِيَامًا أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ وَقِيلَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَهُنَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَكْفِيه يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَتُجْزِئُهُ هَذِهِ النِّيَّةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْرَأَ " بِيَقِينٍ " إلَّا أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَمَا هُوَ قِيَاسُ نِسْيَانِ الصَّلَاةِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الِاسْتِقْصَاءِ أَنَّهُ يَنْوِي صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقٌ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ عَنْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ، " فَأَعْتَقَ " رَقَبَةً وَنَوَى بِهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ " يُجْزِئُهُ "، كَذَلِكَ هَا هُنَا.
وَيُفَارِقُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، لِأَنَّ تَعْيِينَهَا بِالنِّيَّةِ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِخَمْسِ نِيَّاتٍ انْتَهَى.
وَمَسْأَلَةُ الْعِتْقِ نَقَلَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَقَالَ يَنْوِي بِهَا الْعِتْقَ الْوَاجِبَ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ وُجُوبُ رَقَبَتَيْنِ إذْ التَّرَدُّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ.
وَلَوْ تَحَقَّقَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ عَلَيْهَا عِدَّةً وَشَكَّتْ هَلْ هِيَ عِدَّةُ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ لَزِمَهَا الْأَكْثَرُ.
وَمِثْلُهُ لَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَهِلَ الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْأَكْثَرَ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَكْثَرُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ فِيهِمَا يُنْسَبُ إلَى التَّقْصِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى بَلَلًا وَشَكَّ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ.
" السَّابِعُ " إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْ الشَّكِّ اسْتَعْمَلَ الْوَرَعَ وَهُوَ تَنْزِيلُ الْأَمْرِ عَلَى أَسْوَأِ
الْأَحْوَالِ، وَيَدَعُ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ وَفِيهِ صُوَرٌ:
" إحْدَاهَا " الْمُتَطَهِّرُ إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَالْوَرَعُ أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ يَتَطَهَّرَ فَإِنْ تَطَهَّرَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ جَزْمِ النِّيَّةِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ، لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّهَارَةِ يَمْنَعُهُ، كَمَا أَنَّ بَقَاءَ شَعْبَانَ يَمْنَعُ مِنْ جَزْمِ نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " مِنْ جِهَةِ أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْأَصْلِ قَدْ يَمْنَعُ مِنْ الْجَزْمِ.
وَمِثْلُهُ لَوْ شَكَّ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ " هَلْ هُوَ " مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا اغْتَسَلَ كَيْف يَخْرُجُ " مِنْ الْخِلَافِ " بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَزْمِ النِّيَّةِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجَامِعَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ، وَكَانَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ يَسْتَشْكِلُ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْأَمْرِ بِالْجِمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ " وَسَدِّ " بَابِ الْوَرَعِ عَلَى غَيْرِ وَاجِدِ الْبُضْعِ الْحَلَالِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا احْتَجَمَ الْمُتَوَضِّئُ أَوْ افْتَصَدَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ " رحمه الله " فَإِنَّهُمَا نَاقِضَانِ لِلْوُضُوءِ عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ " لَهُ " التَّجْدِيدُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، قَالَ وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ يَمَسُّ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ " وَهُوَ " يُؤَيِّدُ مَقَالَةَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ.
الثَّانِيَةُ:
" إذَا " شَكَّ الْمُتَوَضِّئُ هَلْ غَسَلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ " ثَلَاثًا "، قِيلَ يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ وَلَا يَغْسِلُ أُخْرَى " كَيْ لَا " يَقَعَ فِي بِدْعَةٍ بِتَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ، وَالْأَصَحُّ " بِالْأَقَلِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا " يَكُونُ بِدْعَةً بِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِ " الزِّيَادَةِ ".
الثَّالِثَةُ: مَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا أَخَذَ بِالْأَغْلَظِ إذَا أَرَادَ دَوَامَ النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ وَطَرِيقُ الْوَرَعِ أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةً مُعَلَّقَةً عَلَى نَفْيِ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَكُنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَيْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ.
قَالَ وَلَوْ شَكَّ فِي الطَّلْقَةِ أَرَجْعِيَّةٌ هِيَ أَمْ خُلْعٌ فَلْيَرْتَجِعْ وَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، فَقَدْ تَلَافَاهَا بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ " كَانَتْ " خُلْعًا فَقَدْ تَلَافَاهَا بِالنِّكَاحِ.
وَلَوْ شَكَّ أَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلْيُجَدِّدْ رَجْعَةً وَنِكَاحًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ. انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ حِكَايَةً فِيمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَمْ لَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا طَلَاقَ، وَقَالَ لَهُ الثَّوْرِيُّ: رَاجِعْهَا، وَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: طَلِّقْهَا ثُمَّ رَاجِعْهَا، وَجَاءَ إلَى زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ: فَقَالَ " لَهُ " سَأَضْرِبُ لَك مَثَلًا رَجُلٌ
مَرَّ " بِشِعْبٍ يَسْأَلُ "، قَالَ لَك أَبُو حَنِيفَةَ: ثَوْبُك طَاهِرٌ وَصَلَاتُك تَامَّةٌ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَثَرَ الْمَاءِ، وَقَالَ لَك سُفْيَانُ: اغْسِلْهُ فَإِنْ يَكُنْ نَجِسًا، فَقَدْ طَهَّرْته وَإِنْ يَكُنْ طَاهِرًا فَقَدْ زِدْته طَهَارَةً إلَى طَهَارَةٍ، وَقَالَ لَك شَرِيكٌ: بَلْ عَلَيْهِ ثُمَّ اغْسِلْهُ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَمَا قَالَهُ شَرِيكٌ عِنْدِي أَصَحُّ، لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ خَارِجٌ عَنْ الِاحْتِيَاطِ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ يَقْتَضِي مُرَاجَعَةً عَلَى الشَّكِّ.
قُلْت: وَلَمْ يُصِبْ مَنْ أَدْخَلَ قَوْلُهُ فِي أَخْبَارِ " الْمُغَفَّلِينَ " لِخَفَاءِ مَأْخَذِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الرَّجْعَةَ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ يُصَيِّرُهَا كَالْمُعَلَّقَةِ عَلَى شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ، وَمِنْ هَا هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْثِيلُ قَوْلِهِ بِمَنْ " شَكَّ " فِي نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ فَنَجَّسَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ.
الرَّابِعَةُ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُكَلَّفِ ذَنْبٌ وَنَسِيَهُ فَأَرَادَ التَّوْبَةَ عَنْهُ.
قَالَ " ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ "" فِي الْمُرْشِدِ "، فَإِنْ عَيَّنَ ذُنُوبَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَعَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى ذَنْبٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ مِمَّا نَسِيَهُ، وَمَا دَامَ نَاسِيًا لَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِالتَّوْبَةِ، لَكِنْ يَلْقَى اللَّهُ " تَعَالَى " وَهُوَ مُطَالَبٌ بِتِلْكَ الزَّلَّةِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ
لِآدَمِيٍّ " وَنَسِيَ الْمُدَايِنَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُطَالَبٍ مَعَ النِّسْيَانِ، وَلَكِنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى " وَهُوَ مُطَالَبٌ، قَالَ وَهَذَا مَأْخَذٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ " التَّوْبَةَ " نَدَمٌ، وَالنَّدَمُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الذِّكْرِ " لِمَا " فَعَلَهُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ النَّدَمُ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ التَّفْصِيلَ يَقُولُ إنْ كَانَ لِي ذَنْبٌ لَمْ أَعْلَمْهُ فَإِنِّي تَائِبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ قَالَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ ذُنُوبًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُهَا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لِنَفْسِهِ ذَنْبًا فَالنَّدَمُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُحَالٌ، وَذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ أَنَّهُ يُعَيِّنُ كُلَّ ذَنْبٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَلَا يَخْفَى إشْكَالُهُ.
قُلْت: وَقَوْلُ الْمُحَاسِبِيِّ غَايَةُ الْوَرَعِ.
الْخَامِسَةُ: نَذَرَ شَيْئًا إنْ رَدَّهُ اللَّهُ " تَعَالَى " سَالِمًا، ثُمَّ شَكَّ أَوْ لَمْ يَدْرِ أَنَذَرَ صَدَقَةً أَمْ عِتْقًا أَمْ صَلَاةً أَمْ صَوْمًا، قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجْتَهِدُ. بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ " وَهُنَا " تَيَقَّنَّا أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا " وَجَبَ وَاحِدٌ "" وَاشْتَبَهَ " فَيَجْتَهِدُ كَالْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي انْتَهَى.
وَلَوْ حَلَفَ يَمِينًا وَلَمْ يَدْرِ هَلْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ "، فَفِي التَّبْصِرَةِ " لِلَّخْمِيِّ " مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ لَمْ يَعْتَدَّ
الْحَلِفَ بِهَا لَا يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ مَعَ الشَّكِّ وَهُوَ يُشْبِهُ عِنْدَنَا " الْأَخْذَ " بِالْحَدَثِ فِيمَنْ لَا يَعْتَادُ تَجْدِيدَ الطُّهْرِ، وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَحِلَّ الزَّوْجَةُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ يَمِينِ الطَّلَاقِ.
أَمَّا لَوْ حَلَفَ يَمِينًا وَحَنِثَ فِيهَا وَلَمْ " يَذْكُرْ " هَلْ هِيَ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً بَرِئَ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ يَمِينِ اللَّجَاجِ، فَالرَّقَبَةُ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ " التَّعْيِينِ "، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْجِهَةِ " لَا يَجِبُ "، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُطْعِمَ أَوْ كُسِيَ، لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا تَشْتَرِكُ فِيهِ الْكَفَّارَاتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْحَالِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ الْخَارِجُ مِنْ ذَكَرِهِ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ، لَا يَجِبُ الْغُسْلُ.
الثَّامِنُ: إذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَوْ شَرْطِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنْ قَصَرَ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ مَضَى رُكْنٌ بَطَلَتْ إنْ كَانَ فِعْلِيًّا قَطْعًا، وَكَذَا الْقَوْلِيُّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِهِ عَلَى الشَّكِّ " جَزْمٌ " مِنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَيَبْطُلُ وَهَلْ يُلْحَقُ بَعْضُ الرُّكْنِ بِهِ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ " كَجَمِيعِهِ " فِي الْأَصَحِّ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ.
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ، لَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي بَعْضَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَى الصَّلَاةَ " أَوْ " لَا، وَأَتَمَّ الْفَاتِحَةَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَمَا قَرَأَهُ فِي حَالِ الشَّكِّ " لَا يَكُونُ مَحْسُوبًا وَمَا بَقِيَ صَحِيحٌ، وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ عَلَى الشَّكِّ " لَا يَضُرُّ، كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ، لَوْ مَضَى بَعْدَ الرُّكْن عَلَى الشَّكِّ فَإِنْ كَانَ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ أَوْ الِاعْتِدَالُ وَلَمْ تَحْصُلْ طُمَأْنِينَةٌ مَحْسُوبَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَيْ إذَا اطْمَأَنَّ عَلَى الشَّكِّ، قَالَ، وَكَذَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي أَوَّلِ الرُّكُوعِ ثُمَّ زَالَ فِي أَثْنَائِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَعْضِ الِانْحِنَاءِ مَثَلًا، فَإِنْ عَادَ مُنْتَصِبًا وَرَكَعَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ تَمَّمَ الرُّكُوعَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ " صَلَاتُهُ "، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِرُكُوعٍ تَامٍّ. انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا مُسْتَقِلًّا، فَإِنْ قُلْنَا " رُكْنٌ " فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ.
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ لَا يَضُرُّ فِيهَا إحْدَاثُ الْفِعْلِ مَعَ الشَّكِّ: إحْدَاهَا: إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ ظَنَّ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلًا أَنَّهَا الْعَصْرُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّ ظُهْرَهُ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ لَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ لَا " يَحْسِبَ " مَا أَتَى بِهِ عَلَى اعْتِمَادِ أَنَّهُ عَصْرٌ، لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ " فَاسْتِدَامَةُ حُكْمِهَا " مِمَّا يَجِبُ وَحُكْمُ الِاسْتِدَامَةِ بَطَلَ بِخِطَابِهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَفَعَلَ فِعْلًا عَلَى الشَّكِّ، قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إذْ الصَّلَاةُ تَمَيَّزَتْ بِكَوْنِهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا بِالنِّيَّةِ الْأُولَى، وَلَمْ
يَصْرِفْهَا عَمَّا كَانَتْ، وَالظَّنُّ الْحَادِثُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فِي " صَلَاتِهِ "، وَإِذَا أَتَى بِفِعْلٍ عَلَى الشَّكِّ فَهُوَ ظَانٌّ فِي إتْيَانِهِ بِهِ عَلَى الشَّكِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، قَالَ وَسُئِلَ الْقَاضِي عَمَّنْ شَرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " فَقَنَتَ " ظَانًّا أَنَّهُ فِي الصُّبْحِ فَلَمَّا سَلَّمَ تَذَكَّرَ وَأَجَابَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ هَلْ نَوَى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَفْعَالًا قَبْلَ " التَّذَكُّرِ ".
" قُلْت " وَهَذَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي صُورَةِ الْبَغَوِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا حَصَلَ وَجْهَانِ.
الثَّانِيَة: لَوْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ " رَكَعَ " أَمْ لَا فَقَامَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ رَكَعَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ هَلْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ أَوْ لَا فَمَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى لَمْ يَضُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ فِعْلًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الشَّكِّ قَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا.
" قَالَ "، وَلَوْ جَامَعَ " حَالَةَ الشَّكِّ " فَذَكَرَ أَنَّهُ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.
التَّاسِعُ: قَدْ " يَنْبَنِي " الْحُكْمُ عَلَى الشَّكِّ لِتَعَذُّرِ " التَّحَقُّقِ " فِي صُوَرٍ:
مِنْهَا: الرَّجْعَةُ فِي عِدَّةِ نِكَاحٍ شَكَّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ فَإِنَّهَا رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا، وَكَذَا الرَّجْعَةُ مَعَ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْإِبَاحَةِ بِهَا، كَمَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً، ثُمَّ رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ يَصِحُّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَقَدْ شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ.
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ مُبْهِمًا، فَقَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ رَاجَعَهَا، فَقَالَ رَاجَعْت الْمُطَلَّقَةَ مِنْكُمَا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ، بَلْ طَرِيقُهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ ثُمَّ يُرَاجِعَ.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ إذَا آلَى مِنْ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَامْتَنَعَ فَطَلَّقَ الْقَاضِي إحْدَاهُمَا فَقَالَ الزَّوْجُ رَاجَعْت الَّتِي وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجْهَانِ سَبْقًا فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَهَذَا وَهْمٌ، بَلْ هَذِهِ تَصِحُّ رَجْعَتُهَا قَطْعًا إذْ لَا إبْهَامَ فِيهَا عِنْدَ الْمُرْتَجِعِ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمُولَى مِنْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ السَّابِقَةُ فِي الرَّجْعَةِ، لِإِبْهَامِ تِلْكَ وَتَعْيِينِ هَذِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَمْ " يَعْلَمْ " هَلْ قَدِمَ أَمْ لَا فَرَاجَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدِمَ، فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، وَأَصْلُهُ " مَنْ " بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ.
وَمِنْهَا: الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ مَنْ اُتُّهِمَ بِالرِّدَّةِ، إذَا أَنْكَرَ وَأَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي مُسْتَنَدِهِ هَلْ هُوَ الْإِسْلَامُ السَّابِقُ أَوْ الْإِسْلَامُ الْمُجَدَّدُ " عَلَى " تَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا اُتُّهِمَ بِهِ، " وَلِأَنَّ " هَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَالْمُرْتَدُّ كَذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه " فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي
أَدَبِ الْقَضَاءِ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَقُلْت " قُلْ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ أَمْرٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ انْتَهَى.
وَنَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ حَتَّى يَعْتَرِفَ " أَوْ تَنْهَضَ بَيِّنَةٌ " فِي مُقَابَلَةِ إنْكَارِهِ. وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ.
الْعَاشِرُ: اشْتَهَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ فِي الْأُصُولِ وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ " فِي الطَّلَاقِ " فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَجَوُّزٌ إذْ الْيَقِينُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الشَّكِّ، وَإِذَا طَرَأَ الشَّكُّ فَلَا يَقِينَ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْيَقِينَ " السَّابِقَ " لَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ الطَّارِئِ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ إذَا طَرَأَ الشَّكُّ لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَرْتَبِطَ بِعَلَامَةٍ بَيِّنَةٍ " فَيَتْبَعُ " فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُتَقَدِّمِ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ " شَكَّ أَنَّهُ " طَلَّقَ فَامْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ، وَلَا حُكْمَ لِلنِّكَاحِ السَّابِقِ، وَمَا سَبَقَ مِنْ بَعْضِ انْعِقَادِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ بِعَلَامَةٍ خَفِيَّةٍ، كَعَلَامَةِ تَمَيُّزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ، فَإِنْ عَلِمَ نَجَاسَةَ أَحَدِهِمَا وَطَهَارَةَ الْآخَرِ تَعَارَضَ الْيَقِينَانِ فَلَا سَبِيلَ إلَى
تَرْكِ " الْإِنَاءَيْنِ أَوْ الْأَخْذِ " بِأَحَدِهِمَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّرْكِ فَتَعَيَّنَ الِاجْتِهَادُ إذْ لَيْسَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ تَحَقَّقْنَا الطَّهَارَةَ وَشَكَكْنَا فِي طَرَيَانِ النَّجَاسَةِ، كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ إنَاءٌ وَاحِدٌ فِيهِ مَاءٌ فَشَكَّ فِي طَرَيَانِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ، وَغَلَبَتْ عِنْدَهُ عَلَامَاتُهَا، فَهَلْ يَحِلُّ التَّمَسُّكُ بِالْعَلَامَاتِ أَمْ يَسْتَصْحِبَ الْيَقِينَ السَّابِقَ لِضَعْفِ الْعَلَامَةِ فِيهِ قَوْلَانِ.
وَهَذَا هُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَكُونَ عَلَامَةً جَلِيَّةً وَلَا خَفِيَّةً وَسَبَبُهُ ارْتِفَاعُ الْعَلَامَاتِ، كَمَا فِي الْأَحْدَاثِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ " وَإِذَا " انْحَسَمَ الِاجْتِهَادُ وَطَرَأَ الشَّكُّ فَعِنْدَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ يَرَى التَّمَسُّكَ بِالْيَقِينِ السَّابِقِ وَلَا " يَتَيَمَّمُ " لِلشَّكِّ " فِيهِمَا " لِأَنَّ الشَّكَّ يَتَعَلَّقُ " بِمُعْتَقَدَيْنِ " مُتَعَارِضَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ غَالِبَ الْأَمْرِ عَنْ الشَّكِّ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ الشَّكُّ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: شَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ حَرَامٍ، كَشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ فِي بَلَدٍ فِيهِ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَمَجُوسٌ لَا يَغْلِبُ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ فَلَا تَحِلُّ، لِأَنَّ أَصْلَهَا حَرَامٌ.
وَشَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ مُبَاحٍ، " كَمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً مُتَغَيِّرًا "، وَاحْتَمَلَ أَنْ
يَكُونَ تَغَيُّرُهُ بِنَجَاسَةٍ أَوْ بِطُولِ الْمُكْثِ فَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ.
وَكَذَلِكَ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا.
وَشَكٌّ لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ، " كَمُبَايَعَةِ " مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، فَلَا يَحْرُمُ، لِإِمْكَانِ الْحَلَالِ وَيُكْرَهُ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.
الْحَادِي عَشَرَ: مُسْتَنْبَطٌ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» يَنْبَنِي " عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ اسْتِصْحَابُ الْيَقِينِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الشَّكِّ كَمَا فِي صُورَتَيْ يَقِينِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ، وَكَمَا لَوْ شَكَّ الزَّوْجُ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ وَيَطْرَحُ الشَّكَّ.
وَقَدْ اسْتَثْنَى ابْنُ الْقَاضِي فِي تَلْخِيصِهِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ الْكُلَّ، وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ فِي كَثِيرٍ.
" إحْدَاهَا ": شَكَّ مَاسِحُ الْخُفِّ هَلْ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ " بِأَنَّهُ " انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَهَا.
الثَّانِيَةُ: شَكَّ هَلْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي السَّفَرِ يَأْخُذُ بِأَنَّهُ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ وَرَدَّ ذَلِكَ الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ، بَلْ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الْمَسْحِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ.
الثَّالِثَةُ: إذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ خَلْفَ مَنْ لَا يَدْرِي أَهُوَ مُسَافِرٌ أَمْ مُقِيمٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَرَكَ يَقِينٍ بِشَكٍّ، بَلْ لِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُهُ.
الرَّابِعَةُ: بَالَ حَيَوَانٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ " وَوُجِدَ " مُتَغَيِّرًا وَلَمْ نَدْرِ أَتَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ أَمْ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى النَّصِّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ " تَغَيُّرِهِ " بِالْبَوْلِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ إحَالَةَ التَّغَيُّرِ عَلَى الْبَوْلِ الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى مِنْ إحَالَتِهِ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ فَيُقَدَّمُ الظَّاهِرُ عَلَى الْأَصْلِ.
الْخَامِسَةُ: الْمُتَحَيِّرَةُ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ تَشُكُّ انْقِطَاعَ الدَّمِ قَبْلَهَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِطَاعِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ " الصَّلَاةَ فِي الذِّمَّةِ "، فَإِذَا شَكَّتْ فِي الِانْقِطَاعِ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ صُورَةِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، لَكِنَّ " الْأَمْرَ " بِالِاحْتِيَاطِ هُنَاكَ اقْتَضَى ذَلِكَ.
السَّادِسَةُ: مَنْ شَكَّ فِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ يَغْسِلُهُ كُلَّهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الثَّوْبِ الطَّهَارَةُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ الطَّهَارَةُ، إلَّا بِغَسْلِ الْجَمِيعِ.
السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ: شَكَّ مُسَافِرٌ أَوَصَلَ بَلَدَهُ أَمْ لَا " أَوْ نَوَى " الْإِقَامَةَ أَمْ لَا لَمْ يَتَرَخَّصْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ السَّفَرِ وَعَدَمُ وُصُولِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الرُّخْصَةِ، إلَّا بِيَقِينٍ وَحَكَى الْقَفَّالُ فِي السَّابِعَةِ وَجْهًا بِالْجَوَازِ
وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الثَّامِنَةِ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ نَقْلًا عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ.
التَّاسِعَةُ: مَنْ بِهِ حَادِثٌ دَائِمٌ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ انْقَطَعَ حَدَثُهُ أَمْ لَا فَصَلَّى بِطَهَارَتِهِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِمْرَارُ، وَرُدَّ بِأَنَّ طَهَارَتَهُ ضَرُورَةٌ فَإِذَا شَكَّ فِي الِانْقِطَاعِ فَقَدْ شَكَّ فِي السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ فَيَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ.
الْعَاشِرَةُ: الْمُتَيَمِّمُ إذَا تَوَهَّمَ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِنْ بَانَ أَنْ لَا مَاءَ وَرُدَّ بِأَنَّ تَوَهُّمَ الْمَاءِ يُوجِبُ الطَّلَبَ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلتَّيَمُّمِ وَالْأَرْجَحُ مَعَ ابْنِ الْقَاصِّ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْوَهْمِ قَدْ " أَعْمَلْنَاهُ " فِي إبْطَالِ الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَسَبَبُ رُجْحَانِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاصِّ فِيمَا سَبَقَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْمَوْجُودَ أَسْقَطْنَاهُ بِالشَّكِّ ".
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ": رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَشَكَّ هَلْ أَصَابَهُ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ رَمْيَةٍ أَوْ حَجَرٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَكَذَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ فَإِنْ أَجَزْنَا أَكْلَهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ شَكَكْنَا فِي الْحِلِّ.
وَهَذَا رَدٌّ جَيِّدٌ وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ الْحِلَّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ صَحَّحُوا التَّحْرِيمَ " وَمَحَلُّ " ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْجُرْحُ لَا يَنْتَهِي إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنْ انْتَهَى حَلَّ قَطْعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ ذَكَرَا أَرْبَعَ مَسَائِلَ مُسْتَثْنَيَاتٍ وَنَسَبَاهَا لِصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَنَّهُ حَذِقٌ وَأَنَّ هَذِهِ مِمَّا تُسْتَفَادُ وَقَدْ ذَكَرَا الْأُولَى وَالسَّابِعَةَ وَالثَّامِنَةَ وَنَقَلَا وَاحِدَةً عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ صَدَّرَا بِهَا لَمْ أَرَهَا فِي كَلَامِهِ وَهِيَ أَنَّ النَّاسَ لَوْ شَكُّوا فِي " انْقِضَاءِ وَقْتِ " الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْوَقْتِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الْمُسْتَثْنَى " اثْنَتَيْ عَشْرَةَ " مَسْأَلَةً.
قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمَسْحِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي صُورَتَيْ الْمُسَافِرِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ انْقِضَاءَ وَقْتِ الْمَسْحِ لَيْسَ " مِمَّا " يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِذَا " شَكَّ فِيهِ تَعَيَّنَ الرَّدُّ " لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ الِانْتِهَاءِ لِدَارِ الْإِقَامَةِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالشَّاكِّ فَجَاءَ وَجْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ طَرَحَهُ.
وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الشَّكَّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالشَّكِّ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٌ " فِيهِمَا " عَلَى الْأَصَحِّ.
وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مَضَتْ كَامِلَةً عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ فَلَا أَثَرَ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ الشَّكِّ. وَبَقِيَتْ مَسَائِلُ أُخَرُ تُضَافُ " لِمَا " ذُكِرَ.
مِنْهَا: الْمَقْبَرَةُ إذَا شُكَّ نَبْشُهَا فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ " الصَّلَاةُ " فِيهَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّبْشِ.
وَمِنْهَا: إذَا جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ وَقَضَتْ شَهْوَتَهَا ثُمَّ اغْتَسَلَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ أَعَادَتْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اخْتِلَاطُ مَنِيِّهَا مَعَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَأَى مَنِيًّا فِي ثَوْبِهِ أَوْ فَرْشِهِ " الَّذِي لَا يَنَامُ " فِيهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ " الْحَدَثِ ". فَإِنْ قُلْت " إنَّمَا " وَجَبَ الْغُسْلُ إحَالَةً عَلَى مَا ظَهَرَ الْمَنِيُّ.
قُلْت: وَفِي بَوْلِ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى.
وَمِنْهَا: إذَا نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنِ الْمَقْعَدَةِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ الرِّيحِ.
وَمِنْهَا: الْهِرَّةُ إذَا تَنَجَّسَ فَمُهَا ثُمَّ غَابَتْ وَاحْتُمِلَ زَوَالُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ مَا لَاقَاهُ مِنْ مَاءٍ وَمَائِعٍ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نَجَاسَةٍ فَمِهَا وَقَدْ " رَفَعْنَاهُ " بِالشَّكِّ.
لَا يُقَالُ لَا يُسْتَثْنَى، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فِيمَا بَلَغَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ الْغَرَضُ طَرْحُ يَقِينِ النَّجَاسَةِ فَالشَّكُّ اعْتَضَدَ بِأَصْلٍ آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.
وَمِنْهَا: لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُلَّتَانِ أَمْ لَا فَقَدْ جَزَمَ جَمَاعَةٌ بِنَجَاسَتِهِ إعْمَالًا لِلشَّكِّ وَطَرَحَ أَصْلَ الطَّهَارَةِ.
لَا يُقَالُ أَنَّ الْقُلَّةَ هِيَ الْأَصْلُ، لِأَنَّا نَقُولُ الْمَاءُ الْمُشَخَّصُ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ بِقُلَّةٍ فَكَيْفَ يَدَّعِي أَنَّ الْأَصْلَ الْقِلَّةُ، لَا جَرَمَ رَجَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ طَهُورٌ " فَلَا اسْتِثْنَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَزَمَ ".
وَمِنْهَا: لَوْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ فِي الْكَفَّارَةِ، هَلْ نَوَى فِيهِ أَمْ لَا لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا نَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ وَقَضِيَّتُهُ طَرْدُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنْ الْبَغَوِيّ صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّأْثِيرِ.
وَمِنْهَا: اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ.
وَمِنْهَا: مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ " فَشَكَّ " فِي قَضَائِهَا، فَإِنَّهُ لَا " يَلْزَمُهُ " قَضَاؤُهَا، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا.
وَمِنْهَا: إذَا أَكَلَ مِنْ مَالِ صَدِيقِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جَازَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ.
وَمِنْهَا: الْمَفْقُودُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ (فَوْقَهَا) يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ " فِي الْحُكْمِ " بِمَوْتِهِ وَيُعْطِي مَالَهُ " لِوَرَثَتِهِ " مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ.
وَمِنْهَا: قُدَّ مَلْفُوفًا فِي ثَوْبٍ نِصْفَيْنِ، وَشَكَّ فِي حَيَاتِهِ " وَمَوْتِهِ "، وَادَّعَى الضَّارِبُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ حَيَاةً قَبْلَ ذَلِكَ، فَمُقْتَضَى إطْلَاقِ مَنْ صَحَّحَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ لِلْعَمَلِ بِالشَّكِّ وَطَرْحُ الْأَصْلِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَهُوَ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْفِقْهِ.
وَمِنْهَا: الْجُرْحُ الَّذِي احْتَمَلَ الزَّهُوقَ " لِغَيْرِهِ " فَإِنَّهُ يَجْرِي الْحُكْمُ عَلَيْهِ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي صُورَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْحَلِفِ أَنَّ " لِمُوَرِّثِهِ " عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، بَلْ " بِغَلَبَةِ " الظَّنِّ " مِمَّا " يَجِدُهُ " مِنْ خَطِّ مُوَرِّثِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ " يَشُكُّ "، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ أُجِيزَ لَهُ