الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْهِبَةِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْوَصِيَّةِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
[السَّكْرَانُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالصَّاحِي]
عَلَى الْمَذْهَبِ، إلَّا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ.
[السُّكُوتُ ضَرْبَانِ]
ِ " الْأَوَّلُ " أَنْ يَكُونَ بِمُجَرَّدِهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالنُّطْقِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ لَهُ الْعِصْمَةُ.
وَلِهَذَا كَانَ تَقْرِيرُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَرْعِهِ، وَكَانَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ حُجَّةً عِنْدَ كَثِيرِينَ، لِأَنَّهُ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ النَّصِّ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْعِصْمَةِ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْآيَةِ، وَالْمَسْكُوتُ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَنْطُوقِ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْحُكْمِ مُنَاسِبٌ لِانْتِفَائِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فِي جَانِبِ " الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِكَوْنِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ " مُقَيَّدًا " مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ " الْمَسْكُوتَ " أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَنْطُوقِ، كَمَا فِي الضَّرْبِ مَعَ التَّأْفِيفِ، وَكَمَا فَوْقَ الدِّينَارِ " وَدُونَ " الْقِنْطَارِ " انْعَكَسَ الْحُكْمُ "، وَكَانَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَيَتَأَكَّدُ بِذَلِكَ " الْقَوْلُ "" بِشَرْعِيَّةِ الْإِطْعَامِ " فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.
وَالثَّانِي غَيْرُ الْمَعْصُومِ، فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ، " لَا سِيَّمَا " إذَا كَانَ السُّكُوتُ " مُحَرَّمًا ".
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - "، لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ. نَعَمْ، " إذَا " قَامَ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ فِي التَّزْوِيجِ.
" وَلِهَذَا " اكْتَفَى بِهِ " وَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى " رِضَاهُ " فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ.
وَالْأَحْوَالُ بِحَسَبِ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ:
" الْأَوَّلُ ": مَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ قَطْعًا كَالسُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ فِي الْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ إذَا اسْتَأْذَنَهَا الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ جُعِلَ كَالْمُنْكَرِ النَّاكِلِ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي.
وَلَوْ نَقَضَ " بَعْضُ " أَهْلِ " الْهُدْنَةِ "، وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، انْتَقَضَ فِي السَّاكِتِينَ أَيْضًا.
وَلَوْ تَبَارَزَ اثْنَانِ وَشَرَطْنَا الْأَمَانَ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، فَأَعَانَ " الْكَافِرَ " جَمَاعَةٌ مِنْ صَفِّهِ بِغَيْرِ " اسْتِجَارَةٍ "، وَسَكَتَ " وَلَمْ " يَمْنَعْهُمْ انْتَقَضَ أَمَانُهُ،
وَجَازَ لِغَيْرِ الْمُبَارِزِينَ قَتْلُهُ.
وَلَوْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يُتْلِفُ مَالًا لِغَيْرِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، فَإِنَّ السَّيِّدَ " يَضْمَنُهُ " ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْتِقَاطِ الْعَبْدِ.
وَلَوْ الْتَقَطَ الصَّبِيُّ وَصَحَّحْنَاهُ فَرَآهُ الْوَلِيُّ، فَلَمْ يَنْزِعْهُ، فَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، كَمَا وَلَوْ احْتَطَبَ وَرَآهُ مَعَهُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ.
الثَّانِي: مَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ السُّكُوتُ فِي الْبِكْرِ " الْبَالِغِ " إذَا اسْتَأْذَنَهَا الْعَصَبَةُ أَوْ الْحَاكِمُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَظْهَرَ قَرِينَةٌ بِالْمَنْعِ، فَلَوْ بَكَتْ مَعَ صِيَاحٍ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ.
" وَلَوْ حَلَقَ الْحَلَالُ رَأْسَ مُحْرِمٍ " وَهُوَ سَاكِتٌ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِأَمْرِهِ فَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الشَّعْرَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ، قِيلَ وَمُقْتَضَى هَذَا، أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ الْوَدِيعَةَ، وَالْمُودِعُ سَاكِتٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى دَفْعِهِ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا، وَيَنْزِلُ سُكُوتُهُ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ فِي الْإِتْلَافِ.
وَمِنْهُ: لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ الْبَالِغُ وَهُوَ سَاكِتٌ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ " بِأَنَّ " الْبَائِعَ سَيِّدُهُ.
وَمِنْهُ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ، وَهُوَ سَاكِتٌ " يَسْمَعُ " تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ " يُشْتَرَطُ " أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ مِنْ الْقَارِئِ " تَصْحِيفٌ " وَتَحْرِيفٌ لَرَدَّهُ
الشَّيْخُ، فَسُكُوتُهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهِ " قَطْعًا ".
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعِنْوَانِ، إذَا سَكَتَ الشَّيْخُ " مُقِرًّا " عَلَى مَا قُرِئَ عَلَيْهِ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ " يُقَالَ " أَخْبَرَنَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رضي الله عنه " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ، لِتَرَدُّدِ السُّكُوتِ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ قَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رضي الله عنه "، لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ يَجُوزُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ.
الثَّالِثُ: مَا لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ سَكَتَ عَنْ وَطْءِ أَمَتِهِ، لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ عَنْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ أَوْ إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ، لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهُ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ " الثَّيِّبُ " فِي النِّكَاحِ، (فَسَكَتَتْ)" لَا أَثَرَ لَهُ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ مَهْرِ الْبِكْرِ الرَّشِيدَةِ، إلَّا بِإِذْنِهَا، فَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ، لَمْ يُسْتَفَدْ بِسُكُوتِهَا " الْإِذْنُ " فِي الْقَبْضِ قَطْعًا، وَحَاوَلَ الرَّافِعِيُّ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي " بَابِ " النِّزَاعِ " مِنْ " الصَّدَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَنَحْكِيهِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ.
الرَّابِعُ: مَا لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْأَصَحِّ.
فَمِنْهُ: إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِي " يَطَأُ " الْجَارِيَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَكُونُ
مُجِيزًا لِلْعَقْدِ بِسُكُوتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ حُمِلَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ فَأُخْرِجَ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْكَلَامِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي الْمُفَارَقَةِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، فَحُمِلَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الدَّفْعِ لَا يَحْنَثُ.
وَلَوْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَسَكَتَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَالشَّرْطُ التَّصْدِيقُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ " ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلِ التَّسَامُحِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ سُكُوتَ الْبَالِغِ فِي النَّسَبِ " كَالْإِقْرَارِ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَإِنَّمَا أَقَامُوا السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ مَقَامَ النُّطْقِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْأَنْسَابِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجُوزُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَكَرَّرَ الْحَالُ.
وَلَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ الْبِكْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ فِي غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَسَكَتَتْ، لَمْ يَكُنْ إذْنًا، لِأَنَّهُ مَالٌ، فَلَا يَكْفِي سُكُوتُهَا " كَبَيْعِ " مَا لَهَا، قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِ.
وَلَوْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ، بَلْ بَقِيَتْ سَاكِتَةً، وَلَمْ تَعْرِضْ نَفْسَهَا فَلَا نَفَقَةَ " لَهَا "، إنْ قُلْنَا " إنَّهَا تَجِبُ " بِالتَّمْكِينِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَقْدِ وَجَبَتْ. تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُنْسَبُ لَهُ قَوْلٌ فَلَا يُنْسَبُ لَهُ فِعْلٌ.