الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ وَحَقِّهِ]
ِ ضَرْبَانِ قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ: فَالْفِعْلِيَّةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ قَطْعًا، كَالْغَصْبِ، وَفِي الْقَوْلِيَّةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ، بَلْ لِعَمْرٍو (فَإِنَّا نَحْكُمُ) ، بِكَوْنِهَا لِزَيْدٍ وَيَغْرَمُ لِعَمْرٍو قِيمَتَهَا فِي الْأَصَحِّ، وَكَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ وَقَفِيَّةَ مِلْكٍ لَهُ (وَأَخْبَرَ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، فَأَقَرَّ (بِالْوَقْفِ) ، هَلْ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ؟ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ فَيَلْزَمُهُ الْغُرْمُ وَهُمَا مُطَرَّدَانِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ مِنْ الْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا، إلَّا فِي الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالْعِتْقِ فَيَغْرَمُونَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ (لَا مُسْتَدْرَكَ) لَهُ قَالَهُ الْإِمَامُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّغْرِيمُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَنَّك (رَهَنَتْنَا) هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةٍ وَ (أَقَبَضْته) فَصَدَّقَ أَحَدَهُمَا، فَالرَّهْنُ لَلْمُصَدِّقِ، وَلَيْسَ (لِلْمُكَذِّبِ) تَحْلِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَغْرَمُ (لَهُ) شَيْئًا، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَثِيقَةِ (وَمَرْجِعُ) الدَّيْنِ إلَى الذِّمَّةِ، فَحَصَلَ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ تُضْمَنُ قَطْعًا، وَكَذَا الْقَوْلِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُسْتَدْرَكُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ بِالتَّصَادُقِ (فَالْقَوْلَانِ) أَصَحُّهُمَا الْغُرْمُ، إلَّا فِي صُورَةِ الرَّهْنِ، (فَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ)
ضَمِنَا) إذْ لَا تَدَارُكَ بِالتَّصَادُقِ وَالِاتِّفَاقِ، وَكُلُّ مَنْ حَالَ بَيْنَ رَجُلٍ وَبُضْعِهِ غَرِمَ مَهْرَ الْمِثْلِ، كَالرِّضَاعِ وَالشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ، إلَّا فِي الْهُدْنَةِ فَإِنَّا لَا نَرُدُّ (الْمُسْلِمَةَ) وَنُغَرِّمُ الْمُسَمَّى.
وَاعْلَمْ أَنَّ (الْإِمَامَ) الشَّافِعِيَّ (رضي الله عنه) نَصَّ (عَلَى) أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ عَلَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ بِالرَّضَاعِ، يَلْزَمُهُ نِصْفُ (مَهْرِ)(مِثْلِهَا) ، وَنَصَّ فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ، إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِلُزُومِ (غُرْمِ) جَمِيعِ الْمَهْرِ فَقِيلَ قَوْلَانِ (بِنَاءً) أَوْ تَخْرِيجًا.
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الشُّهُودَ وَالْمُرْضِعَةَ، هَلْ تَغْرَمُ قَدْرَ مَا غَرِمَ الزَّوْجُ أَوْ قِيمَةَ مَا فَاتَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَقْطَعُوا بِنِكَاحِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِي الرُّجُوعِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَفْسَدَتْ نِكَاحَ الرَّجُلِ بِالرِّضَاعِ، فَقَدْ قَطَعَتْ الْعِصْمَةَ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ، بِخِلَافِ الْحَيْلُولَةِ فِي الشَّهَادَةِ، وَكُلُّ مَنْ حَالَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ مِلْكِهِ لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَقَدْ يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ الْفَرْقَ عَلَى الْعَكْسِ أَوْلَى، فَإِنَّ قَطْعَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الْحَيْلُولَةِ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْحَيْلُولَةِ جَمِيعُ الْمَهْرِ، (فَلَأَنْ) يَجِبَ فِي قَطْعِ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ أَوْلَى، لَكِنْ يُجَابُ عَنْهُ، بِأَنَّ قَطْعَ النِّكَاحِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْحُكْمُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ فِي الْغُرْمِ قَبْلَ الدُّخُولِ،
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّهُودِ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقْطَعُوا النِّكَاحَ، لِجَوَازِ كَذِبِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ بِالرُّجُوعِ، وَالثَّابِتُ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ أَنَّ مَنْ حَالَ بَيْنَ شَخْصٍ وَبَيْنَ مِلْكِهِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ، كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا، فَأَبَقَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ، فَإِذَا عَادَ الْعَبْدُ رَدَّ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَاسْتَرْجَعَ الْعَبْدَ.
وَلَك أَنْ تُقَسِّمَ مَسَائِلَ الْحَيْلُولَةِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) : مَا يَغْرَمُ (الْحَائِلُ) قَطْعًا وَعَكْسُهُ، وَمَا يَغْرَمُ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَكْسُهُ.
فَالْأَوَّلُ كَالْحَيْلُولَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ وَسَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ، وَكَتَبَ بِهَا إلَى قَاضِي بَلَدِ (الْعَيْنِ) لِيُسَلِّمَهَا لِلْمُدَّعِي بِكَفِيلٍ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا، وَفِي هَذَا حَيْلُولَةٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَمَالِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الطَّالِبِ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ أَيْضًا.
(وَالثَّانِي) : كَالْحَيْلُولَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي الْقِصَاصِ، كَمَا إذَا حَالَ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَمُسْتَحِقُّ الدَّمِ.
(الثَّالِثُ) : كَغَالِبِ أَحْوَالِ الْحَيْلُولَةِ الْقَوْلِيَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ.
(الرَّابِعُ) : كَمَا إذَا قَطَعَ صَحِيحُ الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى (مَنْ) لَا عُلْيَا لَهُ، فَهَلْ لَهُ طَلَبُ
الْأَرْشِ لِلْحَيْلُولَةِ؟ (وَجْهَانِ) ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَعْفُو عَنْ الْجَانِي، فَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ هَلْ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ الْقِصَاصِ، وَإِذَا سَقَطَتْ الْعُلْيَا، هَلْ يَرُدُّهُ وَيَقْتَصُّ، حَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى مَا لَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيُطَالِبُ بِالْمِثْلِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ شَبَّهَ الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبِالْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ، (فَهَلْ) لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ (وَالْأَرْشَ) وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ.
وَلَوْ ثَبَتَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، وَأَخَّرْنَا الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَضْعِ وَطَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ الْمَالَ لِلتَّأْخِيرِ فَفِي إعْطَائِهِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ وَجْهَانِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ، إذَا لَمْ يَعْفُ، وَقَالُوا إنَّ أَخْذَهُ الدِّيَةِ، عَفْوٌ عَنْ الْقِصَاصِ.
وَمِنْهُ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ، الْمُسْلَمَ، إلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مَئُونَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَلَوْ أَحْبَلَ الْأَبُ جَارِيَةَ الِابْنِ امْتَنَعَ بَيْعُهَا عَلَى الِابْنِ، لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ، وَفِي وَجْهٍ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهَا فِي الْحَالِ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ عِنْدَ الْوَضْعِ، وَالْأَصَحُّ لَا، لِاسْتِمْرَارِ يَدِ الْوَلَدِ عَلَيْهَا وَانْتِفَاعِهِ بِالِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ ثَمَنُ عَبْدٍ وَصَدَّقَهُ سُلِّمَ الْعَبْدُ إلَيْهِ وَقَبَضَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ الْمَالِكُ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحُكِمَ لَهُ بِالْعَبْدِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ، وَهَلْ يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا:(نَعَمْ)(كَحُكْمِ) الْحَاكِمِ الثَّانِي يَكُونُ كَالْمُحْتَالِ عَلَى حَقِّهِ أَيْ كَالْحَيْلُولَةِ كَذَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ.