المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَإِنْ) نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ فِي - المنثور في القواعد الفقهية - جـ ٢

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[حَرْفُ الْجِيمِ] [

- ‌الْجَائِزُ]

- ‌[الْجُبْرَان]

- ‌[الْجَعَالَةُ كَالْإِجَارَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ]

- ‌[الْجِلْسَاتُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ]

- ‌[الْجَمْعُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[الْجَهْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[حَرْفُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الْحَاجَةُ الْعَامَّةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ الْخَاصَّةِ فِي حَقِّ آحَادِ النَّاسِ]

- ‌[الْحَاجَةُ الْخَاصَّةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ]

- ‌[الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ]

- ‌[الْحَجْرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحُجَّةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ]

- ‌[حَدِيثُ النَّفْسِ لَهُ خَمْسُ مَرَاتِبَ]

- ‌[الْحُدُودُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحَدَثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَالِاسْتِيلَاءِ]

- ‌[الْحَرِيمُ يَدْخُلُ فِي الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ]

- ‌[الْحَشَفَةُ]

- ‌[الْحَصْرُ وَالْإِشَاعَةُ]

- ‌[الْحُقُوقُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[الْحُقُوقُ تُوَرَّثُ كَمَا يُوَرَّثُ الْمَالُ]

- ‌[الْحُقُوقُ الْمُوَرَّثَةُ]

- ‌[حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَة]

- ‌[حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَتْ]

- ‌[الْحُكْمُ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[حُكْمُ الْحَاكِمِ]

- ‌[الْحَلَالُ]

- ‌[الْحَلِفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحَمْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْحَوَاسُّ خَمْسَةٌ]

- ‌[الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ وَحَقِّهِ]

- ‌[الْحِيَلُ]

- ‌[الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالْمُسْتَمِرَّةُ وَعَيْشُ الْمَذْبُوحِ]

- ‌[الْحَيَوَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أُمُورٌ]

- ‌[حَرْفُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الْخَبَرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ]

- ‌[الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَة]

- ‌[الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ]

- ‌[الْخُطَبُ اثْنَتَا عَشْرَةَ]

- ‌[الْخَطَأُ يَرْفَعُ الْإِثْمَ]

- ‌[الْخَلْطُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ]

- ‌[الْخُلْفُ فِي الصِّفَةِ]

- ‌[الْخِلَافُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْخِيَارُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[حَرْفُ الدَّالِ] [

- ‌الدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ]

- ‌[الدَّوْرُ قِسْمَانِ]

- ‌[الدَّيْنُ ضَرْبَانِ حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ]

- ‌[حَرْفُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الذَّهَبُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّجَالِ]

- ‌[حَرْفُ الرَّاءِ] [

- ‌الرُّخَصُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الرِّدَّةُ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ]

- ‌[الرِّشْوَةُ أَخْذُ الْمَالِ لِيُحِقَّ بِهِ الْبَاطِلَ أَوْ يُبْطِلَ الْحَقَّ]

- ‌[الرِّضَا بِالشَّيْءِ رِضًا بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ]

- ‌[حَرْفُ الزَّاي] [

- ‌الزَّائِلُ الْعَائِدُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ]

- ‌[الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ]

- ‌[الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا أَثَرَ لَهَا]

- ‌[الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ]

- ‌[الزَّرْعُ النَّابِتُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ]

- ‌[حَرْفُ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌السَّبَبُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[السِّرَايَةُ حَقِيقَتُهَا]

- ‌[السَّفَرُ قِسْمَانِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ]

- ‌[السَّفِيهُ تَصَرُّفَاتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[السَّكْرَانُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالصَّاحِي]

- ‌[السُّكُوتُ ضَرْبَانِ]

- ‌[السُّنَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[السُّؤَالُ مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ]

- ‌[سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ]

- ‌[السَّهْوُ]

- ‌[السَّهْوُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[السَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً]

- ‌[حَرْفُ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الشَّبَهُ]

- ‌[الشُّبْهَةُ فِيهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الشَّرْطُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[شَرْطُ الْعِلَّةِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى شَطْرِ الْعِلَّةِ]

- ‌[الشُّرُوعُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ]

- ‌[الشَّفَاعَةُ ضَرَاعَةٌ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ]

- ‌[الشَّرِكَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الشَّكُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الشَّلَلُ هَلْ هُوَ مَوْتٌ أَوْ تَيَبُّسٌ]

- ‌[حَرْفُ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الصَّبِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الصِّحَّةُ وَالْجَوَازُ وَالِانْعِقَادُ فِي بَابِ الْعُقُودِ]

- ‌[الصَّرِيحُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الصِّفَةُ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلتَّوْضِيحِ]

- ‌[صِفَاتُ الْحُقُوقِ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ]

- ‌[حَرْفُ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا]

- ‌[الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ]

- ‌[أَسْبَابُ الضَّمَانُ]

- ‌[حَرْفُ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الطَّارِئُ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ]

- ‌[الطَّهَارَةُ تَثْبُتُ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ]

- ‌[حَرْفُ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌ظُهُورُ أَمَارَاتِ الشَّيْءِ هَلْ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَحَقُّقِهِ]

- ‌[الظَّنُّ إذَا كَانَ كَاذِبًا فَلَا أَثَرَ لَهُ]

- ‌[حَرْفُ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ] [

- ‌الْعَادَةُ فِيهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الْعِبَادَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]

- ‌[الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِ]

- ‌[الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ بِمَعَانِيهَا]

- ‌[الْعَدَالَةُ هَلْ تُتَحَرَّى]

- ‌[الْعُذْرُ الْعَامُّ]

- ‌[الْعُرْفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْعَزْمُ عَلَى الْإِبْطَالِ مُبْطِلٌ]

- ‌[الْعَقْدُ حقيقته]

- ‌[الْعَمَلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[عِلَّةُ الْحُكْمُ إذَا زَالَتْ وَخَلَفَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[الْعَوْلُ وَالرَّدُّ]

- ‌[الْعُيُوبُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا]

- ‌[حَرْفُ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ] [

- ‌الْغَايَةُ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ]

- ‌[غَالِبُ الْبَلَدِ يُعْتَبَرُ فِي مَسَائِلَ]

- ‌[حُكْم غَرِيمُ الْغَرِيمِ]

- ‌[الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ]

- ‌[حُكْم غُسْلُ الْعِيدَيْنِ]

الفصل: فَإِنْ) نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ فِي

فَإِنْ) نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ فِي الْحَالِ؛ لِمُنَافَاةِ مُوجِبِهَا، وَهُوَ الدَّوَامُ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ وَلَهُ رَفْضُهُ.

وَمِثْلُهُ لَوْ خَطَا فِي الصَّلَاةِ خُطْوَةً، وَعَزَمَ عَلَى أَنَّهُ يَخْطُو ثَلَاثًا بَطَلَتْ فِي الْحَالِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، أَمَّا لَوْ نَوَى أَنْ (يَفْعَلَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مُبْطِلًا، كَالْكَلَامِ فَلَا تَبْطُلُ قَطْعًا؛ (لِأَنَّهُ جَازِمٌ، وَالْجَزْمُ فِعْلُ الْمُنَافِي) وَلَمْ يُوجَدْ، كَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

وَإِذَا نَوَى قَطْعَ الصَّوْمِ (أَوْ الِاعْتِكَافِ)(فَالْأَصَحُّ) لَا يَضُرُّ كَالْحَجِّ، فَإِنْ قُلْنَا: يَبْطُلُ فَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْحَالِ أَوْ يَمْضِي قَدْرَ فِطْرِهِ؟ وَجْهَانِ.

[الْعَقْدُ حقيقته]

الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ عَقَدْتُ الْحَبْلَ إذَا جَمَعْتُ أَجْزَاءَهُ (جَمْعًا) خَاصًّا، (ثُمَّ نُقِلَ إلَى الشَّيْءِ الْمَعْقُودِ مَجَازًا) ، وَهُوَ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ تَسْمِيَةِ (الْمَفْعُولِ) بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِمْ دِرْهَمٌ ضَرْبِ الْأَمِيرِ ثُمَّ نُقِلَ شَرْعًا إلَى ارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ الِالْتِزَامِيِّ كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا.

وَلِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ اعْتِبَارَاتٌ الْأَوَّلُ: بِاعْتِبَارِ الِاسْتِقْلَالِ بِهِ، وَعَدَمِهِ إلَى ضَرْبَيْنِ: عَقْدٌ يَنْفَرِدُ بِهِ الْعَاقِدُ، وَعَقْدٌ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُتَعَاقِدَيْنِ.

ص: 397

فَالْأَوَّلُ عَقْدُ التَّدْبِيرِ (وَالنُّذُورِ) وَالْيَمِينِ وَالْوُقُوفِ، إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ فِيهِ وَالصَّلَاةُ إلَّا الْجُمُعَةَ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْهُ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ إذَا كَانَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنَّمَا هُمَا رَفْعٌ لِلْعَقْدِ.

وَالثَّانِي: يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الْجَوَازِ وَاللُّزُومِ إلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ قَطْعًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ وَالصُّلْحِ وَالْحَوَالَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْهِبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخُلْعِ.

الثَّانِي: لَازِمٌ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ وَهِيَ الْمُسَابَقَةُ.

الثَّالِثُ: جَازَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ قَطْعًا كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ، وَالْقَرْضِ وَالْجَعَالَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْعَمَلِ.

الرَّابِعُ لَازِمٌ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ جَائِزٌ مِنْ الْآخَرِ قَطْعًا كَالْكِتَابَةِ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَكَذَا الرَّهْنُ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْقَبْضِ جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَالضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَانِ مِنْ جِهَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ دُونَ الضَّامِنِ، (وَكَعَقْدِ الْأَمَانِ) جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الْمُؤَمَّنِ لَهُ نَبْذُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَصِيرُ حَرْبِيًّا لَمَّا يَبْلُغَ الْمَأْمَنَ، وَلَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُؤَمِّنِ لَا يَجُوزُ لَهُ نَبْذُهُ، إلَّا بِأَنْ يَظْهَرَ (لَهُ خِيَانَتُهُ) فَيَنْبِذُهُ حِينَئِذٍ

ص: 398

قَالَهُ الْقَاضِي (الْحُسَيْنُ) وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ.

ثُمَّ هَذَا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُوجِبِ جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الْقَابِلِ كَمَا (ذَكَرْنَا) ، وَعَكْسُهُ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْهِبَةِ لِلْأَوْلَادِ.

الْخَامِسُ لَازِمٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَفِي الْآخَرِ خِلَافٌ، كَالنِّكَاحِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَفِي الزَّوْجِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: جَائِزٌ؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الطَّلَاقِ،، وَأَصَحُّهُمَا لَازِمٌ كَالْبَيْعِ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى الطَّلَاقِ لَيْسَتْ (تَجَوُّزًا إنَّمَا) هُوَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَوَازُ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَسَّمَهَا كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

- مَا لَا يَلْزَمُ وَلَا يُفْضِي إلَى اللُّزُومِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ، وَالْخِيَارُ فِيهَا مُؤَبَّدٌ.

وَلَوْ شَرَطَا إسْقَاطَهُ بَطَلَتْ.

- وَمَا لَا يَلْزَمُ فِي الْحَالِ وَيُفْضِي إلَى اللُّزُومِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْجَعَالَةُ، وَالْعِتْقُ بِعِوَضٍ، وَاسْتِهْلَاكُ الْمَالِ (بِالضَّمَانِ) ، كَقَوْلِهِ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ قِيمَتُهُ، وَالْقَرْضُ، وَالْهِبَةُ.

فَيَكُونُ الْخِيَارُ لَهُمَا قَبْلَ اللُّزُومِ دُونَ مَا بَعْدَهُ لَوْ

ص: 399

شَرَطَا إسْقَاطَهُ أَوْ إثْبَاتَهُ (بَطَلَتْ) ، - وَمَا يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: الرَّهْنُ وَالضَّمَانُ وَالْكِتَابَةُ، وَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي لَا خِيَارَ فِيهَا أَوْ إسْقَاطَهُ فِي جِهَةِ الِاخْتِيَارِ بَطَلَتْ.

- وَمَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَهُنَا (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْحَقِيقَةِ ثُلَاثِيَّةٌ: لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، جَائِزٌ مِنْهُمَا، لَازِمٌ مِنْ أَحَدِهِمَا جَائِزٌ مِنْ الْآخَرِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ الْعَقْلِيَّةُ وَهُوَ مَا لَيْسَ لَازِمًا وَلَا جَائِزًا، فَعَقِيمٌ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ الْعَاقِدُ إمَّا أَنْ يَمْلِكَ فَسْخَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا (أَوْ لَا) فَالْأَوَّلُ الْجَائِزُ وَالثَّانِي اللَّازِمُ.

وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الْخِيَارُ وَالْإِقَالَةُ دُونَ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا.

الثَّانِي: أَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ عَزَلَ الْقَاضِي نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ، إلَّا بِعِلْمِ مَنْ قَلَّدَهُ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، وَاَلَّذِي فِي الْحَاوِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إعْلَامِ الْإِمَامِ، وَإِعْفَائِهِ.

الثَّالِثُ: مِنْ حُكْمِ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْحَالِ

ص: 400

وَالْجَائِزُ قَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَكَالْجَعَالَةِ تُعْقَدُ عَلَى رَدِّ الْآبِقِ.

وَاللَّازِمُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارٌ مُؤَبَّدٌ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِمَا أَوْ (بِمَوْتِ) أَحَدِهِمَا أَوْ بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ، وَالْجَائِزُ بِخِلَافِهِ.

نَعَمْ إنْ كَانَ الْجَائِزُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ انْفَسَخَ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ.

وَأَمَّا الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَتَبْطُلُ بِجُنُونِ السَّيِّدِ، وَإِغْمَائِهِ دُونَ الْعَبْدِ فِي الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَمَصِيرُهَا إلَى اللُّزُومِ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ عَنْ الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُعْجِزُ نَفْسَهُ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ لَمْ يُؤَثِّرْ جُنُونُهُ.

الرَّابِعُ:

مَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِمْ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ؟ لِأَنَّ كُلَّ جَائِزٍ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ إذَا لَمْ يَتَفَاسَخَا.

(وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ آيِلٌ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا بِفِعْلِ فَاعِلٍ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ ابْتِدَاءً إلَى أَنْ يُرِيدَ دَفْعَهَا.

(الْخَامِسُ) : الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إذَا اقْتَضَى فَسْخُهَا ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ امْتَنَعَ، وَصَارَتْ لَازِمَةً، وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ

ص: 401

تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ (وَغَيْرِهِ) .

قُلْت وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الشَّرِيكِ وَالْمُقَارَضِ، وَقَدْ قَالُوا فِي (الْعَامِلِ) إذَا فُسِخَ الْقِرَاضُ: عَلَيْهِ التَّقَاضِي وَالِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مِلْكٌ نَاقِصٌ، وَقَدْ أُخِذَ مِنْهُ كَامِلًا فَلْيُرَدَّ، كَمَا أُخِذَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَنِضَّ الْمَالُ وَيَعْلَمَ بِهِ الْمَالِكُ، وَجَوَّزُوا لَهُ الْبَيْعَ بِعِوَضٍ وَيَشْتَرِي بِهِ (الصِّحَاحَ) ، وَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْهُ.

الِاعْتِبَارُ الثَّانِي

الْعَقْدُ إمَّا مَالِيٌّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ حَقِيقَةً كَالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ أَوْ حُكْمًا كَالْإِجَارَةٍ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْأَمْوَالِ.

وَمِثْلُهُ الْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ أَوْ غَيْرُ مَالِيٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ إذْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الطَّرَفَيْنِ كَفَّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ (الْإِغْرَاءِ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَعَقْدِ الْقَضَاءِ.

أَوْ مَالِيٌّ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَالْجِزْيَةِ.

وَغَيْرُ (الْمَالِيِّ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَشَدُّ لُزُومًا مِنْ الْمَالِيِّ فِيهِمَا إذْ يَجُوزُ فِي الْمَالِيِّ فَسْخُهُ (بِعَيْبٍ) فِي الْعِوَضِ، كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَغَيْرِ

ص: 402

الْمَالِيِّ) لَا يُفْسَخُ أَصْلًا، إلَّا (لِحُدُوثِ) مَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ.

وَيَنْقَسِمُ الْمَالِيُّ إلَى مَحْضٍ وَغَيْرِهِ، فَيَقُولُونَ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ وَغَيْرُ مَحْضَةٍ، فَالْمَحْضَةُ (الَّتِي) يَكُونُ الْمَالُ فِيهَا مَقْصُودًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْمُعَاوَضَةُ غَيْرُ الْمَحْضَةِ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ إلَّا فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ (نَحْوَ إنْ طَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ) .

الِاعْتِبَارُ الثَّالِثُ

حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْعِوَضُ فِي عَقْدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَعِوَضِ الْأُجْرَةِ إلَّا فِي الصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ (مَرَدًّا) مَعْلُومًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَجْهُولِ كَالْعِوَضِ فِي الْمُضَارَبَةِ (وَالْمُسَاقَاةِ) .

وَهُنَا أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: هَلْ يُكْتَفَى بِالْعِلْمِ الطَّارِئِ فِي حَرِيمِ الْعَقْدِ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ

(أَحَدُهَا) مَا لَا يُكْتَفَى بِهِ قَطْعًا وَهُوَ الْقِرَاضُ وَالْقَرْضُ.

(وَالثَّانِي) مَا لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْأَصَحِّ، كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ يُعْلَمُ (مِمَّا) بَعْدُ كَالْبَيْعِ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ وَنَحْوَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمَعْرِفَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إذَا حَصَلَتْ فِيهِ الْمَعْرِفَةُ، وَلَمْ يَحْكُوا مِثْلَهُ فِي الْقِرَاضِ،

ص: 403

لِأَنَّهُ لَا حَرِيمَ لَهُ.

(الثَّالِثُ) مَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْأَصَحِّ كَالشَّرِكَةِ (لَا) يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ النِّسْبَتَيْنِ فِي الْمَالِ (الْمُخْتَلَطِ) مِنْ كَوْنِهِ مُنَاصَفَةً أَوْ مُثَالَثَةً فِي الْأَصَحِّ، إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ بُعْدٍ.

ثَانِيهِمَا: هَلْ يَكْفِي مُعَايَنَةُ الْحَاضِرِ عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ؟ هُوَ عَلَى (ثَلَاثَةِ) أَقْسَامٍ

أَحَدُهَا: مَا يَكْفِي قَطْعًا كَالْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ.

الثَّانِي: مَا يَكْفِي عَلَى الْأَصَحِّ كَالسَّلَمِ وَفِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَطْرُقُهُ غَالِبًا، وَحَيْثُ اتَّفَقَا وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَفِي الْإِجَارَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ.

الثَّالِثُ: مَا لَا يَكْفِي قَطْعًا، وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْقِرَاضِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ لَا يَصِحُّ جُزَافًا لِئَلَّا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاضِرَ الْمَجْهُولَ الْقَدْرِ يُكْتَفَى بِهِ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ قَطْعًا، وَلَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْقِرَاضِ، وَلَا الْقَرْضُ قَطْعًا، وَفِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَرَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ قَوْلَانِ، وَفِي الْأُجْرَةِ طَرِيقَانِ إنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ قَطْعًا، وَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّلَمِ جَرَى الْقَوْلَانِ.

وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ (الْمُعَاوَضَاتِ) الَّتِي لَا يَطْرُقُهَا الْفَسْخُ غَالِبًا

ص: 404

لَا تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْحَاضِرِ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا اُعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ الْحَاضِرِ، وَمَا كَانَ يَطْرُقُهُ الْفَسْخُ (وَيَحْتَاجُ) إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ (وَلَمْ) يُعْقَدْ لِيُفْسَخَ فَفِيهِ الْخِلَافُ.

الِاعْتِبَارُ الرَّابِعُ

يَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ (لَفْظًا) مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، إلَّا إذَا (اكْتَفَيْنَا) بِالْمُعَاطَاةِ، وَإِلَى مَا يُشْتَرَطُ (فِيهِ) الْإِيجَابُ وَيَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ تَصَرُّفًا كَالْوَكَالَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَالْجَعَالَةُ، وَإِلَى مَا يَكْفِي فِيهِ لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ فَيَقُولُ: أَعَرْتُك فَيَتَنَاوَلُهُ أَوْ يَقُولُ: أَعِرْنِي فَيُنَاوِلُهُ، وَمِثْلُهُ الْوَدِيعَةُ، وَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ فَعَلَى الْفَوْرِ، إلَّا الْوَصِيَّةَ فِي الْأَصَحِّ.

الِاعْتِبَارُ الْخَامِسُ

يَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى مَا يَرِدُ عَلَى (الْعَيْنِ قَطْعًا) كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ، وَإِلَى مَا يَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ (فِي) الْأَصَحِّ كَالْإِجَارَةِ.

وَلِهَذَا قَالُوا: هِيَ: تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ، (وَقَالَ) أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ؛ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ، وَزَعَمَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَلَيْسَ

ص: 405

كَذَلِكَ، وَمِنْ فَوَائِدِهِ إجَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَغَيْرِهِ.

(وَمِنْ) ذَلِكَ النِّكَاحُ وَفِيهِ خِلَافٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ (صَاحِبُ الْمُحِيطِ) أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَوْفَاةُ أَوْ عَيْنُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ شَرْطٌ (فِي) صِحَّتِهِ وَجْهَانِ، (وَالْحَقُّ) أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ لَا نَفْسَ الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا لَا لَهُ.

الِاعْتِبَارُ السَّادِسُ

يَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى مَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي لُزُومِهِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالضَّابِطُ أَنَّ (مَا) كَانَ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجِبِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ.

وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ (عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَغْرَبَ الْمَرْعَشِيُّ وَالْجَوْرِيُّ فَحَكَيَا قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ) عَلَى مُعَيَّنٍ، وَمَا كَانَ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، كَالرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ إلَّا بِإِقْبَاضِهِ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَكُونُ الزَّوَائِدُ قَبْلَهُ لِلْوَاهِبِ، وَكَذَا الْقَرْضُ لَا

ص: 406

يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي بِالتَّصَرُّفِ، وَأَمَّا الْعَارِيَّةُ فَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا هِبَةٌ لِلْمَنَافِعِ فَلَا تُمْلَكُ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَإِنْ قُلْنَا: إبَاحَةٌ فَلَا تُمْلَكُ كَطَعَامِ الضَّيْفِ ثُمَّ مَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْقَبْضُ فَإِنَّهُ يَضِيقُ فِيهِ؛ لِبِنَائِهِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَيَكُونُ مِنْ (الْجَانِبَيْنِ كَالرِّبَوِيَّاتِ) وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالسَّلَمِ فَإِذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَطَلَ.

وَأَيْضًا فَمِنْهُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ وَلَا يَكْفِي الْحُكْمِيُّ وَهُوَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ، وَلِهَذَا لَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ وَلَا الْإِبْرَاءُ.

وَمِنْهُ مَا يَكْفِي فِيهِ الْقَبْضُ الْحُكْمِيُّ، كَمَا إذَا أُثْبِتَ صَيْدٌ، وَوَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ [لَهُ] بَيْعُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ بِأَنَّهُ إذَا أَفْلَتَهُ كَانَ فِي قَبْضِهِ حُكْمًا.

وَمِنْهُ الْأَرْزَاقُ الَّتِي يُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ يَمْلِكُونَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ، إذَا صَدَرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ جَوَازَ بَيْعِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ.

وَلِهَذَا قَالُوا فِي كِتَابِ السِّيَرِ إنَّ أَفْرَازَ الْإِمَامِ لَا يُمْلَكُونَ (بِهِ) قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالُوا فِي كِتَابِ (السَّلَمِ) : يَجُوزُ جَعْلُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْفَعَةَ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَيَتَعَيَّنُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ اكْتَفَيْنَا بِهَذَا الْمُمْكِنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ أَنَّ (السَّلَمَ) لَا يَكْفِي فِيهِ الْقَبْضُ الْحُكْمِيُّ.

وَلَوْ رَجَعَ الْأَبُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلِهَذَا كَانَ (لَهُ بَيْعُهُ) قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ.

ص: 407

(تَنْبِيهٌ) مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ مَا يَكُونُ الْقَبْضُ فِيهِ مُعْتَبَرًا؛ لِلُزُومِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ لَا لِانْعِقَادِهِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ (خِيَارِ) الْمَجْلِسِ فِيهِ قَبْلَ التَّقَابُضِ.

وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْقَبْضُ فِيهِ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ كَالْهِبَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهَا (لَا يُوصَفُ قَبْلَ) الْقَبْضِ بِهِبَةِ وَلَا عَدَمِهَا، كَمَا قَبْلَ الْقَبُولِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ آثَارَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وُجِدَتْ هُنَاكَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَحُرْمَةِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ (التَّقَابُضِ) ، وَالْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (وَعَدَمُهُ) بِخِلَافِ عَقْدِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْمَطْلَبِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ لِفَرْقٍ ضَعِيفٍ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ فَلَا عَقْدَ، وَمَنْ تَجَوَّزَ وَقَالَ: بَطَلَ الْعَقْدُ، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُخَاطَبُ بَطَلَ الْإِيجَابُ فَهَذَا بُطْلَانُ مَا لَمْ يَتِمَّ لَا بُطْلَانُ مَا تَمَّ.

الِاعْتِبَارُ السَّابِعُ

يَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى (مَا يُوجَدُ) فِيهِ مَقْصُودٌ وَاحِدٌ وَإِلَى مَا يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَصَاعِدًا كَبَيْعِ حُقُوقِ الْأَمْلَاكِ (وَكَبَيْعِ) رَأْسِ الْجِدَارِ أَوْ سَطْحِهِ لِلْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِيهِ (شَوْبَ) بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِلتَّأْبِيدِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَإِنَّ (الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مَنْفَعَةٌ)(فَقَطْ)

ص: 408

وَمِنْهُ الْقِرَاضُ قَالَ الْمُتَوَلِّي ابْتِدَاؤُهُ يُشْبِهُ الْوَكَالَةَ بِالْجُعْلِ وَانْتِهَاؤُهُ يُشْبِهُ الشَّرِكَةَ عَلَى قَوْلِنَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ، وَيُشْبِهُ الْجَعَالَةَ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ (بِالْقِسْمَةِ) وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ مَالِك قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَرْضٌ فِيهِ وَكَالَةٌ، وَالثَّانِي: وَكَالَةٌ فِيهَا قَرْضٌ.

(وَقَالَ) غَيْرُهُ (: الشِّرَاءُ) فَاسِدٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ: أَقْرَضْتُك (وَمَهْمَا) فَتَحَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ فَائِدَةٍ كَانَ بَيْنَنَا فَعَلَى وَجْهٍ قَرْضٌ فَاسِدٌ (وَعَلَى وَجْهٍ قِرَاضٌ فَاسِدٌ) ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ.

الِاعْتِبَارُ الثَّامِنُ يَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَى مَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ (وَهُوَ الْفَاسِدُ) وَسَيَأْتِي فِي حَرْفِ الْفَاءِ، إلَّا أَنَّ مِنْ الْعُقُودِ مَا حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُرَتِّبُوا عَلَيْهَا الْمَقْصُودَ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا إجَارَةً عَيْنِيَّةً فَإِنَّهُمْ صَحَّحُوا الْعَقْدَ فِي الْأَصَحِّ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا: يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ فِي الْحَالِ.

وَمِثْلُهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ حَرَامٍ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَفَاسِدُهَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْإِذْنِ، لَكِنَّ خَصَائِصَهَا تَزُولُ بِفَسَادِهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ الْعُقُودِ إلَّا

ص: 409

مُقَيَّدَةً (بِالْفَاسِدِ) .

وَالثَّانِي: اللَّازِمَةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَا (لَا) يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ كَالْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، وَإِلَى مَا يَتَمَكَّنُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قُلْتُمْ إنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِذْنِ كَمَا فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ إذَا (فَسَدَتْ) قِيلَ: لَا يَصِحُّ، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ (الْبَيْعَ) وُضِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ بِالْإِذْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْمِلْكِ لَا مِنْ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْإِذْنِ.

(وَثَانِيهِمَا) : أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ عِوَضِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ الْعِوَضُ انْتَفَى الْإِذْنُ، وَالْوَكَالَةُ إذْنٌ مُطْلَقٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ.

الِاعْتِبَارُ التَّاسِعُ

لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ عَلَى الْعَيْنِ عَقْدَانِ لَازِمَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ بِاعْتِبَارَيْنِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَى الْعَقْدِ ضَرْبَانِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ قَبْلَ لُزُومِ الْأَوَّلِ وَإِتْمَامِهِ، فَهُوَ إبْطَالٌ لِلْأَوَّلِ إنْ صَدَرَ مِنْ

ص: 410

الْبَائِعِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ (فِي) زَمَنِ الْخِيَارِ، أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ فَسْخٌ، وَإِمْضَاءٌ لِلْأَوَّلِ إنْ صَدَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَذَا (إذَا قَبَضَهُ) فَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ) الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ مِنْ الْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ لُزُومِهِ وَتَمَامِهِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ.

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَعَ غَيْرِ الْعَاقِدِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ (إبْطَالٌ) لِحَقِّ الْأَوَّلِ (لَغَا) ، كَمَا (إذَا) رَهَنَ دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا لَوْ آجَرَهَا مُدَّةً (يَحِلُّ) الدَّيْنُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ (إبْطَالٌ) لِلْأَوَّلِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ (آخَرَ) يَصِحُّ، فَإِنَّ مَوْرِدَ الْبَيْعِ الْعَيْنُ وَالْإِجَارَةُ الْمَنْفَعَةُ، وَبِهَذَا يَضْعُفُ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: إنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْعَيْنُ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ قَطْعًا، كَمَا لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ فَتَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ وَيَتَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ وَلَا أُجْرَةَ (لَهُ) الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْعَاقِدِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا كَانَ (مَوْرِدُهُمَا) مُخْتَلِفًا صَحَّ قَطْعًا، كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ صَحَّ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (فِي) الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا يَصِحُّ، وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، قَالُوا: لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ فَسَقَطَ الْأَضْعَفُ بِالْأَقْوَى، وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْإِجَارَةِ، وَكَمَا (لَوْ) رَهَنَهُ دَارًا (ثُمَّ آجَرَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا

ص: 411

يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، قَالَ: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ) (مُكْرًى) مِنْهُ ثُمَّ رَهْنَهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وَرَدَ عَلَى مَحَلٍّ غَيْرِ الْآخَرِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَالرَّهْنَ عَلَى الرَّقَبَةِ.

وَإِنْ كَانَ مَوْرِدُهُمَا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ زَوْجَتَهُ؛ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ، فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا آخَرَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ، وَالْأَصَحُّ كَمَا (قَالَهُ) الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ: إنَّهُ يَجُوزُ، وَيَكُونُ الِاسْتِئْجَارُ مِنْ حِينِ يَتْرُكُ الِاسْتِمْتَاعَ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِلْخِدْمَةِ شَهْرًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ تِلْكَ الْمُدَّةُ؛ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ.

وَمِنْهُ يُؤْخَذُ امْتِنَاعُ اسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ (عَلَى) الْحَجِّ.

وَهَذَا مِنْ قَاعِدَةِ شَغْلِ الْمَشْغُولِ وَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ (شَغْلِ) الْفَارِغِ.

الِاعْتِبَارُ الْعَاشِرُ: لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إلَّا (شَيْئَيْنِ) النِّكَاحُ وَالسَّلَمُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ (كَذَا) بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ انْعَقَدَ بَيْعًا عَلَى الْأَصَحِّ.

الِاعْتِبَارُ الْحَادِيَ عَشَرَ: الْعُقُودُ الْجَارِيَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ

ص: 412