الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حَرْفُ الرَّاءِ] [
الرُّخَصُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ]
الرُّخَصُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ: تَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ كَحِلِّ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْأَكْلُ بَلْ لَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَمُوتَ وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ، كَالْإِفْطَارِ " فِي رَمَضَانَ لِلْمَرِيضِ " انْتَهَى وَكَذَلِكَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الْوَجْهَ فِي الْمَيْتَةِ لَا يَأْتِي هُنَا لِأَنَّا وَجَّهْنَاهُ بِالتَّرَدُّدِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ مَعْلُومَةٌ.
وَمِنْهُ وُجُوبُ اسْتِدَامَةِ لُبْسُ الْخُفِّ " إنْ " لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُحْدِثُ لَابِسَ الْخُفِّ بِشَرَائِطِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لَوْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَلَا يَكْفِيهِ لَوْ غَسَلَ " رِجْلَيْهِ " فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَيْهِ نَقْلًا " فَذَكَرَهُ " تَفَقُّهًا وَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا وَلَكِنَّهُ " كَانَ " عَلَى طَهَارَةٍ وَأَرْهَقَهُ الْحَدَثُ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ
لِلْمَسْحِ دُونَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي التَّيَمُّمِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ.
وَمِنْهُ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ إذَا جَعَلْنَاهُ رُخْصَةً وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَزِيمَةٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَعَزِيمَةٌ أَوْ لِلْمَرِيضِ أَوْ بُعْدِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ بَيْعِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَرُخْصَةٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَبْنِي عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ هَلْ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ التَّأْخِيرُ فَعَلَى الْأَوَّلِ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَعَلَى الثَّانِي التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ كَالْوُضُوءِ وَإِنْ صَحَّ هَذَا " الْبِنَاءُ " أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ " أَمْ " التَّأْخِيرُ وَكَذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِهِ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ " يَجُوزُ " إنْ قُلْنَا عَزِيمَةٌ وَإِنْ قُلْنَا رُخْصَةٌ فَوَجْهَانِ.
الثَّانِي: رُخْصَةٌ فِعْلُهَا أَفْضَلُ كَالْقَصْرِ لِمَنْ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا " وَعَدَّ " بَعْضُهُمْ مِنْهُ مَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ أَفْضَلَ مِنْ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ " الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ بِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ " نَعَمْ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ رُخْصَةٌ، وَعَدَّ النَّوَوِيُّ مِنْهُ فِي كِتَابِ الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.
قَالَ " الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ الْوَكِيلِ وَهُوَ غَلَطٌ " صَرِيحٌ، فَإِنَّ فِي الْإِبْرَادِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا سُنَّةٌ، " فَيُسْتَحَبُّ " التَّأْخِيرُ - وَالثَّانِي رُخْصَةٌ " وَهُوَ " عَلَى هَذَا، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ، وَإِذَا قَدَّمَ الصَّلَاةَ كَانَ أَفْضَلَ فَاسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ وَكَوْنُهُ رُخْصَةً مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ، فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ رُخْصَةً، وَأَنَّهَا " مُسْتَحَبَّةٌ "
قُلْت: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَالْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لِثُبُوتِهِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ، لِعُذْرِ الْحَرِّ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي أَنَّهُ رُخْصَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ، فَعَلَى الْأَصَحِّ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالتَّقْدِيمُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ رُخْصَةٌ مُبَاحَةٌ، وَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ.
وَعِبَارَةُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: الْإِبْرَادُ مُسْتَحَبٌّ، وَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّعْجِيلِ " وَجْهَانِ "، وَهُوَ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْآكَدِ لِتَعَارُضِ " فَضِيلَتَيْنِ " أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ بِالتَّأْخِيرِ.
الثَّالِثُ: رُخْصَةٌ تَرَكَهَا أَفْضَلُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ
مِنْ " ثَمَنِ الْمِثْلِ "، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَالْفِطْرُ لِمَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ. وَعَدَّ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ مِنْ هَذَا الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ " رحمه الله " يُوجِبُ الْقَصْرَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي:
تَنْقَسِمُ الرُّخْصَةُ إلَى كَامِلَةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا بَدَلَ " لَهَا " بَعْدَ فِعْلِهَا كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَإِلَى نَاقِصَةٍ وَهِيَ بِخِلَافِهِ كَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ، وَهَذَا " أَخَذْته " مِنْ كَلَامِ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رضي الله عنه " فِي الْأُمِّ، فَإِنَّهُ قَالَ وَالْمَسْحُ رُخْصَةُ كَمَالٍ وَعَلَى هَذَا فَالتَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِيمَا لَا يَجِبُ مَعَهُ الْقَضَاءُ رُخْصَةٌ كَامِلَةٌ وَفِيمَا يَجِبُ مَعَهُ الْقَضَاءُ رُخْصَةٌ نَاقِصَةٌ.
الثَّالِثُ: الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. وَمِنْ ثَمَّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يَتَرَخَّصُ " بِالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ " وَالْجَمْعِ، وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَمْسَحُ مُدَّةَ " الْمُسَافِرِ " قَطْعًا، وَلَا مُدَّةَ الْمُقِيمِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِسَفَرِهِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّطَوُّعُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ.
وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الصَّلَاةُ.
وَلَوْ اسْتَنْجَى بِمُحَرَّمٍ أَوْ بِمَطْعُومٍ، فَالْأَصَحُّ لَا يَجْزِيهِ، لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ رُخْصَةٌ، وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي.
وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ " لَمْ " يَتَيَمَّمْ عَلَى وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ، لَكِنْ إذَا صَلَّى بِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الرُّخَصِ أَنَّ الرُّخَصَ " يَتَخَيَّرُ " بَيْنَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا، وَالتَّيَمُّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ تَرَكَهُ عَصَى. وَتَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ رُخْصَةٌ وَفِي الْحِنْثِ " بِمَعْصِيَتِهِ " وَجْهَانِ، لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَقَدْ تَوَسَّعَ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي طَرْدِ هَذَا الْأَصْلِ فِي الْمُقِيمِ الْعَاصِي، وَقَالَ " لَا يَسْتَبِيحُ " شَيْئًا مِنْ الرُّخَصِ. كَالْمُسَافِرِ.
وَذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا، وَيُخَالِفُ الْمُسَافِرَ " فَإِنَّ " الْإِقَامَةَ نَفْسَهَا، لَيْسَتْ مَعْصِيَةً، لِأَنَّهَا كَفٌّ، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالسَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَعْنِي أَنَّ الْمَعَاصِيَ، إنَّمَا " تُنَافِي " الرُّخَصَ، إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بِسَبَبِ التَّرَخُّصِ، كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، لَا يَتَرَخَّصُ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ.
أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَعْصِيَةُ بِسَبَبِ الرُّخْصَةِ فَلَا، فَمَنْ سَافَرَ وَعَصَى فِي سَفَرِهِ كَانَ لَهُ التَّرَخُّصُ، لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي سَفَرِهِ لَا بِسَفَرِهِ " ثُمَّ " اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ، ثُمَّ أَفَاقَ وَأَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ زَمَنَ جُنُونِهِ مَعَ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ " عَنْ الْمَجْنُونِ تَخْفِيفًا " وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّخْفِيفِ، وَحِينَئِذٍ فَالْجُنُونُ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْقَضَاءِ.
وَقَدْ " اُسْتُثْنِيَ " مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ: مِنْهَا: لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ " وَصَارَتْ " نُفَسَاءَ، لَا تَقْضِي " الصَّلَاةَ أَيَّامَ نِفَاسِهَا " وَإِنْ كَانَتْ عَاصِيَةً فِي الْأَصَحِّ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ سُقُوطَ الصَّلَاةِ عَنْ " النُّفَسَاءِ " عَزِيمَةٌ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ حَرِيرٍ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ ".
وَمِنْهَا: صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا " سَبَقَ " أَنَّ الْمُسَافِرَ الْعَاصِيَ لَا يَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ، وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ هُنَا لَا تَخْتَصُّ بِاللُّبْسِ، وَلِهَذَا، لَوْ تَرَكَ لُبْسَهُ لَمْ يَتْرُكْ الْمَعْصِيَةَ وَهُنَاكَ الْمَعْصِيَةُ بِالسَّفَرِ.
وَمِنْهَا: إذَا صَبَّ الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَتَيَمَّمَ، فَقِيلَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعِصْيَانِهِ، وَالْأَصَحُّ لَا، لِأَنَّهُ فَاقِدٌ.
وَمِنْهَا: صِحَّةُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَعَ أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ عَلَى رَأْيٍ. وَمِنْهَا: جِلْدُ الْآدَمِيِّ إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ، قِيلَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ مَعْصِيَةٌ، وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَالْأَصَحُّ يَطْهُرُ كَغَيْرِهِ وَتَحْرِيمُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِلِامْتِهَانِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ " أَنَّ " الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى
تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ نُظِرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ، وَإِلَّا فَلَا.
مِثَالُ الْأَوَّلِ: السَّفَرُ الْمَوْصُوفُ بِالْمَعْصِيَةِ، كَإِبَاقِ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ، " وَالْأَجِيرِ " عَيْنِهِ مِنْ " مُسْتَأْجِرِهِ "، وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا، لَمَّا كَانَتْ رُخْصَةُ " الْقَصْرِ " وَالْفِطْرِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِ السَّفَرِ، اُشْتُرِطَ " فِي " إبَاحَةِ فِعْلِهَا أَنْ لَا يَكُونَ السَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةً، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْجَاءُ " بِغَيْرِ الْمَاءِ " رُخْصَةٌ، " وَلَمَّا " تُوُقِّفَ عَلَى اسْتِعْمَالِ جَامِدٍ اُشْتُرِطَ فِي الْجَامِدِ كَوْنُ اسْتِعْمَالِهِ مُبَاحًا فَيَمْتَنِعُ " بِمَا " اسْتِعْمَالُهُ مَعْصِيَةٌ.
وَمِثَالُ الثَّانِي: مَا إذَا غَصَبَ الْمُسَافِرُ فِي " سَفَرٍ مُبَاحٍ "" ثَوْبًا وَصَلَّى فِيهِ، فَإِنَّهُ " لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّرْخِيصِ "، لَمَّا كَانَ قَصْرُ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ.
الرَّابِعُ: تَعَاطِي " سَبَبِ " التَّرَخُّصِ لِقَصْدِ التَّرَخُّصِ، لَا يُبِيحُ، كَمَا إذَا سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَبْعَدَ لِغَرَضِ الْقَصْرِ لَمْ يَقْصُرْ فِي الْأَصَحِّ
، وَكَمَا لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَصِيرَ، وَمَشَى يَمِينًا وَشِمَالًا حَتَّى بَلَغَتْ الْمَرْحَلَةُ مَرْحَلَتَيْنِ.
وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِقَصْدِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لَا يَصِحُّ.
وَمِثْلُهُ لَوْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ نَوَى مُفَارَقَتَهُ، وَاقْتَدَى بِإِمَامٍ آخَرَ قَدْ رَكَعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْقُدْوَةُ، إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ إسْقَاطِ الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ لِغَرَضٍ آخَرَ صَحَّ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ سَافَرَ لِقَصْدِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ هَذَا قَاصِدٌ أَصْلَ السَّفَرِ، وَهَذَا " كَالْقَاصِدِ " فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ أَنْ يَقْصِدَ بِأَصْلِ الِاقْتِدَاءِ سُجُودَ السَّهْوِ " وَتَحَمُّلَ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ ذَلِكَ "،
وَقَالُوا لَوْ نَذَرَ " صَوْمَ " الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا، فَلَا سَبِيلَ إلَى قَضَائِهِ، وَأَخَذَ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ يَقْضِي مَا يُفْطِرُ بِهِ " مُتَعَدِّيًا "، قَالَ وَيَنْسَاقُ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ " أَنْ يُسَافِرَ لِيَقْضِيَ ".
قُلْت: وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْقَصْرِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ لِقَصْدِ التَّرَخُّصِ بِتَرْكِ " الْمَنْذُورِ "" أَنَّهُ لَا " يَسْتَبِيحُ تَرْكَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا " مَا " لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَن زَوْجَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ الْجَوَابُ فِيهَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ " رحمه الله "" لِسَائِلٍ سَأَلَهُ " عَنْ " ذَلِكَ أَنَّهُ يُسَافِرُ.
الْخَامِسُ: مَتَى قَارَنَهَا " الْمَنْعُ " لَا تَحْصُلُ بِدُونِ قَصْدٍ لَهَا لِتَتَمَيَّزَ، وَيَتَّضِحَ بِصُوَرٍ: مِنْهَا: لَوْ أَخَّرَ الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ، وَلَوْ أَخَّرَهَا عَامِدًا غَيْرَ قَاصِدٍ لِلتَّرَخُّصِ، وَلَمْ يَنْوِ الْجَمْعَ لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَلَوْ فَعَلَ كَانَ عَاصِيًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ بِشَرْطِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، فَقَالَ لَوْ جَامَعَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ نِيَّةَ التَّرَخُّصِ عَصَى.
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّرَخُّصَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ " يَقْصِدْهُ " فَوَجْهَانِ، وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ بَابِ " التُّرُوكِ "، لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ قَالُوا: لِلْمُنْفَرِدِ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْضِ لِيَفْعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يُلْزِمُوهُ نِيَّةَ الْخُرُوجِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا يَسْتَدْعِي الْفِطْرُ نِيَّةً، بِخِلَافِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ.
السَّادِسُ: الْتِزَامُ إبْطَالِ الرُّخْصَةِ مَمْنُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِصَدَقَةٍ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ، فَإِذَا نَذَرَ صَلَاةَ النَّفْلِ قَائِمًا أَوْ أَنْ يَصُومَ فِي السَّفَرِ أَوْ " إتْمَامَ " الصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلِ، وَلَا يَمْسَحُ الْخُفَّ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثَ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ يَنْعَقِدُ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرْعِ.
السَّابِعُ: رُخَصُ السَّفَرِ أَقْسَامٌ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَطْعًا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ " الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ " وَالْمَسْحُ - نَعَمْ لَوْ اجْتَمَعَ الْخَوْفُ مَعَ قَلِيلِ السَّفَرِ فَفِي الْقَصْرِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا " ابْنُ الْقَاصِّ " لِأَنَّ الْخَوْفَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَلْحَقَهُ بِالطَّوِيلِ، وَتَوَقَّفَ السِّنْجِيُّ فِي " ثُبُوتِهِمَا " وَقَطَعَ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّ مَا لَا يُبَاحُ فِي " الْقَصِيرِ " لَا يُبَاحُ مَعَ الْخَوْفِ " مِنْهُ "، كَالْفِطْرِ وَالْمَسْحُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
الثَّانِي مَا لَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَطْعًا، وَهُوَ شَيْئَانِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ.
الثَّالِثُ: مَا فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ وَهُوَ شَيْئَانِ إسْقَاطُ الْفُرُوضِ بِالتَّيَمُّمِ وَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ. وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُهُمْ ثَالِثَةً وَهِيَ مَا إذَا كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ، وَأَرَادَ السَّفَرَ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، وَأَخَذَ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِضَرَّاتِهَا، إذَا رَجَعَ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ فِي الْأَصَحِّ، خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ.
الرَّابِعُ: مَا فِيهِ قَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِالطَّوِيلِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.