الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حَدِيثُ النَّفْسِ لَهُ خَمْسُ مَرَاتِبَ]
َ (الْأُولَى) : (الْهَاجِسُ) وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ مِنْ اللَّهِ (تَعَالَى) ، لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ دَفْعَهُ.
الثَّانِيَةُ: الْخَاطِرُ - وَهُوَ جَرَيَانُهُ فِيهَا.
الثَّالِثَة: حَدِيثُ نَفْسِهِ وَهُوَ مَا يَقَعُ (مَعَ) التَّرَدُّدِ، هَلْ يَفْعَلُ (أَوْ) لَا، وَهَذَانِ أَيْضًا مَرْفُوعَانِ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتَيْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» ، فَإِذَا ارْتَفَعَ حَدِيثُ النَّفْسِ ارْتَفَعَ مَا قَبْلَهُ بِطَرِيقِ (الْأَوْلَى) .
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ - فِيمَا لَوْ نَوَى الْمُودِعُ الْأَخْذَ، وَلَمْ يَأْخُذْ لَا (ضَمَانَ) فِي الْأَصَحِّ، الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ تَجْرِيدُ (الْقَصْدِ) . فَأَمَّا مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَدَاعِيَةُ (الذِّهْنِ) تَدْفَعُهُ، فَلَا حُكْمَ لَهُ، (وَإِنْ تَرَدَّدَ) الرَّأْيُ وَلَمْ (يَجْزِمْ) قَصْدًا، فَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ حَتَّى يُجَرِّدَ قَصْدَهُ فِي الْعُدْوَانِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ، لَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَسْتَمِرُّ بَطَلَتْ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَدُّدِ أَنْ يَطْرَأَ شَكٌّ مُنَاقِضٌ لِلْجَزْمِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَجْرِي فِي الْفِكْرِ أَنَّهُ لَوْ تَرَدَّدَ فِي الصَّلَاةِ (كَيْفَ) يَكُونُ الْحَالُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوِسُ، وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ (بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى ، فَلَا مُبَالَاةَ بِذَلِكَ - قَالَهُ إمَام الْحَرَمَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْآدَمِيَّ يُؤَاخَذُ بِعَمَلِ اللِّسَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ. قُلْت، إلَّا مَا سَبَقَ (بِهِ) لِسَانُهُ، أَوْ نَظَرَ الْفَجْأَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى» ، قَالَ أَمَّا الْفُؤَادُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ
يُؤَاخَذُ بِمَا يَسْعَى بِهِ (الْبَاطِنُ) ، (إلَّا أَوَّلَ خَطْرَةً) وَهُوَ الْهَاجِسُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ (بِسَاعِي الْبَاطِنِ) ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» وَقِيلَ إنْ اتَّصَلَ بِالْعَمَلِ يُؤَاخَذُ بِالْكُلِّ انْتَهَى.
(فَتَحَصَّلْنَا) عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ مُطْلَقًا.
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ (الثَّلَاثَةُ) أَيْضًا، لَوْ كَانَتْ فِي الْحَسَنَاتِ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ بِهَا (أَجْرَهُ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِعَدَمِ الْقَصْدِ.
الرَّابِعَةُ - الْهَمُّ - وَهُوَ (تَرْجِيحُ قَصْدِ) الْفِعْلِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ} [آل عمران: 122] الْآيَةَ وَلَوْ كَانَتْ مُؤَاخَذَةً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ» .
الْخَامِسَةُ - الْعَزْمُ وَهُوَ قُوَّةُ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ بِهِ وَعَقْدُ الْقَلْبِ، وَهَذَا يُؤَاخَذُ بِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ، قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» .
فَعَلَّلَ بِالْحِرْصِ (وَلِلْإِجْمَاعِ) عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ كَالْحَسَدِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ كَالْهَمِّ لِعُمُومِ حَدِيثِ (التَّجَاوُزِ) عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْحِرْصِ بِأَنَّهُ (قَارَنَهُ) فِعْلٌ وَسَبَقَ عَنْ الْعَبَّادِيِّ تَرْجِيحُهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (رحمه الله) فِي الْأُمِّ حَيْثُ قَالَ فِي (بَابِ) الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَكَذَا كُلُّ مَا لَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ فَهُوَ حَدِيثُ (النَّفْسِ) الْمَوْضُوعُ عَنْ بَنِي آدَمَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَدِيثُ النَّفْسِ الَّذِي يُمْكِنُ دَفْعُهُ، لَكِنَّ فِي دَفْعِهِ مَشَقَّةً لَا إثْمَ فِيهِ، لِقَوْلِهِ «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» ، وَهَذَا عَامٌّ فِي
جَمِيعِ حَدِيثِ النَّفْسِ.
وَإِذَا تَعَلَّقَ (هَذَا) النَّوْعُ بِالْخَيْرِ (أُثِيبَ) عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ مُوجِبَةً لِلرُّخْصَةِ دُونَ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْكَسْبِ وَإِلَّا كَانَ يُقَالُ إنَّمَا (سَقَطَ) التَّكْلِيفُ بِهِ فِي طَرَفِ (الشَّرِّ) لِمَشَقَّةِ اكْتِسَابِ دَفْعِهِ فَصَارَ كَالضَّرُورِيِّ وَالضَّرُورِيُّ يُثَابُ (عَلَيْهِ) وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ (كَذَلِكَ) هَذَا.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطْرَةِ مَا إذَا تَعَمَّدَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فَقَالَ نَقْلًا عَنْ (الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ) وَذَكَرَ (مِمَّا) لَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَدِيثُ النَّفْسِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَى «لَك النَّظْرَةُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الثَّانِيَةُ» إذَا كَانَتْ الْأُولَى لَا عَنْ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ فَإِذَا أَعَادَ النَّظَرَ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ الْخَطْرَةَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا تَعَمَّدَ الْخُطْوَةَ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ (النَّظْرَةَ) وَذَكَرَ