الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حَرْفُ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ] [
الصَّبِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
ِ الصَّبِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ
الْأَوَّلُ: بِالنِّسْبَةِ " لِأَقْوَالِهِ " وَهِيَ مُلْغَاةٌ فَلَا تَصِحُّ عُقُودُهُ، وَفِي وَصِيَّتِهِ وَتَدْبِيرِهِ قَوْلٌ، وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَلَا رِوَايَتُهُ مُطْلَقًا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَوْضِعٍ يُقْبَلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ دُونَ الْإِخْبَارِ، كَرُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ، وَدَلَالَةِ الْأَعْمَى عَلَى الْقِبْلَةِ، وَخُلُوِّ الْمَوْضِعِ عَنْ الْمَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ " وَالشَّمْسِ " وَغُرُوبِهَا، بِخِلَافِ مَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ، كَالْإِفْتَاءِ وَالْإِخْبَارِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالطِّبِّ وَرِوَايَةِ الْأَحَادِيثِ وَالتَّنْجِيسِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ:
إحْدَاهَا: إذْنُهُ فِي دُخُولِ الدَّارِ " وَإِيصَالُ الْهَدِيَّةِ ".
الثَّانِيَةُ: إخْبَارُهُ بِطَلَبِ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ، فَإِنَّ الْمَدْعُوَّ تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَشَرَطَا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الصَّبِيِّ.
الثَّالِثَةُ: فِي اخْتِيَارِهِ أَحَدَ أَبَوَيْهِ " فِي " الْحَضَانَةِ إذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ.
وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى " يُخْتَبَرُ " فِي سِنِّ التَّمَيُّزِ بِمَيْلِهِ إلَى أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ يَعْتَمِدُ عَلَى وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، لِأَنَّ " اخْتِيَارَ " الْخُنْثَى لَازِمٌ وَلَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَالْوَلَدِ يَتَدَاعَاهُ اثْنَانِ لَا يَصِحُّ انْتِسَابُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَالِاخْتِيَارُ فِي الْحَضَانَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
الرَّابِعَةُ: دَعْوَاهُ اسْتِعْجَالَ الْإِنْبَاتِ بِالدَّوَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِيَمِينِهِ لِأَجْلِ حَقْنِ دَمِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ صَبِيٌّ " فَلَا " يَحْلِفُ الْخَامِسَةُ: فِي إرْسَالِهِ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ الْمُحَقَّرَاتِ وَقَدْ نَقَلَ عَنْ الْجُورِيِّ " حِكَايَةَ " الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَعَلَى صِحَّةِ شِرَائِهِ " لَهَا "، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، بِلَا نَكِيرٍ.
السَّادِسَةُ " إخْبَارُهُ " بِبَيْعِ الشَّرِيكِ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَقَارِ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الشَّرِيكِ صِدْقَهُ، حَتَّى إذَا أَخَّرَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَحِلُّ " لَهُ " أَخْذُهَا فِي الْبَاطِنِ قَالَهُ " فِي " الْحَاوِي، قَالَ وَكَذَا خَبَرُ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ " إلَى الظَّاهِرِ " فَلَهُ الْأَخْذُ.
السَّابِعَةُ: عَمْدُهُ فِي الْعِبَادَاتِ، كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ أَوْ سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ.
الثَّانِي ": أَفْعَالُهُ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْعِبَادَاتُ وَهُوَ فِيهَا كَالْبَالِغِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمِنْ ثَمَّ يَحْكُمُ عَلَى مَائِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْأَصَحِّ وَطَهَارَتُهُ كَامِلَةٌ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ بُلُوغِهَا فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ بَلَغَتْ فَغُسْلُهَا صَحِيحٌ وَلَا تُعِيدُ.
وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّ طَهَارَةَ الصَّبِيِّ نَاقِصَةٌ فَإِذَا بَلَغَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ.
وَهَذَا فِي غَيْرِ طَهَارَةِ الْحَاجَةِ، أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ بَلَغَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا فِي الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا شُفِيَتْ، لِأَنَّ طَهَارَتَهَا لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ زَالَتْ الْحَاجَةُ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَكْتُوبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِهِ لَكِنَّ مَا يُؤَدِّيهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْوِي " بِصَلَاتِهِ "" الْفَرْضِيَّةَ " قُلْت هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَقَدْ حَكَى عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَا يُقْصَرُ، لِأَنَّ الْقَصْرَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَرَائِضِ، قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الظَّاهِرُ هُنَا الْجَوَازُ، لِأَنَّهُمَا نَفْلَانِ.
قُلْت سَيَأْتِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْجَمْعِ لَهُ.
وَلَوْ صَلَّى ثُمَّ بَلَغَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، وَفِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَيْهِ خِلَافٌ " تَرْجِيحٌ " بَيْنَ " الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ، أَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ "" مُوَافَقَتِهِ "
الرَّافِعِيُّ " عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ التَّبْيِيتِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ. وَلَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا، ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ عِنْدَ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ، وَهُوَ " يُؤَيِّدُ " مَا سَبَقَ أَنَّ لِصَلَاتِهِ حُكْمَ الْفَرْضِ، وَحَكَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ الْفَرْضِ قَاعِدًا وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِهِ نَعَمْ الْبَالِغُ فِيهِ أَوْلَى مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ " أَوْ أَفْقَهَ "، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، بَلْ نَصَّ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ، نَعَمْ " لَوْ " أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَكَانَ الْإِمَامُ صَبِيًّا " نَصَّ " الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ، إلَّا لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ.
وَلَوْ اسْتَنَابَ الْوَلِيُّ فِي حَجِّ الْفَرْضِ عَنْ الْمَيِّتِ صَبِيًّا لَمْ يَصِحَّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبُلُوغِ، وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ عَنْهُ.
وَمِنْهَا الْجِنَايَاتُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ فَتَغْلُظُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَ عَمْدًا وَيَحْرُمُ إرْثُ مَنْ " قَتَلَهُ " إذَا قُلْنَا قَاتِلُ الْخَطَأِ يَرِثُ دُونَ الْعَامِدِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَجَامَعَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً وَقُلْنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ فَهُوَ زِنًى، إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، وَإِلَّا فَكَالْوَطْءِ فِي الشُّبْهَةِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلْنَاهُ زِنًى.
وَلَوْ حَجَّ وَبَاشَرَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ عَمْدًا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِي مَالِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ " أَنَّ " عَمْدَهُ عَمْدٌ.
" وَلَوْ " حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَمْدًا وَقُلْنَا عَمْدُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَسَهْوُهَا " سَوَاءٌ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْقِسْمِ جِمَاعُهُ فِي " نَهَارِ " رَمَضَانَ عَمْدًا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحّ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ نَاقِصَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ جِمَاعِ الْمُحْرِمِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ هَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ الْوَلِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ، فَيَكُونُ فِعْلُ الصَّبِيِّ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ " نَصَبَ " سَبَبًا لِلْإِيجَابِ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ.
وَمِنْهَا الِاكْتِسَابُ وَهُوَ كَالْبَالِغِ. وَلِهَذَا " يَتَمَلَّكُ " الْمَوَاتَ " بِالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ "، قَالَهُ فِي الْحَاوِي وَيَصِحُّ الْتِقَاطُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ السَّبْيُ وَيَمْلِكُهُ وَيَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ " - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - " فِي بَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.
وَقَالَ فِي الْوَلِيمَةِ: لَوْ أَخَذَ الصَّبِيُّ " النِّثَارَ " مَلَكَهُ.
وَلَوْ رُدَّ الْآبِقُ بَعْدَ " سَمَاعِهِ " النِّدَاءَ " فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ " الْجُعْلَ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ.
وَمِنْهَا وَطْؤُهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا، كَالْبَالِغِ فِي التَّحْلِيلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا، خِلَافًا لِلْقَفَّالِ.
وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا صَغِيرَةً، فَوَطِئَهَا زَوْجٌ حَلَّتْ قَطْعًا، وَنُقِلَ فِي الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَجْهَانِ كَتَحْلِيلِ الصَّبِيِّ.
وَمِنْهَا قَبْضُهُ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ مِنْهُ، إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ:" إحْدَاهَا " إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى طَعَامٍ وَأَذِنَ لَهَا فِي صَرْفِهِ إلَى الْوَلَدِ فَصَرَفَتْهُ إلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ " إلَيْهِ "" أَنَّهَا " تَبْرَأُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَبْدَى لِنَفْسِهِ احْتِمَالًا بِالْمَنْعِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْوَدِيعَةُ لِلْمُودِعِ سَلِّمْهَا لِلصَّبِيِّ فَفَعَلَ بَرِئَ، كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِهَا فِي النَّارِ فَفَعَلَ، حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَرَاءَةَ وَإِنْ حَصَلَتْ فَالتَّسْلِيمُ حَرَامٌ كَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ، وَحِينَئِذٍ لَوْ امْتَنَعَ الْمُودَعُ مِنْ دَفْعِهَا إلَى الصَّبِيِّ فَتَلِفَتْ لَا يَضْمَنُهَا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ شَرْعًا، وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ الْوَدِيعَةَ بِكَوْنِهَا مُعَيَّنَةً وَالْمِلْكُ فِيهَا مُسْتَقَرٌّ وَلَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ.
وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْغَاصِبَ إذَا سَلَّمَا الْعَيْنَ إلَى الصَّبِيِّ بِالْإِذْنِ " أَنَّهُ " يَكُونُ فِي الْبَرَاءَةِ تَرَدُّدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ مُسْتَقَرٌّ، لَكِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلِذَلِكَ أَبْدَى فِيهِ احْتِمَالَيْنِ وَقَالَ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى صَبِيٍّ لِيَدْفَعَهَا إلَى الْمُسْتَحَقِّ وَعَيَّنَ " الْمَدْفُوعَ لَهُ " جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.
وَقِيَاسُهُ فِي الْحُقُوقِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا كَذَلِكَ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّ " الْبَائِعَ "، لَوْ دَفَعَ الْمَبِيعَ إلَى الصَّبِيِّ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا تَخْرُجُ الْعَيْنُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، لِأَنَّ وَكَالَةَ الصَّبِيِّ بِالْقَبْضِ فَاسِدَةٌ، نَعَمْ إنْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي وَقَعَ الْمَوْقِعَ.
وَهَذَا كُلُّهُ " فِي الْمُمَيَّزِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيَّزِ فَهُوَ مَسْلُوبُ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ "، إلَّا فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ إذَا سَبَقَ إحْرَامَ الْوَلِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَاعِدَةٌ " الْخِلَافُ فِي أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، وَالْأَصَحُّ " أَنَّهُ عَمْدٌ " هُوَ فِي الْمُمَيَّزِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَمْدُهُ خَطَأٌ قَطْعًا " وَهَذَا فِي جِنَايَتِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ وَأَمَّا عَمْدُ الْمُمَيَّزِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِفْسَادِ الْعِبَادَاتِ فَعَمْدٌ قَطْعًا "، كَالْبَالِغِ حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ عَامِدًا " فَسَدَا " قَطْعًا.
وَيُرَدُّ عَلَى الْإِمَامِ صُوَرٌ: مِنْهَا: مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا جَامَعَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِحَالٍ وَهَلْ
يَبْطُلُ صَوْمُهُ؟ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، وَلَك أَنْ تَسْأَلَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَكْلِهِ حَيْثُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ قَطْعًا، وَفِي جِمَاعِهِ " الْوَجْهَانِ "، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ شَهْوَةَ الصَّبِيِّ الْأَكْلُ " كَشَهْوَةِ " الْبَالِغِ، بَلْ آكَدُ، وَلَا كَذَلِكَ الْجِمَاعُ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَفْطَرَ الْبَالِغُ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْجِمَاعِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ بِمَثَابَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْإِنْزَالُ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الْجِمَاعِ فِي " الْأَحْكَامِ مِنْ " الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ.
وَمِنْهَا جِمَاعُهُ عَمْدًا فِي الْحَجِّ هَلْ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا " ذَكَرْنَا "، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ " يُفْسِدُهُ "، وَإِنَّمَا جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ مُلْحَقٌ بِالْجِنَايَاتِ، وَالْخِلَافُ فِيهَا ثَابِتٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ حَيْثُ إنَّ عَمْدَهُ فِي الصَّلَاةِ قَطْعًا وَفِي الْحَجِّ قَوْلَانِ مُشْكِلٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْقَوْلَانِ فِي الْأَفْعَالِ.
أَمَّا أَقْوَالُهُ فَعَمْدُهُ فِيهَا عَمْدٌ فِي الْعِبَادَاتِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ بَعِيدٌ، " قَالَ " وَقَدْ فَرَّقَ " صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ " فِيمَا إذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى الْمُصَلِّي تَبْطُلُ " صَلَاتُهُ " وَعَلَى الْحَاجِّ لَا يُبْطِلُهُ " فَإِنَّ " الصَّلَاةَ شَرْطُهَا الطَّهَارَةُ وَيَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وُضُوءُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ عَلَى الصَّبِيِّ صِيَامٌ وَيُعْقَدُ عَلَيْهِ إحْرَامُ الْحَجِّ.