الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ فِي وَاقِعَةٍ، وَثَبَتَ (عِنْدَهُ ذَلِكَ) وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ فِي حُكْمِهِ (أَنَّهُ يُعْمَلُ) بِحُكْمِهِ إذَا كَانَ حَاكِمًا شَرْعِيًّا، وَلَا يَتَوَقَّفُ إلَى حَيْثُ (يَثْبُتُ) أَنَّ حُكْمَهُ وَفْقَ الشَّرَائِطِ، قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَبْعَدُ دَرَجَةً مِنْ (الَّتِي) قَبْلَهَا (إلَّا أَنَّ) الَّتِي قَبْلَهَا (تَشْتَرِكُ) مَعَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا فِي كَوْنِهَا (عَقْدًا) .
[الْعَمَلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
ُ الْأَوَّلُ: كُلَّمَا كَثُرَ وَشَقَّ كَانَ أَفْضَلُ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (رضي الله عنه)«أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِهَذَا كَانَ فَصْلُ الْوِتْرِ أَفْضَلَ مِنْ وَصْلِهِ.
وَمِنْ ثَمَّ احْتَجَّ الْمُزَنِيّ (رحمه الله) عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَفْرَادِ (بِأَنَّ) مَا كَثُرَ عَمَلُهُ كَانَ أَفْضَلَ ثَوَابًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْضُلُهُ إذَا حَجَّ فِي سَنَةٍ وَاعْتَمَرَ فِي أُخْرَى.
وَقَدْ يَفْضُلُ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فِي صُوَرٍ: أَحَدُهَا الْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ، وَقَدْ يَفْضُلُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْقَصْرِ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَبَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ كَذَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
«فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ» الثَّانِيَةُ: الضُّحَى إذَا قُلْنَا: أَكْثَرُهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ فَإِنْ فِعْلَهَا ثَمَانِيًا أَفْضَلُ؛ لِأَجْلِ التَّأَسِّي بِفِعْلِ النَّبِيِّ.
صلى الله عليه وسلم الثَّالِثَةُ:
الْوِتْرُ بِثَلَاثٍ أَفْضَلُ مِنْهُ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ، وَفَرْضُ الْخِلَافِ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ (وَبَيْنَ الثَّلَاثِ) ، وَالْإِحْدَى عَشْرَةَ، (وَقَالَ: لَمْ) يَصِرْ أَحَدٌ إلَى تَفْضِيلٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، بَلْ حَمَلُوا الْأَحَادِيثَ فِيهِ عَلَى
بَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ.
الرَّابِعَةُ:
الصَّلَاةُ مَرَّةً فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً.
الْخَامِسَةُ:
رَكْعَةُ الْوِتْرِ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (عَلَى) الْجَدِيدِ، بَلْ مِنْ (التَّهَجُّدِ) فِي اللَّيْلِ، وَإِنْ كَثُرَتْ رَكَعَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ: وَلَعَلَّ سَبَبَ الْفَضْلِ انْسِحَابُ، حُكْمِهَا عَلَى مَا تَقَدُّمِهَا.
السَّادِسَةُ:
تَخْفِيفُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِهِمَا.
السَّابِعَةُ:
صَلَاةُ الْعِيدِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ أَشَقُّ وَأَكْثَرُ عَمَلًا، (إلَّا أَنَّ) وَقْتَ (صَلَاةِ) الْعِيدِ (فِيهِ) شَرَفٌ فَكَانَ تَعْظِيمُهُ أَرْجَحَ مِنْ مَشَقَّةِ كَثْرَةِ الْعَمَلِ فِي الْكُسُوفِ؛ وَلِأَنَّ الْعِيدَ مُؤَقَّتٌ فَأَشْبَهَ الْفَرَائِضَ بِخِلَافِ الْكُسُوفِ، فَإِنَّهُ لَا وَقْتَ لَهُ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِسَبَبٍ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ.
الثَّامِنَةُ:
التَّصَدُّقُ بِالْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ أَكْلِ لُقَمٍ يَتَبَرَّكُ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِهَا.
التَّاسِعَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (بِثَلَاثِ غُرَفٍ) أَفْضَلُ مِنْ الْفَصْلِ (بَيْنَهُمَا) بِسِتِّ غَرَفَاتٍ.
الْعَاشِرَةُ:
قِرَاءَةُ سُورَةٍ (قَصِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ) أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ، وَإِنْ طَالَتْ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تُخَالِفُهُ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم غَالِبًا وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ الْبَعْضُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ، قِرَاءَةُ الْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ، وَقِرَاءَةُ الْآيَتَيْنِ مِنْ الْبَقَرَةِ وَآلَ عِمْرَانَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» فَإِنَّا نَقُولُ: فِي التَّأَسِّي بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَرْبُو عَلَى هَذِهِ الْحَسَنَاتِ، وَلِهَذَا نَقُولُ:(قِرَاءَةُ الْبَعْضِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ مَا عَدَا سُورَتَيْ) الْإِخْلَاصُ (وَالْكَافِرُونَ) .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
تَفْضُلُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَعَ قَصَرِ رَكَعَاتِهَا عَلَى سَائِرُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا الْوُسْطَى، وَكَذَلِكَ (الْعَصْرُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا الْوُسْطَى مَعَ أَنَّهَا أَقْصَرُ مِنْ الظُّهْرِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَكَذَلِكَ فَضْلُ) رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى مِثْلِهَا مِنْ الرَّوَاتِبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ (أَنْكَرَ إطْلَاقَ) كَوْنِ الشَّاقِّ أَفْضَلُ، وَقَالَ إنْ تَسَاوَى الْعَمَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ الثَّوَابُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] .
وَضَابِطُ الْفِعْلِ الشَّاقِّ الْمُؤْجَرِ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إذَا اتَّحَدَ الْعَمَلَانِ فِي الشَّرَفِ، وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا شَاقًّا فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي (أَجْرَيْهِمَا) ؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْوَظَائِفِ (وَانْفِرَادُ) أَحَدُهُمَا بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَجْلِ اللَّهِ (تَعَالَى) فَأُثِيبَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لَا عَلَى غَيْرِ الشَّاقِّ، وَذَلِكَ كَالِاغْتِسَالِ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ سَوَاءٌ فِي الْأَفْعَالِ وَيَزِيدُ أَجْرُ الِاغْتِسَالُ فِي الشِّتَاءِ بِتَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْبَرْدِ، فَلَيْسَ التَّفَاوُتُ فِي نَفْسِ الْعَمَلَيْنِ، بَلْ فِيمَا لَزِمَ عَنْهُمَا، وَكَذَلِكَ مَشَاقُّ الْوَسَائِلِ فِي قَاصِدِ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَآخَرُ مِنْ بَعِيدَةٍ فَإِنَّ ثَوَابَهُمَا (يَتَفَاوَتُ) بِتَفَاوُتِ الْوَسِيلَةِ، وَيَتَسَاوَيَانِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَامِ بِأَصْلِ الْعِبَادَةِ، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك أَوْ قَالَ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِك» ، فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِالنَّفَقَةِ فَوَاضِحٌ فَإِنَّ مَا (يُنْفَقُ) فِي طَاعَةِ اللَّهِ (تَعَالَى) يُفَرَّقُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَإِنْ كَانَتْ
الرِّوَايَةُ بِالنَّصْبِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلَى قَدْرِ (تَحَمُّلِ) نَصَبِك، وَقَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ (تَعَالَى) : بِعَيْنِي مَا يَتَحَمَّلُ الْمُتَحَمِّلُونَ مِنْ أَجْلِي.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَسَاوَ الْعَمَلَانِ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَفْضِيلِ أَشَقِّهِمَا بِدَلِيلِ الْإِيمَانُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَعَ سُهُولَتِهِ وَخِفَّتِهِ عَلَى اللِّسَانِ، وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَكَذَلِكَ إعْطَاءُ الزَّكَاةِ مَعَ طِيبِ نَفْسٍ أَفْضَلُ مِنْ (إعْطَائِهَا)(مَعَ) الْبُخْلِ وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، (وَكَذَلِكَ) جَعَلَ (النَّبِيُّ) صلى الله عليه وسلم (الْمَاهِرَ) بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفْرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَجَعَلَ (لِلَّذِي) يَقْرَأَهُ، وَيُتَعْتِعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ (أَجْرَيْنِ) قُلْت (وَلِذَلِكَ) أَجَابَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا لَمَّا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُشْرَعُ لَهُ وَجْهُ بِرٍّ فَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَآخَرُ يُشْرَعُ لَهُ فَيُسَرُّ بِذَلِكَ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَهُوَ كَبِيرٌ فَشَقَّ
عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ» .
وَ (هَذَا) ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْمُكْرِهِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ (عَمَلَيْنِ)(جِهَادًا وَطَاعَةً) أُخْرَى، وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، وَخَالَفَهُمْ (الْجُنَيْدُ) فِي جَمَاعَةٍ فَقَالُوا: الْبَاذِلُ لِذَلِكَ طَوْعًا أَفْضَلُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ فِي طُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ.
الثَّانِي: إذَا تَعَارَضَ الْعَمَلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ فِي نَفْسِهِ وَالْآخَرُ أَكْبَرَ عَدَدًا فَلَا تُطْلَقُ أَفْضَلِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ (الْإِمَامُ) الشَّافِعِيُّ (رضي الله عنه) : التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ (أَفْضَلُ مِنْ التَّضْحِيَةُ بِشَاتَيْنِ) هَزِيلَتَيْنِ، وَالِاسْتِكْثَارُ فِي الْقِيمَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ (اسْتِكْثَارِ الْعَدَدِ) ، وَفِي الْعِتْقِ بِعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا (اللَّحْمُ)(وَالسِّمَنُ) أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعِتْقِ (التَّخَلُّصُ) مِنْ الرِّقِّ،
وَتَخْلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ.
وَمِثْلُ الْأُضْحِيَّةُ الْهَدْيُ وَالْعَقِيقَةُ، وَفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُد حَدِيثٌ فِي تَفْضِيلِ الْبَدَنَةِ السَّمِينَةِ) نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الْعَقِيقَةِ لِلذِّكْرِ إلَّا ثَمَنَ شَاةٍ سَمِينَةٍ (قِيمَةُ) مَهْزُولَتَيْنِ، فَهَا هُنَا شِرَاءُ الْمَهْزُولَتَيْنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَقْصُودٌ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ (يُشْكِلُ) فِي الْعِتْقِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ الرِّقَابِ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا» .
وَمِنْهَا إذَا تَعَارَضَ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، وَصَلَاةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثٌ رِوَايَاتٍ ثَالِثُهَا التَّسْوِيَةُ، وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَدَبُّرٍ (وَالْآخَرُ) يَقْرَأُ سُوَرًا عَدِيدَةً فِي ذَلِكَ (الزَّمَنِ) وَالْأَقْرَبُ تَرْجِيحُ (الْمُتَفَكِّرِ) عَلَى الْمُسْرِعِ.
وَمِنْهَا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ قِيَامٍ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ قُعُودٍ.
الثَّالِثُ
الْعَمَلُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ.
وَلِهَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُوهُ وَغَيْرُهُمْ بِتَفْضِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الْكَلَامِ
مُنَازَعَةٌ لِمَا سَبَقَ فِي حَرْفِ التَّاءِ فِي تَعَارُضِ الْفَرْضَيْنِ.
وَاسْتَنْبَطَ (ابْنُ حِبَّانَ) فِي صَحِيحِهِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى بِأَذَانِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (رضي الله عنه) الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ أَنْكَرَ هَذَا الْإِطْلَاقَ أَيْضًا وَقَالَ: قَدْ يَكُونُ الْقَاصِرُ أَفْضَلَ كَالْإِيمَانِ، وَقَدْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّسْبِيحَ عَقِبَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَقَالَ:«خَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» .
«وَسُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَهَذِهِ كُلُّهَا قَاصِرَةٌ.
قُلْت: إلَّا الْجِهَادَ ثُمَّ اخْتَارَ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ (فَضْلَ) الطَّاعَاتِ عَلَى قَدْرِ
الْمَصَالِحِ النَّاشِئَةِ عَنْهَا فَتَصَدُّقُ الْبَخِيلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ، وَصِيَامِ أَيَّامٍ.
الرَّابِعُ الْعَمَلُ يَنْقَسِمُ إلَى قَلْبِيٍّ وَبَدَنِيٍّ وَالْقَلْبِيُّ أَفْضَلُ، وَمِنْ شَرَفِهِ أَنَّهُ لَا (يَدْخُلُهُ) الرِّيَاءُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ، وَالرِّيَاءُ آفَةُ كُلِّ عِبَادَةٍ.
قَالَ الْحَلِيمِيُّ: ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ (تَعَالَى)(إذَا لَمْ يُعْمَلْ لِمُجَرَّدِ) التَّقَرُّبِ بِهِ إلَيْهِ (وَابْتِغَاءِ) رِضَاهُ حَبَطَ وَلَمْ يَسْتَوْجِبْ ثَوَابًا إلَّا (أَنَّ) فِيهِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّ الْعَمَلَ (إذَا) كَانَ فَرْضًا فَمَنْ أَدَّاهُ، وَأَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ غَيْرَ أَنَّهُ أَدَّاهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ؛ لِيَقُولَ (النَّاسُ) : إنَّهُ فَعَلَ كَذَا لَا طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُعَاقَبْ بِمَا يُعَاقَبُ بِهِ تَارِكُهُ أَلْبَتَّةَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ ثَوَابًا، وَإِنَّمَا ثَوَابُهُ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَفَعَلَهُ يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ النَّاسِ، فَإِنَّ أَجْرَهُ يَحْبَطُ وَلَا يَحْصُلُ مِنْ عَمَلِهِ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ لَهُ، كَمَا حَصَّلَ الْأَوَّلُ سُقُوطَ الْفَرْضِ ثُمَّ الْعِقَابَ؛ لِأَجْلِ أَنَّهُ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ (تَعَالَى) .
الْخَامِسُ الْوَاجِبُ يَفْضُلُ الْمَنْدُوبَ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّبْعِينَ لَيْسَتْ لِلْحَصْرِ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي