الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ إلَّا مَالٌ حَرَامٌ مَحْضٌ، فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مَالِيَّةٌ، " فَإِنْ كَانَتْ " شُبْهَةٌ لَزِمَهُ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
[الشَّرْطُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]
ُ الْأَوَّلُ: وَضْعُهُ التَّأْثِيرَ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَسِّسًا لَا مُؤَكِّدًا، وَقَدْ يَرِدُ مُؤَكِّدًا، إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ مُقْتَضَاهُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ يَجِيءُ خِلَافٌ فِي تَأْثِيرِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ فَفِي تَأْثِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَالشَّرْطُ لَا يُبِيحُ لَهُ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
الثَّانِي: الشَّرْطُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، أَمَّا الْمَاضِيَةُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهَا. وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مَاضٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ " رحمه الله " فِي بَابِ " الْكِتَابَةِ "، وَفِي " الطَّبَقَاتِ لِلْعَبَّادِيِّ " عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا إذَا قَالَ: يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ " شَاءَ " اللَّهُ " تَعَالَى "، لَا تَطْلُقُ وَهُوَ قَاذِفٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ اسْمٌ لَهَا وَخَبَرٌ عَنْ عَمَلٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْمِ. وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ فِعْلٍ مَاضٍ وَهُوَ
وَاقِعٌ وَيَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُ وُقُوعِهِ بِمَشِيئَةٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّشْكِيكِ فِي الْخَبَرِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " انْتَهَى.
" قَالَ " الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ كَرِهُوا أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا، بَلْ يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " لَا عَلَى مَعْنَى الشَّكِّ فِي إيمَانِهِ، بَلْ عَلَى " مَعْنَى نَفْيِ " الْخَوْفِ مِنْ سُوء الْعَاقِبَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ "، " فِيمَا " خَفِيَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ لَا فِيمَا مَضَى وَظَهَرَ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ " تَيَقَّنَ " أَنَّهُ أَكَلَ " وَشَرِبَ " أَنْ يَقُولَ: أَكَلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَشَرِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " " وَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ " آكُلُ وَأَشْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ "" انْتَهَى ".
وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " يُعْلَمُ فَسَادُ مَا أَفْتَى " بِهِ " الْبَارِزِيُّ "، فِيمَا لَوْ فَعَلَ
شَيْئًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْته إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، قَالَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْفِعْلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ قَسَمَهُ، وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ فِي " نَفْيِ الْغَصْبِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا غَصَبْته إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " يُعَدُّ نَاكِلًا وَيُعَادُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ثَانِيًا، فَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ " يَقَعُ " فِي الْمَاضِي لَمَا جَعَلُوهُ نَاكِلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ نُكُولَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ جَوَابِ الْحَاكِمِ.
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: قُلْ: بِاَللَّهِ، فَقَالَ: بِالرَّحْمَنِ عُدَّ " نَاكِلًا وَإِنْ " لَمْ تَحْصُلْ الْمُخَالَفَةُ، إلَّا فِي اللَّفْظِ.
الثَّالِثُ: كُلُّ مَا لَوْ شَرَطَاهُ فِي الْعَقْدِ " أَبْطَلَ " فَإِذَا نَوَيَاهُ فِي حَالِ الْعَقْدِ كَانَ مَكْرُوهًا نَصَّ عَلَيْهِ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رحمه الله " فِي الصَّرْفِ وَهِيَ " كَرَاهَةُ " تَنْزِيهٍ وَقِيلَ تَحْرِيمٍ حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاسْتَحْسَنَهُ وَاخْتَارَهُ " ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ ".
وَمِنْهُ: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ.
وَمِنْهُ: الْحِيلَةُ فِي التَّفَرُّقِ " مِنْ تَقَابُضٍ فِي الرِّبَوِيِّ ".
وَمِنْهُ: إذَا وَاطَأَ غُلَامَهُ الْحُرَّ أَوْ صَدِيقَهُ فَبَاعَ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ " أُجْبِرَ " بِالْعِشْرِينَ فَأَمَّا الْعَقْدُ مَعَ الْغُلَامِ " فَمَكْرُوهُ " لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا " الْعَقْدُ الثَّانِي " وَالْإِجْبَارُ فَقَالَ الْأَكْثَرُ يَحِلُّ وَيُكْرَهُ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ يُحَرَّمُ، وَقَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ تَفَقُّهًا، لِأَنَّهُ غِشٌّ وَخِدَاعٌ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ ثَبَتَ " لَهُ " الْخِيَارُ عَلَى أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ.
" وَلَوْ لَمْ " تَجْرِ مُوَاطَأَةٌ، وَلَكِنْ جَرَى الْعَقْدَانِ " فِيهِ " بِهَذَا الْقَصْدِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ.
الرَّابِعُ: الشَّرَائِطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعَقْدِ، هَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا أَمْ يُكْتَفَى بِوُجُودِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. هَذَا مِنْ الْقَوَاعِدِ " الْمُهِمَّةِ " وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَذَكَرَ
الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الرِّبَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ جُزَافًا، وَلَا بِالتَّخْمِينِ.
وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ جُزَافًا فَخَرَجَا مُتَمَاثِلَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، لِأَنَّ التَّسَاوِيَ شَرْطٌ، وَشُرُوطُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَعْلَمُ أَهِيَ أُخْتُهُ أَمْ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا، لَمْ يَصِحُّ النِّكَاحُ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَسْأَلَةَ النِّكَاحِ الْمُسْتَشْهَدَ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِي الْبَحْرِ " قُبَيْلَ " بَابِ " الرِّبَا " لَا يَحْرُمُ " الْحَلَالُ ". لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَّ خَطَؤُهُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ إذَا وَطِئَهَا.
وَهَكَذَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَعِنْدِي هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى.
وَحَكَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، أَنَّهُ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ عَقْدًا فَاسِدًا، ثُمَّ عَقَدَ عَلَى أُخْتِهَا، فَإِنْ عَلِمَ فَسَادَ الْأَوَّلِ صَحَّ الثَّانِي، عَلِمَ بِإِخْوَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأُخُوَّةِ الثَّانِيَةِ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا مَعَ اعْتِقَادِ صِحَّةِ الْأَوَّلِ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ ظَاهِرًا، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ هَزْلٌ بِهَذَا النِّكَاحِ، وَهَزْلُ النِّكَاحِ جِدٌّ لِلْحَدِيثِ انْتَهَى.
وَفِي الْحَاوِي لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَلَهَا أُخْتٌ فَعَقَدَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَدْرِ أَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ أُخْتُهَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا " غَيْرُ " الْمُطَلَّقَةِ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ ظَانًّا أَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِعِدَّةٍ أَوْ لِعَانٍ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لِاعْتِقَادِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ " الْبَحْرِ " فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ، لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مِنْ مُكَاتَبِهِ كِتَابَةً فَاسِدَةً لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَهَا، لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ظَاهِرًا، ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، أَنَّهُ لَوْ " تَزَوَّجَ " أَمَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ " مَيِّتًا " صَحَّ النِّكَاحُ فِي الْأَظْهَرِ، وَقَالَ فِي بَابِ الْعَدَدِ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، إذَا تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ فَبَانَ " حَيًّا " عِنْدَ التَّزْوِيجِ، فَعَلَى الْقَدِيمِ لَا إشْكَالَ وَعَلَى الْجَدِيدِ يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا، وَذَكَرَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَلَّى رَجُلًا الْقَضَاءَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَهْلِيَّتَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَهْلِيَّتُهُ مِنْ بَعْدُ.
وَذَكَر النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِشَهَادَةِ خُنْثَيَيْنِ فَبَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ خُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مُعْتَبَرَةٌ.
وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ " رحمه الله " لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي امْرَأَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا ابْنَتُهُ لِصُلْبِهِ لَا يَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ، لِأَنَّ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ، وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ، " وَجَزَمَ " ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ قِيَاسُ الْبَيْعِ، وَقَرِيبٌ مِنْ
مَسْأَلَةِ الْقَاضِي مَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِحُكْمٍ ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ خَطَأٌ، " ثُمَّ بَانَ " لَهُ مُسْتَنَدٌ غَيْرُهُ يَجُوزُ الْحُكْمُ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعُقُودِ الَّتِي تَعْتَمِدُ الظُّنُونَ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَكْفِي وُجُودُ " الْمُسْتَنَدِ " فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ، قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ فَقَبِلَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُسَمَّاةَ بِنْتُ ابْنِ الْمُزَوِّجِ، وَهُوَ جَدُّهَا لِأَبِيهَا، هَلْ يَصِحُّ؟ أَجَابَ إنْ عَيَّنَاهَا بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوِهَا صَحَّ وَكَذَا بِالنِّيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ " إطْلَاقُ " الْبِنْتِ عَلَى بِنْتِ الِابْنِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِصُلْبِهِ بِنْتٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ صَحَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا فَلَا.
وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ مَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمَ كَالْأَبْضَاعِ وَالرِّبَا فَيُحْتَاطُ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمَشْرُوطِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ تَزْوِيجُ أَمَةِ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عَلَى الْقَدِيمِ ثُمَّ بَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ " الْعِدَّةِ " فَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَوَجْهُ " خُرُوجِهَا " عَنْ " هَذِهِ " الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْخَلَلَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْطِ لَا مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ، فَكَانَ أَخَفَّ.
وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ بِخُنْثَى ثُمَّ بَانَ " أَنَّهَا " امْرَأَةٌ، لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْخُنْثَى إذَا بَانَ رَجُلًا مَا ذَكَرْنَا وَمَسْأَلَةُ الْقَاضِي إذَا وَلِيَ ثُمَّ بَانَ أَهْلِيَّتُهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ الْمَجْهُولِ حَالُهَا سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَاطُ فِي
الْأَبْضَاعِ يُحْتَاطُ فِي الْقَاضِي، لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ، وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْبَابَيْنِ فِي قُوَّةِ الْمَأْخَذِ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ لَوْ وَقَعَ الْحَاكِمُ إلَى فَقِيهٍ " لِيُزَوِّجَهُ " فُلَانَةَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْمُوَقِّعَ إلَيْهِ الْمَذْكُورَ هُوَ فُلَانٌ بِعَيْنِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ غَيْرَهُ، فَلَا يَكُونُ إذْنًا قِيَاسًا، عَلَى مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ زَيْدٌ فَكَانَ عَمْرًا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ.
الْخَامِسُ: الشُّرُوطُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ، وَقِسْمٌ يُصِحُّ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الشَّرْطَ، وَقِسْمٌ يُصِحُّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ، وَالرَّابِعُ: شَرْطٌ ذِكْرُهُ شَرْطٌ.
فَالْأَوَّلُ: كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَشَرْطِ أَنْ لَا " يَتَسَلَّمَهُ " أَوْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ، وَيُسْتَثْنَى الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ، إذَا قُلْنَا لَا يَبْرَأُ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لِاشْتِهَارِ " الْقَضِيَّةِ " بَيْنَ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ شَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَنَحْوِهِ.
وَالثَّانِي: كَمَا إذَا شَرَطَ مَا لَا يُنَافِيه وَلَا يَقْتَضِيه وَلَا غَرَضَ فِيهِ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ أَوْ لَا يَلْبَسَ إلَّا كَذَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَعَزَّى لِنَصِّ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رحمه الله "" وَلَيْسَ كَذَلِكَ ".
وَقَالَ الْقَفَّالُ لَوْ قَالَ بِعْتُك الطَّعَامَ عَلَى أَنْ تَأْكُلَهُ وَالْأَمَةَ عَلَى أَنْ تَطَأَهَا
إنْ قَصَدَ بِهِ الِاشْتِرَاكَ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَرَادَ وَلَك ذَلِكَ صَحَّ " الْبَيْعُ ".
وَالثَّالِثُ: كَمَا إذَا شَرَطَ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَمَصَالِحُهُ، كَشَرْطِ " الْخِيَارِ " وَالْأَجَلُ وَالرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ وَالْإِشْهَادُ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا مُؤَكَّدًا، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَاغٍ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ: إنَّ الشَّرْطَ الَّذِي يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ، قَالَ وَهَذَا بَحْثٌ لَفْظِيٌّ.
قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ وَهُوَ " مَا لَوْ اخْتَلَفَ " الشَّرْطُ، وَقُلْنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ، كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ، وَالثَّانِي " يُفْسَخُ " بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَاغٍ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَ الْبَائِعَ عَلَى فِعْلِ الْمُمْتَنَعِ مِنْهُ.
وَالرَّابِعُ: بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ شَرْطُ الْقَطْعِ، وَلَوْ بِيعَتْ مِنْ مَالِكِ الْأَصْلِ " وَكَذَا الزَّرْعُ الْأَخْضَرُ، لَكِنْ إذَا بِيعَتْ مِنْ مَالِكِ الْأَصْلِ " لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ لَنَا شَرْطٌ يَجِبُ ذِكْرُهُ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْبَيْعِ مُبْطِلٌ، إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ:
" إحْدَاهَا ": بِعْتُك إنْ شِئْت.
الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ، وَكَانَ مَالِكًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ " وَمِثْلُهُ