الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الراء والتاء
المثناة من فوق
الهندي
حدود 000 - 632هـ - 000 - 1234م رتن الهندي، المدعي أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ صلاح الدين خليل الصفدي: نقلت من خط علاء الدين علي بن مظفر الكندي: حدثنا القاضي الأجل العالم جلال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن إبراهيم الكاتب من لفظه، قال: أخبرنا الشريف قاضي القضاة بدر الدين أبو الحسن علي بن الشريف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين الحسيني الأثيري الحنفي من لفظه في العشر الآخر من جمادى الأولى عام أحد وسبعمائة بالقاهرة، قال: أخبرني جدي الحسين بن محمد قال: كنت في زمن الصبا - وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثمان عشرة سنة - سافرت مع أبي محمد وعمي عمر من خراسان إلى بلاد الهند في تجارة.
فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند، فعرج أهل القفل نحو الضيعة، ونزلوا بها، وضج أهل القافلة، فسألناهم عن الشأن، فقالوا: هذه ضيعة الشيخ رتن - اسمه بالهندية وعرّبه الناس وسموه بالمعمّر؛ لكونه عُمّر عمراً خارجاً عن العادة -.
فلما نزلنا خارج الضيعة رأينا بفنائها شجرة عظيمة تظل خلقاً عظيماً، وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة، سلمنا عليهم وسلموا علينا، ورأينا زنبيلاً كبيراً معلقاً في بعض أغصان الشجرة؛ فسألنا عن ذلك، فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بطول العمر ست مرات؛ فسألنا جميع أهل الضيعة أن ينزل الشيخ ونسمع كلامه، وكيف رأى النبي صلى الله عليه وسلم وما يروى عنه؟؛ فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل - وكان بكرة - فأنزله؛ فإذا هو مملوء بالقطن، والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل، وإذا الشيخ فيه كالفرخ، فحسر عن وجهه، ووضع فمه على أذنه وقال: يا جداه: هؤلاء قوم قدموا من خراسان، وفيهم شرفاء أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا قال لك؟ فعند ذلك تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل، فرأيت غلاماً أسمر اللون مليح الكون، حسن الشمائل وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله، وهو يخشى خوض السيل لقوته، فعلمت حاله، فأتيت إليه وحملته، وخضت السيل إلى عند إبله من غير معرفة سابقة. فلما وضعته عند إبله، نظر إلي وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك؛ فتركته ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة، وعدنا إلى الوطن.
فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مقمرة رأينا ليلة البدر في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشق نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب، ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثم طلع النصف من المشرق والنصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء، كما كان أول مرة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً. وسألنا الركبان عن خبر ذلك وسببه؛ أخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة، وادعى أنه رسول من الله إلى كافة العالم، وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في المغرب ونصفه في المشرق، ثم يعود إلى ما كان عليه؛ ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى.
فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أرى المذكور؛ فتجهزت في تجارة، وسافرت إلى أن دخلت مكة، وسألت عن الرجل الموصوف، فدلوني على موضعه، فأتيت إلى منزله، واستأذنت عليه؛ فأذن لي، ودخلت عليه؛ " فوجدته جالساً في صدر المنزل، والأنوار تتلألأ في وجهه "، وقد استنارت محاسنه، وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه.
فلما سلَّمت عليه نظر إليَّ وتبسَّم وعرفني، وقال: وعليك السلام، أدنُ مني، وكان بين يديه طبق فيه رُطَب، وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم
يعظمونه ويبجلونه؛ فتوقفت لهيبته؛ فقال ثانياً: أدن مني وكُلْ - الموافقة من المروءة، المنافقة من الزندقة -؛ فتقدمت وجلست وأكلت معهم من الرطب، وصار يناولني الرطب بيده المباركة إلى أن ناولني ست رُطبات، من سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إلي وتبسم وقال لي: ألم تعرفني. قلت: كأني، غير أني لم أتحقق؛ فقال: ألم تحملني في عام كذا، وجاوزت بي السيل حين حال السيل بيني وبين إبلي؟؛ فعند ذلك عرفته بالعلامة، وقلت له: بلى يا صبيح الوجه؛ فقال لي: امدد يدك، فمددت يدي اليمنى إليه؛ فصافحني بيده اليمنى، وقال لي: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ فقلت ذلك كما علمني، فسرَّ بذلك، وقال لي عند خروجي من عنده: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك؛ فودعته وأنا مستبشر بلقائه وبالإسلام، فاستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة. وها عمري اليوم نيف وستمائة سنة، وجميع من في هذه الضيعة أولاد أولاد أولادي، وفتح الله عليَّ وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وذكر عبد الوهاب القارئ الصوفي أنه مات في حدود سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
وذكر النجيب عبد الوهاب أيضاً: أنه سمع من الشيخ محمود بابا رتن، وأنه بقي إلى سنة تسع وسبعمائة، وأنه قدم عليهم شيراز. انتهى.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: من صدق هذه الأعجوبة وآمن ببقاء رتن: فما لنا فيه حيلة، فليعلم أنني أول من كذب بذلك، وأنني عاجز منقطع معه في المناظرة، وما أبعد أن يكون حين تبدّى بأرض الهند وادعى ما ادعى؛ فصدقوه. لا بل هذا شيخ مفترٍ دجال، كذب كذبة ضخمة، لكي تنصلح خائبة الضباغ. وأتى بفضيحة كبيرة، والذي يحلف به أنه رتن الكذاب قاتله الله أنّى يؤفك. وقد أفردت له جزءاً فيه أخبار هذا الضال وسميته:" كسر وَثَنْ رَتَنْ ".
وقال الشيخ علم الدين البرزالي: وقد سألته عن هذا الحديث، فقال لي: هو من أحاديث الطرقية. انتهى كلام الذهبي رحمه الله.
قلت: ومعتقدي في رتن المذكور كمعتقد الذهبي رحمه الله ولولا أنه مشهور ما ذكرته في هذا التاريخ.