الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- على ما قيل - كان فاتكاً، خارجاً عن طاعة السلطان، قليل الدين، كثير الفسق، ويخيف السبل، ويقطع الطريق. وكان يسير في بلاد نجد وبلاد العراق وأراضي الحجاز في جمع كبير من المفسدين، نحو ثلاثمائة فارس وعدة رماة بالسهام؛ فكان يأخذ بهؤلاء القفول من الحجاج والمسافرين. ودام على ذلك مدة طويلة إلى أن أراح الله الناس منه.
وقتل في شهر رجب في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة في محاربة أمير المدينة النبوية الشريف مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيخة الحسيني.
وقتل مع زهير هذا جماعة من بني حسين منهم ولد غرير بن هيازع بن هبة ابن جماز وغيره. انتهى.
الصاحب بهاء الدين زهير
581 -
656هـ - 1185 - 1258م زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن بن جعفر، العلامة الأديب البارع الكاتب الصاحب بهاء الدين زهير، أبو الفضل، وأبو العلاء الأزدي المهلبي، القوصي الأصل، المكي المولد، المصري الدار والوفاة.
ولد بمكة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العزيز.
وسمع من علي بن أبي البنا وغيره. واشتغل وبرع في عدة علوم كالفقه والعربية واللغة.
وأما الأدبيات؛ فكان به يضرب المثل فيها. كان إمام وقته وفريد عصره، لا سيما في البلاغة ورقة الألفاظ. وديوان شعره مشهور.
قال بعض الفضلاء: ما تعاتب الأصحاب ولا تراسل الأحباب بمثل شعر البهاء زهير.
وشعره في غاية الانسجام والعذوبة والفصاحة. وهو السهل الممتنع.
وكان رحمه الله فاضلاً، كاتباً، كريماً، نبيلاً، جميل الأوصاف، حسن الأخلاق، طويل الروح، حلو النادرة.
وكان في مبادئ أمره خدم الملك الصالح أيوب، وسافر معه إلى الشرق.
فلما ملك الملك الصالح الديار المصرية رقاه إلى أرفع المراتب، ونفده رسولاً
إلى الملك الناصر صاحب حلب يطلب منه أن يسلم إليه عمه الملك الصالح إسماعيل، فقال: كيف أسيره إليه وقد استجار بي، وهو خال أبي ليقتله؛ فرجع إليها زهير إلى الملك الصالح بذلك، فعظم على الصالح وسكت عن حنق.
ولما كان الملك الصالح مريضاً بالمنصورة في حصار الفرنج لها تغير على البهاء زهير وأبعده؛ لأنه كان كثير التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم. وكانت السيئة عنده ما تغفر.
ولما مات الملك الصالح اتصل البهاء زهير بخدمة الملك الناصر صاحب الشام. وله فيه غرر مدائح. ثم رجع إلى القاهرة، ولزم داره يبيع كتبه وموجوده حتى انكشف حاله بالكلية.
وكان البهاء زهير - فيما قيل - أسود اللون، قصيراً، شيخاً بذقن مقرطمة صغيرة؛ فكان يسلك مسلك ابن الزبير في وضع الحكايات على نفسه حذقاً منه؛ لئلا يدع للناس عليه كلاماً. من ذلك أنه حكى مرة لجماعة الديوان، قال: جاءت اليوم إلي امرأة ما رأيت عمري أحسن منها، وراودتني على ذلك الفعل. فلما كان ما كان أردت أن أدفع إليها شيئاً من الذهب، فقالت: ما فعلت هذا من حاجة، ولكن أرأيت عمرك أحسن مني، فقلت: لا والله، فقالت: إن زوجي يدعني ويميل إلى واحدة ما رأيت عمري أوحش منها. فلما عذلته ونهيته وما انتهى، أردت مكافأته، وقد فتشت هذه المدينة، فلم أر فيها أوحش منك، ففعلت معك هذا مقابلة لزوجي. فقلت لها: ها أنا هاهنا كلما اجتمع زوجك بتلك تعالي أنت إلى هنا انتهى.
قلت، ومن شعره:
اغصن النقا لولا القوام المهفهف
…
لما كان يهواك المعنى المعنف
ويا ظبي لولا أن فيك محاسناً
…
حكين الذي أهوى لما كنت توصف
كلفت بغصنٍ وهو غصنٌ ممنطق
…
وهمت بظبيٍ وهو ظبيٌ مشنف
ومما دهاني أنني من حيائه
…
أقول قليلٌ طرفه وهو مرهف
وذلك أيضاً مثل بستان خده
…
به الورد يسمى مضعفاً وهو مضعف
فيا ظبي هلا كان منك التفاتة؟
…
ويا غصن هلا كان منك تعطف؟
ويا حرم الحسن الذي هو آمن
…
ومن حوله ألبابنا تتخطف
عسى عطفه للوصل يا واو صدغه
…
وحقك إني أعرف الواو تعطف
أأحبابنا أما غرامي بعدكم
…
فقد زاد عما تعرفون وأعرف
أطلتم عقابي في الهوى فتطولوا
…
فبي كلفٍ في حمله أتكلف
ووالله ما فارقتكم عن ملالة
…
وجهدي لكم أني أقول وأحلف.
وله في سيف:
برسم الغزاة وضرب العداة
…
بكف همامٍ رفيع الهمم
تراه إذا اهتز في كفه
…
كخاطف برقٍ سرى في يم
ذكر الأديب البارع علي بن سعيد المغربي الأندلسي في أول كتاب الغراميات له قال: طرقت البلاد لأكتب من شعر البهاء زهير الحجازي:
فكان مما لعب بخاطري
…
لعب الرياح بالغصون
وتمكن منه تمكن العيون
…
الدعج من الفؤاد المفتون
شعره الذي أوله:
تعالوا بنا نطوي الحديث الذي جرى
…
فلا سمع الواشي بذاك ولا درى
تعالوا بنا حتى نعود إلى الرضى
…
وحتى كأن العهد لن يتغيرا
ولا تذكروا الذنب الذي كان بيننا
…
على أنه ما كان ذنب فيذكرا
وحملني الشغف بطريقة هذا الرجل على حفظ ما يرد من شعره على أفواه الواردين من الشرق إلى أن جمع الله بيني وبينه بالقاهرة حاضرة الديار المصرية؛ فقل في منهل عذب تمكن منه عطشان.
ثم كانت المؤانسة، فكدت أصعق لما أنشدني قوله، وما وجدت روحي معي البتة:
رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي
…
وحسبك قد أحرقت يا شوق أضلعي
إلى كم أقاسي بعد فرقةٍ
…
وحتى متى يا بين أنت معي معي
" وقالوا علمنا ما جرى منك بعدنا
…
فلا تظلموني ما جرى غير أدمعي "
رعى الله ذاك الوجه حيث توجهوا
…
وحيته عني الشمس في كل مطلع
ويا رب جدد كلما هبت الصبا
…
سلامي على ذاك الحبيب المودع
وقلت له، وقد أعجبني انفعالي لما صدر عنه من هذه المحاسن الغرامية: يا سيدي لا يمضي اعتقادي فيكم مذ مدة طويلة " وأنا بالمغرب الأقصى ضائعاً. والغرض كله التهذيب الموصل إلى ما يتعلق " بأهداب طريقتكم فقد علمتم مهياراً " من عجم الديلم لما شرب ماء دجلة والفرات، وصحب سيده الشريف الرضي نمت أشعاره من خلال " أشعاره؛ فتبسم وقال: لا تنزلت أنت إلى أول طبقة مهيار، ولا ترفعت أنا إلى طبقة الشريف الرضي، لكن كل زمانٍ له رؤساء وأتباع في كل فن. وإن تكونوا صغار قوم؛ فستكونوا كبار قومٍ آخرين. واعلم بأنك نشأت ببلاد ولع شعراؤها بالغوص على المعاني، وزهدوا في علوية الألفاظ، والتلاعب بمحاسن صياغتها المكسوة بأسرار الغرام، وطريقة المغاربة في مثل قول ابن خفاجة:
دعتني أنس أصفحنا نشوة
…
فيها تمهد مضجعي وتدمث
خلف على أبهى الأراكة ظلها
…
والغصن يصغي والحمام يحدث
والشمس تجنح للغروب مريضة
…
والرعد يرقى والغمامة تنفث
وقول الرصافي:
وغريل لم تزل في الغزل جائله
…
بنانه جولان الفكر في الغزل
جدلان تلعب بالمحراك أنمله
…
على المدا لعب الأيام بالدول
ما إن بنى تعب الأطراف مشتغلاً
…
أفديه من تعب الأطراف مشتغل
جدباً بكفيه أو فحصاً بأخمصه
…
تحيط الظبي في أشراك محتبل
لا يشق فيها غبارهم ولا تلحق آثارهم
…
وأما مثل قول ابن العلم الواسطي
وحلوا بأفئدة الرجال وغادروا
…
بصدورها فكراً هي الأشجان
واستقبلوا الوادي فأطرقت المها
…
وتحيرت بغصونها الكثبان
فكأنما اغترفت ضحى بقدودها
…
الأغصان أو بعيونها الغزلان
وقول ابن التعاويذي:
إن قلت جرت على ضعفي يقول متى
…
كان المحب من المحبوب منتصفا
أو قلت أتلفت روحي قال لا عجب
…
من ذاق طعم الهوى يوماً وما تلفا
قد قلتم الغصن ميالٌ ومنعطفٌ
…
فكيف مال على ضعفي وما عطفا
فطران لا يلم أهل بلادك؛ فقلت: المحاسن - أعزك الله - المقسمة.
وفي المغاربة من تُبْعَثُ من أشعاره أسحار الكلام ويتم عليها أسرار الغرام، مثل الوزير أبي الوليد بن زيدون في قصيدته التي منها:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
…
شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
وسرد ابن سعيد القصيدة.
قال ابن سعيد: ثم أمسكت فقال: ما أنشأت أندلسكم مثل هذا الرجل في الطريقة الغرامية، وأظنه كان صادق العشق. قلت: نعم كان يعشق أعلا منه قدراً، وأرق حاشية، وألطف ظرفاً، وهي ولَاّدة بنت المستكفي المرواني علقها بقرطبة حضرة الملك. ثم قص عليه ذكر جماعة من المغرب. وذكر انفصاله من ذلك المجلس. ثم قال: ووصلت إلى ميعاده، فوجدته بخزانة كتبه، فكانت أول خزانة ملكوية رأيتها، لأنها تحتوي على خمسة آلاف سفر ونيف.
وذكر أنه أمره بحفظ أشعار التلعفري والحاجري وابن الفارض، وأنه قال له يوماً: اجز، يا بان وادي الأجزع، فقال ابن سعيد: سقيت غيث الأدمع. فقال له البهاء زهير: قاربت، ولكن طريقتنا أن نقول: هل ملت من شوق معي، فقال: الحق ما عليه غطاء هذا أولى.
ولازمته بعد ذلك نحو ثلاث سنين، أنشدته في أثنائها قولي:
وأطول شوقي إلى ثغور
…
ملا من الشهد والرحيق
عنها أخذت الذي تراه
…
يعذب في شعري الرقيق
فارتاح وقال: سلكت جادة الطريق، ما تحتاج إلى دليل.
قلت: توفي صاحب الترجمة في سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله.