الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنقل جوهر هذا في عدة خدم، وقاسى من الفقر ألواناً إلى أن اتصل بخدمة علم الدين داؤد بن الكُوَيْز، كاتب السر، ودام عنده إلى أن مات علم الدين ابن الكويز.
وكان بين جوهر هذا وبين جوهر الجلباني
اللالا
- المتقدم ذكره آنفاً - صُحبة وأخوة قديمة، ومحبة زائدة. فصار جوهر - المتقدم ذكره - يحسن إلى جوهر هذا إحساناً زائداً، ونزَّله بباب السلطان من جملة الخدام.
واستمر على ذلك دهراً إلى أن مات الأمير الطواشي كافور الصرغتمشي الزمَّام في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثمانمائة. واستقر زمَّاماً من بعده الأمير خشقدم الظاهري الخازندار، وشغرت وظيفة الخازندارية من بعده مدة يسيرة، وطلب الملك الأشرف مَن يوليه الخازندارية من بعده؛ فذكر له أرباب الدولة عدة من أعيان الخدام؛ فلم يرض بأحد منهم، وقال: أريد من يكون عاقلاً، عارفاً؛ فقال له جوهر اللالا - المتقدم ذكره -:
يا مولانا السلطان عندي من هو غرض السلطان، غير أنه لم يكن من أعيان الخدام. فقال له الأشرف: ومَن هو. قال: أخي جوهر القنقبائي، ويُجرِّبه السلطان، ويحدثه فيما يختار. فطلبه السلطان في الوقت، وكلمه؛ فأعجبه كلامه، وولاه الخازندارية، وتسلم الخزانة الشريفة، وضبط الأموال، وساس الأمور.
وكان حاذقاً، عاقلاً، عارفاً، وعنده سكون ورزانة. فلما رأى الأشرف منه ذلك أضاف إليه التكلم في الذخيرة وغيرها. وعظم في الدولة، ونالته السعادة، وحظي عند الأشرف، وانقاد إليه بكليته، وكثر ترداد الناس إلى بابه، بل صار هو صاحب العقد والحل، والمشار إليه في الممالك.
وصار جوهر اللالا الساعي له أولاً إذا طرأ له حاجة عند الأشرف يسأله في قضائها له. حتى إنه لما مات خشقدم الزمَّام وشغرت وظيفة الزمامية عنه، سأل جوهر اللالا السلطان بأن يكون زماماً، فلم ينعم له بها حتى دخل إلى جوهر هذا، وسأله أن يتحدث له في وظيفة الزمامية مع الملك الأشرف؛ فغرب عليه جوهر - صاحب الترجمة - وقال له: يا أغاة! والسلطان يعلم أنك تريد الزمامية، ويتوقف معك في ولايتها! فقال له جوهر اللالا: نعم، وسألته فيها غير مرة، وسأله غالب الخوندات، ولا أعرف ولايتها إلا منك، ثم قام من
فوره؛ فدخل جوهر هذا إلى الملك الأشرف، فلم يخرج من عنده حتى جعله زماماً، من هذا أشياء يطول شرحها.
ولا زال على ما هو عليه من الحرمة والعظمة، حتى توفي الملك الأشرف في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة. وتسلطن الملك العزيز يوسف بن الأشرف، وخُلع، وتسلطن الملك الظاهر جقمق، وهو على ذلك إلى أن فر الملك العزيز يوسف من دور الحرم بقلعة الجبل. وغضب الملك الظاهر بسببه على الطواشي فيروز الجاركسي، وعزله من وظيفة الزمامية. استقر بجوهر هذا في وظيفة الزمامية عوضه، مضافاً على الخازندارية وغيرها، ثم شرع جوهر في بناء مدرسته التي بجوار الجامع الأزهر، ومات قبل أن تكمل عمارتها.
وخرج جوهر من الدنيا بغير نكبة. ولم يظهر له من الذهب العين إلا القليل؛ بالنسبة إلى ما كان يقاس عليه، وذهب جميع ماله عند مَن له فيه رزق. فحصل بسبب ذلك للسلطان الملك الظاهر جقمق من القهر والغبن ما لا مزيد عليه. وتولى الخازندارية من بعده الطواشي جوهر التمرازي - الآتي ذكره - وتولى الزمامية من بعده أيضاً الطواشي هلال الرومي الظاهري شاد الحوش السلطاني.