الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحج الناس في أيامه بالمحمل العراقي من بغداد في سنين نيف وخمسين. ولا زال على ذلك حتى مات شاه رخ، وتفرقت كلمة أولاده؛ استفحل أمره بذلك أعظم مما كان. وجمع عساكره، ومشى على ديار بكر في سنة أربع وخمسين وثمانمائة؛ لقتال جهان كير بن علي بك بن قرايلك
صاحب آمد
، وأخذ منه مدينة أرْزَنكان بعد قتال عظيم ومدينة الرها وقلعتها، وأرسل قطعة من عسكره لحصار جهان كير بآمد. ووصلت عساكره إلى أراضي ملطية ودوركي، ثم أرسل قُصَّاده في سنة خمس وخمسين إلى السلطان الملك الظاهر جقمق يُعَرِّفه: بأنه باقٍ على مودته، وأنه ما مشى على جهان كير إلا لما بلغه مخالفة جهان كير على السلطان. وذكر عن جهان كير أموراً، ورماه بعظائم؛ فأكرم السلطان قُصَاده، وردهم إليه بعد أن أحسن إليهم إحساناً زائداً. وأرسل صحبتهم أيضاً رسوله الأمير قانم من صفر خجا المؤيدي، المعروف بالتاجر، وعلى يده جملة من الهدايا والتحف.
صاحب آمد
جَهَان كَير بن علي بك بن عثمان، المدعو قَرَايُلْك بن قطلوبك. الأمير سيف الدين، صاحب آمد وماردين وأرزنكان وغيرهم.
مولده بديار بكر في حدود العشرين وثمانمائة تقريباً. ونشأ تحت كنف والده وجده قرايلك. وقدم مع والده إلى الديار المصرية، وأنعم عليه بإمرة حلب؛ فتوجه إلى حلب. وأقام بها مدة إلى أن ولاه الملك الظاهر جقمق نيابة الرها؛ فباشرها مدة طويلة، وعظم وكثرت جنوده، ثم ملك آمد بعد موت عمه حمزة بعد حروب، ثم أرزنكان، ثم ملك ماردين، ولا زال يملك قلعة بعد قلعة حتى صار حاكم ديار بكر وأميرها.
فلما ضخم وأثرى أظهر الخلاف على الملك الظاهر جقمق، وضرب بعض بلاد السلطان، وانضم عليه الأمير بَيْغُوت من صفر خُجَا المؤيدي الأعرج لما عُفِي من نيابة حماة سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ووافقهما خلائق، وعظم جمعه. فبينما هو في ذلك إلا طرقه جَهَان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز وبغداد وغيرهما في السنة المذكورة، وشتت شمله ومزق عساكر، وأباده وأخذ
منه أرزنكان ومدينة ماردين في سنة أربع وخمسين ووقع بين عساكر جَهَان شاه وبين جهان كَير هذا حروب في هذه المدة.
فلما ضاق الأمر عليه أرسل بوالدته إلى البلاد الشامية، تستأذن نواب البلاد الشامية - وكانوا جميعاً بالبلاد الحلبية - في قدومها إلى الديار المصرية؛ لتسترضي الخواطر الشريفة على ولدها جهان كير المذكور. وكان جهان كير أيضاً أرسل بولده قبل تاريخه يسأل الدخول في طاعة السلطان؛ فمنعوها نواب البلاد الشامية من قدومها إلى الديار المصرية، ثم عادت إلى آمد. وبعد عودها أرسل جهان كير هذا بأخيه حسن في شرذمة من عسكره إلى عمه الشيخ حسن بن قرايلك.
وكان الشيخ حسن المذكور في عسكر كثيف من عسكر جهان شاه، فطرقه حسن بغتة؛ فظفر به وقتله، وبعث برأسه إلى أخيه جهان كير، وقتل حسن أيضاً جماعة من عسكر جهان شاه الذين كانوا مع عمه الشيخ حسن.
فلما بلغ جهان شاه ذلك غضب، واشتد حنقه، وقدم إلى آمد وحصرها، وبها جهان كير هذا.