الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجل مجهول وقال ابن حجر لم يسمّ من الطبقة الثالثة
(معنى الحديث)
(قوله ولم يذكر أمر الرعاية الخ) أى لم يذكر أبو عقيل أو من دونه قصة رعايتهم للإبل بل قال عند قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما منكم من أحد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء، وفي نسخة نظره، وهذه الجملة هى الزائدة في رواية أبي عقيل والظاهر أن رفع البصر يكون من ابتداء الذكر إلى منتهاه وأنه لا يختص بالبصير، ولعل الحكمة فيه أن السماء قبلة الدعاء ومهبط الملائكة والرحمات
(قوله وساق الحديث الخ) أى ذكر أبو عقيل أو من دونه حديث معاوية بألفاظ تؤدّى معنى حديث معاوية وإن كان اللفظ مختلفا
(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على مشروعية رفع المتوضئ بصره إلى السماء عقب الوضوء عند إتيانه بالشهادتين
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه بسنده إلى أبي عقيل أن ابن عمّ له أخبره أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأتمّ وضوئه ثم رفع رأسه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء اهـ وأخرجه أحمد والبزّار عن ثوبان بلفظ من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه الخ، وهذا الحديث ضعيف لأن في إسناده مجهولا
(باب الرجل يصلى الصلوات بوضوء واحد)
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: مُحَمَّدٌ هُوَ أَبُو أَسَدِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله شريك) بن عبد الله النخعى
(قوله وقال محمد هو أبو أسد بن عمرو) أى قال محمد بن عيسى شيخ المصنف عمرو بن عامر هو والد أسد بن عمرو. وقد اختلف المحدّثون في عمرو بن عامر الراوى في هذا السند فصريح المصنف أنه البجلى ويؤيده قول شيخه هو أبو أسد بن عمرو فإن والد أسد بن عمرو بجلى والذى في الترمذى أنه الأنصارى قال بسنده ثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصارى قال سمعت أنس بن مالك "وذكر الحديث" وهذا هو الظاهر وذلك أن عمرو بن عامر الأنصارى من الطبقة الخامسة ومن شيوخه أنس بن مالك ومن تلاميذه شعبة والثورى وشريك. روى له
الجماعة ووثقه أبو حاتم والنسائى وابن حبان، وعمرو بن عامر البجلى من الطبقة السادسة ومن كان منها لم يثبت لقاؤه أحدا من الصحابة ولذا لم يذكر أن من شيوخه أنسا (قال) الحافط في تهذيب التهذيب في ترجمة عمرو بن عامر البجلى. وذكر الآجرى عن أبى داود أن الذي يروى عن أنس هو والد أسد بن عمرو وكذا قال ابن عساكر في الأطراف في الرواة عن أنس عمرو بن عامر الأنصارى والد أسد بن عمرو فكأنه تبع في ذلك أبا داود وذلك وهم فإن والد أسد بجلى وهو متأخر عن طبقة الأنصارى وعليه فإن كان عمرو بن عامر هذا بجليا فلا يصح قوله سألت أنس بن مالك لأنه لم يلق أنسا، وسبب الخطأ في هذا أن المصنف ذكر الحديث بسنده عن محمد بن عيسى عن شريك وشريك سيئُ الحفظ كثير الوهم والخطأ، فنعت عمرو بن عامر بالبجلى خطأ منه ولم يتنبه لذلك محمد بن عيسى والمصنف (والبجلى) بفتحتين كحنفى نسبة إلى بجيلة قبيلة باليمن ويحتمل أن يكون بسكون الجيم نسبة إلى بجلة كتمرة قبيلة أيضا
(معنى الحديث)
(قوله سألت أنس بن مالك عن الوضوء) أى أيكفى الوضوء الواحد الصلوات كلها أم يتوضأ لكل صلاة وإن لم يحدث. وفي رواية النسائي من طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا أكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ لكل صلاة قال نعم
(قوله يتوضأ لكل صلاة) أي مفروضة طاهرا أو غير طاهر كما في رواية الترمذى وهذه كانت عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغالبة وإلا فقد جمع بين صلاتين فأكثر بوضوء واحد كما في الحديث الآتى وحديث البخارى المروى عن سويد بن النعمان بلفظ خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا ثم قام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المغرب فمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ. وقيل يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاصة ثم نسخ يوم الفتح بحديث بريدة الآتى، ويحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز وهذا أقرب، وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهى قبل الفتح بزمن، ويمكن أن يقال هذا إخبار من أنس على حسب ما اطلع عليه فلا ينافى ثبوت غيره في الواقع
(قوله وكنا نصلى الصلوات بوضوء واحد) المراد صلاة اليوم والليلة ولعلّ ذلك كان يقع منهم أحيانا وإلا فقد ثبت أنهم كانوا يتوضؤون لكل صلاة تحصيلا للفضيلة "وقد اختلف" العلماء في ذلك فذهبت طائفة من الظاهرية والشيعة إلى وجوب الوضوء لكل صلاة في حق المقيمين دون المسافرين واحتجوا بحديث بريدة بن الحصيب الآتى (وذهبت) طائفة إلى أن الوضوء واجب لكل صلاة مطلقا ولو من غير حدث وروى ذلك عن ابن عمر
وأبى موسى وجابر بن عبد الله وعبيدة السلماني وأبى العالية وسعيد بن المسيب وإبراهيم والحسن وحكى ابن حزم في كتاب الإجماع هذا المذهب عن عمرو بن عبيد (وقال) النووى في شرح مسلم وحكى أبو جعفر الطحاوى وأبو الحسن بن بطال في شرح صحيح البخارى عن طائفة من العلماء أنهم قالوا يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا، واحتجوا بقول الله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية" وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة اهـ قال وروينا عن إبراهيم النخعى أنه لا يصلى بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات (ومذهب) أكثر العلماء من الأئمة الأربعة وأكثر أصحاب الحديث وغيرهم أن الوضوء لا يجب إلا من حدث، واستدلوا بالأحاديث الصحيحة كحديثى الباب وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخارى الذى تقدم ذكره وفى معناها أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وسائر الأسفار والجمع بين الصلوات الفائتة يوم الخندق وغير ذلك (وأما) الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون واستدلّ الدارمى على ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا وضوء إلا من حدث (وحكى) الشافعى عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير إذا قمتم من النوم "فإن قلت" ظاهر الآية يقتضى التكرار لأن الحكم المذكور وهو قوله فاغسلوا معلق بالشرط وهو إذا قمتم إلى الصلاة فيقتضى تكرار الحكم عند تكرار الشرط كما هو القاعدة عندهم "قلنا" المسألة مختلف فيها والأكثر على أنه لا يقتضيه لفظا (وقال) الزمخشرى رحمه الله تعالى"فإن قلت" ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة محدث وغير محدث فما وجهه "قلنا" يحتمل أن يكون الأمر للوجوب فيكون الخطاب للمحدثين خاصة وأن يكون للندب "فإن قلت" هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب ولهؤلاء على وجه الندب "قلت" لا، لأن تناول الكلمة الواحدة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية (وقال) الطحاوى رحمه الله تعالى قد يجوز أن يكون وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكل صلاة على ما روى بريدة لإصابة الفضل لا لأنه كان واجبا عليه اهـ ويدلّ عليه ما رواه هو وابن أبى شيبة من حديث أبى غطيف الهذلى قال صليت مع عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما الظهر فانصرف في مجلس في داره فانصرفت معه حتى إذا نودى بالعصر دعا بوضوء فتوضأ ثم خرج وخرجت معه فصلى العصر ثم رجع إلى مجلسه ورجعت معه حتى إذا نودى بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ فقلت له أى شئ هذا يا أبا عبد الرحمن الوضوء عند كل صلاة فقال وقد فطنت لهذا منى ليست بسنة إن كان لكافيا وضوئي لصلاة الصبح وصلواتى كلها ما لم أحدث ولكنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من توضأ على طهر كتب الله له بذلك عشر حسنات ففى ذلك رغبت يا ابن أخى (وقال) الطحاوى
وقد روى أنس بن مالك ما يدلّ على ما ذكرنا فأخرج بسنده عن عمرو بن عامر عن أنس بن مالك قال أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ منه فقلت لأنس أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة قال نعم قلت فأنتم قال كنا نصلى الصلوات بوضوء، وقال فهذا أنس قد علم حكم ما ذكرنا من فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ير ذلك فرضا اهـ أي بل كان ذلك لإصابة الفضل وإلا لما وسعه ولا غيره أن يخالفوه (وقال) ابن شاهين لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة والتابعين كانوا يتعمدون الوضوء لكل صلاة إلا ابن عمر وفيه نظر لأنه روى ابن أبى شيبة حدثنا وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة، وفي لفظ كان أبو بكر وعمر وعثمان يتوضؤون لكل صلاة (وقال) بعضهم يمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب وفى حق غيرهم للندب لكن قد علمت أن هذا لا يصح لما تقدّم من أنه يكون من باب الألغاز ذكره العيني في شرح البخارى
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يستحب الوضوء لكل صلاة (قال) النووى في شرح مسلم وفي شرط استحباب التجديد أوجه (أحدها) أنه يستحب لمن صلى به صلاة سواء أكانت فريضة أم نافلة (الثانى) لا يستحب إلا لمن صلى فريضة (الثالث) يستحب لمن فعل به ما لا يجوز إلا بطهارة كمسّ المصحف وسجود التلاوة (الرابع) يستحب وإن لم يفعل به شيئا أصلا بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق ولا يستحب تجديد الغسل على المذهب المشهور، وفي استحباب تجديد التيمم وجهان أشهرهما لا يستحب اهـ ودلّ الحديث أيضا على مشروعية تأدية صلوات كثيرة بوضوء واحد
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى والبيهقي وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح وكذا الطحاوى بلفظ تقدّم
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قال حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، قَالَ:«عَمْدًا صَنَعْتُه»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله يحيى) بن سعيد القطان و (سفيان) بن سعيد الثورى
(قوله
(ص) علقمة بن مرثد) بفتح الميم والثاء المثلثة بينهما راء ساكنة الحضرمى أبو الحارث الكوفي روى عن زرّ بن حبيش وطارق بن شهاب والشعبى وسليمان بن بريدة وكثيرين. وعنه مسعر وشعبة والثورى وغيرهم، وثقه أحمد والنسائى ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة
(قوله سليمان بن بريدة) بن الحصيب مصغرا الأسلمى المروزى. روى عن عائشة وأبيه وعمران بن حصين. وعنه علقمة بن مرثد وعبد الله ابن عطاء وضرار بن مرّة والقاسم بن مخيمرة وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال البخارى لم يذكر سليمان سماعا من أبيه. روى له الجماعة إلا البخارى، ولد في عهد عمر بن الخطاب ومات سنة خمس ومائة
(قوله عن أبيه) بريدة الأسلمى صحابى جليل
(معنى الحديث)
(قوله صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح) أى فتح مكة المشرّفة الذى حصل به أعظم فتوح الإسلام وأعزّ الله به دينه ورسوله وجنده وحرمه واستبشر به أهل السماء ودخل الناس في دين الله أفواجا، وسببه على ما ذكره المؤرخون أنه وقع الصلح بالحديبية على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتعرّض لمن دخل في عقد قريش وأنهم لا يتعرّضون لمن دخل في عقده وكان ممن دخل في عقدة خزاعة وفي عقدهم بنو بكر وكانا متعاديين فخرج بعض بنى بكر وخزاعة فاقتتلوا فأمدّ قريش بني بكر فخرج أربعون من خزاعة إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخبرونه ويستنصرونه فقام وهو يجرّ رداءه ويقول لا نصرت إن لم أنصركم بما أنصر به نفسى ولما أحسّ أبو سفيان جاء إلى المدينة ليجدّد العهد ويزيد في المدّة فأبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرجع فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه وأعلم الناس أنه سائر إلى مكة وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس ومضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم عامدا إلى مكة لعشر مضين من رمضان وقيل لليلتين مضتا منه سنة ثمان من الهجرة فصام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والناس معه حتى إذا كان بالكديد أفطر وعقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل ثم مضى حتى نزل مرّ الظهران المسمى الآن بوادى فاطمة في عشرة آلاف وقيل اثنى عشر ألفا من المسلمين ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد فلما نزل بهم أمرهم أن يوقدوا عشرة آلاف نار كل نار على حدة فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل ابن ورقاء يتجسسون الأخبار وكان العباس بن عبد المطلب لقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعض الطريق مهاجرا بعياله فلما رأى ذلك الأمر قال والله لئن دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوه لهلكت قريش إلى آخر الدهر قال العباس فركبت بغلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم البيضاء وخرجت لأجد
حطابا أو ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة وإذا أنا بأبى سفيان فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتى فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك أبى وأمى قلت ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد جاءكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال وما الحيلة قلت والله لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأستأمنه لك فأردفته ورجع صاحباه فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا وقالوا عمّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على بغلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلىّ فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال يا أبا سفيان عدوّ الله الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتدّ نحو رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آنه وسلم وركضت البغلة فسبقته فلما وصلت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخلت عليه ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعنى أضرب عنقه قال فقلت يا رسول الله إني قد أجرته فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتنى به قال فذهبت به إلى رحلى فبات عندى فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لأغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله حقا فقال أما هذه ففى النفس منها شئ حتى الآن فقال له العباس أسلم قبل أن تضرب عنقك فأسلم مرغما قال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه عليه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احبسه بمضيق الوادى حتى تمرّ به جنود الله قال ففعلت ومرت به القبائل معها راياتها ثم كانت قد عظم أمرها في نفسه فقال أبو سفيان للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك إبن أخيك عظيما فقال له العباس ويحك إنها النبوّة قال فنعم إذاً قلت ألحق الآن بقومك فحذّرهم فخرج أبو سفيان سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به قالوا وكيف السبيل قال من دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا ويحك وما تغنى عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ثم إن رسول الله
صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل مكة وضرب قبته بأعلى مكة وكانت راية النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمهاجرين مع الزبير فبعثه ومعه المهاجرون وخيلهم وأمره أن يدخل من أعلى مكة وأن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه ثم إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما اطمأن خرج بالناس حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكنّ له الناس في المسجد فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال اذهبوا أنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد كان الله أمكن منهم عنوة فبذلك سمى أهل مكة الطلقاء واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصفا فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وقد أحدق به الأنصار فقالوا ما بينهم أترون رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم به فقال ماذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم وأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة
(قوله خمس صلوات بوضوء واحد) حصل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على خلاف عادته الغالبة فإنه كان يتوضأ لكل صلاة كما تقدم ولذلك استغرب عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وفي هذا الحديث دلالة على جواز فعل الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز بإجماع من يعتدّ به (قال) الترمذى والعمل على هذا عند أهل العلم اهـ وقد تقدم بيان المذاهب في ذلك
(قوله صنعت اليوم شيئا) هو تأديته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلوات الخمس بوضوء واحد قيل والمسح على الخفين وليس بشئ لأن المسح على الخفين كان قبل الفتح وكان يعلمه عمر
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز تأدية الصلوات المفروضة بوضوء واحد، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان قبل هذا اليوم يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وعلى مشروعية المسح على الخفين، وعلى جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التى في ظاهرها مخالفة للعادة لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنه وقد تكون عمدا لمعنى خفى على المفضول فيستفيده، وعلى أنه ينبغى للمسئول إجابة السائل
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي والطحاوى في شرح معاني الآثار والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه من عدّة طرق وفي بعضها زيادة توضأ مرّة مرّة