الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب الجنب يؤخر الغسل)
أى يؤخر الغسل من الجنابة إلى آخر الليل أيسوغ له ذلك أم لا، وفي نسخة باب في الجنب الخ
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، ح وَثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثَنَا بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي آخِرِهِ» ، قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَمْ فِي آخِرِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ» ، قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً. قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ أَمْ يُخَافِتُ بِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ وَرُبَّمَا خَفَتَ» ، قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً
(ش)(رجال الحديث)
(قوله المعتمر) بن سليمان التيمى
(قوله برد) بضم الموحدة وسكون الراء (ابن سنان) يكسر السين المهملة الدمشقي أبو العلاء نزيل البصرة. روى عن وائلة بن الأسقع ونافع وعطاء ومكحول وآخرين. وعنه السفيانان والحمادان والأوزاعي وشريك النخعى وطائفة وثقة ابن معين والنسائى وأبو حاتم وقال كان صدوقا قدريا وقال مرّة ليس بالمتين وقال ابن المديني ضعيف وقال أبو زرعة لا بأس به، مات سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب
(قوله غضيف) بالغين والضاد المعجمتين مصغرا ويقال غطيف بالطاء المهملة (ابن الحارث) بن زنيم أبو أسماء السكوني الحمصى. أدرك زمان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واختلف في صحبته وقد روى عنه أنه قال مهما نسيت من الأشياء لم أنس أنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة روى عن عمر بن الخطاب وبلال وأبي ذرّ وأبى الدرداء وعائشة، وعنه مكحول وعبادة بن نسىّ وشرحبيل بن مسلم وعبد الرحمن بن عائذ وغيرهم، وثقه العجلى وابن سعد والدارقطني. مات
في زمن مروان بن الحكم. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه
(معنى الحديث)
(قوله أرأيت) أى أخبرينى فالاستفهام بمعنى الأمر وعبر به عنه لاشتراكهما في الطلب وعدل عن الحقيقة سلوكا للأدب كما تقدم
(قوله كان يغتسل) أى أكان فهو على تقدير الاستفهام وقد صرح به في بعض النسخ
(قوله وربما اغتسل في آخره) دليل على أن الجنب لا يجب عليه الغسل على الفور بل له أن يؤخره إلى آخر الليل فلا ينافي أن المبادرة به أفضل وأخره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تيسيرا على الأمة وبيانا للجواز
(قوله الله أكبر) قالها تعجبا واستعظاما لهذا الأمر وفرحا بسعته
(قوله الحمد لله الذى جعل في الأمر سعة) أى الحمد لله الذى جعل في الأمر سهولة فجعل الاغتسال من الجنابة على التراخى لا على الفور، وسعة بفتح السين المهملة ويجوز كسرها مصدر وسع من باب ورث وفتحت عين مضارعه لمناسبة حرف الحلق
(قوله ربما أوتر أول الليل الخ) اقتصرت عائشة في الجواب على الأول والآخر مجاراة لسؤال السائل وإلا فقد ورد عنها أنها قالت من كلّ الليل قد أوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر أخرجه الجماعة وسيأتي الكلام على الوتر في محله إن شاء الله تعالى
(قوله أم يخافت به) أى يسرّ وفى بعض النسخ أم يخفت به وخفت الصوت خفوتا من باب جلس ومخافتة إذا لم يرفع صوته، والظاهر أنه سأل عن قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلا أما قراءته نهارا فكانت معلومة لهم
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الغسل من الجنابة ليس واجبا على الفور. وعلى جواز تأدية الوتر أول الليل وآخره والأفضل تأخيره لمن اعتاد أن يقوم آخر الليل وتقديمه لمن لم يعتد القيام لما رواه ابن ماجه عن جابر رضى تعالى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من خاف منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أول الليل ثم ليرقد ومن طمع منكم أن يستيقظ من آخر الليل فليوتر من آخر الليل فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل. وعلى أن المتنفل بالليل مخير بين الجهر والإسرار في القراءة، وقد اختلف في أيهما أفضل فقيل الجهر وقيل الإسرار (قال) العينى والصحيح أنه مقيد باعتبار زمان القارئ ومكانه وحاله فيراعي الجهر والإخفاء بحسب هذا الاعتبار اهـ
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه في باب القراءة في صلاة الليل مقتصرا على الفصل الأخير والحاكم والبيهقى والنسائى مقتصرا على الفصل الأول
(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله شعبة) بن الحجاج
(قوله على بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء أبو مدرك النخعى الكوفى، روى عن عبد الرحمن بن يزيد النخعى وهلال ابن يساف وأبى زرعة وإبراهيم النخعى وغيرهم. وعنه الأعمش وشعبة والمسعودى، وثقه العجلى وابن معين والنسائى وابن حبان وأبو حاتم وقال صدوق. مات سنة عشرين ومائة، روى له الجماعة
(قوله عن أبى زرعة) اسمه هرم
(قوله عبد الله بن نجى) بضم النون وفتح الجيم مصغرا ابن أسد الحضرمى الكوفى، روى عن أبيه وعلى بن أبى طالب وحذيفة وعمار بن ياسر، وعنه أبو زرعة وجابر الجعفى وشرحبيل بن مدرك، قال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطنى ليس بالقوىّ في الحديث، روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه
(قوله عن أبيه) هو نجى بن أسد بن خليبة، روى عن على بن أبى طالب. وعنه ابنه عبد الله. ذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يعجبنى الاحتجاج بخبره إذا انفرد وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان قليل الحديث، روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه
(معنى الحديث)
(قوله لا تدخل الملائكة بيتا) أى مكانا يستقرّ فيه الشخص سواء أكان بناء أم خيمة أم غيرهما (والملائكة) جمع ملك وأصله ملأك على وزن مفعل نقلت حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة فصار ملك على وزن مفل فلما جمع ردّ إلى الأصل وقيل أصله مألك فقلب قلبا مكانيا فصار ملأك على وزن معفل فنقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها وحذفت فوزنه معل فلما جمع ردّ لأصله وهو مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة وقيل من الملك بفتح الميم وسكون اللام وهو الأخذ بقوّة والتاء في الجمع إما للمبالغة أو لتأنيث الجمع فإذا حذفت امتنع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، والملائكة أجسام لطيفة نورانية لا توصف بذكورة ولا بأنوثة فمن اعتقد أنهم ذكور فسق ومن اعتقد أنهم إناث كفر لا يشربون ولا يأكلون ولا يتناكحون ولا ينامون يقدرون على التشكل بأشكال مختلفة غير الخسيسة مسكن معظمها السماء ولا تحكم عليهم الصورة بخلاف الجن. وقد جاء في كثرتهم أحاديث (منها) ما أخرجه الترمذى وابن ماجه والبزّار عن أبى ذرّ مرفوعا أطت السماء وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد (ومنها) ما أخرجه الطبراني عن جابر مرفوعا أيضا ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كفّ إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد، والمراد بالملائكة في الحديث غير الحفظة وهم الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار أما الحفظة والكتبة فيدخلون كل بيت وكذا الموكلون
بقبض الأرواح
(قوله فيه صورة) أى تمثال أعمّ من أن يكون شاخصا أو نقشا أو دهانا أو نسجا في ثوب، والمراد بالصورة هنا ما كان على صورة الحيوان (وظاهر) الحديث يدلّ على أن الصورة مطلقا تمنع دخول الملائكة أعمّ من أن يكون لها ظل أم لا ممتهنة أم غير ممتهنة، وقيل إن الممتهنة التي لا ظلّ لها لا تمنع دخول الملائكة (قال) النووى والأظهر أنه عامّ في كل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الحديث اهـ (وقال) الزهرى النهى الذى ورد فيها على العموم سواء أكانت رقما في ثوب أم غير رقم وسواء أكانت في حائط أم ثوب أم بساط ممتهن أو غير ممتهن عملا بظاهر الحديث اهـ وامتنعت الملائكة من دخول البيت الذى فيه الصورة لأنها معصية لأن فيها مضاهاة لخلق الله عز وجل ولأن بعضها قد يكون في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وما تقدم ذكره بالنسبة لدخول الملائكة (أما التصوير) على هيئة الحيوان فاتفق العلماء على تحريمه سواء أصنع بما يمتهن أم بغيره له ظل أم لا للأحاديث الكثيرة الدالة على الوعيد الشديد فيه (منها) ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون (وما رواه) عنه أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم (وما رواه) أيضا عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من صوّر صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ (وأما تصوير) غير الحيوان من الشجر ونحوه فجائز لا فرق بين الشجر المثمر وغيره وعليه عامة العلماء لما رواه أحمد والترمذى والنسائى عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتاني جبريل فقال إني كنت أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل البيت الذى أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرام "ستر" فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال يقطع يصير كهيئة الشجرة واؤمر بالستر يقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن واؤمر بالكلب يخرج ففعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ولما رواه) مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني رجل أصوّر فأفتني فقال له ادن مني فدنا منه ثم قال ادن منى فدنا حتى وضع يده على رأسه قال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول كل مصوّر في النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فتعذبه في جهنم وقال إن كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له (وخالف) مجاهد فقال بكراهة الشجر المثمر لما رواه مسلم عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقى فليخلقوا ذرّة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة. لكن ما ذكره ليس بالقوىّ لأن هذا الحديث محمول على
خلق الحيوان جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على جواز تصوير الشجر (وأما ما رواه) ابن ماجه عن أبى أمامة أن امرأة أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستأذنته أن تصوّر في بيتها نخلة فمنعها أو نهاها (فضعيف) لأن في إسناده عفير بن معدان قال أبو حاتم يكثر عن سليم عن أبى أمامة بما لا أصل له وقال أحمد منكر الحديث ضعيف (وأما) اتخاذ ما فيه صورة حيوان بأن كان رقما فيه ففيه أقوال (الأول) الجواز مطلقا لما رواه مسلم عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبى طلحة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة قال بسر ثم اشتكى زيد بن خالد بعد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة قال، فقلت لعبيد الله الخولاني ألم يحدّثنا زيد في التصاوير قال عبيد الله ألم تسمعه قال إلا رقما في ثوب قلت لا قال بلى قد ذكر ذلك (الثاني) المنع مطلقا لإطلاق الأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك (الثالث) التفصيل فإن كانت الصورة ثابتة الهيئة قائمة الشكل غير ممتهنة حرمت وإن كانت مقطوعة الرأس أو مفرّقة الأجزاء أو ممتهنة جازت لما رواه الطحاوى عن أبي هريرة قال استأذن جبريل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ادخل فقال كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تماثيل خيل ورجال فإما أن تقطع رءوسها وإما أن تجعلها بساطا فإنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تماثيل، ولما رواه مسلم والطحاوى عن عائشة أنها كانت نصبت سترا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزعه فقطعته وسادتين قالت فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرتفق عليهما (وهذا القول) أرجح الأقوال لكثرة أدلته الصحيحة ولإمكان الجمع فيه بين الأدلة (وأما) اتخاذ الصورة ذات الجسم فحرام (قال) الزرقانى وهذا بالإجماع في غير لعب البنات اهـ (وقال) القاضى عياض إلا ما ورد من لعب البنات لصغار البنات والرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل لابنته ذلك، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن منسوخة بهذه الأحاديث اهـ والاحتياط ترك اتحاذ الصور كلها
(قوله ولا كلب) ظاهره عامّ في كل كلب سواء أذن في اتخاذه أم لا لأنه نكرة في سياق النفي وإلى العموم جنح القرطبى والنووى لعموم الحديث ولامتناع جبريل عليه السلام من دخول البيت الذى كان فيه الكلب مع كونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلم به (قال) النووى فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول اهـ أى إذا كان وجود الكلب مع عدم العلم به مانعا من دخول الملائكة فبالأولى وجوده عن عمد لنحو الحراسة (وذهب) الخطابي وجماعة إلى استثناء الكلب الذى أذن في اتخاذه للحراسة (واختلف) في سبب امتناع الملائكة من دخول بيت فيه كلب فقيل لكون الكلاب نجسة العين ويؤيده ما جاء في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بنضح موضع الكلب
وقيل لكونها من الشياطين والملائكة ضدّ الشياطين، وقيل لأنها تأكل النجاسة وتتلطخ بها فينجس ما تعلقت به وعلى هذا يحمل قول من قال إن الكلب غير نجس العين ينضح موضعه على الاحتياط لأن النضح مشروع لتطهير المشكوك فيه، ولقائل أن يقول إن امتناع الملائكة من دخول البيت الذى فيه كلب أمر غير معقول لنا إذ كل التعليلات التي ذكرت غير مسلمة إذ الخنزير أولى بامتناع الملائكة بوجوده وكذلك النجاسات الأخر مع أنه لم يرد نص عن الشارع يدل على امتناع دخول الملائكة بشئ من ذلك
(قوله ولا جنب) ظاهره العموم أيضا فيشمل من أصابته الجنابة أول الليل وأخر الغسل إلى آخره لكن هذا العموم ليس مرادا بل المراد به من يتعوّد ترك الغسل ويتهاون فيه إلى أن يخرج وقت الصلاة (قال) الخطابي لم يرد بالجنب ها هنا من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكن يجنب فلا يغتسل ويتهاون به ويتخذ تركه عادة فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد وفي هذا تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوده اهـ، أما الجنب الذى لا يتخذ ذلك عادة له ولا يترك الاغتسال إلى أن يخرج وقت الصلاة فلا يمنع دخول الملائكة البيت لما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل تارة أول الليل وتارة آخره ومن أنه رخص للجنب أن ينام قبل أن يغتسل ولما سيأتى للمصنف عن عائشة من أنه كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء (والحكمة) في امتناع الملائكة من دخول البيت الذى فيه الجنب المتهاون بالجنابة أنه بعيد عن العبادة ممتنع من التلاوة
(فقه الحديث) دلّ الحديث على التنفير من اتخاذ الكلب والتصاوير على ما تقدم بيانه وعلى أن التهاون في الغسل من الجنابة مانع للخير الكثير والبركة
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم وابن ماجه ومالك في الموطأ والطحاوى في شرح معاني الآثار بدون ذكر الجنب وأخرجه النسائى والبيهقي بلفظ المصنف
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً» .
(ش)(قوله سفيان) الثورى. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى و (الأسود) بن يزيد
(قوله من غير أن يمسّ ماء) أى لا لغسل ولا لوضوء وهو لا ينافي ما تقدّم من استحباب الوضوء قبل النوم لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك مسّ
الماء لبيان الجواز (قال) النووى في شرح مسلم إن صح هذا الحديث لم يكن مخالفا للروايات الأخر من أنه كان يتوضأ ثم ينام بل كان له جوابان "أحدهما" جواب الإمامين الجليلين أبى العباس ابن شريح وأبى بكر البيهقى أن المراد لا يمس ماء للغسل "والثاني" وهو عندى حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز نوم الجنب من غير وضوء ولا غسل
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى وابن ماجه والطحاوى والبيهقى وقد علمت أن فيه مقالا وأن جماعة قد صححوه
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ:«هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ» يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ
(ش) غرض المصنف بهذا بيان حال الحديث السابق
(قوله الحسن بن على) بن راشد نزيل البصرة. روى عن المعتمر بن سليمان وابن المبارك ويزيد بن هارون وجماعة. وعنه أبو زرعة وأبو بكر البزار والحسن بن سفيان والساجى وآخرون. قال ابن حبان مستقيم الحديث جدّا وقال ابن عدى لم أر بحديثه بأسا إذا حدّث عنه ثقة ولم أسمع أحدا قال فيه شيئا فنسبه إلى ضعف غير عباس العنبرى. مات سنة سبع وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى. و (الواسطى) نسبة إلى واسط وهي عدة مواضع واسط الحجاج وواسط الحجاز وواسط الجزيرة وواسط اليمامة وواسط العراق ولعلّ التى نسب إليها الحسن بن على واسط الحجاج كما تقدم من أنه نزل البصرة
(قوله هذا الحديث وهم) أى الحديث السابق غلط وكذا قال جماعة ففى الترمذي "وقد" روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يتوضأ قبل أن ينام وهذا أصح من حديث أبى إسحاق عن الأسود وقد روى عن أبى إسحاق هذا الحديث شعبة والثورى وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبى إسحاق اهـ ووجه غلط أبى إسحاق أنه اختصر حديثه هذا من حديث طويل فأخطأ في اختصاره "وقد" ذكره الطحاوى مطوّلا عن أبى إسحاق قال أتيت الأسود بن يزيد وكان لى أخا وصديقا فقلت يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينام أول الليل ويحيى آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمسّ ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وما قالت قام فأفاض عليه الماء وما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن كان جنبا توضأ
وضوء الرجل للصلاة "وأخرج" مسلم والبيهقى نحوه (قال) الطحاوى فهذا الأسود بن يزيد قد أبان في حديثه أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وأما قولها فإن كان له حاجة قضاها ثم ينام قبل أن يمسّ ماء فيحتمل أن يكون مرادها أنه لم يغتسل فلا ينافي أنه كان يتوضأ وقد بين ذلك غير أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة وذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا بشير بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب يتوضأ ثم روى عن الأسود من رأيه مثل ذلك ثنا روح بن الفرج ثنا يوسف بن عدى ثنا أبو الأحوص عن مغيرة عن إبراهيم قال قال الأسود إذا أجنب الرجل فأراد أن ينام فليتوضأ فاستحال عندنا أن تكون عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قد حدثته عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه كان ينام ولا يمسّ ماء ثم يأمرهم بعد ذلك بالوضوء. ولكن الحديث في ذلك ما رواه إبراهيم وبعد ما ذكر ما يؤيد رواية إبراهيم السابقة قال فثبت بما ذكرنا فساد ما روى عن أبى إسحاق عن الأسود مما ذكرنا وثبت ما روى إبراهيم عن الأسود اهـ ببعض تصرّف (وقال) ابن العربى في العارضة بعد أن ذكر حديث أبى إسحاق بطوله فهذا الحديث الطويل فيه وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة فهذا يدلك على أن قوله فإن كان له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمسّ ماء يحتمل أحد وجهين إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجى ولا يمسّ ماء وينام فإن وطئَ توضأ كما في آخر الحديث، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله ثم ينام ولا يمسّ ماء يعنى ماء الاغتسال ومتى لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تنافض أوله وآخره فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم اهـ كلام ابن العربى (أقول) لكن الحديث رواه ابن ماجه عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة من عدّة طرق كرواية المصنف (منها) أنها قالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن كانت له إلى أهله حاجة قضاها ثم ينام كهيئته لا يمسّ ماء (ومنها) أنها قالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمسّ ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل، وقد صحح جماعة هذا الحديث منهم الدارقطني فإنه قال يشبه أن يكون الخبران صحيحين لأن عائشة قالت ربما قدّم الغسل وربما أخره كما حكى ذلك غضيف وعبد الله بن أبي قيس وغيرهما عن عائشة وأن الأسود حفظ ذلك عنها فحفظ أبو إسحاق عنه تأخير الوضوء والغسل وحفظ إبراهيم وعبد الرحمن تقديم الوضوء على الغسل (وعنهم) البيهقى وملخص كلامه أن حديث أبى إسحاق صحيح من جهة الرواية وذلك أنه