المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في الوضوء من لحوم الإبل) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٢

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الوضوء ثلاثا ثلاثا)

- ‌(باب الوضوء مرتين)

- ‌(باب الوضوء مرّة مرّة)

- ‌(باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق)

- ‌(باب في الاستنثار)

- ‌(باب تخليل اللحية)

- ‌(باب المسح على العمامة)

- ‌(باب غسل الرجلين)

- ‌(باب المسح على الخفين)

- ‌(باب التوقيت في المسح)

- ‌(باب المسح على الجوربين)

- ‌(باب كيف المسح)

- ‌(باب في الانتضاح)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا توضأ)

- ‌(باب الرجل يصلى الصلوات بوضوء واحد)

- ‌(باب تفريق الوضوء)

- ‌(باب إذا شك في الحدث)

- ‌(باب الوضوء من القبلة)

- ‌(باب الوضوء من مس الذكر)

- ‌(باب في الوضوء من لحوم الإبل)

- ‌(باب الوضوء من مس اللحم النيء وغسله)

- ‌(باب في ترك الوضوء من مس الميتة)

- ‌(باب في ترك الوضوء مما مست النار)

- ‌(باب الوضوء من اللبن)

- ‌(باب الوضوء من الدم)

- ‌(باب في الوضوء من النوم)

- ‌(باب في الرجل يطأ الأذى)

- ‌(باب فيمن يحدث في الصلاة)

- ‌(باب في المذى)

- ‌(باب مباشرة الحائض ومؤاكلتها)

- ‌(باب في الإكسال)

- ‌(باب في الجنب يعود)

- ‌(باب الوضوء لمن أراد أن يعود)

- ‌(باب في الجنب ينام)

- ‌(باب من قال الجنب يتوضأ)

- ‌(باب الجنب يؤخر الغسل)

- ‌(باب في الجنب يقرأ القرآن)

- ‌(باب في الجنب يصافح)

- ‌(باب في الجنب يدخل المسجد)

- ‌(باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس)

الفصل: ‌(باب في الوضوء من لحوم الإبل)

عن ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ ولم يذكر فيه لفظ في الصلاة، ورواه أيضا عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بزيادة لفظ في الصلاة وكذا رواه هشام بن حسان ومن معه عن محمد بن جابر وفي بعض النسخ إسقاط قوله بإسناده ومعناه قال في الصلاة. وكذا ليست في رواية أبن ماجه ورواية للدارقطنى ورواية للطحاوى من طريق محمد بن جابر. وفي زيادة لفظ في الصلاة إشارة إلى أن مسه كان بحائل كما تقدّم عن الخطابى

(من أخرج هذه التعاليق أيضا) أخرج الطحاوى طريق سفيان عن محمد بن جابر بسنده إلى طلق أنه سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفي مس الذكر وضوء قال لا وأخرج طريق مسدد عن محمد بن جابر ولم نقف على من وصل بقية التعاليق، وأخرج نحوه ابن ماجه من طريق وكيع عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق، وأخرج الدارقطني عن إسحاق ابن إسرائيل عن محمد بن جابر وقال قال ابن أبى حاتم سألت أبى وأبا زرعة عن حديث محمد بن جابر هذا فقال قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه اهـ ومحمد بن جابر ضعيف كما تقدم

(باب في الوضوء من لحوم الإبل)

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ:«تَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ:«لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا» ، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ:«لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ:«صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عبد الله بن عبد الله الرازى) أبو جعفر الهاشمى مولاهم الكوفي. روى عن جابر بن سمرة وعبد الرحمن بن أبى ليلى وسعيد بن جبير. وعنه فطر بن خليفة

ص: 200

وحجاج بن أرطاة والأعمش وغيرهم، وثقه أحمد والعجلى ويعقوب بن سفيان والهذلى. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه

(قوله البراء بن عازب) بن على بن جشم الأنصارى الأوسى أبو عمارة، له ولأبيه صحبة أخرج أحمد عن البراء قال استصغرنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم بدر أنا وابن عمر فردنا فلم نشهدها. وروى السراج عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع عشرة غزوة وفي رواية خمس عشرة وإسناده صحيح. وعنه قال سافرت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية عشر سفرا أخرجه أبو ذرّ الهروى، فتح الرىّ سنة أربع وعشرين وشهد مع على واقعة الجمل وصفين وقتال الخوارج ونزل الكوفة وابتنى بها دارا. ومات في إمارة مصعب بن الزبير سنة اثنتين وسبعين. وقد روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة وثلثمائة حديث اتفق البخارى ومسلم على اثنين وعشرين حديثا وانفرد البخارى بخمسة عشر ومسلم بستة. روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وغيرهم من أكابر الصحابة. وروى عنه من الصحابة أبو جحيفة وعبد الله بن يزيد الخطمى وطائفة. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل) أى من أكل لحوم الإبل فهو على تقدير مضاف، وفي رواية مسلم عن جابر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل قال أصلى في مرابض الغنم قال نعم قال أصلى في مبارك الإبل قال لا

(قوله توضؤوا منها) أى وضوءا شرعيا إذ الحقائق الشرعية في كلام الشارع مقدمة على غيرها عند الإطلاق

(والحديث) يدلّ على أن الأكل من لحوم الإبل نقض للوضوء وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا وحكى عن جماعة من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم أجمعين. واحتج هؤلاء بحديث الباب، وبحديث مسلم عن جابر بن سمرة الذى تقدم (قال) النووى في شرح مسلم قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه اهـ وقال الدميرى إنه المختار المنصور من جهة الدليل اهـ وفي التلخيص قال البيهقى حكى بعض أصحابنا عن الشافعى قال إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به، قال البيهقى قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء اهـ (قال) الدهلوى في حجة الله البالغة والسرّ في إيجاب الوضوء من لحوم الإبل على قول من قال به أنها كانت محرمة في التوراة واتفق جمهور أنبياء بنى إسراءيل على تحريمها فلما أباحها الله لنا شرع

ص: 201

الوضوء منها لمعنيين (أحدهما) أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا (وثانيهما) أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من إباحتها بعد ما حرّمها الأنبياء من بني إسرائيل فإن النقل من التحريم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب لاطمئنان نفوسهم اهـ ببعض تصرّف (وذهب) الأكثرون إلى أن أكل لحوم الإبل غير ناقض للوضوء منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبىّ بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأصحابهم وقالوا المراد بالوضوء في الحديث الوضوء اللغوى لا الشرعي لأن في لحوم الإبل دسومة لا توجد في غيرها (قال) الخطابى تأوّل عامة الفقهاء الوضوء على الوضوء الذى هو النظافة ونقى الدسومة، ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدّة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم كما روى توضؤوا من لحوم الإبل فإن له دسما فكان معنى الوضوء منصرفا إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذى هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه اهـ ويؤيده ما روى عن ابن مسعود وعلقمة أنهما خرجا يريدان الصلاة فجيء بقصعة من بيت علقمة فيها ثريد ولحم فأكلا فمضمض ابن مسعود وغسل أصابعه ثم قام إلى الصلاة. وعن ابن مسعود قال لأن أتوضأ من الكلمة المنتنة أحب إلىّ من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة. وعن أبان بن عثمان أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أكل خبزا ولحما وغسل يديه ثم مسح بهما وجهه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن عبيد بن حنين قال رأيت عثمان أتى بثريد فأكل ثم تمضمض ثم غسل يده ثم قام فصلى للناس ولم يتوضأ. وعن سعيد بن جبير أن ابن عباس أتى بجفنة من ثريد ولحم عند العصر فأكل منها فأتى بماء فغسل أطراف أصابعه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن أبى نوفل بن أبى عقرب الكناني قال رأيت ابن عباس أكل خبزا رقيقا ولحما حتى سال الودك على أصابعه فغسل يده وصلى المغرب أخرج هذه الآثار كلها الطحاوى فهؤلاء العظماء من الصحابة لما لم يتوضؤوا من أكل ما مسته النار وضوءا اصطلاحيا واكتفوا بالوضوء اللغوى علم بذلك أن المراد هنا بالوضوء الوضوء اللغوى لا الاصطلاحى وعلى فرض أن المراد الوضوء الاصطلاحى فقد نسخ بما رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه وسيأتى للمصنف عن جابر أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما مست النار فقد دلّ على تحقيق الوضوء والترك مما مست النار وأن الترك كان آخر الأمرين فارتفع وجوبه ولذا قال الترمذى وكان هذا الحديث ناسخ لحديث الوضوء مما مست النار، ولما كان لحم الإبل فردا مما مسته النار وقد نسخ وجوب الوضوء منه بجميع أفراده فاستلزم نسخ وجوبه من لحم الإبل (فما قاله) النووى من أن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص والخاص مقدّم على العام (مندفع) بأنا لا نسلم أن نسخه لكونه خاصا

ص: 202

بل لأنه فرد من أفراد العام الذى نسخ وإذا نسخ العام الذى هو وجوب الوضوء مما مست النار نسخ كل فرد من أفراده ومنه لحم الإبل (قال) الطحاوى في شرح معانى الآثار قد فرق قوم بين لحوم الغنم ولحوم الإبل فأوجبوا في أكل لحوم الإبل الوضوء ولم يوجبوا ذلك في أكل لحوم الغنم واحتجوا في ذلك بما روى عن جابر بن سمرة قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قيل أفنتوضأ من لحوم الغنم قال لا وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب الوضوء للصلاة بأكل شئ من ذلك وكان من الحجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون الوضوء الذى أراده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو غسل اليد، وفرق قوم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك لما في لحوم الإبل من الغلظ ومن غلبة ودكها على يد آكلها فلم يرخص في تركه على اليد وأباح أن لا يتوضأ من لحوم الغنم لعدم ذلك منها وقد روينا في الباب الأول في حديث جابر أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار فإذا كان ما تقدم منه هو الوضوء مما مست النار وفي ذلك لحوم الإبل وغيرها كان في تركه ذلك ترك الوضوء من لحوم الإبل فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار (وأما) من طريق النظر فإنا قد رأينا الإبل والغنم سواء في حلّ بيعهما وشرب لبنهما وطهارة لحومها وأنه لا تفترق أحكامهما في شئ من ذلك فالنظر على ذلك أنهما في أكل لحومهما سواء فكما كان لا وضوء من أكل لحوم الغنم فكذلك لا وضوء في أكل لحوم الإبل اهـ (وأقوى) أجوبة القائلين بعدم النقض الجواب بالنسخ ويؤيده اتفاق الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم على عدم النقض ويبعد أن يتفقوا على خلاف الحق في مثل هذا وهو مما تعمّ به البلوى (وما قاله) في النيل من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير ناسخ للقول الخاص بنا (محله) إذا قام دليل صريح على الخصوصية ولا دليل هنا والقول بأن الخاص مقدّم على العام وليس منسوخا به إنما يتمشى على رأى من يقول بتقديمه عليه ولو تأخر العام أما على رأى من يقول إن العام المتأخر ناسخ فيكون حديث ترك الوضوء مما مست النار ناسخا لأحاديث الوضوء من أكل لحوم الإبل (وقول ابن القيم) من يجعل كون لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أم لم تمسه فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده فكيف يحتج عليه بهذا الحديث اهـ "يعنى حديث جابر"(مردود) بأنه يلزم عليه أن يجعل حديث الباب شاملا للأكل والمس أيضا لأنه كما أنه غير مقيد بكونه مطبوخا غير مقيد بالأكل ولما جعله شاملا للمطبوخ وغيره لزمه أن يجعله شاملا للأكل والمس ولا قائل بنقض الوضوء من مس اللحم

(قوله لا توضؤوا منها) أى لا يلزمكم أن تتوضؤوا من أكل لحوم الغنم لما في رواية مسلم من حديث جابر بن سمرة السابقة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن شئت فتوضأ وإن شئت

ص: 203

فلا تتوضأ فالنهى في رواية المصنف لرفع وجوب الوضوء الشرعي من أكل لحوم الغنم فلا ينافي طلب الوضوء اللغوى

(قوله وسئل عن الصلاة الخ) أى عن حكم الصلاة في مبارك الإبل والمبارك جمع مبرك مثل جعفر موضع بروك الإبل يقال برك البعير بروكا من باب قعد وقع على بركه أى صدره وأبركته أنخته

(قوله لا تصلوا في مبارك الإبل) وفى رواية الترمذى في أعطان الإبل والأعطان جمع عطن وهو موضع بروك الإبل حول الماء فقط بخلاف المبرك فإنه أعمّ فكل عطن مبرك ولا عكس

(قوله فإنها من الشياطين) تعليل للنهى عن الصلاة فيها. وفي رواية ابن ماجه فإنها خلقت من الشياطين، وفي رواية أحمد لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الجنّ ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت، وفى رواية الشافعى فإنها جنّ خلقت من جنّ (وظاهر) هذه الروايات كلها أن الإبل من نسل الشياطين وأنها أنفسها شياطين وذلك لترّدها ونفارها (قال) في القاموس والشيطان معروف وكل عاد متمرّد من إنس أو جنّ أو دابة اهـ ويحتمل أن المراد أنها تعمل عمل الشياطين لأن الأبل كثيرة الشراد فتشوّش قلب المصلى فتشغله عن الخشوع في الصلاة وربما نفرت وهو فيها فتؤدى إلى قطعها فهى مشبهة بالشياطين في النفرة والتشويش. ويؤيده ما جاء من أن الشياطين مقارنة لها فقد روى النسائى وأحمد من حديث حمزة بن عمرو الأسلمى مرفوعا "على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله" قال الخطابي إنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفارا وشرادا لا يؤمن أن يتخبط المصلى إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته وهذا المعنى مأمون في الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار اهـ ويحتمل أن الضمير في قوله إنها عائد على المبارك فيكون على تقدير مضاف أى فإنها من مأوى الشياطين لأنها تأوى إلى المزابل والمواضع التي فيها القذر ومن جملتها مبارك الإبل "فإن قلت" إن مرابض الغنم فيها الزبل أيضا "قلت" قد عللها صاحب الشرع بأن فيها بركة وكل موضع فيه بركة لا تأوى إليه الشياطين. وقد ورد "ما بعث الله نبيا إلا رعي الغنم" رواه البخارى (وظاهر الحديث) يدلّ على تحريم الصلاة في معاطن الإبل وإليه ذهب ابن حزم والظاهرية وأحمد وقال لا تصح بحال ومن صلى في عطن إبل أعاد أبدا (وذهب) الجمهور إلى كراهة الصلاة فيها (وظاهر) التعليل أن محل النهى عن الصلاة فيها حال وجود الإبل فإذا لم تكن موجودة وأمنت النجاسة فلا نهى لعموم حديث أبي ذرّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "جعلت لى الأرض طهورا ومسجدا" رواه المصنف في باب المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة وحديث "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ" رواه البخارى ولأن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وغيره من الصحابة رووا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى إلى بعيره وأيضا كان يصلى على راحلته (وقد) ذكر

ص: 204

الطحاوى رسالة كتبها عبد الله بن نافع إلى الليث بن سعد وفيها وقد كان ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما ومن أدركنا من خيار أهل أرضنا يعرض أحدهم ناقته بينه وبين القبلة فيصلى إليها وهي تيعر وتبول (قال) الإمام الشافعى رحمه الله تعالى في الأمّ وفي قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جنّ من جنّ خلقت، دليل على أنه إنما نهى عنها كما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين نام عن الصلاة اخرجوا بنا من هذا الوادى فإنه واد به شيطان فكره أن يصلى في قرب الشيطان فكان يكره أن يصلى قرب الإبل لأنها خلقت من جنّ لا لنجاسة موضعها اهـ وهذا التفصيل إن عاد الضمير في قوله إنها على الإبل فإن عاد على المبارك وهو الظاهر كما قالت المالكية والشافعية والحنفية فهى منهىّ عن الصلاة فيها مطلقا

(قوله في مرابض الغنم) جمع مرابض مثل مجلس وهو مأواها ليلا وقيل مأواها عند الماء

(قوله فقال صلوا فيها) أى في المرابض، والأمر للإباحة لا للوجوب اتفاقا كما قاله العراقي

(قوله فإنها بركة) أى ذات بركة، وفى نسخة فإنها مباركة وهو تعليل لإباحة الصلاة في مرابض الغنم، والمراد منه التفرقة بين الغنم والإبل بأن الغنم ليس فيها تمرّد ولا شراد كالإبل بل فيها بركة وسكينة فلا تؤذى المصلى ولا تؤدى إلى قطع صلاته (وقد تمسك) بحديث الباب العترة والنخعى والأوزاعي والزهرى والحكم والثورى وعطاء ومالك وأحمد ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والإصطخرى والروياني على طهارة أبوال الغنم وأبعارها وقالوا لأن مرابضها لا تخلو عن ذلك "فإن قيل" لا دلالة في الحديث على مباشرة الأبوال والأزبال بل فيه تعليل إباحة الصلاة في مرابض الغنم بأنها بركة وهو كناية عن كونها لا تؤذى كالإبل "قلنا" الغالب أن من صلى في مثل هذا الموضع لا يأمن من أن يصيبه شئ من أبوالها وأزبالها ولو كان نجسا لبينه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جواب السائل لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ولما أمر بالصلاة فيها لأن محل النجاسات مأوى الشياطين فاقتصاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في البيان على ما ذكر دليل على عدم نجاستها. ويؤيده ما أخرجه البخارى والترمذى عن أنس قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم. ومثل الغنم الإبل وكل ما يؤكل لحمه قياسا على الغنم، والنهى عن الصلاة في مبارك الإبل لا لنجاستها بل لنفارها كما تقدم. وقد بوّب البخارى في صحيحه لذلك وقال باب أبوال الإبل والدوابّ والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية إلى جنبه فقال هاهنا وثمّ سواء اهـ وهذا الأثر وصله أبو نعيم قال حدثنا الأعمش عن مالك بن الحويرث عن أبيه قال صلى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين الدوابّ والبرية على الباب فقالوا لو صليت على الباب فقال هاهنا وثمّ سواء "ودار البريد موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من

ص: 205

الخلفاء إلى الأمراء" وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وعثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما والسرقين بكسر السين المهملة وإسكان الراء الزبل، والبرية الصحراء منسوبة إلى البرّ، وقول أبي موسى هاهنا وثمّ سواء: يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة فيهما (ثم ذكر) البخارى حديث أنس في قصة أناس من عرينة الذين أمرهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يلحقوا بلقاح الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها وهو دليل ظاهر على طهارة أبوال الإبل أيضا (قال) الحافظ في الفتح أما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخرى والروياني (واحتج) ابن المنذر على الطهارة بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة قال ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بالدليل قال "وفي ترك" أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير "دليل" على طهارتها (قلت) وهو استدلال ضعيف لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدلّ ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته (وقال) ابن العربى تعلق بهذا الحديث "يعنى حديث العرنيين" من قال بطهارة أبوال الإبل وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوى (وتعقب) بأن التداوى ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب (وأجيب) بمنع أنه ليس حال ضرورة بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى "وقد فصل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله تعالى أعلم (وما تضمنه) كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب (غير مسلم) فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك يباح لأمر جائز كالسفر (وأما) قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوى به لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرّم عليها" رواه أبو داود من حديث أم سلمة والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء (فجوابه) أن الحديث محمول على حالة الاختيار (وأما) حالة الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر (ولا يرد) قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخمر "إنها ليست بدواء إنها داء" في جواب من سأله عن التداوى بها فيما رواه مسلم فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق به غيره من المسكر، والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحدّ يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولأن شربه يجرّ إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم (وأما) أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا "إن في أبوال الإبل شفاء للذربة

ص: 206

بطونهم" والذّرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفى الدواء عنه (وبهذه) الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها اهـ كلام الفتح ملخصا (ومنه) علم أن الإذن بالتداوى بأبوال الإبل إنما هو باعتبار الضرورة فلا يفيد طهارتها، ولو سلم فالتداوى إنما وقع بأبوال الإبل فيكون خاصا بها ولا يجوز إلحاق غيره به "أفاده في النيل" (ولا يرد) على من قال بطهارة الرّوث والبعرة من المأكول ما أخرجه البخارى وغيره عن عبد الله بن مسعود قال "أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس" أى نجس (لأنه) قد صرّح ابن خزيمة في صحيحه في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار فلا يتمّ الاستدلال به على نجاسة عموم الروثة. على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علل النهى عن الاستنجاء بالرّوثة مطلقا بكونها من طعام الجنّ كما تقدم في الأحاديث الكثيرة الصحيحة (وذهبت) الحنفية وأكثر الشافعية والجمهور إلى نجاسة الأبوال والأرواث كلها لا فرق بين مأكول اللحم وغيره واستدلوا بعموم حديث أبي هريرة مرفوعا "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" رواه الدارقطنى والحاكم وصححه (وقال) الحافظ في الفتح صححه ابن خزيمة وغيره اهـ وهو ظاهر في تناول جميع الأبوال وبما رواه البخارى ومسلم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول الخ قالوا فعمّ جنس البول ولم يخصه ببول الإنسان ولا أخرج عنه بول المأكول (وأجيب) عنه بأن أل في البول للعهد والمعهود بول الإنسان لما في رواية أخرى للبخارى كان لا يستتر من بوله (قال) ابن بطال أراد البخارى أن المراد بقوله كان لا يستتر من البول بول الإنسان لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان (قال) في النيل والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكا بالأصل واستصحابا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعيّ ناقل عن الحكم الذى يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدّعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا كذلك وغاية ما جاءوا به حديث صاحب القبر وهو مع كونه مرادا به الخصوص كما سلف عمومه ظنى الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة "فإن قلت" إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبله لما تقدم حتى يرد دليل فما الدليل على نجاسة بول غير المأكول وزبله على العموم "قلت" قد تمسكوا بحديث إنها ركس قاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الرّوثة أخرجه البخارى والترمذى والنسائى، وبما تقدم في بول الآدمى وألحقوا سائر الحيوانات التي لا تؤكل به بجامع عدم الأكل وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن علة النجاسة عدم

ص: 207