الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابور ثم الأهواز. روى عن أنس والشعبى وعمر بن عبد العزيز وأبى بردة ونافع وغيرهم وعنه الثورى وشعبة وأبو بشر وهشام، قال ابن المديني له نحو ثلاثين حديثا ووثقه ابن معين وابن حبان وأبو حاتم والنسائى وقال الأزدى منكر الحديث. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى
(معنى الحديث)
(قوله ولم يتوضأ) أى وضوءا شرعيا (والحديث) دليل على جواز ترك المضمضة والوضوء الشرعي من شرب اللبن (قال) العينى في شرح البخارى قال أبو جعفر الطحاوى والحديث يدلّ على نسخ المضمضة (وقال) صاحب التلويح يخدش فيه ما رواه أحمد بسنده عن أنس أنه كان يمضمض من اللبن ثلاثا فلو كان منسوخا لما فعله أنس بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قلت) لا يلزم من فعله هذا والصواب في هذا أن الأحاديث التى فيها الأمر بالمضمضة أمر استحباب لا وجوب. والدليل ما رواه أبو داود "يعنى حديث الباب" وما رواه الشافعى بإسناد حسن عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرب لبنا فلم يمضمض ولم يتوضأ "فإن قلت" ادعى ابن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس "قلت" لم يقل به أحد ومن قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ اهـ كلام العينى
(قوله قال زيد الخ) أى قال زيد بن الحباب أرشدني شعبة بن الحجاج أحد أئمة الجرح والتعديل على هذا الشيخ يعني مطيع بن راشد، وغرض المؤلف بهذا توثيق مطيع والردّ على من زعم جهالته فإن شعبة لا يدلّ إلا على ثقة ولذا قال ابن حجر إسناده حسن
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز ترك الوضوء اللغوى والشرعى من شرب اللبن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى
(باب الوضوء من الدم)
أى في بيان حكم الوضوء من الدم الخارج من الشخص سائلا كان أو غير سائل أيجب منه الوضوء أم لا
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ - فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنِّي لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ:«كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ» ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُلُ فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ أَنْبَهَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى، قَالَ: كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا
(ش)(رجال الحديث)
(قوله ابن المبارك) هو عبد الله
(قوله صدقة بن يسار) الجزرى نزل مكة. روى عن الزهرى والقاسم بن محمد وطاوس بن كيسان وسعيد بن جبير وغيرهم وعنه ابن جريج ومالك والثورى وشعبة وابن إسحاق والسفيانان وآخرون، وثقه أحمد وأبو داود وابن معين والنسائى ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد توفي في أول خلافة بني العباس وكان ثقة قليل الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه
(قوله عقيل) بفتح العين المهملة (ابن جابر) بن عبد الله الأنصارى. روى عن أبيه. وعنه صدقة بن يسار وجابر البياضى، وثقه ابن حبان وقال الذهبى فيه جهالة ما روى عنه سوى صدقة بن يسار. روى له أبو داود
(معنى الحديث)
(قوله يعنى في غزوة ذات الرقاع) هذه من زيادة بعض الرواة لا من كلام جابر وذات الرّقاع بكسر الراء. وفي رواية الحاكم في غزوة الرّقاع من نخل وكانت سنة أربع من الهجرة وذكر البخارى أنها كانت بعد خيبر، وسميت الغزوة باسم شجرة هناك وقيل باسم جبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة يقال له الرقاع وقيل سميت بذلك لرقاع كانت في ألويتهم وقيل لأن أقدامهم نقبت فلفوا عليها الخرق وهذا هو الصحيح لما رواه البخارى ومسلم عن أبي موسى الأشعرى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماى وسقطت أظفارى فكنا نلفّ على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا
(قوله فأصاب رجل الخ) أى قتل مسلم امرأة رجل مشرك أو أسرها فحلف المشرك أن لا أكفّ ولا أرجع عن الانتقام حتى أريق وأصيب دما الخ والهاء في أهريق زائدة، وفي رواية الحاكم فلما انصرف رسول الله
صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قافلا أتي زوجها وكان غائبا فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهى الخ
(قوله من رجل يكلؤنا) أى أىّ رجل يحرسنا ويحفظنا فمن استفهامية (قال) في المصباح كلأه الله يكلؤه مهموز بفتحتين كلاءة بالكسر والمدّ حفظه ويجوز التخفيف اهـ
(قوله فانتدب رجل الخ) أى أجاب يقال ندبه إلى الأمر فانتدب وانتدبته للأمر فانتدب أى دعوته له فأجاب يستعمل لازما ومتعدّيا، والمهاجرى عمار بن ياسر والأنصارى عباد بن بشر سماهما البيهقي في روايته في دلائل النبوة وقيل الأنصارى عمارة بن حزم
(قوله كونا بفم الشعب) بكسر الشين المعجمة الطريق مطلقا وقيل الطريق في الجبل وجمعه شعاب وفم الشعب أعلاه
(قوله فلما خرج الرجلان الخ) وفي رواية الحاكم فلما أن خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الأنصارى للمهاجرى أىّ الليل أحبّ إليك أن أكفيكه قال اكفنى أوله فاضطجع المهاجرى الخ
(قوله فلما رأى شخصه الخ) أى فلما رأى المشرك ذات الأنصارى عرف أنه طليعة للقوم، والشخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد ثم استعمل في ذاته (قال) الخطابى ولا يسمى شخصا إلا جسم مؤلف له شخوص وارتفاع اهـ والربيئة بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الهمزة طليعة القوم ينظر لهم لئلا يدهمهم عدوّ وهو لا يكون إلا على جبل أو شرف ينظر منه من ربأ يربأ من باب فتح يفتح يقال يربأ أهله أى يحفظهم من عدوّهم وارتبأت الجبل صعدته
(قوله فرماه بسهم الخ) أى رمى المشرك الأنصارىّ بسهم فأصابه وتمكن منه كأنه وضعه فيه بيده ونزع الأنصارى السهم من جسده واستمرّ في صلاته حتى تكرّر ذلك ثلاثا. وفي بعض النسخ ونزعه حتى قضى ثلاثة أسهم أى حتى كملها لأن القضاء يطلق في اللغة على معان مرجعها إلى انقطاع الشئ وتمامه. وفي رواية الحاكم فرماه بسهم فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه وثبت قائما ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه فنزعه فوضعه وثبت قائما ثم عاد له الثالثة فوضعه فيه فنزعه
(قوله ثم ركع) أى تمادى الأنصارى ولم يقطع صلاته لاشتغاله بلذتها عن مرارة ألم الجرح
(قوله ثم أنبه صاحبه) أى أيقظه وفي نسخة ثم انتبه، وفي رواية الحاكم والبيهقي ثم أهبّ صاحبه فقال اجلس فقد أثبتّ أى جرحت
(قوله فلما عرف الخ) أى لما عرف المشرك أن القوم علموا به هرب، ونذر كعلم وزنا ومعنى يقال نذرت به إذا علمته بخلاف الإنذار فإنه الإعلام مع تخويف
(قوله سبحان الله) هو في الأصل مصدر غير متصرّف منصوب بفعل محذوف أى أسبح الله سبحانا أى أنزه الله وأقدّسه تقديسا والمقصود منه هنا التعجب وقد كانت العرب تقول سبحان الله إذا رأت ما يستغرب منه
(قوله ألا أنبهتنى) أى أيقظتني وألا بفتح الهمزة والتخفيف للإنكار فكأنه أنكر عليه عدم إنباهه إياه ويجوز الفتح والتشديد بمعنى اللوم والعتب على عدم تنبيهه وإيقاظه، وفى رواية الحاكم أفلا أهببتني أوّل ما رماك
(قوله كنت في سورة الخ) هي سورة الكهف كما ذكره البيهقي في الدلائل وزاد
ابن إسحاق في رواية الحاكم حتى أنفذها فلما تابع علىّ الرمى ركعت فآذنتك وأيم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها (والحديث) يدلّ على أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الوضوء إذا كان سائلا وغير السائل بالطريق الأولى وإليه ذهب ابن عمر وابن عباس وابن أبى أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود والشافعى وأصحابه وهو قول أكثر الصحابة والتابعين (وأما) الدم الخارج من السبيلين (فذهبت) المالكية إلى أنه غير نافض إن خرج خالصا من العذرة والبول (وذهبت) الشافعية إلى أنه نافض (واستدلوا) أيضا بما رواه الدارقطني عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه، وبما رواه مالك في الموطأ أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج فيغسل عنه الدم ثم يرجع فيبني على ما قد صلى. وبما رواه أيضا عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي قال رأيت سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من الدم الذى يخرج من أنفه ثم يصلى ولا يتوضأ. وقال مالك الأمر عندنا أن لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل اهـ (قال) الزرقاني وفي رواية ولا من شئ يسيل وهى أعمّ سواء أكان طاهرا أم نجسا لأن الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بسنة أو إجماع ولم يرد في ذلك سنة ولا إجماع اهـ (وقالوا) أيضا إن الدم خارج لا ينقض الطهارة قليله فكذا لا ينقض كثيره كالبصاق. وذهب أبو حنيفة، والثورى والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم إلى أن الدم الخارج من البدن مطلقا نافض للوضوء (قال) الخطابى وهو قول أكثر الفقهاء واستدلوا بما رواه الدارقطني واللفظ له وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم واستدلوا أيضا بما رواه البخارى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم قال هشام بن عروة قال أبى ثم توضئى لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت (قال العينى) وهذا الحديث أقوى ما استدلّ به أصحابنا وأصحها. وبما رواه الدارقطني عن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن تميم الدارمى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوضوء من كل دم سائل (وقالوا) إنه خارج نجس مؤثر
في زوال الطهارة فهو ناقض كالبول (وأجاب) النووى في شرح المهذب عن هذه الأحاديث بما نصه. والجواب عن حديث ابن جريج من أوجه أحسنها أنه ضعيف باتفاق الحفاظ وضعفه من وجهين (أحدهما) أن رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وابن جريج حجازى ورواية إسماعيل عن أهل الحجاز ضعيفة عند أهل الحديث (والثانى) أنه مرسل قال الحفاظ المحفوظ في هذا أنه عن ابن جريج عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ممن قال ذلك الشافعى وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلى وعبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبو زرعة وابن عدى والدارقطنى والبيهقي وغيرهم. وقد بين الدارقطنى والبيهقى ذلك أحسن بيان (والجواب) الثانى أنه لو صحّ يحمل على غسل النجاسة وبه أجاب الشافعى والأصحاب وغيرهم (والثالث) أنه محمول على الاستحباب (والجواب) عن حديث المستحاضة من وجهين (أحدهما) أنه ضعيف غير معروف وحديث المستحاضة مشهور في الصحيحين بغير ذكر الرضوء فهى زيادة باطلة (والثانى) لو صح لكان معناه إعلامها أن هذا الدم ليس حيضا بل هو موجب للوضوء لخروجه من محل الحدث ولم يرد أن خروح الدم من حيث كان يوجب الوضوء، ومن العجب تمسكهم بهذا الحديث الضعيف الذى لو صح لم يكن فيه دلالة وقد قال إمام الحرمين في الأساليب إن هذا الحديث مما يعتمدونه وهذا أشدّ تعجبا (وأما) حديث تميم الدارى فجوابه من أوجه أحدها أنه ضعيف من وجهين (أحدهما) أن اليزيدين في سنده مجهولان (والثاني) أنه مرسل أو منقطع فإن عمر بن عبد العزيز لم يسمع تميما (الجواب الثاني) والثالث لو صح الحديث لحمل على غسل النجاسة أو الاستحباب، وأما قياسهم فرده أصحابنا وقالوا الحدث المجمع عليه غير معقول المعنى ولا يصح القياس عليه لعدم معرفه العلة. قال أبو بكر بن المنذر لا وضوء في شيء من ذلك لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء فيه حجة، هذا كلام ابن المنذر الذى لا شك في إتقانه وتحقيقه وكثرة اطلاعه على السنة ومعرفته بالدلائل الصحيحة وعدم تعصبه اهـ كلام النووى (وممن يرى) نقض الوضوء بالدم الخارج من غير السبيلين الخلفاء الأربعة قيل وباقي العشرة المبشرين بالجنة وابن مسعود وابن عباس وثوبان وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعرى وابن عمر فقد روى مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ ولم يتكلم ثم رجع وبنى على ما قد صلى، ونحوه عند البيهقى في باب من قال يبنى من سبقه الحدث. وروى الشافعى في مسنده قال حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر أنه كان يقول من أصابه رعاف أو مذى أو قئ انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى اهـ (والظاهر) ما ذهب إليه الفريق الأول من عدم نقض الوضوء بخروج الدم من الجسد فقد تواترت الأخبار على أن المجاهدين في سبيل الله كانوا يجاهدون ويذوقون آلام الجراحات فلا يستطيع أحد
أن ينكر سيلان الدماء من جراحاتهم وأنهم كانوا يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أمرهم بإعادة وضوئهم للصلاة من أجل ذلك، وما تقدم من الأحاديث الدالة على نقضه منه فقد علمت ما فيها (واعترض) بعض الحنفية على حديث جابر بأنه إنما ينهض حجة إذا ثبت اطلاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على صلاة الأنصارى ولم يثبت (وأجيب) بأنه يبعد عدم اطلاعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة وقد كان الزمان زمان نزول وحى ولم يحدث أمر يتعلق بالدين إلا أوحى الله تعالى به إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما هو ظاهر: على أنه قد ثبت عن الثقات اطلاعه على هذه الحادثة وعلى استمرار الأنصارى في الصلاة ولم ينقل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر بأن صلاته باطلة، ولو كان خروح الدم ناقصا لبين له ذلك لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز "فإن قلت" في إسناد حديث جابر عقيل ابن جابر وهو مجهول كما تقدم عن الذهبي فكيف يصح الاستدلال به "أجيب" بأنها جهالة عين لا جهالة عدالة لأنه انفرد عنه راو واحد وكل من هو كذلك فهو مجهول العين والتحقيق في مجهول العين أنه إن وثقه أحد من أئمة الجرح والتعديل ارتفعت جهالته (قال الحافظ) فإن سمى الراوى وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح وكذا من انفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك اهـ وعقيل بن جابر قد وثقه ابن حبان وصحح حديثه وكذا ابن خزيمة والحاكم وقال عقيل أحسن حالا من أخويه عبد الرحمن ومحمد وقد ذكر الحافظ أنه روى عنه جابر البياضى كما تقدم فارتفعت جهالته وصار حديثه صالحا للاحتجاح به (قال) الخطابى وقد يحتج بهذا الحديث من لا يرى خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين ناقصا للطهارة ويقولون لو كان ناقضا للطهارة لكانت صلاة الأنصارى تفسد بسيلان الدم أوّل ما أصابته الرمية ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث (وإلى) هذا ذهب الشافعى (وقال) أكثر الفقهاء سيلان الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء وهذا أحوط المذهبين وبه أقول، وقول الشافعى قوىّ في القياس ومذهبهم أقوى في الاتباع ولست أدرى كيف يصح الاستدلال به والدم إذا سال أصاب بدنه وربما أصاب ثيابه ومع إصابته شيئا من ذلك وإن كان يسيرا لا تصح الصلاة عند الشافعى إلا أن يقال إن الدم كان يخرج من الجراحة على سبيل الزرق حتى لم يصب شيئا من ظاهر بدنه ولئن كان كذلك فهو أمر عجيب اهـ (وقال) النووى في شرح المهذب بعد ذكر حديث جابر وموضع الدلالة أنه خرج دماء كثيرة واستمرّ في الصلاة ولو نقض الدم لما جاز بعده الركوع والسجود وإتمام الصلاة وعلم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك ولم ينكره وهو محمول على أن تلك الدماء لم يكن يمسّ ثيابه منها إلا
قليل يعفى عن مثله هكذا قال أصحابنا ولا بدّ منه، وأنكر الخطابي على من استدل بهذا الحديث مع سيلان الدماء على ثيابه وبدنه (ويجاب) عنه بما ذكرنا وأحسن ما أعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت، والقياس ممتنع في هذا الباب لأن علة النقض غير معقولة اهـ (وقال) في النيل الواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بهذه الكلية المستفادة من هذا الحديث فلا يصار إلى القول بأن الدم نافض إلا لدليل ناهض، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة الناقل والكل من التقوّل على الله بما لم يقل، ومن المؤيدات لما ذكرنا حديث أن عباد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلى فاستمرّ في صلاته عند البخارى تعليقا وأبى داود وابن خزيمة، ويبعد أن لا يطلع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت اهـ (قال) ابن تيمية وقد صح عن جماعة من الصحابة ترك الوضوء من يسير الدم ويحمل حديث أنس عليه وما قبله على الكثير الفاحش كمذهب أحمد ومن وافقه جمعا بينهما اهـ ويعنى بحديث أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه، وبما قبله حديث من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذى الخ ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه الدارقطنى من حديث أبى هريرة مرفوعا ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون دما سائلا لكن فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك (قال) الحافظ وإسناده ضعيف ويؤيده أيضا ما روى عن ابن عمر عند الشافعى وابن أبى شيبة والبيهقي أنه عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دمه فحكة بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخارى تعليقا "والبثرة بفتح الموحدة وسكون المثلثة ويجوز فتحها خرّاج صغير" ومثل الدم في الخلاف القيء والقلس (فذهبت) المالكية والشافعية إلى أنهما غير ناقضين مطلقا (وقالت) الحنابلة ينقض كثير القيء لا القلس مطلقا (وقالت) الحنفية ما ملأ الفم منهما ناقض وما لا يملؤه لا ينقض، ومال ابن حزم إلى عدم نقض الوضوء بشئ مما ذكر وبالغ في الرد على من قال بالنقض بشئ منهما مطلقا (والحاصل) أن القول بعدم نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين أقوى من جهة الدليل لا فرق بين كون الدم قليلا أو كثيرا سائلا أم لا وهذا لا ينافي أن الأحوط مراعات القول بالنقض
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جاهدوا لنصرة الدين جهادا كبيرا وتحملوا من أجل ذلك مصاعب لا يقدر عليها غيرهم، وعلى أنه يطلب الأخذ في أسباب الحفظ من العدوّ بكل ما يقدر عليه وهو لا ينافي التوكل، وعلى أنه يطلب من الرئيس أن يعمل على ما فيه المصلحة له ولأتباعه، وعلى أنه يطلب من الأتباع المبادرة إلى ما ندبهم إليه الرئيس من المصالح ولو كان فيه مشقة على النفوس، وعلى أن الأعمال