الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن المراد بالخنصر خنصر يده اليسرى لأن دلك أصابع الرجلين ليس من الأعمال الشريفة التى تباشر باليمنى (قال) في المرقاة قال ابن حجر إن أراد المستورد بالدلك التخليل فهو حجة لما مرّ من ندبه بالخنصر، وخصت اليسرى بذلك لأنها أليق به إذ لا تكرمة في ذلك بالنسبة إلى الرجلين، وإن أراد به إمرار الخنصر فهو حجة لندب الدلك في سائر الأعضاء، وهو مذهبنا، ولوجوبه وهو مذهب مالك (قلت) وكذلك يستحب في مذهبنا الخروح من الخلاف فإنه احتياط في الدين اهـ
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب غسل الرجلين لأن الدلك لا يكون إلا بعد الغسل أو معه، وعلى طلب الدلك ويعضده ما في رواية أحمد عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يدلك، وعلى مشروعية تخليل أصابع الرجلين بالخنصر.
(من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة أهـ وقال الحافظ في إسناده ابن لهيعة لكن تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث أخرجه البيهقى وأبو بشر الدولابى والدارقطنى في غرائب مالك من طريق ابن وهب عن الثلاثة وصححه ابن القطان اهـ ومراده بالثلاثة ابن لهيعة والليث بن سعد وعمرو ابن الحارث.
(باب المسح على الخفين)
قدّم أبواب المسح على الخفين على أبواب الغسل لأن المسح من توابع الوضوء. وقدّمها على أبواب التيمم لأن التيمم خلف عن الكل والمسح خلف عن الجزء والجزء مقدّم على الكل والمسح لغة إمرار اليد على الشئ، واصطلاحا إصابة اليد المبتلة أو ما يقوم مقامها أعلى الخف في المدّة الشرعية. وقد عدّى المسح بعلى إشارة إلى موضعه وهو أعلى الخفّ دون داخله وأسفله على ما سيأتي. والخفّ الشرعيّ ما يستر الكعب ويمكن تتابع المشى فيه فرسخا فأكثر وثني لأنه لا يجوز المسح على أحدهما دون الآخر. والمسح على الخفين من خصائص هذه الأمة وهو رخصة إسقاط.
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْمُغِيرَةَ، يَقُولُ: عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْرِ،
فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إِلَى الْمِرْفَقِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ، فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى بِهِمْ حِينَ كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ:«قَدْ أَصَبْتُمْ - أَوْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ -»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله يونس بن يزيد) بن أبى النجاد بالنون الأيلى بفتح الهمزة القرشي الأموى مولى معاوية. روى عن عكرمة مولى ابن عباس والزهرى ونافع وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه الأوزاعي والليث بن سعد وابن المبارك وعمرو ابن الحارث وابن وهب وكثيرون. وثقة العجلي والنسائى وابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن المبارك كتابه صحيح وقال وكيع كان سيئَ الحفظ وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس بحجة ربما جاء بالشيء المنكر. توفي سنة تسع وخمسين ومائة. روى له الجماعة
(قوله ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى
(قوله عباد بن زياد) بن أبى سفيان القرشى الأموى. روى عن عروة وحمزة ابنى المغيرة. وعنه مكحول والزهرى. وثقه ابن حبان وقال ابن المدينى مجهول، وهذا فهما منه أن عبادا هذا ليس ابن زياد الأمير وقد علمت أنه ابنه وهو مشهور ليس بمجهول. مات سنة مائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى
(قوله عروة بن المغيرة) الثقفى أبو يعفور الكوفي كان واليا عليها. روى عن أبيه وعائشة. وعنه الشعبى وعباد بن زياد
ونافع بن جبير والحسن البصرى وغيرهم، قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات روى له الجماعة.
(معنى الحديث)
(قوله عدل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى مال عن الطريق إلى غيرها لقضاء حاجته قبل صلاة الفجر كما صرّح به في رواية مسلم، وفى رواية لابن سعد فتبعته بماء بعد الفجر، ولا تنافى بينهما لأن خروجه كان بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح (وغزوة تبوك) آخر مغازيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسه، وتبوك بالمثناة الفوقية فالموحدة المضمومة المخففة لا تنصرف للعلمية والتأنيث حيث أريد به البقعة أو وزن الفعل لأنه على مثال تقول وهي مكان معروف بينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، سميت به لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد رأى قوما من أصحابه يبوكون عين الماء "أى يدخلون فيها القدح ويحرّكونه ليخرج الماء" مازلتم تبوكونها بوكا، وقيل تسميتها بذلك قديمة
(قوله فتبرّز) أى خرج إلى البراز وأصله الفضاء الواسع كنى به عن قضاء الحاجة، وزاد في رواية للشيخين فانطلق حتى توارى عنى ثم قضى حاجته
(قوله من الإداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء. وفي رواية أحمد أن الماء أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة من جلد ميتة فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سلها فإن كانت دبغتها فهو طهورها فقالت إى والله دبغتها، ودلت رواية أحمد هذه على قبول خبر الواحد في الأحكام ولو امرأة سواء أكان مما تعمّ به البلوى أم لا لقبول خبر الأعرابية
(قوله ثم حسر عن ذراعيه) بحاء وسين مهملتين من بابى ضرب وقتل أى كشف عنهما يقال حسرت كمى عن ذراعي وحسرت العمامة عن رأسى كشفتهما عنهما. والمراد أنه شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كشف كميه عن ذراعيه فلم يستطع من ضيق كمى الجبة والكمان تثنية كم بضم الكاف وشدّ الميم معروف، والجبة بضم الجيم وشدّ الموحدة جمعها جبب وجباب وهي ضرب من مقطعات الثياب. وهذه الجبة كانت من صوف من جباب الروم كما في الرواية الآتية أو شامية كما في رواية للبخارى
(قوله ثم توضأ على خفيه) أى مسح عليهما كما في سائر الروايات فهو من إطلاق اسم الكلّ على الجزء (وفى هذا) دلالة على مشروعية المسح على الخفين خلافا للعترة والإمامية والخوارج وأبى بكر بن داود الظاهرى القائلين بعدم جواز المسح عليهما. واستدلوا بآية المائدة وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن علمه واغسل رجلك ولم يذكر المسح، وقوله بعد غسلهما لا يقبل الله الصلاة بدونه، وقوله ويل للأعقاب من النار (قالوا) والأخبار الواردة بمسح الخفين منسوخة بآية المائدة (وإلى) جواز المسح عليهما ذهبت الجماهير من المتقدمين والمتأخرين (قال) ابن الهمام في فتح القدير والأخبار فيه مستفيضة (قال) أبو حنيفة ما قلت بالمسح
حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار (وعنه) أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التى جاءت فيه في حيز التواتر (وقال) أبو يوسف خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته اهـ (وقال) العينى لا ينكره إلا المبتدع الضال (وقال) الحسن البصرى أدركت سبعين من الصحابة كلهم يرون المسح على الخفين ولهذا رآه أبو حنيفة من شرائط السنة والجماعة فقال نحن نفضل الشيخين ونحب الختنين ونرى المسح على الخفين (وقال) النووى أجمع من يعتدّ به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء أكان لحاجة أم لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذى لا يمشى، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يعتدّ بخلافهم (وقد) روى عن مالك رحمه الله روايات كثيرة فيه، والمشهور أن مذهبه كمذهب الجماهير (وقد) روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة (وما نسب) إلى علىّ وعائشة وابن عباس وأبى هريرة من إنكار المسح على الخفين لم يثبت (أما) قول علىّ سبق الكتاب الخفين فلم يرو عنه بإسناد موصول (وأما) عائشة فثبت عنها أنها أحالت علم ذلك على علىّ (وأما) ابن عباس فإنما كرهه حين لم يثبت مسح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد نزول المائدة فلما ثبت رجع إليه (وقال) أحمد لا يصح حديث أبى هريرة في إنكار المسح وهو باطل (وقول) من قال بعدم الجواز مستدلا بما ذكره من الآية والأحاديث (مردود) أما قولهم في الآية إنها ناسخة للأخبار فغير مسلم لأن الآية نزلت في غزوة المريسيع وهذه القصة كانت في غزوة تبوك وهي متأخرة عنها، وسيأتى للمصنف عن جرير أنه بال ثم توضأ ومسح على الخفين وقال ما يمنعنى أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة قال ما أسلمت إلا بعد المائدة. وذكر مسلم نحوه. ويمنع دعوى النسخ أيضا أن الوضوء قبل نزول المائدة بالاتفاق فإن كان المسح على الخفين ثابتا قبل نزول المائدة فورودها بتقرير الغسل وعدم التعرّض للمسح لا يوجب نسخ المسح على الخفين (ولا يقال) إن الأمر بالشئ نهى عن ضدّه والمسح ضدّ الغسل المأمور به في الآية لأن كون الأمر بالشئ نهيا عن ضدّه محل نزاع واختلاف وكذلك كون المسح على الخفين ضد الغسل إذ يتأتى اجتماعهما، وما كان بهذه المثابة حقيق بأن لا يعوّل عليه لا سيما في إبطال مثل هذه السنة التى سطعت أنوار شموسها في سماء الشريعة المطهرة. وأما إذا كان المسح غير ثابت قبل نزول الآية فلا نسخ قطعا، وأما حديث واغسل رجلك فغاية ما في الأمر بالغسل وليس فيه ما يشعر بالقصر ولو سلم وجود ما يدلّ عليه لكان مخصصا بأحاديث المسح على الخفين المتواترة. وأما حديث لا يقبل الله الصلاة بدونه فلا ينتهض للاحتجاج به فكيف يصلح لمعارضة الأحاديث المتواترة مع أنه لم يوجد بهذا اللفظ من وجه يعتدّ به. وأما حديث ويل للأعقاب من النار فهو وعيد لمن مسح رجليه ولم يغسلهما ولم
يرد في المسح على الخفين (ولا يقال) هو عام لا يقصر على السبب (لأنا) نقول لا نسلم شموله لمن مسح على الخفين فإنه يدع رجله كلها ولا يدع العقب فقط، ولئن سلم شموله لمن مسح على الخفين فأحاديث المسح عليهما مخصصة للماسح من ذلك الوعيد، أفاده الشوكانى (واختلف) القائلون بالجواز أغسل الرجلين أفضل أم المسح على الخفين أم هما سواء (فذهب) أبو حنيفة ومالك والشافعى إلى أن الغسل أفضل لكونه الأصل وهو قول جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصارى (وذهب) جماعة إلى أن المسح أفضل، منهم الشعبى والحاكم وحماد (وعن) أحمد روايتان "أصحهما" المسح أفضل "والثانية" هما سواء واختاره ابن المنذر
(قوله فأقبلنا نسير إلخ) أى قدمنا إلى المدينة ساترين إلى أن وجدنا الناس في الصلاة وقد قدّموا عبد الرحمن بن عوف حين جاء وقت الصلاة وصلى بهم ركعة من الصبح فقوله حتى نجد الناس فيه التعبير بالمضارع بدلا عن الماضى استحضارا للصورة الماضية كأنها حاضرة. وفي رواية أحمد قال المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعه
(قوله فصف مع المسلمين الخ) أى دخل معهم في صفّ الصلاة وصلى وراء عبد الرحمن الركعة الثانية فلما سلم قام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأداء الركعة الثانية
(قوله لأنهم سبقوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) علة لفزعهم وكثرة تسبيحهم حيث بادروا بالصلاة قبل مجئ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى فوّتوا عليه ركعة من الصلاة، وظاهر سياق المصنف أن ذلك وقع منهم بعد فراغهم من الصلاة فيكون تسبيحهم للتعجب من سبقهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفى رواية ابن سعد فانتهينا إلى عبد الرحمن وقد ركع ركعة فسبح الناس له حين رأوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى كادوا يفتنون فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص فأشار إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن اثبت، وعليه فتسبيحهم لتنبيه الإمام ليتأخر ويتقدّم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ولا تنافي بينهما لإمكان حصول الفزع والتسبيح في كلتا الحالتين
(قوله فقال لهم قد أصبتم) أى وافقتم الصواب في مبادرتكم للصلاة في أول وقتها
(قوله أو قد أحسنتم) شك من عروة أو من أبيه، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم هذا تسكينا لفزعهم وتأنيسا لهم "فإن قيل" كيف قام عبد الرحمن في صلاته وتأخرّ أبو بكر حين مجئ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الصلاة فتقدّم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما جاء في الصحيح عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وفيه قالت لما مرض النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرضه الذى مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر فليصلّ بالناس فخرج أبو بكر يصلى فوجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأنى أنظر رجليه يخطان الأرض من الوجع فأراد أبو بكر
أن يتأخّر فأومأ إليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن مكانك ثم أتى به كما جلس إلى جنبه فقيل للأعمش وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى وأبو بكر يصلى بصلاته والناس يصلون بصلاة أبى بكر فقال نعم "أجيب" بأن عبد الرحمن كان قد ركع ركعة فترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التقدّم لئلا يختلّ ترتيب الصلاة في حق المأمومين بخلاف قصة أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فإنه لم يركع ركعة وقت مجيئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أو بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد أن يبين لهم حكم قضاء المسبوق بفعله كما بينه بقوله، ولا يقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار إلى كل من الصدّيق وابن عوف بعدم التأخّر فلم تأخّر الصدّيق دون ابن عوف "لأن" أبا بكر فهم أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر الذى ليس للوجوب بخلاف عبد الرحمن فإنه فهم آن امتثال الأمر أولى، ولا شك أن الأول أكمل، وقد يقال إن أبا بكر بلغ من الفرح بشفاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مبلغا لم يملك نفسه معه عن التأخر (ولا ينافي) عدم صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلف أبى بكر كما في حديث عائشة (ما رواه) الترمذى وصححه عن جابر والنسائى عن أنس قالا آخّر صلاة صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثوب واحد متوشحا به خلف أبى بكر (وما أخرجاه) أيضا عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذى مات فيه قاعدا وروى ابن حبان عنها أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصف خلفه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في مرضه صلاتين في المسجد جماعة كان في إحداهما مأموما وفي الثانية إماما قاله ابن حبان والبيهقى وبين أن الصلاة التى صلاها أبو بكر مأموما صلاة الظهر والتى صلاها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه صلاة الصبح يوم الاثنين وهى آخر صلاة صلاها، وكذا أجاب ابن حزم فقال إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك إحداهما التي رواها الأسود عن عائشة وعبيد الله عنها وعن ابن عباس صفتها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمّ الناس والناس خلفه وأبو بكر عن يمينه في موقف المأموم يسمع الناس تكبيره، والثانية التى رواها مسروق وعبيد الله عن عائشة وحميد وعن أنس صفتها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان خلف أبى بكر في الصف مع الناس
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب من الشخص التباعد عن الناس والطريق عند قضاء الحاجة، وعلى مشروعية خدمة من يستحق الخدمة، وعلى جواز الاستعانة في الوضوء وقد ثبت من حديث أسامة بن زيد أنه صبّ على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الماء وهو يتوضأ حين انصرف من عرفة (وقد) جاء في أحاديث ليست بثابتة النهى عن الاستعانة في الوضوء فلا يصح الركون إليها، وعلى مشروعية لبس الثياب ضيقة الأكمام، وعلى عدم
كراهة الوضوء من تحت ملابسه، وعلى مشروعية المسح على الخفين في الوضوء، وعلى مشروعية اقتداء الفاضل بالمفضول، وعلى جواز صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلف بعض أمته، وعلى بيان حال المسبوق وأنه يصلى مع الإمام ما أدركه ثم يصلى ما بقى عليه بعد سلام الإمام ولا يسقط ذلك عنه، وعلى طلب اتباع المسبوق للإمام في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن موضع جلوس للمأموم، وعلى أن المأموم إنما يفارق الإمام بعد سلام الإمام وعلى أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت حيث إنهم فعلوها في أول الوقت ولم ينتطروا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومدحهم على ذلك، وعلى أن من بادر إلى الطاعة يشكر، وعلى أنه يطلب من الجماعة أن يقدّموا أحدهم يصلى بهم إذا تأخر الإمام الراتب عن أول وقت الصلاة، وعلى فضل عبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُحيث قدّموه للصلاة بهم
(من روى الحديث أيضا) رواه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه مطولا ومختصرا بألفاظ مختلفة وأخرجه البيهقى من عدّة طرق
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، ح ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، ثَنَا بَكْرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «تَوَضَّأَ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ - وَذَكَرَ - فَوْقَ الْعِمَامَةِ» ، قَالَ: عَنِ الْمُعْتَمِرِ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، «أَنَّ نبي اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله المعتمر) بن سليمان
(قوله التيمى) هو سليمان ابن طرخان أبو المعتمر البصرى نسب إلى بنى تيم لأنه نزل فيهم. روى عن أنس وثابت وقتادة وأبى عثمان النهدى وطاوس وغيرهم. وعنه ابنه المعتمر والسفيانان وشعبة وابن المبارك وكثيرون. وثقه أحمد والنسائى والعجلى وابن حبان وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث وقال القطان ما جلست إلى رجل أخوف لله من سليمان التيمى وقال ابن معين كان يدلس. توفي بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائة وهو ابن سبع وتسعين سنة. روى له الجماعة، والتحويل ينتهى إلى سليمان التيمى فيحيى بن سعيد والمعتمر كلاهما روى عن سليمان كما صرّح به في رواية مسلم
(قوله
(ص) بكر) بن عبد الله المزني
(قوله الحسن) بن أبى الحسن البصرى
(قوله ابن المغيرة الخ) هو حمزة بن المغيرة الثقفى وعروة أخوه، ومال القاضى عياض إلى أنه حمزة بن المغيرة وقال هو الصحيح عندهم في هذا الحديث وعروة في الأحاديث الأخر وحمزة وعروة أولاد المغيرة والحديث مروىّ عنهما جميعا لكن رواية بكر المزني إنما هي عن حمزة اهـ ونحوه للنووى (أقول) أراد القاضى بهذا الردّ على مسلم حيث صرّح في سند هذا الحديث بأن بكر بن عبد الله المزنى رواه عن عروة بن المغيرة عن أبيه ونسبة الوهم إلى مسلم في هذا أو إلى شيخه محمد بن عبد الله بن بزيع غير مسلمة فقد قال الحافظ في ترجمة حمزة بن المغيرة روى عن أبيه وروى عبد الله بن بكر عنه عن أبيه في المسح على الخفين وقال مرّة عن عروة بن المغيرة عن أبيه اهـ وهو يدلّ على أن رواية مسلم لا وهم فيها وعليه فيحتمل أن يكون ابن المغيرة في سند المصنف حمزة أو عروة، وحمزة هذا روى عن أبيه. وعنه عباد بن زياد والنعمان بن خالد وبكر بن عبد الله المزني. وثقه العجلى وابن حبان وفي هذا الإسناد أربعة من التابعين يروى بعضهم عن بعض سليمان التيمى وبكر بن عبد الله المزنى والحسن البصرى وحمزة بن المغيرة وكلهم بصريون إلا حمزة فإنه كوفي.
(معنى الحديث)
(قوله ومسح ناصيته) أى مقدّم رأسه، وفى بعض النسخ على ناصيته وهو من عطف الخاص على العام، وفائدته التنبيه على أن مسح الناصية والتكميل على العمامة كاف في الوضوء
(قوله وذكر فوق العمامة) أى ذكر مسدد عن يحيى بن سعيد بسنده إلى المغيرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح فوق العمامة. ففى رواية مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن المغيرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين. وفي رواية النسائى توضأ فمسح ناصيته وعمامته وعلى الخفين
(قوله قال عن المعتمر الخ) بحذف حرف العطف أى وقال مسدد في روايته عن المعتمر سمعت أبى الخ، وأشار المصنف بهذا إلى أن المعتمر ذكر في روايته المسح على الخفين دون يحيى بن سعيد. لكن قد علمت أن مسلما والنسائى رويا الحديث من طريق يحيى بن سعيد وفيه المسح على الخفين فلعلّ هذا الاختلاف جاء من تلاميذ يحيى لا منه. ورواية المعتمر أخرجها مسلم بسنده إلى المغيرة بلفظ إن نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين ومقدّم رأسه وعلى عمامته (قال) العينى وقد استدلّ به أبو حنيفة على أن فرض المسح هو ربع الرأس لأن الناصية ربع الرأس (وقال) النووى هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفى ولا يشترط الجميع "قلت" هذا حجة عليهم لا لهم لأن الفرض عندهم أنى ما ينطلق عليه اسم المسح وهنا قد نص على الناصية وهو ربع الرأس (واستدلت) الشافعية بقوله وعلى عمامته على استحباب تتميم المسح بالعمامة لتكون الطهارة على جميع الرأس، ولا فرق عندهم بين أن يكون لبس العمامة على طهر
أو على حدث، وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها ومسح بناصيته يستحب أن يتمم على القلنسوة كالعمامة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح من الرأس شيئا لم يجزئه ذلك عندهم ولا عندنا ولا عند مالك وهو مذهب أكثر العلماء (وذهب) أحمد إلى جواز الاقتصار، ووافقه على ذلك جماعة من السلف اهـ.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية مسح الخفين، وعلى جواز المسح على الناصية والعمامة معا في الوضوء.
(من روى الحديث أيضا) رواه النسائى ومسلم بلفظ تقدم ورواه البيهقى من طريق المعتمر ورواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح.
(ص) قَالَ بَكْرٌ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ابْنِ الْمُغِيرَةِ.
(ش) أى قال بكر بن عبد الله سمعت الحديث السابق من ابن المغيرة حمزة على ما في رواية البيهقى أو عروة على ما في رواية مسلم بلا واسطة الحسن كما رواه عنه بواسطته. وهذه الرواية أخرجها البيهقى من طريق حميد الطويل قال حدثنا بكر بن عبد الله المزنى عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال تخلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما فتخلفت معه فلما قضى حاجته قال أمعك ماء فأتيت بمطهرة فغسل يديه وغسل وجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كمّ الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه فغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ثم ركب، وأخرجها مسلم من طريق حميد قال ثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه وذكر الحديث.
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قال حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْبِهِ وَمَعِي إِدَاوَةٌ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ، ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَضَاقَتْ فَاذَّرَعَهُمَا اذِّرَاعًا، ثُمَّ أَهْوَيْتُ إِلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنْزَعَهُمَا، فَقَالَ لِي:«دَعِ الْخُفَّيْنِ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» ، قَالَ أَبِي: قَالَ الشَّعْبِيُّ:
شَهِدَ لِي عُرْوَةُ، عَلَى أَبِيهِ، وَشَهِدَ أَبُوهُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ
(ش)(رجال الحديث)
(قوله حدثني أبي) هو يونس بن أبى إسحاق السبيعى أبو إسراءيل الكوفي. روى عن أبيه وأنس بن مالك والشعبي والحسن البصرى وغيرهم. وعنه ابناه إسراءيل وعيسى والثورى ووكيع وابن المبارك وآخرون، قال أحمد حديثه مضطرب ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق إلا أنه لا يحتج بحديثه وقال ابن عدى له أحاديث حسان وقال النسائى ليس به بأس. مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة
(قوله الشعبى) هو عامر في شراحيل الحميرى نسبة إلى شعب جبل باليمن.
(معنى الحديث)
(قوله في ركبة) بفتح الراء والكاف أى جماعة مسافرين راكبين أقل من عشرة. وفي نسخة في ركبه بفتح الراء وسكون الكاف مضافا إلى الضمير وهو في الأصل راكب الإبل في السفر دون الدوابّ ثم اتسع فأطلق على كل من ركب دابة، والركب العشرة فما فوقها والجمع أركب
(قوله وعليه جبة الخ) جملة خالية، والروم اسم قبيلة سميت باسم جدّها روم بن عيصو في إسحاق وهم سكان الجهات الشمالية من بلاد العرب
(قوله فاذرعهما اذراعا) يعني أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخرّج ذراعيه من تحت الجبة ومدّهما بعد أن نزعهما من الكمين واذرع بالذال المعجمة المشدّدة وأصله اذترع على وزن افتعل قلبت التاء ذالا معجمة وأدغمت الذال في الذال. وفي نسخة ادّرع بالدال المهملة المشددة وأصله اذترع قلبت التاء دالا مهملة ثم قلبت الذال المعجمة دالا مهملة وأدغمتا
(قوله ثم أهويت لأنزعهما) أى ملت أو مددت يدى إلى الخفين لأنزعهما، وكأنه لم يكن قد علم برخصة المسح، أو علم بها وظنّ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيفعل الأفضل الذى هو الغسل، أو ظنّ أنه لم يحصل شرط المسح، وهو الأقرب لقوله دعهما الخ
(قوله دع الخفين الخ) أى اتركهما فإني أدخلتهما في الحفين حال طهارتهما، ودع من الأفعال التى قلّ ماضيها (قال) في المصباح ودعته أدعه ودعا تركته وأصل المضارع الكسر ومن ثمّ حذفت الواو ثم فتح لمكان حرف الحلق (قال) بعض المتقدّمين وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضى يدع ومصدره واسم الفاعل وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبى عبلة ويزيد النحوى ما ودعك ربك بالتخفيف، وفي الحديث لينتهينّ قوم عن ودعهم الجمعات "أى عن تركهم" فقد رويت هذه الكلمات عن أفصح العرب ونقلت من طريق القرّاء فكيف يكون إماتة، وقد جاء الماضى في بعض الأشعار، وما هذا سبيله فيجوز القول بقلة الاستعمال ولا يجوز القول بالإماته اهـ وفي رواية البخارى فإني أدخلتهما طاهرتين وهى رواي الأكثر، وللحميدي في مسنده قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه فقال نعم إذا
أدخلهما وهما طاهرتان (والحديث) يدلّ على اشتراط تقدّم الطهارة الكاملة في المسح على الخفين لتعليله عدم النزع بإدخالهما طاهرتين وهو يستلزم أن إدخالهما غير طاهرتين يقتضى النزع (وقد) ذهب إلى ذلك مالك والشافعى وأحمد وإسحاق فلو غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخفّ ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجزئ المسح على الخفين بهذه الطهارة (قال) النووى فيه دليل على أن المسح لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة (وقد اختلف) العلماء في هذه المسألة فمذهبنا أنه يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى لو غسل رجله اليمنى ثم لبس خفها قيل غسل اليسرى ثم غسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى فلا بدّ من نزعها وإعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة، وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق اهـ (وذهب) داود إلى أن المراد بالطهارة في الحديث طهارة القدمين من النجاسة فلو لبسهما على حدث وكانتا طاهرتين من النجاسة جاز المسح عليهما (وذهب) أبو حنيفة وسفيان الثورى ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور إلى أنه لا يشترط كمال الطهارة وقت اللبس بل وقت الحدث فإذا غسل إحدى رجليه ثم لبسها وغسل الأخرى ثم لبسها صح له أن يمسح عليهما بهذه الطهارة لصدقه بأنه أدخل كلا من رجليه وهي طاهرة (وتعقب) بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة (واستضعفه) ابن دقيق العيد فقال وقد استدلّ به بعضهم على أن إكمال الطهارة فيهما شرط حتى لو غسل إحداهما وأدخلها الخفّ ثم غسل الأخرى وأدخلها الخفّ لم يجز المسح، وفى هذا الاستدلال عندنا ضعف "أعني في دلالته على حكم هذه المسألة" فلا يمتنع أن يعبر بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أدخلت طاهرة بل ربما يدّعي أنه ظاهر في ذلك فإن الضمير في قوله أدخلتهما يقتضى تعليق الحكم بكل واحدة منهما: نعم من روى فإني أدخلتهما وهما طاهرتان قد يتمسك برواية هذا القائل من حيث إن قوله أدخلتهما يقتضى كل واحدة منهما وقوله وهما طاهرتان حال من كل واحدة منهما فيصير التقدير أدخلت كل واحدة في حال طهارتهما وذلك إنما يكون بكمال الطهارة، وهذا الاستدلال بهذه الرواية من هذا الوجه قد لا يتأتى في رواية من روى أدخلتهما طاهرتين، وعلى كل حال فليس الاستدلال بذلك القوى جدًّا لاحتمال الوجه الآخر في الروايتين معا. اللهم إلا أن يضمّ إلى هذا دليل يدلّ على أنه لا تحصل الطهارة لإحداهما إلا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء فحينئذ يكون ذلك مع هذا الحديث مستندا لقول القائلين بعدم الجواز "أعنى أن يكون المجموع هو المستند" فيكون هذا الحديث دليلا على اشتراط طهارة كل واحدة منهما ويكون ذلك الدليل دالا على أنهما لا يطهران إلا بكمال الطهارة، ويحصل من هذا المجموع حكم المسألة المذكورة في عدم الجواز اهـ (قال) العينى وفي الحديث دليل على أن
المسح على الخفين لا يجوز إلا أن يلبسا على كمال الطهارة وهذا بالإجماع ولكن كمال الطهارة شرط وقت اللبس أو وقت الحدث. فعند أصحابنا وقت الحدث حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح وبه قال الثورى ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود (وقال) الشافعى ومالك وأحمد لا يجوز لأن كمال الطهارة شرط عندهم وقت اللبس (وقال) الخطابى في تعليل هذه المسألة وذلك أنه جعل طهارة القدمين معا قبل لبس الخفين شرطا لجواز المسح عليهما وعلة لذلك، والحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه "قلت" سلمنا أن الحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه ولكن لا نسلم أنه عليه الصلاة والسلام شرط كمال الطهارة وقت اللبس لأنه لا يفهم من نص الحديث، غاية ما في الباب أنه أخبر أنه لبسهما وقدماه كانتا طاهرتين فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة لأجل جواز المسح سواء أكانت الطهارة حاصلة وقت اللبس أم وقت الحدث، وتقييده بوقت اللبس أمر زائد لا يفهم من العبارة اهـ (واشترط) الفقهاء للمسح على الخفين شروطا غير ما ذكر، وهى أن تكون الطهارة مائية لا ترابية وأن يكون الخفّ طاهرا لا نجسا، وأن يمكن تتابع المشى فيه عادة (وقيدته) الحنفية بالفرسخ والشافعية بمسافة القصر وأن يكون ساترا لمحلّ الفرض (واشترطت) المالكية شروطا أخر أن يكون جلدا، وأن يكون مخروزا، وأن لا يكون مترفها بلبسه لخوف على حناء برجليه أو لمجرّد النوم أو لكونه حاكما، وأن لا يكون عاصيا بلبسه كمحرم بحج أو عمرة ولم يضطرّ للبسه بخلاف المضطرّ والمرأة، وأما المعصوب ففيه خلاف عندهم (واستظهر) إجزاء المسح عليه لأن التحريم في الغصب لم يرد على خصوص لبسه بل في أصل مطلق الاستيلاء عليه، وأما نهى المحرم فوارد على خصوص لبس المحيط والوارد على الخصوص أشدّ (وزادت) الحنابلة أيضا شروطا أن يكون ثابتا ولو بزرّ وإلا فلا يصح المسح عليه، قالوا لأن الرخصة وردت في الخفّ المعتاد وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه فلا يصح المسح على ما يسقط لفوات شرطه، وأن يكون مباحا لأن المسح رخصة فلا تستباح بالمعصية فلا يصح المسح على مغصوب ولا حرير ولو في ضرورة كمن هو في بلد ثلج وخاف على نفسه سقوط بعض أصابعه يخلع المغصوب والحرير فلا يصح المسح عليه لأنه منهىّ عنه في الأصل وهذه ضرورة نادرة وأن لا يكون واصفا للقدم لصفائه كالزجاح الرقيق لأنه غير ساتر لمحل الفرض وكذا ما يصف البشرة لخفته لا يصح المسح عليه كالجورب الخفيف، وأن لا يكون واسعا يرى منه بعض محل الفرض (وزادت) الحنفية أيضا أن يبقى من مقدّم القدم قدر المفروض وهو قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد فإذا قطعت رجله فوق الكعب صح مسح خفّ الأخرى وإن قطعت تحت الكعب ولم يبق من مقدّم القدم قدر المفروض لا يصح مسح خفّ الأخرى لأن ما بقي من المقطوعة فرضه الغسل ولا يجمع بين غسل ومسح، وشرطوا أيضا إمساكه على الرجل بلا شدّ
لثخانته ومنعه وصول الماء إليها لئلا يشفّ الماء، وأكثر هذه الشروط يمكن أخذها من الحديث (قال) في سبل السلام وللمسح عند القائلين به شرطان (الأول) ما أشار إليه الحديث وهو لبس الخفين مع كمال طهارة القدمين وذلك بأن يلبسهما وهو على طهارة بأن يتوضأ حتى يكمل وضوءه ثم يلبسهما (والثانى) مستفاد من مسمى الخفّ، فإن المراد به الكامل لأنه المتبادر عند الإطلاق وذلك بأن يكون ساترا قويا مانعا نفوذ الماء غير مخرّق فلا يمسح على ما لا يستر العقبين ولا على مخرّق يبدو منه محلّ الفرض ولا على منسوج إذ لا يمنع نفوذ الماء ولا على مغصوب لوجوب نزعه اهـ
(قوله فمسح عليهما) أى على الخفين (وظاهره) أنه عمهما بالمسح (وقد اختلف) في القدر المجزئ في المسح (فقالت) الحنفية يجزئُ قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على أعلاه (وقالت) الشافعية يكفى ما يقع عليه اسم المسح في ظاهر أعلى الخفّ من محل الفرض (وقالت) المالكية لا بدّ من مسح الأعلى كله (وقالت) الحنابلة يجب مسح الأكثر منه، وسيأتى تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب كيف المسح
(قوله شهد لى عروة) أى قال عروة أشهد أنى سمعت أبى يذكر هذا الحديث، والشهادة الإخبار عن الشئ المتيقن وقد جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشئ نحو أعلم وأتيقن وهو موافق لألفاظ الكتاب والسنة فكان كالإجماع على تعين هذه اللفظة دون غيرها، ولا يخلو من معنى التعبد إذ لم ينقل غيره، ولعل السرّ فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة التى هى الاطلاع على الشئ عيانا فاشترط في الأداء ما ينبئ عن المشاهدة، وأقرب شيء يدلّ على ذلك ما اشتقّ من اللفظ وهو أشهد بلفظ المضارع
(قوله وشهد أبوه) أى قال أبوه المغيرة بن شعبة أشهد أنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ما ذكر في الحديث، وغرض الشعبى من ذكر هذه الشهادة تقوية الحديث.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية خدمة الصغير للكبير، وعلى مشروعية لبس الضيق من الثياب الذى لا يصف العورة لا سيما في السفر فإنه أعون بخلاف ما يصف العورة كالبدل الإفرنجية فإنه يكره لبسها، وعلى مشروعية المسح على الخفين، وعلى اشتراط الطهارة لصحة المسح عليهما، وعلى أنه لا يصح الوضوء إلا بتعميم غسل اليدين إلى المرفقين ولا يكفى فيه غسل ما ظهر منهما ومسح ما ستر بالكمّ ولو ضيقا ولذا أخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده من تحت الجبة ولم يكتف بالمسح على ما بقى من ذراعيه، وعلى جواز الانتفاع بثياب الكفار ما لم تتحقق نجاستها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس الجبة الرّومية.
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم مطوّلا ومختصرا والطحاوى في شرح معانى الآثار مختصرا وأخرجه البيهقى من عدّة طرف.
(ص) حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: فَأَتَيْنَا النَّاسَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ، قَالَ: فَصَلَّيْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا شيئا.
(ش)(رجال الحديث)
(قوله هدبة بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسى ويقال له الثوبانى لأنه من بنى قيس بن ثوبان أبو خالد البصرى الحافظ. روى عن سليمان بن المغيرة والحمادين وهمام بن يحيى وجرير بن حازم وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبغوى وطائفة. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ضعيف وقال ابن عديّ لا أعرف له حديثا منكرا وهو كثير الحديث صدوق لا بأس به توفى سنة خمس وثلاثين ومائتين
(قوله همام) بن يحيى و (قتادة) بن دعامة و (الحسن) ابن أبى الحسن البصرى.
(معنى الحديث)
(قوله فذكر هذه القصة) أى قصة الوضوء والمسح على الخفين وإخراج اليدين من الكمين وغير ذلك، والقصة الخبر يقال قصّ من باب قتل ذكر الخبر على وجهه ويقال أيضا القصة الأمر والحديث
(قوله فأتينا الناس الخ) هذه الجملة زادها زرارة في روايته عن المغيرة ولم تكن في رواية الشعبى عن عروة عنه
(قوله فأومأ إليه أن يمضى) أى أشار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى عبد الرحمن أن يستمرّ في صلاته ويتمها ولا يتأخر لما تقدم من خوف تغير ترتيب الصلاة لأنه قد كان صلى بهم ركعة
(قوله فلما سلم قام النبى الخ) وفى رواية لمسلم فقام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقمت معه فصلينا الركعة التى سبقتنا
(قوله ولم يزد عليها شيئا) أى لم يزد على الركعة التي صلاها بعد تسليم عبد الرحمن شيئا والمراد أنه لم يسجد سجدتى السهو.
(فقه الحديث) والحديث يدلّ زيادة على ما تقدم على أنه يطلب من القوم أن يتأدبوا مع كبيرهم وعلى أن المسبوق ببعض الصلاة لا يطالب بسجود سهو، وبه قال أكثر أهل العلم ويؤيده قوله
صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما فاتكم فأتموا، وفى رواية فاقضوا ولم يأمر بسجود السهو
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عُمَرَ، يَقُولُونَ:«مَنْ أَدْرَكَ الْفَرْدَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ»
(ش) غرض المصنف بهذا بيان أن أبا سعيد الخدرى سعد بن مالك وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ذهبوا إلى أن من أدرك بعضا من الصلاة وترا فعليه أن يسجد سجدتي السهو بعد قضاء ما فاته لاحتمال أن يكون على الإمام سهو أو لما يترتب على ذلك من الجلوس للتشهد في غير موضع الجلوس أو لما يترتب عليه من الزيادة والنقص فيما إذا فاته الأولى من الرباعية أو الزيادة فقط فيما إذا فاتته الأولى من الثلاثية أو الثنائية أو أدرك واحدة من الرباعية، وقد وصل ذلك عنهم ابن أبى شيبة في مصنفه قال حدثنا ابن نمير عن عبد الملك عن عطاء عن أبى سعيد وابن عمر وابن الزبير قالوا إذا فاته بعض الصلاة قام فقضى وسجد سجدتين، وقال أيضا حدثنا ابن نمير عن عبد الملك عن عطاء عن أبى سعيد وابن عمر وابن الزبير في الرجل يدخل مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة قالوا يصنع كما يصنع الإمام فإذا قضى الإمام صلاته قام يقضى وسجد سجدتين اهـ (وبقولهم) قال أيضا جماعة منهم عطاء وطاوس وإسحاق ومجاهد (وردّ) ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة وأيضا ليس السجود إلا للسهو ولا سهو هنا، وأيضا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لما ترتب عليها من زيادة.
(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَسْأَلُ بِلَالًا، عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ:«كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ.
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان أبو عمرو البصرى الحافظ. روى عن أبيه ووكيع وابن القطان وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود
والنسائى وأبو حاتم وأبو زرعة وكثيرون، وثقه أبو حاتم وابن قانع وقال أبو داود كان يحفظ وذكره ابن حبان في الثقات وقال إبراهيم بن الجنيد ليس بشئ. مات سنة سبع وثلاثين ومائتين
(قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ أبو المثني التميمي العنبرى. روى عن سليمان التيمى وشعبة وحميد الطويل وابن أبى عروبة وغيرهم. وعنه ابناه عبيد الله والمثنى وأحمد بن حنبل وابن معين وقتيبة وإسحاق وكثيرون، قال أحمد هو قرّة عين في الحديث وإليه المنتهى في التثبت بالبصرة وقال القطان ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ وقال ابن حبان كان فقيها متقنا ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وكثيرون، ولد سنة تسع عشرة ومائة. وتوفي بالبصرة سنة ست وتسعين ومائة. روى له الجماعة
(قوله عن أبى بكر الخ) هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبى وقاص الزهرى المدنى مشهور بكنيته. روى عن أبيه وأنس وابن عمر وعروة بن الزبير وأبى سلمة وغيرهم. وعنه سعد بن أبي بردة وابن جريج وشعبة وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودى، قال ابن عبد البرّ كان من أهل الثقة أجمعوا على ذلك ووثقه النسائي والعجلى. والظاهر أن العناية من معاذ بن معاذ
(قوله سمع أبا عبد الله) هو مولى تيم ابن مرّة أخرج له النسائى في الطهارة وقال الحاكم أبو عبد الله معروف بالقبول وقال الذهبي لا يعرف. ولكن يردّه قول المصنف بعد وهو أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرّة إذ يفهم منه أنه معروف
(قوله عن أبى عبد الرحمن) مجهول قال الذهبي أبو عبد الرحمن عن بلال في المسح لا يعرف وعنه أبو عبد الله مثله اهـ وقال الدارقطنى ما سماه أحد إلا بعضهم قال اسمه مسلم بن يسار اهـ وقال الحافظ ابن حجر وأما أبو عبد الرحمن عن بلال فقد قيل إنه مسلم بن يسار حكى ذلك الدارقطني في كتاب العلل عن عبد الملك بن الشخير قال وليس عندى كما قال يعنى في تسميته اهـ وذلك أنا لم نجد في كتب الرجال من اسمه مسلم بن يسار وكنيته أبو عبد الرحمن، وفي بعض النسخ عن أبى عبد الرحمن السلمى، فإن صح ذلك فهو عبد الله بن حبيب مجمع على توثيقه لكنه لم يسمع من بلال ولم يرو عنه أبو عبد الله التيمى ولم يصفه أحد من الحفاظ في هذا السند بالسلمى فالصواب النسخة الأولى
(قوله عبد الرحمن بن عوف) بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة ابن كعب بن لؤى أبو محمد المدنى شهد بدرا والمشاهد كلها وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة وهاجر الهجرتين، صحابى جليل صاحب اليد الطولى في الفضائل والفواضل قال معمر عن الزهرى تصدّق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة أخرجه ابن المبارك وقال جعفر بن برقان بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة وذكر البخارى في تاريخه من طريق الزهرى أنه قال أوصى عبد الرحمن بن عوف لكل من شهد بدرا بأربعمائة دينار فكانوا مائة رجل وعن ابن أبى نجيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
قال الذى يحافظ على أزواجى من بعدى هو الصادق البارّ فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهنّ ويخرج معهنّ وينزل بهنّ الشعب ليس له منفذ، وقال عمر عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين وقال على عبد الرحمن أمين في السماء وأمين في الأرض. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة وستون حديثا اتفق البخارى ومسلم على اثنين منها وانفرد البخارى بخمسة. روى عنه بنوه إبراهيم وحميد ومصعب وأبو سلمة وابن عمر وابن عباس وأنس ابن مالك وكثيرون. توفى سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة وصلى عليه عثمان ابن عفان، ودفن بالبقيع. روى له الجماعة
(قوله يسأل بلالا الخ) أى حضر أبو عبد الرحمن عبد الرحمن بن عوف حال كونه يسأل بلالا عن وضوئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإنما سأله عبد الرحمن مع فضله وسعة علمه لأن بلالا كان أكثر ملازمة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غيره و (بلال) هو ابن رباح المؤذن القرشى التيمى أبو عبد الله أو أبو عبد الكريم مولى أبى بكر الصدّيق شهد بدرا والمشاهد كلها وكان ممن عذّب في الله تعالى عذابا شديدا وما شغله ذلك عن ذكر الله عز وجل كما هو معلوم مشهور فقد كان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك الحال أحد أحد فمرّ به أبو بكر فاشتراه وأعتقه روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وأربعون حديثا اتفق البخارى ومسلم على واحد وانفرد البخارى باثنين غير مسندين. روى عنه أبو بكر وعمر وابن عمر وأسامة ابن زيد والنخعى وسعيد بن المسيب وكثيرون. توفى بدمشق سنة عشرين أو إحدى وعشرين وهو ابن بضع وستين سنة. روى له الجماعة.
(معنى الحديث)
(قوله ويمسح على عمامته) أى أثناء وضوئه، وظاهر هذه الرواية أنه كان يقتصر على المسح على العمامة، وإلى ذلك ذهب بعضهم، ويحتمل أنه مسح على الناصية وكمل على العمامة وقد تقدّم الكلام على هذا
(قوله وموقيه) تثنية موق بضم الميم بلا همزة يجمع على أمواق وهو الخفّ فارسى معرّب، وفى المحكم هو ضرب من الخفاف عربى صحيح ذكره في اللسان (وقال) ابن العربى في شرح الترمذى الخفّ جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها والموق جلد مخروز لا بطانة له (وقال) الخطابى هو خفّ قصير الساق (وقال) الجوهرى هو ما يلبس فوق الخفّ ويقال له الجرموق اهـ (وبهذا) احتج أبو حنيفة وأحمد والمزني على جواز المسح على الجرموق بشرط صلاحيته للمسح عليه ولبسه قبل المسح على الخفّ وقبل الحدث فلو مسح على الخفّ ولو للتجديد أو أحدث بعد لبسه ثم لبس الجرموق لا يصح المسح عليه (وعند) المالكية يصح المسح على الجرموق بشرط أن يكون من جلد وأن يلبسه مع الخفّ على طهارة كاملة قبل
انتقاضها أو بعده وبعد المسح على الأسفل في طهارة أخرى (وعند) الشافعية في جواز المسح عليه قولان (قال) النووى في شرح المهذب والأصح عند الأصحاب أنه لا يجوز المسح على الجرموق
(قوله هو أبو عبد الله الخ) غرض المصنف بهذا الردّ على من قال إن أبا عبد الله الراوى عن أبى عبد الرحمن مجهول كما تقدّم، وقوله تيم بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر المعروف بتيم قريش رهط أبى بكر الصدّيق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن من أراد الوضوء يطلب منه أن يقضى حاجته قبل الشروع فيه إذا احتاج إلى ذلك. وعلى مشروعية المسح على العمامة والموقين وتقدم تمام الكلام على ذلك.
(من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى والحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح فإن أبا عبد الله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول. وأما الشيخان فإنهما لم يخرجا ذكر المسح على الموقين اهـ. ورواه الطبراني وأحمد والترمذى والضياء في المختارة بلفظ رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على الموقين والخمار.
(ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ، ثَنَا ابْنُ دَاوُدَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ جَرِيرًا، بَالَ، ثُمَّ «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ» ، قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، قَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.
(ش)(رجال الحديث)
(قوله على بن الحسين) بن مطر اليصرى. روى عن ابن عدى ومعتمر بن، سليمان وعبد الله بن داود ووكيع وغيرهم. وعنه ابن خزيمة وأبو داود والنسائى وقال ثقة ووثقه مسلمة بن قاسم وقال أبى حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث و (الدرهمى) بكسر الدال المهملة وسكون الراء وفتح الهاء نسبة إلى درهم أحد أجداده
(قوله ابن داود) هو عبد الله بن داود بن عامر الخريبي
(قوله عن بكير بن عامر) البجلى أبو إسماعيل الكوفي. روى عن قيس بن أبى حازم وأبى زرعة والشعبي والنخعى وغيرهم. وعنه وكيع وأبو نعيم والثورى، قال أحمد ليس بالقوىّ وقال مرّة ليس به بأس صالح الحديث وقال ابن معين والنسائى ويحيى القطان ضعيف وقال أبو زرعة ليس بقوى وقال ابن عدى رواياته قليلة ولم أجد له متنا منكرا. روى له مسلم وأبو داود
(قوله عن أبى زرعة) اسمه هرم البجلى
(قوله
(ص) أن جريرا الخ) هو ابن عبد الله بن جابر البجلى أبو عمرو الصحابى الشهير نزل مكة روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثمانية وانفرد البخارى بواحد ومسلم بستة، وعنه ابنه وأنس بن مالك وزيد بن وهب وهمام بن الحارث النخعى. روى له الجماعة (وقد) أكرمه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فقد" روى عبه أنه قال لما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأتيته قال ما جاء بك قلت جئت لأسلم فألقى إلىّ كساءه وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه رواه الطبرانى. وروى عن علىّ مرفوعا جرير منا أهل البيت، وعنه أيضا أنه قال ما حجبنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منذ أسلمت ولا رآنى إلا تبسم في وجهى ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده على صدرى وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا رواه ابن ماجه عمل على اليمن في أيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشهد فتح المدائن. مات سنة إحدى أو أربع وخمسين.
(معنى الحديث)
(قوله وما يمنعنى الخ). أى أىّ شئ يمنعنى من المسح والحال أني قد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح، وهو مرتب على محذوف صرّح به في رواية ابن ماجه فقيل له أتفعل هذا فقال وما يمنعنى الخ، وفي رواية البيهقى فقيل تفعل هذا قال نعم رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بال تم توضأ ومسح على خفيه، وفي رواية البخارى فسئل فقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صنع مثل هذا، وفي الطبراني من طريق الأعمش أن السائل له همام بن الحارث وعاب عليه بعض القوم
(قوله إنما كان ذلك الخ) أى قال من أنكر على جرير مسحه على خفيه إنما المسح عليهما كان قبل نزول المائدة التي ذكر فيها الوضوء. وأرادوا بهذا القول أن المسح على الخفين كان رخصة تم نسخ بهذه الآية فقال جرير ردّا عليهم ما أسلمت إلا بعد نزول آية المائدة فليس المراد جميع سورة المائدة لأن منها ما تأخر نزوله عن إسلامه كآية "اليوم أكملت لكم دينكم" فإنها نزلت يوم عرفة في حجة الوداع وإسلام جرير كان في رمضان سنة عشر من الهجرة أما آية الوضوء التى قوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين" فنزلت في غزوة بنى المصطلق وكانت سنة خمس أو أربع فلو كان إسلام جرير متقدّما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخفّ منسوخا بهذه الآية فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه غير منسوخ يعمل به وهو مبين أن المراد بالآية غير صاحب الخف فيكون حديثه مخصصا للآية والقدح في جرير بأنه فارق عليا ممنوع فإنه لم يفارقه وإنما احتبس عنه بعد إرساله إلى معاوية لأعذار، على أنه قد تقل الإمام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير الإجماع من طرق أكابر أئمة الآل وأتباعهم على
قبول رواية الصحابة قبل الفتنة وبعدها فالاسترواح إلى الخلوص عن أحاديث. المسح بالقدح في ذلك الصحابى الجليل بذلك الأمر مما لم يقل به أحد من العترة وأتباعهم وسائر علماء الإسلام، فحديثه يدلّ على بقاء حكم المسح على الخفين بعد نزول المائدة لا كما زعمه من ينكر المسح، ولو لم يتحقق أنه رآه بعد الإسلام يمسح على الخفين لما تمّ استدلاله لأن مجرّد إسلامه بعد نزول المائدة لا يدلّ على أنه رآه بعد نزولها يمسح عليهما إذ يمكن أنه رآه قبل الإسلام ولا يضرّ ذلك في رواية الحديث لأنه يجوز التحمل حال الكفر والأداء حال الإسلام فلا دلالة فيها على بقاء حكم المسح بعد نزولها لأنا نقول إن الآية تحتمل المسح، وقد تواتر عدم نسخ المسح بعمل الصحابة بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه، ومثل هذا يكفى في إفادة التواتر وعدم النسخ، وقد نقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته (قال) الحافظ في الفتح وقد صرّح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجازوا الثمانين ومنهم العشرة (وقال) الإمام أحمد فيه أربعون حديثا عن الصحابة مرفوعة (وقال) ابن عبد البرّ في الاستذكار روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة (وذكر) أبو القاسم ابن منده أسماء من رواه في تذكرته فكانوا ثمانين صحابيا (وذكر) الترمذى والبيهقى في سننهما جماعة منهم وقد تقدّم ردّ أدلة من منع المسح على الخفين أول الباب.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية المسح على الخفين، وعلى أنه يطلب ممن رأى شيئا يخالف الشرع بحسب ظنه أن لا يسكت عليه بل يبادر إلى إنكاره بالتي هي أحسن، وعلى أنه يطلب ممن أنكر عليه شئ وكان يعتقد صحة ما فعل أن يبين مستنده في ذلك، وعلى أن للمنكر أن يردّ دليل المدّعي، وعلى أن المطلوب من المدّعي أن يمنع ما ردّ به دليله حتى يسلم دليله من الطعن، وعلى أنه يجوز الاستدلال بالتاريخ عند الحاجة إليه فقد استدلّ جرير بتاريخ إسلامه على بقاء حكم المسح على الخفين وأنه لم ينسخ.
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من عدّة طرق وكذا مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجه من حديث همام بن الحارث النخعى عن جرير، وأخرجه البخارى أيضا من هذا الطريق بلفظ بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صنع مثل هذا ورواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني والحاكم في المستدرك وصححه ورواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن سيرين عن جرير أنه كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع فذهب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتبرّز فرجع
فتوضأ ومسح على خفيه، وفى سنن البيهقى عن إبراهيم بن أدهم قال ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» ، قَالَ مُسَدَّدٌ: عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ:«هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله دلهم) بفتح الدال المهملة وسكون اللام وفتح الهاء (ابن صالح) الكندى الكوفى. روى عن عطاء والشعبى وعكرمة وحجير بن عبد الله وغيرهم. وعنه وكيع وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى وآخرون، قال ابن معين ضعيف وقال أبو داود ليس به بأس وقال ابن حبان منكر الحدث جدًّا ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه
(قوله حجير) بتقديم الحاء المهملة على الجيم مصغرا (ابن عبد الله) الكندى. روى عن عبد الله بن بريدة. وعنه دلهم بن صالح، قال ابن عدىّ لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه
(قوله ابن بريدة) هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمى المروزى أبو سهل قاضى مرو. روى عن أبيه وابن عباس وأبى هريرة وابن مسعود وابن عمر وعائشة وآخرين. وعنه ابناه سهل وصخر وقتادة وحسين ابن ذكوان وحسين بن واقد ومالك بن مغول والشعبى وطائفة، قال ابن خرّاش صدوق ووثقه العجلى وابن معين وأبو حاتم وضعفه أحمد وقال إبراهيم الحربى لم يسمع من أبيه شيئا وفيما روى عن أبيه أحاديث منكرة. روى له الجماعة
(قوله عن أبيه) هو بريدة بن الحصيب بضم الحاء المهملة ابن عبد الله بن الحارث أبو عبد الله الأسلمى، أسلم قبل بدر ولم يشهدها وشهد غيرها من المشاهد. وفى الصحيحين عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ست عشرة غزوة، وعزا خراسان في زمن عثمان ثم تحوّل إلى مرو فسكنها إلى أن توفى بها سنة اثنتين أو ثلاث وستين وهو آخر الصحابة موتا بخراسان. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وستون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على واحد وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بأحد عشر. روى عنه ابناه عبد الله وسليمان وأسامة وأبو المليح الهذلى والشعبى. روى له الجماعة.
(معنى الحديث)
(قوله أن النجاشى) بفتح النون وكسرها وتخفيف الجيم على الصحيح وتشديد المثناة التحتية وحكى المطرزى التخفيف ورجحه الصنعانى، واسمه أصحمة بن بحر وقيل مصحمة وقيل أصحم وقيل غير ذلك، وهو بالعربية عطية، وهو اسم لكلّ من ملك الحبشة كما أن كل من ملك الشام والجزيرة والروم يسمى قيصرا وكل من ملك الفرس يسمى كسرى وكل من ملك مصر كافرا يسمى فرعون وكل من ملك الإسكندرية يسمى المقوقس وكل من ملك ايمن يسمى تبعا وكل من ملك الهند وقيل اليونان يسمى بطليموس وكل من ملك الترك يسمى خاقان وكل من ملك اليهود يسمى القطيون وكل من ملك الصابئية يسمى نمرودا وكل من ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان وكل من ملك البربر يسمى جالوت وكل من ملك فرغانة يسمى الإخشيد (وقد) أسلم النجاشي في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يهاجر إليه، وسبب إسلامه أنه لما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يصيب أصحابه من الأذى وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ذلك البلاء قال لهم لو خرجتم إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل لكم الله فرجا ومخرجا مما أنتم فيه فخرج بعض المسلمين إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله تعالى بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام فلما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمأنوا بالحبشة وأمنوا وأن النجاشى قد أحسن صحبتهم ائتمروا بينهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة ومعهما هدية إليه وإلى أعيان أصحابه فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا إلى النجاشى هديته وإلى أصحابه هداياهم وقالا لهم إن ناسا من سفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد أرسلنا أشراف قومهم إلى الملك ليردّهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يرسلهم معنا من غير أن يكلمهم وخافا أن يسمع النجاشى كلام المسلمين فيمتنع من تسليمهم فوعدهما أصحاب النجاشي بالمساعدة على ما يريدان ثم حضرا عند النجاشى وأعلماه بما جاءا له فأشار أصحابه بتسليم المسلمين إليهما فغضب من ذلك وقال لا والله لا أسلم قوما جاورونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أدعوهم وأسألهم عما يقول هذان فإن كانا صادقين أسلمتهم إليهما وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم ثم أرسل النجاشى إلى أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فحضروا وقالوا يستأذن أولياء الله فقال ائذنوا لهم فمرحبا بأولياء الله فلما دخلوا عليه قالوا السلام عليكم فقال الرهط من المشركين أيها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحيوك بتحيتك التى تحيا بها فقال لهم الملك ما منعكم أن تحيونى بتحيتى قالوا إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة، "وقد اتفقوا على أن يقولوا الصدق" وكان المتكلم عنهم جعفر بن أبى طالب فقال لهم النجاشي ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في دينى ولا دين
أحد من الملل فقال جعفر أيها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئا ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وأمرنا بالصلاة والصيام "وعدّد عليه أمور الإسلام" فآمنا به وصدّقناه وحرّمنا ما حرّم علينا وحلننا ما أحلّ لنا فتعدّى علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك فقال النجاشى هل معك مما جاء به عن الله شئ قال نعم فقرأ عليه سورة مريم فبكى النجاشي وأساقفته وقال النجاشي إن هذا والذى جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انطلقا والله ما أسلمهم إليكما أبدا فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا بما يبيد خضراءهم فقال له عبد الله ابن أبى ربيعة وكان أتقى الرجلين لا تفعل فإن لهم أرحاما فلما كان الغد قال عمرو للنجاشي إن هؤلاء يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل النجاشى فسألهم عن قولهم في المسيح فقال جعفر نقول فيه الذى جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشى عودا من الأرض وقال ما زاد على ما قاله عيسى مثل هذا العود فنخرت بطارقته فقال وإن نخرتم وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم آمنون ما أحب أن لى جبلا من ذهب وإننى آذيت رجلا منكم وردّ هدية قريش وقال ما أخذ الله الرّشوة منى حتى آخذها منكم ولا أطاع الناس فىّ حتى أطيعهم فيه وأقام المسلمون بخير دار وكتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنى أشهد أنك رسول الله صادق مصدّق وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفر بن أبى طالب وأسلمت لله رب العالمين، وكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُردءا للمسلمين نافعا حاكما بالقسط وأمره في ذلك أشهر من أن يذكر. مات بأرض الحبشة وصلى عليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم بالمدينة
(قوله ساذجين) بفتح الذال المعجمة وكسرها أى غير منقوشين أو لا شعر عليهما أو على لون واحد لم يخالط سوادهما لون آخر (قال) العراقي وهذه اللفظة تستعمل في العرف كذلك ولم أجدها في كتب اللغة بهذا المعنى ولا رأيت المصنفين في غريب الحديث ذكروها اهـ لكن في القاموس الساذج معرّب سادة يعني غير منقوش
(قوله قال مسدّد الخ) أى قال أبو داود قال مسدّد في روايته حدثنا وكيع عن دلهم بن صالح بالعنعنة وأما أحمد بن أبى شعيب فقال حدثنا وكيع قال حدثنا دلهم
(قوله هذا مما تفرّد به أهل البصرة) يشير بهذا إلى أن الحديث غريب، وظاهر عبارته أن جميع رواة الحديث في هذا السند
بصريون وليس كذلك لأنه ليس من رواته بصرى سوى مسدّد بن مسرهد مع أنه لم يتفرّد به بل تابعه أحمد بن أبى شعيب عند المصنف وتابعه على بن محمد عند ابن ماجه ولم يتفرّد به أيضا شيخه وكيع بل تابعه محمد بن ربيعة عند الترمذى إنما التفرّد في دلهم وهو كوفي عن حجير الذى تفرّد به عن ابن بريدة قال الترمذى هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث دلهم وقال الدارقطني تفرّد به حجير بن عبد الله عن ابن بريدة ولم يروه عنه غير دلهم بن صالح اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية قبول الهدية من الكافر فإن النجاشي أهدى إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل إسلامه كما قاله ابن العربى وأقرّه العراقى، وعلى أن المهدى إليه يطلب منه أن يتصرّف في الهدية عقب وصولها إليه على الوجه الذى أهديت لأجله إظهارا لقبولها ووقوعها الموقع الحسن لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس الخفين عقب وصولهما إليه وفي ذلك إدخال السرور على المهدى، وعلى أنه يجوز لبس الخفين السود من غير كراهة
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد بن حنبل والترمذى والبيهقى.
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا ابْنُ حَيٍّ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ؟ ، قَالَ:«بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة البجلى أبو الحكم الكوفى. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأبي سعيد الخدرى والمغيرة ابن شعبة ورافع بن خديج. وعنه ابنه الحكم وسعيد بن مسروق وعمارة بن القعقاع وآخرون ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن سعد والنسائى وقال ابن معين ضعيف. روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله مسح على الخفين) أى توضأ فمسح على الخفين فهو معطوف على محذوف بحذف حرف العطف
(قوله نسيت الخ) أى أنسيت غسل الرجلين فهمزة الاستفهام مقدّرة وقد صرّح بها في بعض النسخ، ويحتمل عدم تقدير الهمزة فتكون جملة نسيت خبرا وبل للإضراب الإبطالى مثل قوله تعالى "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون" أى بل هم عباد، أى لم أنس بل أنت نسيت مشروعية المسح على الخفين بعد أن رأيتنى أمسح عليهما أو علمت ذلك من غيرى. ويحتمل أن يكون نسيت بمعنى أخطأت في نسبة النسيان إلىّ وعبر بالنسيان مشاكلة، وهذا الاحتمال مبنى على أن نسيت الأولى خبر لا إنشاء
(قوله بهذا أمرني