الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبه قطع الجمهور وذكر الدارمى فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن وقد يحتج له بحديث أم عطية في الصحيحين أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى (ويجاب) عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهنّ ليتميزن اهـ وسيأتي تمام ما يتعلق بالمساجد في أبوابها إن شاء الله تعالى
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تغيير ما لم يكن موافقا للشرع، وعلى طلب تكرار الأمر لإزالة المخالفة إذا لم يحصل المقصود بالأمر الأول، وعلى حرمة دخول الجنب والحائض المسجد وقد تقدم تفصيله
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه عن جسرة عن أم سلمة بلفظ دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته إن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض وأخرجه الطبرانى قال المنذرى وأخرجه البخارى في التاريخ الكبير قال البيهقي ليس هذا الحديث بالقوى اهـ وقال الخطابي ضعف جماعة هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه اهـ وقال البخارى عند جسرة عجائب وخالفها غيرها في سدّ الأبواب اهـ لكن قد علمت توثيقها فيما تقدم. وصحح هذا الحديث ابن خزيمة وحسنه ابن القطان والمصنف قد رواه وسكت عليه فهو عنده صالح قال ابن سيد الناس إن التحسين لأقلّ مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج فلا حجة لابن حزم في ردّه اهـ
(باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس)
وفي بعض النسخ يصلى بالقوم وهو ساه. والنسيان ضدّ الذكر والحفظ. والسهو الغفلة عن الشئ والتفات القلب إلى غيره
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله حماد) بن سلمة كما سيصرّح به المصنف بعد
(قوله زياد الأعلم) ابن حسان بن قرة البصرى الباهلى. روى عن أنس بن مالك والحسن البصرى ومحمد بن سيرين وعنه عبد الله بن عون وشعبة والحمادان وسعيد بن أبى عروبة وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائى وقال أبو زرعة شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطنى قليل الحديث
روى له البخارى وأبو داود والنسائى
(قوله عن أبى بكرة) هو نفيع بالتصغير ابن الحارث بن كلدة الثقفي. كنى أبا بكرة لأنه تدلى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببكرة من الطائف فكناه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بها وأعتقه. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اثنان وثلاثون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثمانية وانفرد البخارى بخمسة ومسلم بخمسة. روى عنه أولاده عبد الرحمن ومسلم وعبيد الله وعبد العزيز وكذا الحسن البصرى وكثيرون، كان ممن اعتزل يوم الجمل وصفين ولم يقاتل مع أحد الفريقين مات بالبصرة سنة إحدى وخمسين، روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله دخل في صلاة الفجر) ظاهره أنه أحرم بها ويؤيده ما رواه الدارقطنى عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل في الصلاة فكبر وكبرنا معه. وما رواه ابن ماجة في باب ما جاء في البناء على الصلاة من حديث أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام إلى الصلاة وكبر ثم أشار إليهم فمكثوا ثم انطلق فاغتسل وكان رأسه يقطر ماء فصلى بهم فلما انصرف قال إني خرجت إليكم جنبا وإني نسيت حتى قمت في الصلاة. لكن في حديث أبى هريرة الآتي فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف. وفي حديثه الثاني أقيمت الصلاة وصفّ الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل فقال للناس مكانكم ثم رجع إلى بيته، ونحوه للبخارى والنسائى ومسلم، وفي رواية له في باب متى يقوم الناس للصلاة من حديث أبى هريرة قال أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف فهذه الروايات صريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف قبل أن بكبر فتكون منافية للروايات الأولى. ويمكن الجمع بينهما إما بتعدد الواقعة كما استظهره النووى وجزم به ابن حبان في صحيحه وقال حديث أبى هريرة وحديث أبى بكرة فعلان في موضعين متباينين خرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة من غير أن يكون بين الخبرين تضادّ. وقول أبى بكرة فصلى بهم أراد بذلك بدأ بتكبير محدث لا أنه رجع فبنى على صلاته إذ محال أن يذهب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليغتسل ويبقى الناس كلهم قياما على حالتهم من غير إمام إلى أن يرجع اهـ أو بأن الواقعة متحدة وأن المراد بقوله في رواية المصنف دخل في الصلاة أى في موضع الصلاة لما سيذكره المصنف وهى رواية البخارى من قوله فلما قدم في مصلاه ذكر أنه جنب الخ وبقوله في الروايات الأخر فكبر أرأد أن يكبر
وعلى فرض عدم إمكان الجمع فروايات الصحيحين مقدّمة
(قوله فأومأ بيده أن مكانكم) وفي رواية البخارى فقال لنا مكانكم. وفي رواية ابن ماجه ثم أشار إليهم فمكثوا. وأن مفسرة ومكانكم منصوب بفعل محذوف أى الزموا مكانكم
(قوله ثم جاء ورأسه يقطر الخ) عطف على محذوف أى فذهب واغتسل ثم جاء ورأسه يقطر من ماء الغسل وابتدأ صلاته بإحرام جديد كما قاله ابن حبان ونسبة القطر إلى الرأس مجاز من قبيل ذكر المحلّ وإرادة الحالّ (وقد تمسك) بظاهر هذا الحديث من قال بصحة صلاة المأموم الذى تبين فساد صلاة إمامه لنسيان الحدث (منهم) مالك وأصحابه والشافعى والأوزاعي والثورى وأحمد وحكى عن الأثرم وأبي ثور وإسحاق والحسن البصرى وإبراهيم النخعى وسعيد بن جبير قالوا لأن القوم أحرموا عقب إحرامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأول واستمرّوا حتى رجع إليهم. وقد جرى على ذلك الخطابى فقال في شرح الحديث فيه دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتمّ الصلاة بهم وإذا جاز جزء من الصلاة حتى يصح البناء عليه جاز سائر أجزائها. والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد وإنما كلف الإمام الظاهر من أمره وليس عليه الإحاطة لأنه يتعذر عليه دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الطاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد إن أخطأ فيه ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام فلا عتب عليه إن عزب عليه علمها وهو قول عمر بن الخطاب ولا يعلم له مخالف من أصحابه في ذلك وإليه ذهب الشافعى، وفي الحديث دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا يبطل صلاته. وفيه حجة لمن ذهب إلى البناء على الصلاة في الحدث اهـ (وقد) ردّ العيني كلام الخطابى مما ملخصه. أما قوله وذلك أن الظاهر من لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة الخ فمردود بأن الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بهم بتحريمة مبتدأة فقد قال ابن حبان في صحيحه أراد أنه صلى بهم بتكبير محدث لا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بالشروع الذى قبله كما زعمه البعض اهـ على أنه تقدم التصريح في رواية مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف قبل أن يكبر. وقوله إذا صح جزء من الصلاة الخ مردود أيضا بأنا لا نسلم أن هذا الجزء وقع صحيحا لأنه بمجرّد ذهابه عليه وعلى آله الصلاة والسلام بطل حكم ذلك الشروع على تقدير صحة وجود المشروع لأنه ذهب بلا استخلاف وخلا مكانه وذا مما يفسد الشروع فإذا فسد ذلك الجزء يصير البناء عليه فاسدا لأن البناء على الفاسد فاسد والصلاة لا تتجزّأ صحة وفسادا بل الحق أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم بتحريمة مبتدأة كما ذكرنا فإذاً لم يبق لدعواه حجة. وقوله وهو قول عمر ولا يعلم له مخالف من الصحابة غير
صحيح لأن الدارقطنى أخرج في سننه عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة عن علىّ أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد ثم أمرهم فأعادوا. وروى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن دينار عن ابن جعفر أن عليا صلى بالناس وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد وأمرهم أن يعيدوا. وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا حسين بن مهران عن مطرح عن أبي المهلب عن عبيد الله بن زخر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال صلى عمر بالناس وهو جنب فأعاد ولم يعد الناس فقال له علىّ قد كان ينبغى لمن صلى معك أن يعيدوا قال فرجعوا إلى قول على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال القاسم وقال ابن مسعود مثل قول على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما. وقوله وفي الحديث دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا يبطل صلاته مردود بأنه لا دليل فيه على ذلك لأنه لا يخلوا إما أن يكون ذهابه عليه الصلاة والسلام للاغتسال قبل التحريمة كما هو الصحيح أو بعدها على زعمهم فإن كان قبلها فليس فيه افتتاح لا من الإمام ولا من القوم وإن كان بعدها فهم افتتحوا بافتتاحه عليه الصلاة والسلام الجديد (وقال) الشافعى من أحرم قبل الإمام فصلاته باطلة اهـ وكذا قال غير الشافعى من الأئمة (وتمسك) أيضا من أخذ بظاهر الحديث بما رواه البخارى وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم. وبما رواه الدارقطني عن الضحاك ابن مزاحم عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم ليغتسل هو ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك. وبما رواه عن ابن المنكدر عن الشريد الثقفي أن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا. وبما رواه عن خالد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أن عثمان صلى بالناس وهو جنب فلما أصبح نظر في ثوبه احتلاما فقال كبرت والله ألا أراني أجنب ثم لا أعلم ثم أعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا (وقال) أبو حنيفة والشعبي وحماد بن أبي سليمان بفساد صلاة المأموم الذى تبين حدث إمامه بعد تلبسه بالصلاة، واستدلوا بما رواه أحمد عن أبى هريرة مرفوعا "الإمام ضامن" وأخرجه أيضا الطبراني عن أبي أمامة قالوا إن الإمام إنما جعل ليؤتمّ به وهو ضامن لصلاة المأموم وصلاة المأموم مشمولة لصلاة الإمام وصلاة الإمام متضمنة لصلاة المأموم فصحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام وفسادها بفسادها وصلاة الإمام في هذه الحالة فاسدة لعدم إحرامه فكذا صلاة المأموم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم، ويدلّ لهم أيضا ما رواه الدارقطني عن أبي جابر البياضى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بالناس وهو جنب فأعاد وأعادوا قال الدارقطنى هو مرسل وأبو جابر البياضى متروك الحديث اهـ وما رواه أيضا عن عمرو
ابن خالد عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة عن على أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد ثم أمرهم فأعادوا قال الدارقطنى عمرو بن خالد متروك الحديث رماه أحمد بالكذب اهـ (والظاهر) ما ذهب إليه الأولون وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإمام ضامن أى لما يقع من المأمومين من الأعمال التى لا تبطل صلاتهم ما دام إماما لهم وهذا لا يستلزم أنه إذا بان حدثه فسدت صلاة من خلفه. أما قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم فهو على فرض ثبوته محمول على غير نسيان الحدث
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز النسيان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في العبادات للتشريع، وعلى جواز انتظار الجماعة إمامهم لكن محله ما دام الوقت متسعا، وعلى جواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث، وعلى أن من دخل المسجد ناسيا الجنابة ثم تذكر يخرج مسرعا بلا تيمم، وعلى أنه إذا ظهر أن الإمام محدث وذهب ليتطهر وأتى لا تعاد الإقامة
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان والبيهقي وصححاه
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ: فِي أَوَّلِهِ: «فَكَبَّرَ» . وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا» .
(ش)(قوله بإسناده ومعناه) أى بسند الحديث السابق وهو عن زياد عن الحسن عن أبى بكرة وبمعناه دون لفظه. ولفظه عند ابن حبان عن أبى بكرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم "الحديث"
(قوله قال في أوله فكبر) أى قال أبو بكرة في أول الحديث الذى رواه عنه بالسند السابق يزيد بن هارون إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر، وهو يدل على أنه أحرم بالصلاة ثم انصرف
(قوله إنما أنا بشر) إخبار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه مثل القوم في النسيان وأنه يعرض له مثل ما يعرض لهم من الأمور التى لا تنافي العصمة
(قوله وإنى كنت جنبا) أى فنسيت أن أغتسل كما في رواية الدارقطنى والبيهقى. وهذا بيان لسبب ذهابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطلب انتظارهم له. وهذه الرواية أخرجها ابن حبان
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَانْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ:«كَمَا أَنْتُمْ» .
(ش) أى روى الحديث السابق محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى عن أبي سلمة عبد الله ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال فلما قام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في موضع صلاته وقد انتظرنا تكبيره ذهب ليغتسل الخ وهذا صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذهب قبل أن يكبر وتقدم بيانه. وهذا التعليق لم يذكر في بعض النسخ وعدم ذكره هو المناسب لأن الكلام في حديث أبى بكرة وهذا من حديث أبي هريرة وقد وصله البخارى في باب هل يخرج من المسجد لعلة قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن أبى سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَوْمِ أَنِ اجْلِسُوا، فَذَهَبَ وَاغْتَسَلَ» .
(ش) أى روى حديث أبى بكرة أيضا أَيوب السختياني وابن عون وهشام بن حسان كلهم عن محمد بن سيرين مرسلا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحرم بالصلاة ثم إشار إليهم بالجلوس. وغرض المصنف بذكر هذا التعليق بيان أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف بعد أن أحرم وأنه أشار إليهم بالجلوس فهو مخالف لما تقدم من الروايات وقد علمت الجمع بينهما، و (ابن عون) هو عبد الله بن عون البصرى أبو عون المزني. رأى أنس بن مالك ولم يسمع منه. وروى عن ثمامة بن عبد الله ومحمد بن سيرين والشعبي وإبراهيم النخعى والحسن البصرى وكثيرين. وعنه الأعمش وشعبة والثورى ووكيع وابن المبارك ويحيى القطان وآخرون. قال أبو حاتم ثقة وهو أكبر من التيمى وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ورعا وقال ابن حبان في الثقات كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلا وورعا ونسكا وصلابة في السنة وشدّة على أهل البدع. وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الكتاب. ولد سنة ست وستين وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائة. روى له الجماعة
(قوله ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا) فيه دليل على أنهم لم يكونوا في الصلاة (قال) العينى وبهذا سقط قول من قال إن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكانكم دليل على أنهم كانوا في الصلاة بل معناه لا تتفرقوا حتى أرجع إليكم "فإن قيل" قد جاء في رواية أيضا ولم نزل قياما ننتظره "قلنا" فعل القوم لا يعارض قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويحتمل أن الذين فهموا منه أن اجلسوا جلسوا ومن لم يفهم بقى قائما اهـ لكن قد علمت أن المعوّل عليه تعدّد الواقعة فلا تنافي بين الروايات
(ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ» .
(ش) أى كما روى ابن سيرين حديث أبى بكرة مرسلا رواه بالإرسال مالك بن أنس عن إسماعيل بن أبى حكيم عن عطاء بن يسار. وأورد المصنف هذا التعليق وما بعده لتقوية الروايات الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف بعد أن دخل في الصلاة وأخرجه مالك في الموطأ بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء. و (إسماعيل بن أبى حكيم) القرشي مولاهم الأموى المدنى. روى عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وآخرين وعنه مالك بن أنس ويحيى بن سعيد الأنصارى وهو من أقرانه ومحمد بن إسحاق. قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ووثقه النسائى وابن سعد وقال كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة ثمانين ومائة. روى له مسلم والنسائى وابن ماجه
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاه مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «أَنَّهُ كَبَّرَ» .
(ش) أى أن مسلم بن إبراهيم حدّث أبا داود بهذا الحديث مرسلا أيضا كما حدّثه أيوب و (أبان) بن يزيد العطار، و (يحيى) بن أبى كثير
(قوله الربيع بن محمد) روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا. وعنه يحيى بن أبى كثير. روى له أبو داود
(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، ح وثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْأَزْرَقِ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، ح وثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ إِمَامُ مَسْجِدِ صَنْعَاءَ، ثَنَا رَبَاحٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، ح وثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كُلُّهُمْ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مَقَامِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ لِلنَّاسِ:«مَكَانَكُمْ» ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ، وَقَدِ اغْتَسَلَ
وَنَحْنُ صُفُوفٌ وَهَذَا لَفْظُ ابْنُ حَرْبٍ، وَقَالَ عَيَّاشٌ فِي حَدِيثِهِ «فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ اغْتَسَلَ» .
(ش)(رجال الحديث)
(قوله محمد بن حرب) المعروف بالأبرش الخولانى الحمصى أبو عبد الله. روى عن الأوزاعي والزبيدى وابن جريج ومحمد بن زياد. وعنه حيوة بن شريح وإسحاق بن راهويه وإبراهيم بن موسى وآخرون، وثقه العجلي وابن معين والنسائى وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال أحمد ليس به بأس. مات سنة أربع وتسعين ومائة
(قوله الزبيدى) بضم الزاى وفتح الموحدة هو محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصى القاضى أحد الأعلام. روى عن مكحول ونافع وهشام بن يزيد وسعيد المقبرى وكثيرين. وعنه الأوزاعي وشعيب بن أبى حمزة وبقية بن الوليد وإسماعيل بن عياش وآخرون، قال ابن سعد كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث وكان ثقة وقال أحمد كان لا يأخذ إلا عن الثقات وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من الحفاظ المتقنين ووثقه ابن معين والعجلى والنسائى وقال أبو داود ليس في حديثه خطأ. مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذى
(قوله عياش بن الأزرق) ويقال عياش بن الوليد بن الأزرق البصرى أبو النجم. روى عن عبد الله بن وهب. وعنه أبو داود وجعفر بن محمد وأحمد بن صالح، قال العجلى ثقة وقد كتبت عنه، و (يونس) بن يزيد الأيلى
(قوله مخلد) بوزن مكتب (ابن خالد) بن يزيد الشعيرى أبو محمد العسقلانى نزيل طرسوس. روى عن أبى معاوية وابن عيينة وابن نمير وأبي سلمة وإبراهيم بن خالد. وعنه أبو عوف ومحمد بن خالد الخلال ومحمد بن إسحاق وآخرون. قال أبو حاتم لا أعرفه ووثقه أبو داود وقال الذهبى صدوق فاضل. روى له مسلم وأبو داود
(قوله إبراهيم ابن خالد) بن عبيد الصنعانى أبو محمد القرشى. روى عن عمرو بن عبد الرحمن ومعمر ورباح ابن زيد وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وابن المدينى وسلمة بن شبيب وأبو داود والنسائى. وثقه أحمد وابن معين والبزّار والدارقطنى. مات على رأس المائتين، و (صنعاء) بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبالعين المهملة هي عاصمة اليمن
(قوله رباح) بن زيد القرشى مولاهم الصنعاني روى عن معمر وعمر بن حبيب وعبد الله بن بحير. وعنه ابن المبارك وإبراهيم بن خالد وأبو ثور وآخرون، قال أبو حاتم جليل ثقة وأثنى عليه أحمد وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان شيخا صالحا فاضلا ووثقه النسائى والعجلى والبزّار ومسلم. توفي سنة سبع وثمانين ومائة عن إحدى وثمانين. روى له أبو داود والنسائى، و (معمر) بن راشد، و (الوليد) بن مسلم و (الأوزاعي) هو عبد الرحمن بن عمرو
(قوله كلهم عن الزهرى) أى روى كل من
الزبيدى ويونس ومعمر والأوزاعي هذا الحديث عن محمد بن مسلم الزهرى
(معنى الحديث)
(قوله وصفّ الناس صفوفهم) أى سوّى الناس صفوفهم وعدّلوها كما صرّح به في روايات البخارى
(قوله فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) ظاهر هذه الرواية أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج بعد إقامة الصلاة وتسوية الصفوف وتؤيده رواية مسلم عن أبى هريرة أيضا قال أقيمت الصلاة فقمنا فعدّلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكن في رواية مسلم عن جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفى رواية للبخارى وستأتي للمصنف أيضا إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني. ولا منافاة بين هذه الروايات لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّهم على ما فعلوا قبل خروجه لبيان الجواز وإلا فكان الغالب من أحوالهم عدم الإقامة حتى يخرج أو أن فعلهم هذا كان سببا لقوله لا تقوموا حتى تروني فإنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يبطئَ عن الخروج فيشقّ عليهم انتظاره
(قوله فقال للناس مكانكم) أى قال لهم أو أشار إليهم أن اثبتوا مكانكم ففيه على هذا إطلاق القول على الإشارة فإن أكثر الروايات فأشار بيده أو فأومأ بيده. ويحتمل أن يكون جمع بين القول والإشارة
(قوله ينطف رأسه) بكسر الطاء المهملة وضمها من بابى ضرب وقتل أى يقطر
(قوله ونحن صفوف) يعنى أنهم لم يتحوّلوا عن الهيئة التى تركهم عليها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى اغتسل وجاء إليهم فكبر وصلى بهم
(قوله فلم نزل قياما ننتظره الخ) مقول قول عياش ومرتبط بقوله ثم رجع أى ثم رجع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى بيته فلم نزل ننتظره حال كوننا قائمين إلى أن خرج فهو غاية للانتظار وجملة اغتسل حال، وفي هذه الرواية مخالفة لرواية محمد بن سيرين المرسلة فإن فيها ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا وفى هذه فلم نزل قياما ننتظره وهذه أصح لاتصالها، ويمكن الجمع بينهما بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار إليهم ففهم بعضهم أنه أشار إليهم بالبقاء على حالهم من القيام وفهم البعض أنه أشار إليهم بالجلوس فروى كلّ ما فهم، وسكت المصنف عن ألفاظ بقية الرواة ولعلها كانت نحو لفظ ابن حرب
(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على مشروعية تعديل الصفوف (قال) العينى في شرح البخارى وهو مستحب بالإجماع (وقال) ابن حزم فرض على المأمومين تعديل الصفوف الأول فالأول والتراصّ فيها والمحاذاة بالمناكب والأرجل اهـ ودلّ على جواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قولهم صلى بهم في رواية أبى بكرة المتقدمة وفي رواية الشيخين عن
أبى هريرة ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أن جواز الفصل مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت (وعن) مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد ما لم يكن لعذر
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى في كتاب الغسل والنسائى والدارقطنى في الإمامة وابن ماجه في باب ما جاء في البناء على الصلاة ومسلم عن أبي هريرة من عدّة طرق وأخرجه النسائى وابن ماجه عنه أيضا
(باب في الرجل يجد البلة في منامه)
يعنى يجد البلل بعد الاستيقاظ من النوم ولا يذكر احتلاما أيجب عليه الغسل أم لا. والبلل بالفتح والبلة والبلال بالكسر فيهما والبلالة بالضم الرطوبة. وفى بعض النسخ يجد البلل الخ
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا. قَالَ: «يَغْتَسِلُ» ، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ. قَالَ:«لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَقَالَتْ: أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله حماد بن خالد الخياط) أبو عبد الله القرشي المدني ثم البصرى. روى عن مالك بن أنس وابن أبى ذئب وأفلح بن حميد. وعنه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو بكر بن أبى شيبة وآخرون، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى وابن المديني وقال أبو حاتم صالح الحديث ثقة. روى له الجماعة إلا البخارى
(قوله عبد الله) بن عمر ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن القرشي العدوى. روى عن زيد بن أسلم ونافع وحميد الطويل وأبى الزبير والزهرى وآخرين. وعنه ابنه عبد الرحمن وابن وهب وابن مهدى وأبو نعيم ووكيع وجماعة، قال النسائى وابن المدينى ضعيف وقال ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال صالح بن محمد لين مختلط الحديث وقال يعقوب بن شيبة صدوق في حديثه اضطراب وقال الحاكم ليس بالقوى. توفي بالمدينة سنة إحدى وسبعين ومائة، و (العمرى) بضم ففتح نسبة إلى جدّه الأعلى عمر بن الخطاب
و (عبيد الله) بن عمر بن حفص أخو عبد الله المذكور، و (القاسم) بن محمد بن أبى بكر الصديق
(معنى الحديث)
(قوله ولا يذكر احتلاما) أى لا يتذكر أنه رأى ما يوجب الغسل والاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام ما يراه النائم في نومه يقال حلم بالفتح من باب قتل واحتلم رأى في منامه رؤيا والمراد به هنا أمر خاص وهو الجماع ونحوه
(قوله قال يغتسل) خبر بمعنى الأمر أى ليغتسل (وظاهره) يدلّ على وجوب الغسل بوجود البلل مطلقا وإلى ذلك ذهب ابن عباس والشعبى وابن جبير والنخعى قال الترمذى وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين أنه إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل اهـ (وقال) أبو إسحاق وعطاء ومجاهد يغتسل إذا كانت بلة نطفة (وذهبت) الحنفية إلى أنه إن تذكر احتلاما وتيقن أنه منيّ أو مذى أو شك أمنىّ أم مذى أو ودى فعليه الغسل وإن تيقن أنه ودى فلا غسل عليه وإن لم يتذكر احتلاما فإن تيقن أنه ودى فلا غسل عليه وإن تيقن أنه منىّ فعليه الغسل وإن شك أمنىّ أم مذى أم ودى فكذلك عند أبى حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف لا يجب عليه حتى يتذكر الاحتلام لأن الأصل براءة الذمة فلا يجب إلا بيقين وهو القياس. وأبو حنيفة ومحمد أخذا بالاحتياط لأن النائم غافل والمنىّ قد يرقّ بالهواء فيصير مثل المذى فيجب عليه احتياطا (وقالت) المالكية من انتبه من نومه فوجد بللا في ثوبه أو بدنه فإن تيقن أنه منيّ أو شك أمنيّ أم غيره وجب عليه الغسل وإن تيقن أنه غير منيّ أو شك أمنيّ أم مذى أم ودى فلا غسل عليه (وقالت) الحنابلة إن أفاق نائم ونحوه كمغمى عليه بالغ أو ممكن بلوغه فوجد ببدنه أو ثوبه بللا فإن تحقق أنه منىّ اغتسل وجوبا ولو لم يذكر احتلاما ولا يغسل ما أصابه لطهارة المنىّ وإن تحقق أنه مذى غسل ما أصابه ولا غسل عليه وإن لم يتحقق أنه مذى ولا منىّ ولم يسبق نومه سبب كملاعبة أو نظر أو فكر أو برد لزمه الغسل وتطهير ما أصابه البلل وإن تقدم نومه سبب لم يجب الغسل لأن الظاهر أنه مذى لوجود سببه إن لم يتذكر احتلاما وإلا وجب الغسل "أفاده في شرح المنتهى"(وقالت) الشافعية من انتبه من نومه فوجد بللا وشك أهو منيّ أم مذى فله أن يختار أنه منىّ فيغتسل وله أن يختار أنه مذى فيتوضأ ويغسل ثوبه. والتحقيق في هذا أنه إن تيقن أن البلة منىّ وجب عليه الغسل ذكر احتلاما أم لا وإن تيقن أنها بول أو مذى أو ودى فلا غسل عليه وإن شك أهو منيّ أم غيره اغتسل احتياطا
(قوله قال لا غسل عليه) أى واجب وهذا مجمع عليه (قال) الخطابى ظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق وروى هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبى والنخعى (وقال) أحمد بن حنبل أعجب إلىّ أن يغتسل (وقال) أكثر أهل العلم لا يجب عليه الاغتسال حتى يعلم أنها من الماء الدافق واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط ولم يختلفوا أنه إذا لم ير الماء
وإن كان رأى في النوم أنه قد احتلم فإنه لا يجب عليه الاغتسال اهـ وإنما أدار الحكم على البلل دون الرؤيا لأن الرؤيا تكون تارة حديث نفس ولا تأثير له وتارة تكون قضاء شهوة ولا تكون بغير بلل غالبا فلا يصلح لإدارة الحكم إلا البلل وأيضا فإن البلل شئ ظاهر يصلح للانضباط أما الرؤيا فكثيرا ما تنسى
(قوله فقالت أم سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة ابن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية أم أنس خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل مليكة. تزوّجت مالك بن النضر فولدت أنسا في الجاهلية وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار فغضب مالك وخرج إلى الشام فمات وتزوّجت بعده أبا طلحة "فقد" روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن أبا طلحة خطب أم سليم قبل أن يسلم فقالت يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذى تعبد نبت من الأرض قال بلى قالت أفلا تستحيى تعبد شجرة إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقا غيره قال حتى أنظر في أمرى فذهب ثم جاء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقالت يا أنس زوجّ أبا طلحة فزوّجها. وفي رواية أخرى له عن أنس أيضا قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت إني قد آمنت بهذا الرجل وشهدت بأنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن تابعتنى تزوّجتك قال فأنا على ما أنت عليه فتزوّجته وكان صداقها الإسلام. وكانت تغزو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولها قصص مشهورة (منها) أنها اتخذت خنجرا يوم حنين فقال أبو طلحة يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر فقالت اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت به بطنه (ومنها) أنها لما مات ولدها ابن أبى طلحة قالت لا يذكر أحد ذلك لأبى طلحة قبلى فلما جاء وسأل عن ولده قالت هو أسكن ما كان فظن أنه عوفي وقام فأكل ثم تزينت وتطيبت فنام معها وأصاب منها فلما أصبح قالت احتسب ولدك فذكر ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال بارك الله لكما في ليلتكما فجاءت بعبد الله فأنجب. روت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث كثيرة. روى عنها ابنها أنس وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو سلمة وآخرون. روى لها البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى
(قوله إنما النساء شقائق الرجال) جملة مستأنفة فيها معنى التعليل وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما فهم من أم سليم استبعاد الاحتلام من النساء ذكر لها علة ذلك. والشقائق جمع شقيقة وهي في الأصل أخت الرجل لأمه وأبيه والمراد هنا أنهن نظائر الرجال في الخلق والطبائع والأحكام كأنهن شققن منهم فما ثبت من الأحكام للرجال يثبت للنساء إلا ما قام عليه دليل الخصوصية (قال) ابن الأثير أى نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حوّاء خلقت من آدم عليه السلام. وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه أى فيجب الغسل على المرأة
برؤية البلل بعد النوم كالرجل اهـ (وقال) الخطابى فيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التى قامت أدلة التخصيص فيها اهـ
(فقه الحديث) والحديث يدلّ على وجوب الغسل بوجود بلل بعد النوم وإن لم يتذكر احتلاما، وعلى أنه يطلب ممن جهل حكما شرعيا أن يسأل عنة ولا يمنعه الحياء عن ذلك، وعلى أن المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والترمذى وقال إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه اهـ وأخرجه البيهقى أيضا وابن ماجه بدون ذكر قول أم سليم بلفظ قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه ورأى بللا ولم ير أنه احتلم اغتسل وإذا رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا فلا غسل عليه، وأخرجه أحمد والدارمى وابن أبي شيبة وقد تفرّد به عبد الله العمرى ولم نجده عن غيره فالحديث معلول بعلتين ضعفه وتفرّده به ولذا قصر عن درجة الحسن والصحة
(باب المرأة ترى ما يرى الرجل)
أى ترى في منامها مثل ما يرى الرجل
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَنْبَسَةُ، ثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيَّةَ وهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتْ فِي المنامِ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ أَمْ لَا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:«نَعَمْ. فَلْتَغْتَسِلْ إِذَا وَجَدَتِ الْمَاءَ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: أُفٍّ لَكِ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «تَرِبَتْ يَمِينُكِ يَا عَائِشَةُ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ »
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عنبسة) بن خالد بن يزيد بن أَبى النجاد الأيلي الأموى مولاهم أبو عثمان. روى عن يونس بن يزيد ورجاء بن جميل وابن جريج وابن المبارك، وعنه ابن وهب ومحمد ابن مهدى وأحمد بن صالح وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال يحيى بن بكير إنما يحدّث عن عنبسة مجنون أحمق. توفى بأيلة سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له البخارى وأبو داود
(معنى الحديث)
(قوله إن الله لا يستحيى من الحق) قدّمت أم سليم هذا القول تمهيدا لبسط عذرها في ذكرها ما تستحيى النساء من ذكره لأن الذى يعتذر به إذا كان متقدّما على المعتذر منه أدركته النفس صافيا من العتب وإذا تأخّر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه ثم يأتي العذر رافعا وعلى الأول يأتى دافعا ودفع الشئ المستكره قبل وقوعه أيسر من رفعه بعد وقوعه ويستحيى بياءين على الأصل من الحياء وهو تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به أو يذمّ وهو مستحيل على الله تعالى فيحمل على أن المراد لازمه وهو المنع أى إن الله تعالى لا يمنع من ذكر الحق. أو أن المراد لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه (قال) ابن دقيق العيد ولعل قائلا يقول إنما يحتاج إلى تأويل الحياء إذا كان الكلام مثبتا كما جاء إن الله حيّ كريم وأما في النفى فالمستحيلات على الله تعالى تنفى ولا يشترط في النفى أن يكون المنفى ممكنا (وجوابه) أنه لم يرد النفى على الاستحياء مطلقا بل على الاستحياء من الحق وبطريق المفهوم يقتضى أنه يستحيى من غير الحق فيعود بطريق المفهوم إلى جانب الإثبات اهـ
(قوله فلتغتسل إذا وجدت الماء) أى المنىّ بعد الاستيقاظ. وأتى به بعد الجواب بنعم لأنها ليست نصا في الجواب على وجوب الغسل. وفي رواية البخارى إذا رأت الماء وفيه ردّ على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما تعرف إنزالها بشهوتها. وحمله الوجود والرؤية في الروايتين على العلم مردود لأن العلم حال النوم متعذر ولأن الرجل إذا رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لا يجب عليه الغسل فكذلك المرأة
(قوله فقلت أفّ لك) هذه كلمة تستعمل في الاحتقار والإنكار وهو المناسب هنا فإن الظاهر من قول عائشة الإنكار على أم سليم كما يدل عليه قوله وهل ترى ذلك المرأة وقولها في بعض الروايات فضحت النساء تربت يمينك، وأفّ اسم صوت إذا صوّت به الإنسان علم أنه متضجر وقيل أصل الأفّ وسخ الأصبع إذا فتل ويقال أففت بفلان تأفيفا إذا قلت له أفّ لك وفيها لغات أفضحها وأكثرها استعمالا ضم الهمزة وتشديد الفاء مكسورة منوّنة
(قوله وهل ترى ذلك المرأة) الاستفهام للإنكار بمعنى النفى أى لا ترى المرأة ذلك (قال العراقى) أنكرت عليها بعد جواب المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشئ تحقق وقوعه فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة ليعرفوا حكمها وإن لم تقع بل قد يصوّرون المستحيل لتشحيذ الأذهان اهـ (وقال) ابن عبد البرّ فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أكثر (وعكس) ذلك ابن بطال فقال فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن (قال) الحافظ والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع أى فيهن قابلية ذلك اهـ (قال) السيوطى وأى مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنهن لا يحتلمن كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون لأنه من الشيطان فلم يسلطه عليهم وكذا لا يسلط على أزواجه تكريما له اهـ
(قال) الزرقانى المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وهو كغيره لم يثبت للأنبياء إلا بالدليل (وقال) العراقى بحث بعض أصحابنا فمنع وقوعه من أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا مناما والشيطان لا يتمثل به. وفيه نظر لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية كما يقع لكثير من الناس أو يكون سبب ذلك شبعا أو غيره. والذى منعه بعض العلماء هو وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اهـ
(قوله تربت يمينك) هذه الكلمة معناها الأصلى التصقت اليد بالتراب وهو كناية عن الفقر لكن العرب اعتادت استعمالها كثيرا في غير المعنى الأصلى فليس المراد بها هنا الدعاء على عائشة بل المراد الإنكار عليها (وقال) الباجى يحتمل أنه قال ذلك تأديبا لها لإنكارها ما أقرّ عليه وهو لا يقرّ إلا على الصواب وقد قال "اللهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة إليك" فلا يمتنع أن يقول لها ذلك لتؤجر وليكفر لها ما قالته اهـ
(قوله ومن أين يكون الشبه) أى مشابهة الولد أمه. وفي رواية البخارى فبم يشبهها ولدها. وفي رواية لمسلم وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك، والشبه بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة أو بكسر الشين وسكون الباء بمعنى المشابهة وهى الاشتراك ولو في بعض الصفات وذلك أن ماء الرجل إذا غلب ماء المرأة يكون شبه الولد للأب وبالعكس للأم ولو لم يكن للأم ماء ما كان يشبهها الولد أصلا. وفي صحيح مسلم إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه اهـ وهو يشبه أخواله لشبهه بأمه ويشبه أعمامه لشبهه بأبيه. وفي رواية له أيضا ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منيّ الرجل منيّ المرأة أذكرا بإذن الله تعالى وإذا علا منىّ المرأة منيّ الرجل أنثا بإذن الله تعالى. وقوله أذكرا بضم فسكون أى صار المنيان أصلا لذكر وقوله أنثا بضم الهمزة وتشديد النون أى صارا أصلا لأنثى
(فقه الحديث) دلّ الحديث على ترك الاستحياء من السؤال عما فيه مصلحة، وعلى مشروعية زجر من يلوم على من يسأل عما جهله وإن كان مما يستحيى منه عادة. وعلى وجوب الغسل على المرأة إذا احتلمت ووجدت الماء، وعلى أن المرأة تحتلم ولها ماء كالرجل، وعلى أن المولود قد يشبه أمه كما قد يشبه أباه. وهذا الحديث لم نقف على من أخرجه غير المصنف
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّبَيْدِيُّ، وَعُقيْلٌ، وَيُونُسُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وبْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَوَافَقَ الزُّهْرِيُّ: مُسَافِعٌ الْحَجَبِيُّ قَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَقَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ
(ش)(قوله وكذلك روى الزبيدى الخ) أى كما روى الحديث يونس عن ابن شهاب الزهرى رواه الزبيدى وعقيل بن خالد ومن معهما عن الزهرى وكذا رواه ابن أبى الوزير عن مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة فالزهرى جعل الحديث من مسند عائشة ووافقه في ذلك مسافع الحجبى وأما هشام بن عروة فرواه عن عروة عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة ولم يتابعه أحد وعليه فالحديث من مسند أم سلمة فعلى الأول تكون المراجعة بين عائشة وأم سليم وعلى الثاني تكون بين أم سلمة وأم سليم (وقد اختلف) العلماء في ذلك فمنهم من رجح ومنهم من جمع فالمصنف أشار إلى ترجيح رواية الزهرى حيث ذكر أن يونس تابعه في الرواية عن الزهرى أربعة وأن الزهرى تابعه في الرواية عن عروة مسافع الحجبى. ونقل القاضى عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة وهذا يقتضى ترجيح رواية هشام بن عروة على رواية الزهرى وهو ظاهر صنيع البخارى حيث اقتصر على إخراج حديث أم سلمة من عدّة طرق عن هشام. ويؤيده أيضا أن حديث أم سلمة اتفق على تخريجه الشيخان وأصحاب السنن (وقال) النووى في شرح مسلم يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم اهـ (قال) الحافظ في الفتح وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مجلس واحد اهـ وفيه وقد سألت عن هذه المسألة أيضا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائى وابن ماجه وفي آخره كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند ابن أبى شيبة اهـ
(قوله الزبيدى) بالتصغير هو محمد بن الوليد وروايته أخرجها النسائى قال أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدى عن الزهرى عن عروة أن عائشة أخبرته أن أم سليم كلمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعائشة جالسة فقالت له يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق "الحديث"
(قوله وعقيل) بالتصغير ابن خالد مولى عثمان بن عفان وروايته أخرجها البيهقى ومسلم قال حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبى عن جدّى قال حدثنى عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة الخ
(قوله ويونس) بن يزيد وذكره هنا تصحيف من النساخ
(قوله وابن أخى الزهرى) اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدني. روى عن عمه وأبيه وصالح بن عبد الله. وعنه معن والقعنبى وأمية بن خالد ومحمد بن إسحاق وطائفة، قال ابن معين ضعيف لا يحتج به وقال ابن عدى لم أر بحديثه بأسا ولا رأيت له حديثا منكرا وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه وقال ابن حبان كان ردئ الحفظ كثير الوهم وقال الساجى صدوق تفرّد عن عمه بأحاديث لم يتابع عليها ووثقه أبو داود وقال سمعت
أحمد يثني عليه وأخبرني عباس عن يحيى بالثناء عليه، مات سنة سبع وخمسين ومائة، روى له الجماعة. وروايته لم نقف على من وصلها من المحدّثين
(قوله وابن أبى الوزير) هو إبراهيم بن عمر بن مطرّف الهاشمى مولاهم المكي أبو عمرو ويقال أبو إسحاق نزل البصرة، روى عن مالك وشريك ونافع الجمحى وابن عيينة، وعنه على بن المدينى وابن المثني وعبد الله الجعفي وابن بشار وغيرهم. قال أبو حاتم والنسائى لا بأس به، وقال الدارقطنى ثقة ليس في حديثه ما يخالف الثقات ووثقه الترمذى مات سنه ثلاث وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلما. وقد أخرج حديثه ابن عبد البرّ قال الزرقاني كل من رواه عن مالك لم يذكر فيه عن عائشة إلا ابن نافع وابن أبي الوزير فروياه عن مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة أن أم سليم أخرجه ابن عبد البر اهـ
(قوله ووافق الزهرى مسافع) الزهرى مفعول لوافق ومسافع فاعله ومسافع بضم الميم وبالسين المهملة ابن عبد الله بن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة العبدرى أبو سليمان. روى عن عمته صفية وابن عمرو بن العاص وعروة بن الزبير ومعاوية بن أبى سفيان. وعنه مصعب بن شيبة ومنصور ابن عمته صفية والزهرى وجويرة بن أسماء. وثقه العجلى وقال تابعى وقال ابن سعد كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود ومسلم والترمذى، و (الحجبى) نسبة إلى الحجبة جمع حاجب على غير قياس والقياس النسبة إلى المفرد فيقال حاجبى والمراد بهم حجبة الكعبة المكرّمة من بنى عبد الدار بن قصى، وحديثه أخرجه مسلم والبيهقى من طريق ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب ابن شيبة عن مسافع بن عبد الله عن عروة بن الزبير عن عائشة أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء فقال نعم فقالت لها عائشة تربت يداك وألت قالت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله "الحديث" وألت بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وسكون التاء أى أصابتها الألة بفتح الهمزة وتشديد اللام وهي الحربة
(قوله قال عن عروة عن عائشة) أى قال مسافع في روايته عن عروة الخ وهو بيان لمحل الموافقة
(قوله زينب بنت أبي سلمة) المحزومية وأمها أم سلمة يقال ولدت بأرض الحبشة وكان اسمها برّة فسماها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زينب وهي ربيبته. روت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أمها وعائشة وزينب بنت جحش وأم حبيبة. وعنها ابنها أبو عبيدة وعلى بن الحسين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبو سلمة والشعبي. وكانت أفقه امرأة بالمدينة. توفيت سنة ثلاث وسبعين. روى لها أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله أم سلمة) اسمها هند بنت أبي أمية حذيفة ويقال سهيل بن المغيرة القرشية الخزومية أم المؤمنين كانت قبله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحت أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد وكانت ممن
أسلم قديما هي وزوجها وهاجرا إلى الحبشة فولدت له سلمة ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة فولدت له عمر ودرّة وزينب. وعن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة قال لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل بعيرا له وحملنى وحمل معى ابنى سلمة ثم خرج يقود بعيره فلما رآه رجال بنى المغيرة قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد وأهووا إلى سلمة وقالوا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابنى سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد رهط أبى سلمة وحبسنى بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجى أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ففرّق بينى وبين زوجى وابنى فكنت أخرج كل غداة وأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسى سبعا أو قريبها حتى مرّ بى رجل من بنى عمى فرأى ما في وجهى فقال لبنى المغيرة ألا تخرجون من هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها فقالوا ألحقى يزوجك إن شئت وردّ علىّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابنى فرحلت بعيرى ووضعت ابني في حجرى ثم خرجت أريد زوجى بالمدينة وما معى أحد من خلق الله فكنت أبلغ من لقيت حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بنى عبد الدار فقال أين يا بنت أبي أمية قلت أريد زوجى بالمدينة فقال هل معك أحد فقلت لا والله إلا الله وابنى هذا فقال والله مالك من مترك فأخذ بحطام البعير فانطلق معى يقودني فوالله ما صحبت رجلا من العرب أراه كان أكرم منه إذا نزل المنزل أناخ بى ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرى قدّمه ورحله ثم استأخر عني وقال اركبى فإذا ركبت واستويت على بعيرى أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى نزلت فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بى المدينة فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء قال إن زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة نازلا بها، ولما مات زوجها وانقضت عدّتها خطبها أبو بكر فلم تتزوّجه فبعث النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطبها فقالت أخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أني امرأة غيرى وأني امرأة مصبية وليس أحد من أوليائى شاهدا فقال قل لها أما قولك غيرى فسأدعو الله فتذهب غيرتك وأما قولك إني امرأة مصيبة فسأقوم بأمر صبيانك وأما قولك ليس أحد من أوليائى شاهدا فليس أحد من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك فقالت لابنها عمر قم فزوّج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزوّجه. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وسبعون وثلثمائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة عشر حديثا وانفرد البخارى بثلاثة ومسلم بمثلها. وعنها ابنها عمر وابنتها زينب ونافع وأبو عثمان النهدى وسعيد بن المسيب وكريب مولى ابن عباس وآخرون. توفيت سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة. قال الذهبى هى آخر
أمهات المؤمنين وفاة. روى لها الجماعة
(قوله أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) لفظه عند الشيخين وغيرهما قالت يعني أم سلمة جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصارى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت فقال نعم إذا رأت الماء فقالت أم سلمة يا رسول الله وتحتلم المرأة فقال تربت يداك فبم يشبهها ولدها اهـ وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح
(باب في مقدار الماء الذى يجزئُ به الغسل)
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ «يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ -هُوَ الْفَرَقُ- مِنَ الجَنَابَةِ»
(ش)(قوله هو الفرق) الجملة صفة مبينة للمراد من الإناء والفرق بفتح الفاء وفتح الراء وإسكانها لغتان حكاهما ابن دريد وجماعة والفتح أفصح قال النووى وزعم الباجى أنه الصواب وليس كما قال بل هما لغتان اهـ قال الحافظ ولعل مستند الباجى ما حكاه الأزهرى عن ثعلب وغيره الفرق بالفتح والمحدّثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح اهـ وحكى في القاموس الوجهين وقال الفتح أفصح. وسيأتى للمصنف أن الفرق يسع ستة عشر رطلا، وليس المراد أنه كان يغتسل بملئه لحديث كان يغتسل بالصاع ولحديث عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء يقال له الفرق
(فقه الحديث) والحديث يدل على طلب الاعتدال في ماء الغسل بترك الإسراف والتقتير اقتداء بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد تقدم بيان ذلك وافيا
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى ومالك في الموطأ والطحاوى في شرح معانى الآثار
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ:«كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ»
(ش) أى قال معمر بن راشد في روايته لحديث مقدار الماء الذى يكتفي به في الغسل
قالت عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء فيه ماء قدر الفرق. وغرض المصنف بهذا بيان الاختلاف بين رواية معمر ورواية مالك فرواية مالك فيها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل وحده من الفرق نفسه ورواية معمر فيها أن عائشة كانت تغتسل معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء غير الفرق فيه قدر الفرق. وليس في كل من الروايتين دلالة صريحة على تحديد المقدار الذى كان يأخذه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى يطابق الحديث الترجمة إلا أن يقال إنهما اغتسلا بجميع ما في الإناء المقدّر بالفرق فيكون قدر الماء الذى استعمله كل منهما ثمانية أرطال وهذا لا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع لأن الغسل بالصاع أو الفرق ليس للتحديد بل كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ربما اقتصر على الصاع وربما زاد. والقدر المجزى في الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء أكان صاعا أم أقل أم أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا وفي الزيادة إلى مقدار يدخل فاعله في حدّ الإسراف وتقدم بيان ذلك وافيا في باب ما يجزئُ من الماء في الوضوء. ورواية معمر أخرجها النسائى قال أخبرني سويد بن نصر ثنا عبد الله عن معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد وهو قدر الفرق وفي هذا دلالة على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وعلى جواز تطهر المرأة بفضل الرجل وبالعكس
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالكٍ
(ش) أى روى سفيان بن عيينة نحو حديث مالك. والغرض منه تقوية رواية مالك وترجيحها على رواية معمر. ورواية سفيان هذه أخرجها مسلم من عدة طرق بسنده إلى سفيان والليث كلاهما عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغتسل في القدح وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد وفي حديث سفيان من إناء واحد
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الْفَرَقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ. قَالَ: فَمَنْ قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ قَالَ: وسَمِعْت أَحْمَد يَقُولُ: مَنْ أَعْطَى فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِرِطْلِنَا هَذَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا فَقَدْ أَوْفَى قِيلَ الصَّيْحَانِيُّ ثَقِيلٌ. قَالَ: الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ قَالَ: لَا أَدْرِي
(ش)(قوله الفرق ستة عشر رطلا) بالغدادى وهو ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف على ما تقدم بيانه وعلى هذا أهل اللغة والجمهور (قال) الجوهرى الفرق مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا وفى صحيح مسلم في رواية ابن عيينة عن الزهرى قال سفيان الفرق ثلاثة آصع اهـ (قال) النووى وكذا قال الجماهير اهـ (وقيل) الفرق صاعان لكن نقل أبو عبيد الاتفاق على أن الفرق ثلاثة آصع وعلى أنه ستة عشر رطلا ويؤيده ما رواه ابن حبان عن عائشة بلفظ الفرق قدر ستة أقساط، والقسط بكسر القاف نصف صاع باتفاق أهل اللغة ولا اختلاف بينهم أن الفرق ستة عشر رطلا وأن الصاع خمسة أرطال وثلث
(قوله وسمعته يقول الخ) أى قال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل حال كونه يقول صاع ابن أبى ذئب خمسة أرطال وثلث (وابن أبى ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، وقد وافق أحمد على هذا القول أهل المدينة وأهل الحجاز كافة ويدلّ لهم ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال إنى أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمنى ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقالوا صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتانى نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه وكل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنظرت فإذا هي سواء فقال فعبرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة اهـ قال صاحب التنقيح هذا هو المشهور من قول أبى يوسف
(قوله قال فمن قال الخ) أى قال أبو داود لأحمد فماذا ترى في قول من قال إن الصاع ثمانية أرطال فقال أحمد ليس تقدير الصاع بثمانية أرطال محفوظا (وأما) ما أخرجه النسائى والطحاوى عن موسى الجهنى قال أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال حدثتنى عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بمثل هذا (فقد أجيب) عنه بوجوه (الأول) أن الحزر لا يعارض به التحديد (الثانى) أن مجاهدا لم يصرّح بأن الإناء المذكور كان صاعا حتى يكون معارضا لقول أحمد (الثالث) أن مجاهدا قد شك في هذا الحزر والتقدير فقال ثمانية أرطال تسعة أرطال عشرة أرطال كما أخرجه الطحاوى فكيف يعارض الحزر المشكوك فيه التحديد المتيقن (هذا) وقد تقدم في باب ما يجزئُ من الماء في الوضوء بيان أن الخلاف بين العلماء في وزن الصاع لفظيّ
(قوله قيل له الصيحانى ثقيل) أى قيل لأحمد الصيحانى ثقيل في الوزن فيقلّ مقداره في الكيل عن الصاع فهل يكفى منه خمسة أرطال وثلث في صدقة الفطر. والصيحانى تمر معروف بالمدينة (قال) الأزهرى الصيحانى ضرب من التمر أسود صلب
المضغة نسبة إلى صيحان وهو كبش كان يربط في نخلة بالمدينة فأثمرت ثمرا فنسب إلى صيحان اهـ (وقال) في القاموس الصيحاني من تمر المدينة نسب إلى صيحان كبش كان يربط إليها إذ اسم الكبش الصياح وهو من تغييرات النسب كصنعاني اهـ
(قوله قال الصيحاني أطيب الخ) الكلام على تقدير همزة الاستفهام أى الصيحاني أجود من غيره من أنواع التمر حتى يكفي منه خمسة أرطال وثلث وإن لم تملأ الصاع فقال السائل لا أعلم أنه أجود من غيره حتى يكفى منه ما ذكر. ويحتمل على بعد أن الكلام من قبيل الإخبار والمعنى الصيحاني أطيب أنواع التمر وأعلاها فيكفي منه خمسة أرطال وثلث وإن لم تف الصاع كيلا، وفهم الإمام أحمد أن جودة التمر وثقله تقوم مقام نقصه في الكيل فأجاب بقوله الصيحاني أطيب ثم بدا له أن المنصوص عليه الصاع فلم يحضره الجواب عن كلام السائل فقال لا أدرى: لكن المذكور في كتب الحنابلة أنه لا عبرة بوزن تمر وغيره مما يخرجه سوى البرّ لأن الصاع مكيال فإذا بلغ المخرج من غير البرّ صاعا بالبرّ أجزأ وإن لم يبلغ الوزن ويحتاط في الثقيل فيزيد على وزن الصاع شيئا يعلم أنه قد بلغ صاعا كيلا ليسقط الفرض باليقين (وذهبت) الحنفية والمالكية إلى أن المعتبر من الكيل ما يسع وزن الصاع من التمر أو الشعير فمن أدى من غيرهما لا يكون مؤديا حتى يستوفي مقدار هذا الصاع
(تمّ الجزء الثانى)
(من المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود)
(ويليه الجزء الثالث وأوّله)
(باب في الغسل من الجنابة)