المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب إذا شك في الحدث) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٢

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)

- ‌(باب الوضوء ثلاثا ثلاثا)

- ‌(باب الوضوء مرتين)

- ‌(باب الوضوء مرّة مرّة)

- ‌(باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق)

- ‌(باب في الاستنثار)

- ‌(باب تخليل اللحية)

- ‌(باب المسح على العمامة)

- ‌(باب غسل الرجلين)

- ‌(باب المسح على الخفين)

- ‌(باب التوقيت في المسح)

- ‌(باب المسح على الجوربين)

- ‌(باب كيف المسح)

- ‌(باب في الانتضاح)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا توضأ)

- ‌(باب الرجل يصلى الصلوات بوضوء واحد)

- ‌(باب تفريق الوضوء)

- ‌(باب إذا شك في الحدث)

- ‌(باب الوضوء من القبلة)

- ‌(باب الوضوء من مس الذكر)

- ‌(باب في الوضوء من لحوم الإبل)

- ‌(باب الوضوء من مس اللحم النيء وغسله)

- ‌(باب في ترك الوضوء من مس الميتة)

- ‌(باب في ترك الوضوء مما مست النار)

- ‌(باب الوضوء من اللبن)

- ‌(باب الوضوء من الدم)

- ‌(باب في الوضوء من النوم)

- ‌(باب في الرجل يطأ الأذى)

- ‌(باب فيمن يحدث في الصلاة)

- ‌(باب في المذى)

- ‌(باب مباشرة الحائض ومؤاكلتها)

- ‌(باب في الإكسال)

- ‌(باب في الجنب يعود)

- ‌(باب الوضوء لمن أراد أن يعود)

- ‌(باب في الجنب ينام)

- ‌(باب من قال الجنب يتوضأ)

- ‌(باب الجنب يؤخر الغسل)

- ‌(باب في الجنب يقرأ القرآن)

- ‌(باب في الجنب يصافح)

- ‌(باب في الجنب يدخل المسجد)

- ‌(باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس)

الفصل: ‌(باب إذا شك في الحدث)

فذكر الحديث وقال وأمره أن يعيد الوضوء. وأما العلة الثانية فباطلة أيضا على أصل ابن حزم فإن أصل سائر أهل الحديث أن جهالة الصحابى لا تقدح في الحديث لثبوت عدالة جميعهم اهـ وكذا أخرجه الحاكم من طريق بقية قال حدثنى بحير فانتفت عنه تهمة التدليس. ودعوى البيهقى الإرسال إنما يتمشى على مذهب البخارى الذى يشترط لقى التلميذ لشيخه فإن خالد بن معدان يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعنعنة ولم يثبت لقاؤه به، أما على ما ذهب إليه مسلم والجمهور من عدم اشتراط اللقى فهو متصل

(باب إذا شك في الحدث)

أينتقض الوضوء أم لا، والشك في اللغة خلاف اليقين فيشتمل التردّد بين الطرفين سواء أرجح أحدهما على الآخر أم كانا متساويين وعليه اصطلاح الفقهاء وهو المراد هنا، وعند الأصوليين التردّد بين الطرفين على السواء فإن رجح أحدهما على الآخر فالراجح ظنّ والمرجوح وهم، والحدث لغة التجدد، وشرعا الحالة الناقضة للطهارة وجمعه أحداث مثل سبب وأسباب

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ:«لَا يَنْفَتِلْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله محمد بن أحمد بن أبى خلف) السلمى أبو عبد الله البغدادى روى عن محمد بن طلحة وروح بن عبادة وسفيان بن عيينة وآخرين، وعنه مسلم وأبو داود وابن ماجه وعبد الله بن أحمد وغيرهم، قال أبو حاتم ثقة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ. مات سنة ست وثلاثين ومائتين

(قوله سعيد بن المسيب) بفتح المثناة التحتية ابن حزن بن عمرو المخزومي إمام التابعين. روى عن علىّ وعثمان وعمر وسعد وابن عباس وأبى ذزّ وأبى هريرة وكثيرين. وعنه قتادة وعمرو بن دينار وعطاء بن أبى رباح ويحيى بن سعيد الأنصارى وآخرون، قال قتادة ما رأيت أحدا قطّ أعلم بالحلال والحرام منه وقال مكحول ما لقيت أعلم منه وقال أحمد إنه أفضل التابعين وقال ابن المدينى لا أعلم أحدا في التابعين أوسع علما منه وهو عندي أجلّ التابعين وقال أبو حاتم ليس في التابعين

ص: 175

أنبل منه وقال الشافعى وأحمد وغير واحد مراسيل ابن المسيب صحاح وقال ابن حبان في الثقات كان من سادات التابعين فقها ودينا وورعا وعبادة وفضلا وكان أفقه أهل الحجاز. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وتوفى سنة أربع وتسعين. روى له الجماعة

(قوله عن عمه) أى عمّ عباد وهو عبد الله بن زيد بن عاصم الصحابى وصرح به مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث (قال) الحافظ في الفتح قوله وعباد معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب ثم إن شيخ سعيد بن المسيب يحتمل أن يكون عمّ عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أى عمّ الثاني وهو عباد ويحتمل أن يكون محذوفا ويكون من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف، ويؤيد الثانى رواية معمر لهذا الحديث عن الزهرى عن ابن المسيب عن أبى سعيد الخدري أخرجه ابن ماجة اهـ واختلفوا هل هو عمّ عباد لأبيه أو لأمه وتقدم في باب الوضوء في آنية الصفر

(معنى الحديث)

(قوله شكى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرجل) بالبناء للمفعول وكذا في رواية مسلم والرجل مرفوع على أنه نائب فاعل وعلى هذا فيكون الشاكي غير معلوم. وفى رواية البخاري أنه شكا بالألف مبنيا للفاعل وفاعله عمّ عباد وعلى هذا فيكون الشاكي معلوما والرجل بالنصب مفعول ويجوز فيه الرفع على الحكاية، وشكا من باب قتل يقال شكوته شكوا والاسم شكوى وشكاية وشكاة فهو مشكوّ ومشكى. والشكاية الإخبار عما يسئ ومثل الرجل في ذلك المرأة

(قوله يجد الشئ في الصلاة) أى يحسّ حال التلبس بها بالحدث، وكني عنه بالشئ تأدبا لاستهجان التصريح به وفى رواية البخارى ومسلم أنه يجد الشئ، وفى رواية الإسماعيلى يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء (وقد تمسك) بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة وأوجبوا الوضوء على من شك في الحدث خارجها وفرّقوا بينهما بالنهى عن إبطال العبادة، وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى

(قوله حتى يخيل إليه) أى يتوهم المصلى أنه خرج منه ريح. وحتى تفريعية ويخيل بضم المثناة التحتية وفتح الخاء المعجمة مبنى لما لم يسمّ فاعله مأخوذ من التخييل وهو الوهم (قال) الحافظ في الفتح وأصله من الخيال والمعنى يظن والظن هنا أعمّ من تساوى الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين اهـ

(قوله لا ينفتل الخ) أي لا ينصرف وهو مجزوم بلا الناهية ويجوز فيه الرفع على أن لا نافية والنفى بمعنى النهى والمعنى أنه يستمرّ في صلاته إلى أن يسمع صوت ريح خارج من دبره أو يجد ريحا، وأو للتنويع، والمراد حتى يعلم وجود الريح ولا يشترط السماع والشمّ بالإجماع فإن الأصمّ لا يسمع شيئا والأخشم الذى ذهبت حاسة شمه لا يشمّ أصلا، والتقييد بسماع الريح ووجدانه خرّج مخرج الغالب إذ غيره كذلك (وقال) الخطابى

ص: 176

لم يرد بذكر هذين النوعين من الحدث تخصيصهما وقصر الحكم عليهما حتى لا يحدث بغيرهما وإنما هو جواب خرج على طريق المسألة التى سأل عنها السائل وقد دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين وقد يخرج منه الريح ولا يسمع لها صوتا ولا يجد لها ريحا فيكون عليه استئناف الوضوء إذا تيقن ذلك وقد يكون بأذنه وقر فلا يسمع الصوت أو يكون أخشم فلا يجد الريح والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى وهذا كما روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إذا استهل الصبى ورث" لم يرد تخصيص الاستهلال الذى هو الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة وقبض وبسط ونحوها اهـ والحديث الذى أشار إليه رواه المصنف عن أبى هريرة في باب المولود يهلّ ثم يموت (وحديث الباب) أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضرّ الشك الطارئُ عليه فمن ذلك مسألة الباب التى ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة لا فرق بين حصول الشك في الصلاة وحصوله خارجها وهذا مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف ووافقهم ابن نافع من المالكية واستدلوا بحديث الباب قائلين إن التقييد فيه بالصلاة إنما وقع في السؤال فهى واقعة حال لا تفيد التقييد ويدلّ عليه ما رواه مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا والمراد بالمسجد الصلاة جمعا بين الروايات ففيه إطلاق اسم المحل على الحال، وللمالكية في المسألة قولان آخران فذهب الجمهور منهم إلى أنه إن شك في الحدث قبل الدخول في الصلاة بطل وضوءه ولا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بطهارة متيقنة أما إن شك أثناء الصلاة فإنه يتمادى ولا يقطعها لحرمتها ما لم يتبين حدثه فإن تبين طهره فلا شئ عليه وإن دام على شكه أو تبين حدثه أعاد الوضوء والصلاة وهذا هو المشهور واستدلوا بظاهر حديث الباب وقالوا الفرق بين من كان في الصلاة وغيره أن من دخل في الصلاة دخل بوجه جائز فلا تبطل الصلاة التى دخل فيها إلا بيقين وهو ما نص عليه في الحديث بخلاف من كان خارج الصلاة. لكن قد علمت أن التقييد في الحديث بالصلاة إنما هو واقعة حال لا تفيد التخصيص ويردّ عليهم أن الشك في الحدث شك في المانع والشك في المانع لا يؤثر لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم دليل على خلافه كما هو مقرّر (وأجيب) بأن الشك في المانع لما كان مستلزما لدخول الصلاة شاكا في بقاء الطهارة والطهارة شرط والشك في الشرط شك في المشروط والصلاة في ذمته بيقين فلا يبرأ منها إلا بطهارة متيقنة فلذا وجب الوضوء (وقال) ابن حبيب إذا خيل

ص: 177

إليه أن ريحا خرج منه فلا يتوضأ إلا أن يوقن بخلاف ما إذا شك أبال أو تغوّط أم لا فإنه ينتقض وضوءه أخذا بظاهر حديث الباب لكن قد علمت أن التقييد بسماع الريح ووجدانه خرج مخرج الغالب فلا يفيد التقييد وأما إذا تيقن الحدث وشك أتوضأ أم لا فعليه الوضوء اتفاقا وإذا تيقن كلا من الطهارة والحدث وشك في السابق منهما ففيه خلاف والظاهر أنه كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة (ومن القاعدة) المأخوذة من الحديث التى هي أن الأصل واليقين لا يطرح حكمهما بالشك يتفرّع عدّة فروع ذكرها النووى فقال لو كان مع الشخص ماء أو مائع من لبن أو عسل أو دهن أو طبيخ أو ثوب أو عصير أو غيرها مما أصله الطهارة وتردد في نجاسته فلا يضرّ تردده وهو باق على طهارته، وسواء أكان تردده بين الطهارة والنجاسة مستويا أم ترجح احتمال النجاسة، وكذا لو شك في طلاق أو عتق أو حدث أو طهارة أو حيض زوجته وأمته فله البناء على الأصل ولا يلزمه شيء من هذا كله ما لم يستند الظن إلى سبب معين فإن استند كمسألة بول الحيوان في ماء كثير إذا تغير ومسألة المقبرة المشكوك في نبشها وثياب المتدينين باستعمال النجاسة وغير ذلك فلها أحكام ففى بعضها يعمل بالظاهر بلا خلاف كمسألة بول الحيوان وفي بعضها قولان كمسألة المقبرة ونحوها وفي آنية الكفار المتدينين باستعمال النجاسة وجهان (أحدهما) أنها محكوم بنجاستها عملا بالظاهر (والثاني) بطهارتها عملا بالأصل والثانى هو الأصح وقد أجرى الخراسانيون القولين في ثياب مدمني الخمر والقصابين (أى الجزّارين) وشبههم ممن يخالط النجاسة ولا يتصوّن منها مسلما كان أو كافرا وقالوا كل مسألة تعارض فيها أصل وظاهر أو أصلان ففيها قولان (فرع) واشتدّ إنكار الشيخ أبى محمد في كتاب التبصرة على من لا يلبس ثوبا جديدا حتى يغسله لما يقع ممن يعاني قصر الثياب وتجفيفها وطيها من التساهل وإلقائها وهي رطبة على الأرض النجسة ومباشرتها لما يغلب على القلب نجاسته ولا يغسل بعد ذلك قال وهذه طريقة الحرورية الخوارج ابتلوا بالغلوّ في غير موضعه وبالتساهل في موضع الاحتياط قال ومن سلك ذلك فكأنه يعترض على أفعال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصحابة والتابعين وسائر المسلمين فإنهم كانوا يلبسون الثياب الجديدة قبل غسلها وحال الثياب في ذلك في أعصارهم كحالها في عصرنا بلا شك ثم قال أرأيت لو أمرت بغسلها أكنت تأمن في غسلها أن يصيبها مثل هذه النجاسة المتوهمة فإن قلت أنا أغسلها بنفسى فهل سمعت في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو عن أحد من الصحابة أنهم وجهوا على الإنسان على سبيل الإيجاب أو الندب والاحتياط غسل ثوبه بنفسه احترازا من أوهام النجاسة (فرع) قال أبو محمد في التبصرة نبغ قوم يغسلون أفواههم إذا أكلوا خبزا ويقولون الحنطة تداس بالبقر وهي تبول وتروث في المداسة أياما طويلة ولا يكاد يخلو طحين ذلك عن نجاسته قال وهذا مذهب أهل الغلوّ

ص: 178

والخروج عن عادة السلف فإنا نعلم أن الناس في الأعصار السالفة مازالوا يدرسون بالبقر كما يفعل أهل هذا العصر وما نقل عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصحابة والتابعين وسار ذوى التقوى والورع أنهم رأوا غسل الفم من ذلك (قال) الشيخ أبو عمرو والفقه في ذلك أن ما في أيدى الناس من القمح المتنجس بذلك قليل جدّا بالنسبة إلى القمح السالم من النجاسة فقد اشتبه إذاً واختلط قمح قليل نجس بقمح طاهر لا ينحصر ولا منع من ذلك بل يجوز التناول من أى موضع أراد كما لو اشتبهت أخته بنساء لا ينحصرن فله نكاح من شاء منهن وهذا أولى بالجواز، وفى كلام البغدادى إشارة إلى أنه وإن تعين ما سقط الروث عليه في حال الدراس فمعفوّ عنه لتعذر الاحتراز عنه (فرع) قال الشيخ أبو محمد في التبصرة لو أصاب ثوبه أو غيره شيء من لعاب الخيل والبغال والحمير وعرقها جازت صلاته فيه لأنها وإن كانت لا تزال تتمرّغ في الأمكنة النجسة وتحك بأفواهها قوائمها التى لا تخلو من النجاسة فإنا لا نتيقن نجاسة عرقها ولعابها لأنها تخوض الماء الكثير وتكرع فيه كثيرا قال ولم يزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وسائر المسلمين بعدهم يركبون الخيل والبغال والحمير في الجهاد والحج وسائر الأسفار ولا يكاد ينفك الراكب في مثل ذلك عن أن يصيبه شيء من عرقها أو لعابها وكانوا يصلون في ثيابهم التى ركبوا فيها ولم يعدّوا ثوبين ثوبا للركوب وثوبا للصلاة

(فرع) سئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه عن جوخ حكى أن الكفار الذين يعملونه يجعلون فيه شحم خنزير واشتهر ذلك عنهم من غير تحقيق فقال إذا لم يتحقق فيما بيده نجاسة لم يحكم بالنجاسة (وسئل) عن بقل في أرض نجسة أخذه البقالون وغسلوه غسلا لا يعتمد عليه في التطهير هل يحكم بنجاسة ما يصيبه في حال رطوبته فقال إذا لم يتحقق نجاسة ما أصابه من البقل بأن احتمل أنه مما ارتفع عن منبته النجس لم يحكم بنجاسة ما أصابه من ذلك لتظاهر أصلين على طهارته (وسئل) عن الأوراق التى تعمل وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس وينسخ فيها ويصيب الثوب من ذلك المداد الذى يكتب به فيها مع عموم البلوى فقال لا يحكم بنجاسته (وسئل) عن قليل قمح بقى في سفل جبّ وقد عمت البلوى ببعر الفأر في أمثال ذلك فقال ما معناه إنه لا يحكم بنجاسة ذلك إلا أن يعلم نجاسة في هذا الجبّ المعين والله تعالى أعلم (فرع) قال إمام الحرمين وغيره في طين الشوارع الذى يغلب على الظن نجاسته قولان (أحدهما) يحكم بنجاسته (والثانى) بطهارته بناء على تعارض الأصل والظاهر (فرع) وماء الميزاب الذى يظن نجاسته ولا يتيقن طهارته ولا نجاسته: قال المتولى والرويانى فيه القولان في طين الشوارع، وهذا الذى ذكره فيه نظر والمختار الجزم بطهارته لأنه إن كان هناك نجاسة انغسلت (فرع) إن الشافعى رحمه الله تعالى نصّ على طهارة ثياب الصبيان في مواضع ويدلّ له أن النبى

ص: 179

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى وهو حامل أمامة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وهى طفلة رواه البخارى ومسلم. وكذا يجوز مؤاكلة الصبيان في إناء واحد من طبيخ وسائر المائعات وأكل فضل مائع أكل منه صبى وصبية ما لم يتيقن نجاسة يده فإن يده محمولة على الطهارة حتى يتحقق نجاستها: وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكل مع الصبى طبيخا، ولم تزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم على ذلك من غير إنكار، وكذا ريق الصبى وإن كان يكثر منه وضع النجاسة في فمه فهو محمول على الطهارة حتى تتيقن نجاسته (فرع) هذا الذى ذكرناه كله فيما علم أن أصله الطهارة وشك في عروض نجاسته. أما ما جهل أصله ففيه مسائل (منها) ما لو كان معه قطعة لحم وشك هل هي من مأكول أو غيره فلا يباح له التناول منها لأنه قد شك في الإباحة والأصل عدمها وقد ذكر القاضى حسين فيها تفصيلا حسنا فقال لو وجد قطعة لحم ملقاة وجهل حالها فإن كانت ملقاة على الأرض غير ملفوفة بخرقة ونحوها فالظاهر أنها ميتة وقعت من طائر ونحوه فتكون حراما وإن كانت في مكتل أو خرقة ونحوهما فالظاهر أنها مذكاة فتكون حلالا إلا إذا كان في البلد مجوس واختلطوا بالمسلمين فلا تباح (ومنها) ما لو رأى حيوانا مذبوحا ولم يدر أذبحه مسلم أو مجوسىّ فلا يباح لأنه إنما يباح بذكاة أهل الذكاة وشككنا في ذلك والأصل عدمه اهـ باختصار

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الطهارة لا تنتقض بالشك في الحدث حتى يتيقنه، وعلى مشروعية سؤال أهل الذكر عما خفى حكمه ولو كان مما يستقبح، وعلى طلب التأدب في السؤال بالتكنية عما يستقبح ذكره، وعلى مشروعية بثّ المرءوس شكواه فيما ينزل به لرئيسه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله حماد) بن سلمة

(قوله سهيل) مصغر (ابن أبى صالح) ذكوان السمان أبو يزيد المدني. روى عن أبيه وسعيد بن المسيب وسعيد بن يسار وعطاء بن يزيد والأعمش وغيرهم. وعنه مالك بن أنس ويحيى الأنصارى وسليمان بن بلال

ص: 180