المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الثاني في لزوم العقد - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٥

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيع

- ‌ الأول: في صحته وفساده

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الفساد بجهة الربا

- ‌ في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة

- ‌ في معرفة الجنسية

- ‌الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي

- ‌القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد

- ‌ القسم الثاني من المناهي ما لا يدل على الفساد

- ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

- ‌ الثاني في لزوم العقد

- ‌ الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده

- ‌ الرابع من كتاب البيع…في موجب الألفاظ المطلقة

- ‌اللفظ الثاني: البستان

- ‌اللفظ الثالث: الدار

- ‌اللفظ الرابع: العبد

- ‌اللفظ الخامس: الشجر

- ‌اللفظ السادس بيع الثمار

- ‌باب معاملات العبيد

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌كتاب الرهن

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في القبض والطوارئ قبله

- ‌الباب الثالث: في حكم المرهون بعد القبض

- ‌الباب الرابع: في النزاع بين المتعاقدين

- ‌كتاب التفليس

- ‌الحكم الأول: منع التصرف

- ‌الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته

- ‌الحكم الثالث: حبسه

- ‌الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع

- ‌كتاب الحجر

- ‌كتاب الصلح

- ‌الفصل الأول في أركانه

- ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

- ‌الفصل الثالث في التنازع

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب الضمان

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح

- ‌كتاب الوكالة

- ‌الباب الأول في أركانها

- ‌الركن الأول: ما فيه التوكيل

- ‌الركن الثاني: الموكل

- ‌الركن الثالث: الوكيل

- ‌الركن الرابع: الصيغة

- ‌الباب الثاني في أحكام الوكالة

- ‌الحكم الأول: صحة التصرف إذا وافق الإذن

- ‌الحكم الثاني: العهدة

- ‌الحكم الثالث: الجواز من الجانبين

- ‌الباب الثالث في الاختلاف

- ‌كتاب الإقرار

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

- ‌الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه

- ‌الباب الرابع في الإقرار بالنسب

الفصل: ‌ الثاني في لزوم العقد

ابنين، وخرج معيبًا لم يكن لأحدهما إفراد نصفه بالرد، ثم قال بعد ذلك بأسطر ما نصه: ولو وكَّل رجلان رجلًا بشراء عبد أو وكل رجل رجلًا يشتري عبدًا له فيه نصفه، ففعل وخرج العبد معيبًا. . . . إلى آخره.

تبعه في "الروضة" على ذلك، وهذا الفرع الذي ذكره ثانيًا هو الفرع الأول بعينه، وإنما التعبير مختلف فاعلمه.

قال رحمه الله: النظر‌

‌ الثاني في لزوم العقد

، والأصل في البيع الرؤية والخيار عارض ثم هو ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: خيار التروي وله سببان:

الأول: خيار المجلس:

قوله: [الثالثة](1): الصحيح أن بيع العبد من نفسه جائز، وعلى هذا فهل فيه خيار المجلس؟

قال في الكتاب: لا. وبمثله أجاب في "التتمة" حيث نزله منزلة الكتابة.

وذكر أبو الحسن العبادي مع هذا وجهًا آخر أنه يثبت فيه الخيار، ومال إلى ترجيحه. انتهى كلامه.

لم يصحح أيضًا في "الروضة" شيئًا من هذا الخلاف وقد مال القاضي الحسين إلى ترجيح ثبوته أيضًا، والصحيح عدم الثبوت. كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "شرح المهذب" ولم يتعرض للمسألة في "المحرر".

قوله: الرابعة: في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر وجهان لأنه يتلف بمضي الزمان. انتهى.

(1) في ب: الثالث.

ص: 163

والأصح الثبوت. كذا صححه النووي في "شرح المهذب"، [قوله](1) ولا يثبت في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان، قإن أثبتناه فقيل: معناه أنه بالخيار بين الأخذ والترك مادام في المجلس مع تفريعنا على قول الفور قال إمام الحرمين: هذا غلط، بل الصحيح أنه على الفور، ثم له الخيار في نقض الملك ورده. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الرافعي قد اختلف كلامه في هذه المسألة فصحح في كتاب الشفعة من هذا الكتاب أنه يثبت فقال: والأظهر الثبوت، ويحكى عن نصه في اختلاف العراقيين، وصحح عكسه في "المحرر" هنا أي في البيع فقال: الأصح أنه لا يثبت، وهو الذي صححه النووي في كتبه كلها، ونقله في الشفعة من "زوائده" عن الأكثرين.

الثاني: أن الأصح من الوجهين الأخيرين هو ما استصوبه الإمام. كذا صرح بتصحيحه في "شرح المهذب"، وهو مقتضى كلام الرافعي في الشفعة.

الثالث: سيأتيك في الشفعة أن الشفيع لا يملك بمجرد الأخذ، بل بد معه من أحد ثلاثة أمور: إما بذل الثمن، وإما رضي المشتري بذمة الشفيع، وإما حكم الحاكم بثبوت الشفعة [وفي معناه الإشهاد على وجه وسوف أذكر هذا الموضوع إن شاء الله تعالى في الشفعة](1) للتنبيه فيه على أمر مهم.

إذا علمت ذلك فهل المراد بالمجلس المختلف فيه مجلس الأخذ أو مجلس التملك؟ لم يصرح به الرافعي، ولكن المراد الثاني فتفطن له وافهمه.

(1) سقط من أ.

ص: 164

ويدل عليه تعبير الرافعي بقوله: ثم له الخيار في نقض الملك، وذكر مثله في "الوسيط" في الشفعة فقال بعد التملك: إذا تقرر ذلك فإن ملك ببذل الثمن فله الخيار ما لم يفارق ذلك المجلس.

فإن فارقه المشتري ففي انقطاع الخيار وجهان حكاهما الرافعي في الشفعة من غير ترجيح.

وإن ملك بقضاء القاضي أو بالإشهاد فيظهر أن يأتي فيه ما ذكرناه من جريان الخلاف، ومن كونه هل ينقضي بمفارقته خاصة؟ لم تلتحق به مفارقة القاضي والشهود. كذا قاله في "المطلب" في الشفعة، وعلى هذا فهل ينقطع بمفارقة بعض الشهود أم لابد من مفارقة الجميع أم يعتبر النصاب؟ فيه نظر، والمتجه الثاني.

قال: وإن ملك بالرضي فالذي يظهر أن خيار المجلس يثبت للمشتري لأنه منزل في هذه الحالة بمنزلة البائع بالنسبة إلى حق الحبس كما صرح به الإمام، فكذلك ما نحن فيه.

ويؤيده قول الإمام أن الملك إذا حصل في الشقص المشفوع برضي المشتري، فالأمر في الخيار كما سلف.

قال: وإذا أثبتناه في هذه الصورة ففي خيار الشرط احتمالان أشبههما الثبوت لأن الملك لما توقف في هذه الحالة على الاختيار من الجانبين أشبه البيع.

الأمر الرابع: أن الخلاف بعد الأخذ وقبل التملك ثابت في وجه آخر وهو أنا إذا قلنا: الشفعة على الفور، ومع ذلك خيرناه في المجلس بين الأخذ والترك كما تقدم من حكايته.

فإذا صرح بالأخذ أو بالعفو فهل يثبت له مع ذلك الخيار مادام في المجلس؟

ص: 165

فيه وجهان، المنصوص عليه منهما في اختلاف العراقيين: نعم.

وسوف أذكرهما أيضًا في الشفعة لغرض يقتضي الذكر.

قوله: وإن وهب بشرط الثواب أو وهب مطلقًا وقلنا: إنه يقتضي الثواب فوجهان:

أظهرهما: أن خيار المجلس لا يثبت لأنه لا يسمى بيعًا، والخبر ورد في المتبايعين. انتهى كلامه.

وما ذكره من عدم ثبوت الخيار، ومن تغليب النظر إلى الصيغة على النظر إلى معناها قد ذكر ما يخالفه في موضعين من هذا الكتاب: أحدهما في الركن الثالث من كتاب الشفعة، فإنه ذكر الخلاف في جواز أخذه بالشفعة -أعني الموهوب بشرط الثواب-.

وقال: الأصح الجواز.

قال: وعلى هذا ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان:

أظهرهما: الأخذ لأنه صار بيعًا.

والثاني: لا لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، وهذا هو الخلاف في أن الاعتبار باللفظ أو بالمعنى. هذا لفظه.

فرجح هناك كونها بيعًا نظرًا للفظ، وحينئذ فيلزم منه ثبوت الخيار لتصريحه هنا بكونه دائرًا معه.

والموضع الثاني: وهو أصرح من هذا، ذكره في آخر الهبة، وسأذكر لفظه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: وفي ثبوت خيار المجلس في الإجارة وجهان: أصحهما عند الأكثرين أنها لا تثبت، ورجح صاحب "المهذب" الثبوت، وعن القفال في طائفة أن الخلاف في إجارة العين، أما إجارة الذمة فيثبت فيها لا محالة. انتهى.

ص: 166

فيه أمران:

أحدهما: أن النووي قد تابعه في "الروضة" وأكثر كتبه "كالمنهاج""وشرح المهذب" على عدم الثبوت في الإجارة، وخالف في تصحيح التنبيه فصحح الثبوت في الإجارة المعلقة بالزمان.

وحينئذ فيلزم منه الثبوت في غيرها بطريق الأولى كما هو مقرر في موضعه؛ ذكر ذلك في باب الإجارة.

الثاني: أن ما نقله الرافعي عن صاحب "المهذب" من ثبوت الخيار ليس مذكورًا في "المهذب".

وأما "التنبيه" فاختار فيه الثبوت في الإجارة على العمل، ولم يرجح شيئًا في الإجارة على مدة.

واعلم أن الشيخ أبا حامد والمحاملي وسليم الرازي والجرجاني والقاضي الحسين والغزالي قد صححوا خيار المجلس في أنواع الإجارات.

ونقله الرافعي عن الكرخي، وبه قطع الإمام فيما إذا كانت الإجارة واردة على الذمة، وصحح المنع في إجارة العين.

قوله: "فإن قلنا بثبوتها في إجارة العن فابتداء المدة يحسب من وقت

العقد على الصحيح.

فإن قلنا من حين التفرق فأراد المكري أن يلزمه من غيره في مدة الخيار. قال الإمام: فلا تخير له فيما أظن، وإن كان محتملًا في القياس. انتهى ملخصًا.

لقائل أن يقول: قالوا في بيع البائع في زمن الخيار أنه يصح، ويكون فسخًا فلم لا كان هاهنا مثله أيضًا؟

قوله: وإن تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزمه العقد، وإن أجازاه قبل التقابض فوجهان. إلى آخره.

ص: 167

هذه المسألة سبق الكلام عليها في أوائل باب الربا فراجعه.

قوله: ولو تناديا متباعدين وتبايعا ففي ثبوت الخيار احتمالان للإمام، قطع صاحب "التتمة" بثبوته. وعلى هذا فإذا فارق أحدهما موضعه فهل يبطل خيار الآخر؟ فيه احتمالان للإمام أيضًا. انتهى ملخصًا.

والأصح ثبوت الخيار، وإن إختار الآخر يبطل بالمفارقة كذا صححه في "زيادات الروضة".

قوله: ولو مات أحدهما ثبت الخيار لوارثه في أصح القولين.

فإن قلنا: لا يثبت فقال في "التهذيب" لا ينقطع خيار الحى.

وقال الإمام: يلزم العقد من الجانبين. انتهى ملخصًا.

والموجود في أكثر الكتب هو اللزوم من الجانبين كما قاله الإمام. كذا قاله [ابن الرفعة في "المطلب" وصحح النووي في "زياداته" عدم الانقطاع كما قاله](1) في "التهذيب".

وعلى كلامه اعتراض [لا يعرف إلا بذكر لفظ الأصل والزيادة فنقول قال في "الروضة"](2): فإن لم يثبت الخيار للوارث فقد انقطع خيار الميت.

وأما الحى ففي "التهذيب" أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس.

وقال الإمام: يلزم العقد من الجانبين، ويجوز تقدير خلاف فيه لما سبق أن هذا الخيار لا يتبعض سقوطه لثبوته.

قلت: قول صاحب "التهذيب" أصح، وفيه وجه ثالث حكاه القاضي

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 168

الحسين: أنه يمتد حتى يجتمع هو والوارث؛ ورابع حكاه الروياني أنه ينقطع خياره بموت صاحبه.

فإذا بلغ الخبر للوارث جذب لهذا الخيار معه، والله أعلم. هذا كلام "الروضة".

والاعتراض الذي عليه أن ذكره للوجه الرابع هنا سهو لأنه مفرع على عدم الخيار للوارث.

وهذا الذي عده رابعًا قائل بأن الخيار يثبت للوارث فلا يصح تفريعه عليه إلا أنه قد صرح بأنه لا يثبت إلا ببلوغ الخبر، وهذا لا شك فيه.

نعم! استفدنا منه وجهًا على القول بثبوت الخيار للوارث أنه ينقطع خيار الحى حتى يعلم الوارث فيثبت لهما، والصحيح خلافه، والصواب تفريعهما على القول بالبقاء.

قوله: وإن قلنا: يثبت -أي الخيار- للوارث وكان غائبًا فله الخيار إذا وصل إليه الخبر، ثم هو على الفور أو يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه؟ فيه وجهان. انتهى.

والراجح هو الثاني، كذا رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: إنه أشبه الوجهين، وصححه النووي في "الروضة" من "زياداته" فقال: حاصل الخلاف في خيار المجلس للوارث الغائب أربعة أوجه: أصحها يمتد الخيار حتى يفارق مجلس الخبر.

والثاني: حتى يجتمعا.

والثالث: على الفور.

والرابع: يثبت له الخيار إذا أبصر المبيع ولا يتأخر.

قوله: ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكن بطل خيارهما، وإن لم يتمكن بطل خيار الهارب وحده، قاله في "التهذيب". انتهى.

ص: 169

والأصح خلاف ما قاله البغوي، كذا صححه النووي في "الروضة" من "زياداته" فقال: أطلق الفوراني والمتولي وصاحب "العدة" و"البيان" وغيرهم أنه يبطل خيارهما بلا تفصيل، وهو الأصح لأنه متمكن من الفسخ بالقول، ولأن الهارب فارق مختارًا بخلاف المكره، فإنه لا فعل له. هذا كلامه.

قوله: ولو جن أحدهما أو أغمى عليه لم ينقطع الخيار بل يقوم وليه أو الحاكم مقامه فليفعل ما فيه الحط ولو خرس أحدهما في المجلس، فإن ضمنت له إشارة مفهمة أو كناية فهو على خياره وإلا نصب الحاكم نائبًا عنه. انتهى.

وتعبيره بقوله: (عنه) يقتضي أنه غير محجور عليه لأن المولى عليه لا يستناب عنه، وهو كذلك فتفطن له.

وقد صرح ابن الرفعة في باب التدبير من [الكفاية](1) بأنه مكلف رشيد لا يولى عليه.

واعلم أن النيابة عنه بالنسبة إلى الإجارة متجهة وأما الفسخ فإنه قادر عليه بمفارقة المجلس. وإنما تستقيم النيابة في الأمرين بالنسبة إلى خيار الشرط.

واعلم أن ما ذكرناه قد صرح به الرافعي في الكلام على شروط الذابح، فإنه نقل عن البغوي أن الأخرس إن كانت إشارته مفهمة حلت ذبيحته، وإلا هو كالمجنون.

ثم قال: وقيل: سائر تصرفاته على هذا القياس هذه عبارته.

فأشعر ذلك بأن فيه وجهين، وأن الأصح هو النفوذ حتى لو تصدق أو أهدى ونحو ذلك نفذناه.

(1) سقط من أ.

ص: 170

وما ذكره البغوي سبقه إليه شيخه القاضى الحسين وذكره النووي وقال: الأصح هو الجزم بحل ذبيحته.

السبب الثاني الشرط

قوله: ويصح خيار الشرط بالإجماع لما روى أن حبان بن منقذ أصابته لهة في رأسه وكان يخدع في البيوع فقال له عليه السلام: "إذا بايعت" فقل: "لا خلابة"(1) وجعل له الخيار ثلانًا.

وفي رواية: [وجعل له بذلك ثلاثة أيام وفي رواية ولك](2) الخيار ثلاثًا.

وهذه الروايات كلها في كتب الفقه ولا تلقى في مشهورات كتب الحديث (3) سوى الرواية المقتصرة على قوله: "قل لا خلابة".

وأما ما ذكره في الكتاب وهو ولى الخيار ثلاثة أيام فلا يكاد يوجد في كتب الحديث ولا الفقه.

نعم في شرح مختصر الجويني للموفق بن طاهر: واشترط الخيار ثلاثًا وهما متقاربان. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدهما: أن النووي في "الروضة" قد تابعه على نقل الإجماع،

(1) أخرجه مالك (1368) والبخاري (2011) ومسلم (1533) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، بلفظ:"إذا بعت فقل: لا خلابة". وأخرجه الدارقطني (3/ 54) وابن أبي شيبة (7/ 306) والبيهقي في "الكبرى"(10238) والحميدي (662) وابن الجارود (568)، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثًا. وقد حسنه الألباني -رحمه الله تعالى-.

(2)

سقط من أ.

(3)

راجع مصادر التخريج السابق.

ص: 171

وليس كذلك فقد رأيت في "الاستذكار" عن قوم أنه لا يجوز فقال: خيار الشرط جائز، وقال قوم: لا يجوز. هذه عبارته.

الثاني: هذه الأيام المشروطة يدخل فيها ما اشتملت عليه من الليالي للضرورة. كذا قاله في "شرح المهذب".

وتقتضي هذه العلة أنه لو عقد وقت طلوع الفجر لا يثبت له الخيار في الليلة الثالثة بخلاف نظيره من مسح الخف، وكلام الرافعي في أول مواقيت الحج يوهم خلافه فإنه قال: وقال عليه السلام: "واشترط الخيار ثلاثًا"، والمراد الأيام والليالي. هذه عبارته.

الأمر الثالث: أن حاصل ما قاله رحمه الله من إنكار الزيادة على قوله: (قل لا خلابة) وأن ذلك إنما يوجد في كتب الفقه، وما ذكره ليس كذلك، فقد روى البيهقي في "السنن الكبير" عن ابن عمر قال: سمعت رجلًا من الأنصار يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يغين في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاثة ليال. ورواه أيضًا ابن ماجه بإسناد حسن كما قال في "شرح المهذب" والبخاري في تاريخه مرسلًا.

وقد ظهر لك أن ما أنكره قد رواه المذكورون بالمعنى وقد ظهر لك أيضًا أن جزمه في الحج بإسناد تلك الرواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ذكره فيها هاهنا في غاية التباين.

وحبَّان بحاء مهملة مفتوحة بلا خلاف وبالباء الموحدة. قاله في "شرح المهذب".

قوله: وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثًا. فإذا علم بمدلولها البائع دون المشترى ففي ثبوت الخيار وجهان عن ابن القطان. انتهى مخلصًا.

ص: 172

والصحيح عدم الثبوت. كذا صححه النووي في "زيادات الروضة" و"شرح المهذب" وقال: إن مقابله شاذ ضعيف، بل غلط.

قوله في أصل "الروضة" إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثًا فما دونها فابتداء المدة من وقت العقد، وقيل: من التفرق.

ثم قال: وأما ابتداء مدة الأجل، فإن جعلنا الخيار من العقد فالأجل أولى، وإلا فوجهان. انتهى كلامه.

وما جزم به في الأجل من حكاية وجهين إذا فرعنا على أن ابتداء المدة في الخيار من حين العقد قد خالفه في "شرح المهذب" فحكى طريقة أخرى قاطعه بأن الأجل كذلك أيضًا، وصححه فقال: إذا باع بثمن مؤجل ففي ابتداء وقت الأجل طريقان:

أصحهما: وبه قطع المصنف والعراقيون وجماعة من غيرهم: أنه من حين العقد وجهًا واحدًا.

والثاني: أنه مرتب على ابتداء مدة الخيار إن جعلناها من حين العقد فالأجل أولى.

وإن قلنا: من التفرق ففي الأجل وجهان. هذا لفظه ولو شرط الخيار في أثناء خيار المجلس وقلنا بالصحيح وهو الصحة، كان ابتداء المدة من حين العقد على ما دل عليه كلام الرافعي.

قوله: ولو شرط الخيار إلى مدة يتسارع فيها الفساد إلى المبيع فهل يبطل البيع أو يصح ويباع عند الإشراف على الفساد؟

حكى يحيى اليمني عن بعض من لقيه فيه وجهين. انتهى ملخصًا.

والأصح هو البطلان. كذا صححه النووي في "زيادات الروضة""وشرح المهذب"، وقال فيه: إن مقابله غلط ظاهر.

ص: 173

قوله: أما جواز اشتراط الخيار للمشتري فلحديث حَبّان، وأما للبائع أولهما فبالقياس عليه. انتهى كلامه.

وما ذكره من أن حديث حَبّان ورد في المشتري فليس كذلك، وقد سبق لفظه على ما حكاه هو.

قوله: ولا يثبت في الشفعة بلا خلاف، ثم قال وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون مع نقلهم الخلاف في خيار المجلس.

قال الإمام: ولا أعرف فرقًا بين الخيارين. انتهى كلامه.

وهو لا يقتضي إثبات خلاف في خيار الشرط، وإنما يقتضي استشكال الفرق فقط.

وقد ذكر -أعني الرافعي- في كتاب الحوالة وقوع التردد فيه صريحًا فقال: وقد جمع الإمام الوجوه هكذا وقرب التردد في المسألة من التردد في أن الحوالة هل يلحقها خيار المجلس وخيار الشرط؟ قال: وكل ذلك ينبني على أن الحوالة استيفاء أو اعتياض. هذا كلامه.

ولم يذكر في "الروضة" الموضع الثاني فلزم منه إسقاط الخلاف منها في هذه المسألة.

قوله: وإذا شرط الخيار للأجنبي، وقلنا بالصحيح وهو أنه يصح ولا يثبت للعاقد، فمات الأجنبي في زمن الخيار ثبت الآن للعاقد في أصح الوجهين، قاله في "التهذيب" انتهى.

والذي قاله في "التهذيب" هو الصحيح. كذا صححه النووي في أصل "الروضة".

قوله: وحكى الإمام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من الموكل ثلاثة أوجه وهي أن الخيار يثبت للوكيل أم للموكل أم لهما؟ انتهى ملخصًا.

ص: 174

والأصح الأول، كذا صححه النووي من "زياداته".

قوله: واختلفوا في ملك المبيع في زمن الخيار على ثلاثة أقوال:

أحدها: للمشتري والملك في الثمن للبائع.

والثاني: للبائع، والملك في الثمن للمشتري.

والثالث: موقوف، فإن تم البيع بان حصول الملك للمشتري بنفس البيع، وإلا بان أن ملك البائع لم يزل، وكذا يتوقف في الثمن.

والأظهر أن الخلاف جار سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما والأشبه توسط ذكره جماعة، وهو أنه إن كان الخيار للبائع فالأظهر بقاء الملك له، وإن كان للمشتري فالأظهر انتقاله إليه، وإن كان لهما فالأظهر الوقوف.

ولهذه الأقوال فروع كثيرة منها: هل يحل الوطء للبائع في زمن الخيار إذا كان الخيار له وحده أولهما معًا؟ فيه خلاف، والظاهر الحل إن جعلنا الملك له، والتحريم إن لم نجعله له. ثم قال ما نصه:

أما إذا كان الخيار للمشتري وحده فحكم حل الوطء كما مر في حل الوطء للبائع إذا كان الخيار له أولهما. انتهى كلامه.

وحاصل ما ذكر أن الصحيح جواز الوطء للمشتري في هذه الحالة لأنه جعل الحكم فيه كالبائع، وحكم البائع الجواز إذا جعلنا الملك له كما تقدم. وحينئذ فيكون الصحيح في المشتري هو الجواز أيضًا عند انفراده بالخيار، لأن الصحيح أن الملك له.

إذا علمت ذلك فاعلم أن المشتري لا يباح له الوطء إلا إذا حصل الاستبراء عنده، وتجويزه الوطء له في زمن الخيار يستلزم الاعتداد بالاستبراء في ذلك الزمن.

والصحيح على ما قاله في باب الاستبراء أنه لا يكفي لضعف الملك، وقيل: يكفي، وصححه الإمام والغزالي.

ص: 175

وقيل: إن كان بوضع الحمل كفى لقوته، وإن كان بالحيض فلا.

واعلم أن هذه المسألة ذكرها الغزالي (1) في "الوجيز" هنا كذلك بناء على قاعدته التي أوضحها في باب الاستبراء مخالفًا للأكثرين، فتابعه عليها الرافعي غير باحث عن شرائطها فلزم ما لزم.

وقد أجاب ابن الرفعة في "شرح الوسيط" عن هذا الموضع بأن تحريم الوطء قد يكون لعدم الملك أو لعدم الاستبراء أو لغيرهما.

وقد ثبت لنا بهذا الملك الذي لم يستقر ثبوت الحل المتوقف على الأملاك، وزال التحريم المستند إلى عدم الملك، وإن حرم من جهة أخرى، ووقع الموضعان في "الروضة" كما وقعا في الكتاب.

قوله: ووراءها فروع:

أحدها: إذا تلف المبيع بأفة سماوية في زمان الخيار، وكان التلف بعد القبض، فإن قلنا: الملك للبائع انفسخ ويغرم للبائع القيمة، وفي مقدارها ما في المستعير والمستام.

وإن قلنا: الملك للمشتري أو موقوف فوجهان أو قولان: أصحهما: أنه لا ينفسخ.

ثم قال: فإن قلنا بالانفساخ فعلى المشتري القيمة. قال الإمام: وهاهنا يجب القطع باعتبار قيمة يوم التلف، لأن الملك قبل ذلك للمشتري وإنما يقدر انتقاله إليه قبيل التلف. انتهى كلامه.

وما نقله عن الإمام وأقره إنما يستقيم على قولنا: الملك للمشتري خاصة لا على قول الوقف. وهو مفرع على القولين معًا.

قوله: ولو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار وأتلفه متلف قبل إنقضائه إن قلنا الملك للبائع انفسخ البيع كالتلف.

(1) سقط من جـ.

ص: 176

وإن قلنا للمشتري أو موقوف نظر إن أتلفه أجنبي بنى على ما لو تلف إن قلنا: ينفسخ العقد هناك فهو كإتلاف الأجنبي المبيع قبل القبض، وسيأتي.

وإن قلنا: لا ينفسخ وهو الأصح فكذا هنا، وعلى الأجنبي القيمة والخيار بحاله فإن تم البيع فهو للمشتري، وإلا فللبائع. انتهى.

وما ذكره هاهنا من إعطاء القيمة للبائع إذا لم يتم البيع فيه نظر، والقياس إذا قلنا: الملك للمشتري أنه يلزمه للبائع [قيمته](1) يوم التلف، فإن كان ما ضمنه للأجنبي أكثر كانت الزيادة له لكون الملك له.

قوله: ولو اشترى زوجته بشرط الخيار ثم خاطبها بالطلاق في زمن الخيار، فإن تم العقد، وقلنا: الملك للمشتري أو موقوف [لم يقع الطلاق وإن قلنا للبائع وقع وإن فسخ وقلنا للبائع أو موقوف](2) وقع.

وإن قلنا للمشتري فوجهان. انتهى.

تابعه في "الروضة" على حكاية الوجهين من [غير](3) تصحيح والأصح منهما عدم الوقوع، كذا صححه الرافعي في كتاب الطلاق في الكلام على التعليقات، وعبر بقوله:(الأصح) إلا أنه فرض المسألة في الطلاق المعلق بالشراء، ولا فرق بينه وبين الإيقاع بعد الشراء، ولنذكر ما قاله، فإن فيه كلامًا آخر ينبغي الوقوف عليه فنقول: قال في القسم الثاني من تعليق الطلاق قبيل قوله ولو قال أنت طالق يوم يقدم فلان ما نصه:

فرع: إذا قال الحر لزوجته الأمة إن اشتريتك فأنت طالق، وقال سيدها: إن بعتك فأنت حرة فباعها لزوجها عتقت في الحال لأنا إن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف فالجارية ملكه، وقد وجدت الصفة.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

(3)

سقط من أ.

ص: 177

وإن قلنا: الملك للمشتري فللبائع الفسخ واعتاقه فسخ فتعود الجارية بالإعتاق إلى ملكه.

وأما الطلاق، فقد أطلق ابن الحداد أنه يقع، قال الأصحاب: هذا تفريع على أن الملك في زمن الخيار للبائع، فإن النكاح على هذا القول باقٍ، وقد وجد شرط الطلاق فيقع.

وكذا الحكم على قولنا موقوف لأنه لم يتم البيع. وأما إذا قلنا: الملك للمشتري فلا يقع الطلاق على الأصح لمصادفتة حال الملك وقوع الانفساخ. انتهى كلامه.

وما ادعاه من كون الجارية ملكه على القول بالوقف ليس كذلك، بل إن انفسخ تبينا [أنها ملكه وإلا تبينا](1) أنها للمشتري.

قوله في المسألة: وليس له الوطء في زمن الخيار لأنه لا يدري أيطأ بالملك أم بالزوجية. هكذا حكى عن نصه، وفيه وجه آخر. انتهى كلامه.

واعلم أنه ليس المنع هنا لأجل عدم تعيين الجهة المقتضية للحل، فإن عدم تعيينها لا يمنع الحل باطنا، وكذا في الظاهر في أصح الوجهين بل المنع لأن الملك في زمن الخيار للمشتري على قول. وإذا ثبت الملك انفسخ النكاح، والملك الثابت ضعيف لا يفيد حل الوطء.

فمعنى كلام الشافعي أنه لا يدري أيطأ بالملك الضعيف الذي لا يبيح له أم بالزوجية؟ وما ذكرته من الحكم والتعليل صرح بجميعه الرافعي في آخر الباب الثالث من أبواب الإقرار.

قوله: وعن الصيمري أن قول البائع في زمن الخيار لا أبيع حتى تزيد في الثمن، وقول المشتري: لا أفعل اختيارًا للفسخ .. إلى آخر ما قال.

(1) سقط من أ.

ص: 178

وما ذكره الصيمري قد جزم الرافعي في كتاب الوكالة بما يوافقه، فإنه ذكر في الكلام على القبول أن الوكيل إذا قال: لا أفعل كان ذلك ردًا للوكالة.

قوله: ومجرد الإذن في هذه التصرفات -يعني إذن البائع للمشتري- في البيع ونحوه لا يكون إجازة من البائع حتى لو رجع قبل التصرف كان على خياره، ذكره الصيدلاني وغيره.

ثم قال: الخامسة في القرض على البيع والإذن والتوكيل فيه وجهان:

أحدهما: أن هذه التصرفات فسخ من جهة البائع وإجازة من جهة المشتري.

وأظهرهما: لا. انتهى.

وما ذكره الرافعي هنا إن أراد به إذن البائع أو المشتري لأجنبي في البيع فهو توكيل له، وذلك عطف للشيء على نفسه، وإن أراد به إذن البائع للمشتري فقد تقدم نقله عن الصيدلاني، وأيضًا فلأن إذن البائع للمشتري تقرير لملكه فلا [يتخيل](1) أن يكون فسخًا منه.

قوله: فرع.

اشترى عبدًا بجارية ثم أعتقهما معًا نظر إن كان الخيار لهما عتقت الجارية بناء على ما سبق أن اعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ، ولا يعتق العبد المشترى، وإن جعلنا الملك فيه لمشتريه لما فيه من إبطال حق صاحبه على الأصح.

وعلى وجه القائل بنفاذ إعتاق المشتري تفريعًا على أن الملك للمشتري يعتق العبد ولا تعتق الجارية. وإن كان الخيار لمشتري العبد فثلاثة أوجه:

(1) في ب: نجيز.

ص: 179

أصحها: يعتق العبد لأنه إجازة، والأصل استمرار العقد.

والثاني: تعتق الجارية لأن عتقها فسخ، فقدم على الإجازة، ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين وأجاز الآخر قدم الفسخ.

والثالث: لا يعتق واحد منهما، وإن كان الخيار لبائع العبد وحده فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشترٍ والخيار لصاحبه، وبالإضافة إلى الجارية بائع، والخيار لصاحبه.

وقد سبق الخلاف في اعتاقهما، والذي نفتي به أنه لا ينفذ العتق في واحد منهما في الحال، فإن فسخ صاحبه نفذ في الجارية، وإلا ففي العبد.

ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما مشتري الجارية فقس الحكم بما ذكرناه وقيل إن كان الخيار لهما عتق العبد دون الجارية، وإن كان للمعتق وحده فعلى الأوجه الثلاثة، ولا يخفى الثالث. انتهى كلامه.

وما ذكره في القسم الثالث وهو ما إذا كان الخيار لبائع العبد غير مستقيم لا في حالة الفسخ ولا في حالة الإجازة.

أما في حالة الإجازة فواضح البطلان لأنه قد سبق أنه إذا كان الخيار لأحدهما فالملك في المبيع له، وأن الثمن يكون ملكًا لصاحبه، ولا يتصور اجتماع الثمن والمثمن في ملك شخص واحد.

وحينئذ فإذا كان الخيار لبائع العبد وحده كان الملك فيه له، وإذا لم ينفسخ ينتقل إلى المشتري بانقضاء الخيار فكيف يحكم بعتق العبد، وعتقه وقع قبل ذلك، وهو في حالة الخيار المحكوم بالملك فيها للبائع؟ والكلام في القول الذي عليه الفتوى لا في قول الوقف مطلقًا.

وأما ما ذكره في حالة الفسخ من نفوذ عتق الجارية فكيف يستقيم أيضًا لأنها وإن كانت حالة الإعتاق على ملكه لكون العبد على ملك بائعه لأن

ص: 180

الخيار فيه له، ولا يجتمع الثمن والمثمن في ملك شخص واحد إلا أنه قد حجر على نفسه فيها باشتراط الخيار لصاحبه لا له، فكيف ينفذ العتق، وليس له فيها تصرف، والحجر إنما انقطع عنها بفسخ صاحبه؟

وأما ما ذكره في الحال الذي قبله وهو الحال الثاني وهو أن يكون الخيار لمشتري العبد من تصحيح العتق فيه فغير مستقيم لأن الملك في الجارية له خاصة، وحينئذ يكون الملك في العبد لبائعه فلا يصح إعتاقه إياه.

فإن قيل: إذا كان الخيار لواحد، وجعلنا الملك له ومقابله لصاحبه فلم قلنا بالملك فيما بذله دون ما بذله صاحبه، ولم لا كان بالعكس؟ قلنا: لأنه إذا لم يكن بد من تمليكه لواحد فتمليكه لما بذله استصحابًا بالأصل أولى.

ص: 181

قال رحمه الله: القسم الثاني

خيار النقيصة المنوط بفوات شيء من المعقود عليه كان يظن حصوله، وذلك الظن ينشأ من التزام شرطي أو تقرير فعلي أو قضاء عرفي.

قوله: ومن باع عينًا وهو يعلم بها عيبًا وجب عليه أن يبينه للمشتري. انتهى كلامه.

وهو يوهم اختصاص الوجوب، [بالبائع وليس كذلك. بل يجب أيضًا على الأجنبي إذا علم العيب أن يبينه للمشتري](1). وقد جزم به النووي في "زيادات الروضة".

قوله: وكون الأرض ثقيلة الخراج عيب أيضًا وإن كنا لا نرى أصل الخراج في تلك البلاد. انتهى كلامه.

إن قيل: كيف يتصور أن تكون الأرض خراجية ويصح بيعها؟

قلنا: ذكر الرافعي في زكاة النبات ما يؤخذ منه تصويره فقال نقلًا عن بعضهم من غير مخالفة له ما نصه. هل يجوز أن يقال: الظاهر أن اليد للملك والظاهر أن الخراج ما ضرب إلا بحق فلا يترك أحد الظاهرين بالآخر. انتهى.

ومقتضى ما قاله تصديقه وأنه يصح بيعها، ويتصور أيضًا بما إذا ضرب الخراج على أملاك ظلمًا.

نعم لو صالحنا الكفار على أن تكون الأراضي لهم، وأن يعطوا خراجًا، فإن الخراج جزية تسقط بإسلامهم كما قاله الأصحاب.

وحينئذ لو باعوا الأرض والحالة هذه فهل يصح أم لا؟ فيه نظر.

وقد اختلفت المالكية في المسألة على قولين.

(1) سقط من أ.

ص: 182

قوله: وقول "الوجيز" واعتياد الزنا والسرقة والإباق عيب مشعر باعتبار الاعتياد، وليس كذلك.

أما في الزنا فقد نصوا عليه، ثم قال: وأما الإباق فعن أبي علي الزجاجي أنه لو أبق العبد في يد البائع فللمشتري الرد، وإن لم يأبق في يده، وهذا ما اختاره القاضي الحسين وقال: الفعلة الواحدة في الإباق يجوز أن تعد عيبًا أبدًا كالوطء في إبطال الحضانة والسرقة قريبة منهما. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا الكلام يشعر بانفراد الغزالي باعتبار الاعتياد أو أنه من سبق القلم، ولأجل هذا لم يحك النووي في "الروضة" مقالته، بل جزم بعدم الاشتراط.

فأما ما اقتضاه كلامه في الزنا فمسلم، وأما السرقة والإباق فغريب جدًا، فقد جزم الإمام بما قاله الغزالي في أوائل باب السلم في فصل أوله قال: وإن فسد الرطب، فقال ما نصه: قلنا: اعتياد الإباق [عيب واتفاق الإباق](1) لا يلتحق بالعيوب. انتهى.

وذكر نحوه في باب بيع البزاة، وجزم به أيضًا القاضي الحسين في السرقة والإباق معًا، وقد نقله في "الكفاية" عن تعليقه.

وأما ما نقله عنه الرافعي من ثبوت الرد بالمرة فقلد فيه الهروي في "الإشراف" فإنه نقل كثيرًا من هذا الفصل عنه، ومن جملة ما فيه هذا الكلام تعليلًا لمسألة أخرى فقال: وإذا أبق العبد في يد البائع قيل: لا يرد المشتري إلا إذا أبق أيضًا عنده.

وقال الزجاجي: له الرد، وللشافعي ما يدل عليه، وكان القاضي الحسين يميل إليه ويقول: الفعلة الواحدة، ثم ذكر ما تقدم أن الرافعي نقله

(1) سقط من أ.

ص: 183

عنه. . . . إلى آخره.

ذكر ذلك في أوائل الكتاب في أثناء فصل عبر في أوله بقوله: يشتمل على مسائل في الرد.

الأمر الثاني: أن قول الرافعي: (وإن لم يأبق في يده) يدل على أن ثبوت الرد عند الإباق أولى عن عدمه.

وقد تقدم إيضاحه فيما نقلناه قريبًا عن الهروي وقد أوضح المسألة بأكثر من ذلك قبيل الكلام الذي نقلناه عنه فقال -أعني الهروي: لو وجد الإباق ونحوه في يد البائع والمشتري جاز الرد لأنه عيب وجد عند البائع، وبقى في يد المشتري وإن لم يوجد في يد المشتري فلا رد لأن العيوب قد ارتفعت، ولو وجدت هذه الأشياء في يد البائع وارتفعت في يده زمنًا بحيث يغلب على الظن زوالها، ثم باعه، ووجدت في يد المشتري قال الثقفي والزجاجي وأبو علي: لا يجوز الرد لاحتمال أن تلك المعاني ارتفعت ثم حدثت في يد المشتري كالمرض.

قوله: لو أخفش أو أجهر. . . . إلى آخره.

ذكر الرافعي في الديات أن الخفش صغر العين وضعف البصر خلقة، ويقال: الذي يبصر بالليل دون النهار وأن الأعشى هو الذي يبصر بالنهار دون الليل، وذكره غيره، وعليه اقتصر النووي هنا من "زوائده" أن الخفش نوعان، ولم يتعرض لصغر العين.

قالوا: ومنه يسمى الخفاش، وهذا الذي ذكره من زوائده مخالف لما ذكره في الديات، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه. وأما الأجهر فهو الذي لا يبصر في الشمس.

وأما الشاغية فهي بالشين والغين المعجمتين، وبعدها ياء بنقطتين من تحت، وهي السن الزائدة المخالفة لنبات الأسنان.

ص: 184

والدرداء بالمهملات هي التي سقطت أسنانها. والثآليل بالثاء المثلثة ممدودة مهموز جمع تألولة، والوحشى بالحاء المهملة وشين معجمة ثم ياء مشددة هو ظهر الرجل واليد.

والحفر بحاء مهملة مفتوحة ثم فاء ساكنة ثم راء مهملة هو فساد أصل الأسنان تقول منه: حفرت أسنانه يحفر حفرًا على وزن كسر يكسر كسرًا وبنو أسد يقولونه على وزن تعب أي بالتاء المثناة يتعب تعبًا.

قوله: أو محرمة.

قال في "الروضة": هذا إذا كان إحرامها بإذن سيدها فإن كان بغير إذنه فلا خيار للمشتري لأن له تحليلها كالبائع.

قال: وقد ذكرنا هذا في آخر الحج، والأمر كما قال من ذكره إياه هناك إلا أنه نقله عن الجرجاني خاصة.

قوله: وله الرد بكون الجارية حاملًا ولا رد به في سائر الحيوانات وقال في [التهذيب](1): يثبت به الرد انتهى كلامه.

وما ذكره في المسألتين قد ذكر فيهما ما يخالفه في آخر الباب فقال قبيل الكلام على الإقالة: ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلًا فحملت عنده ثم اطلع على عيب، فإن نقصت بالحمل فلا رد، وإن لم تنقص فله الرد.

وأطلق بعضهم القول بأن الحمل الحادث نقص، أما في الجواري فلأنه يؤثر في النشاط والجمال.

وأما في البهائم فلأنه ينقص لحم المأكول ويخل بالحمل عليها والركوب. انتهى ملخصًا.

ثم ذكر ما يخالف الموضعين جميعًا في كتاب الصداق فذكر ما حاصله

(1) في ب: المهذب.

ص: 185

أنه عيب فيهما، وستعرف لفظه في موضعه إن شاء الله تعالى.

فتحصلنا على ثلاثة مواضع تابعه عليها [في "الروضة"](1)، وهي لا توافق بعضها بعضًا، ففي [الصداق](2) أنه عيب فيهما، وفى آخر هذا الباب عكسه، وفي أوائله التفصيل.

ووقعت هذه المواضع أيضًا للرافعي في "الشرح الصغير" إلا أنه لم يذكر التفصيل بين الجارية والبهيمة في هذا الموضع، بل ذكره في كتاب الحج في الكلام على جزاء الصيد.

وبالتفصيل أجاب النووي في "شرح المهذب" في كفارة الإحرام، وفي الزكاة أيضًا في الكلام على إخراج الحامل، وعزاه إلى الأصحاب.

واقتصر الرافعي في "المحرر" على المذكور في الصداق.

قوله: ولا رد بكون الأمة مخفوضة أو غير مخفوضة.

المخفوضة بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة أيضًا هى المختونة، قاله الجوهري.

قال: واختفضت المرأة أي اختتنت، والخافضة الخاتنة، وتسمى بذلك لأن محل الختان كان مرتفعًا فانخفض.

قوله: ولو اشترى شيئًا فبان أن بائعه باعه بوكالة أو وصاية أو ولاية أو أمانة فهل له الرد لخطر فساد النيابة؟

حكى الماوردي فيه وجهين. انتهى.

والأصح منهما منع الرد كما قاله في "الروضة" من "زياداته".

قوله: والضابط ثبوت الرد بكل ما نقص العين أو القيمة تنقيصًا يفوت

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 186

به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثاله عدمه فدخل الخصاء في نقصان العين، وإنما شرطنا فيه فوات غرض صحيح للاحتراز عما لو قطع من ساقه أو فخذه قطعة يسيرة وإنما اعتبرنا غلبة العدم لأن الثيابة مثلًا في الإماء تنقص القيمة ولا رد بها إلا إذا كانت صغيرة. انتهى ملخصًا.

وقوة كلامه تقتضي أن الغلبة قيد في تنقيص القيمة خاصة، وقد تكون في نقصان العين أيضًا كقلع الأسنان في الكبير، فإنه قد صرح بذلك في البهائم، والقياس في الأدمي مثله، بل كلامه يقتضي عوده إليه أيضًا -أعني الآدمي.

قوله: إحداها: بيع العبد المرتد صحيح على المذهب ثم قال: وفي العبد الذي تحتم قتله في المحاربة ثلاثة طرق:

أظهرها: عند كثير من الأئمة: أن بيعه كبيع المرتد.

والثاني: وهو اختيار أبي حامد وطبقته: القطع بمنعه إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله بخلاف المرتد فإنه ربما يسلم.

والثالث وبه قال القاضي أَبو الطيب: أنه كبيع الجاني. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح هي الطريقة الأولى، كذا صححها النووي في أصل "الروضة"، ولم ينبه على أنه من "زياداته"، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.

الأمر الثاني: أن اعتاق العبد المحارب صحيح بلا شك والبيع لغرض الإعتاق صحيح كم ذكره الرافعي في شراء العبد الزمن.

وصرح في "الروضة" بأنه لا خلاف فيه، وحينئذ فكيف يستقيم المذكور هنا لاسيما تعليل الطريقة الثانية؟

ص: 187

قوله من "زياداته" وقال صاحب "التلخيص" كل ما جاز بيعه فعلى متلفه القيمة إلا في مسألة وهى العبد المرتد يجوز بيعه ولا قيمة على متلفه قال القفال: هذا صحيح لا قيمة على متلفه لأنه مستحق الإتلاف.

قال: وكذا العبد إذا قتل في قطع الطريق فقتله رجل فلا قيمة عليه لأنه مستحق القتل.

قال فهذا يجوز بيعه، ولا قيمة على متلفه فهده صورة ثانية والله أعلم. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أنه أهمل رحمه الله صورة ثالثة وهي تارك الصلاة، فإنه قد نقل في الصلاة من "زياداته" عن صاحب "البيان" أن الأصحاب نصوا على أنه لا شيء على قاتله ولا شك أن بيعه لا يتقاعد عن بيع المرتد، وقاطع الطريق.

وأهمل أيضًا صورة رابعة وهي الزاني المحصن حيث لا يجب على قاتله شئ، وذلك مبسوط في موضعه فإن قيل: كيف تتصور هذه المسألة مع أن الحرية من شروط الإحصان؟

قلنا: في الكافر إذا زنى وهو محصن ثم التحق بدار الحرب فاسترق.

الثاني: أن صاحب "التلخيص" إنما عبر بقوله في أول المسألة فعلى متلفه القيمة، وتبعه الرافعي وغيره على التعبير به للاحتراز عما إذا غصبه غاصب وتلف عنده فإنه يضمنه. وهذه المسألة مهمة نقلها إمام الحرمين في باب الأسير يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب فقال: فرع: وذكر الشيخ -يعني أبا علي- في أثناء كلامه في "شرح التلخيص" أن العبد المرتد مال يباع ولو قتله مسلم لم يلزمه بقتله ضمانًا، ولو غصبه غاصب فتلف في يده لزم الضمان فإنه مال تام قابل للتصرفات المتعلقة بالملك التام وما كان كذلك

ص: 188

فهو مضمون باليد العادية، ولا يضمن بالقتل لأن قتله في حكم إقامة الحد، فمن ابتدر قتله من المسلمين كان مقيمًا حدا لله تعالى.

وهذا يمثل بعبد مغصوب في يد الغاصب يقول مولاه. اقتله. فلو قتله لم يضمنه، ولو تلف في يده ضمنه هذا لفظه.

قوله: الثالثة: لو اشترى جارية متزوجة عالمًا بزواجها أو علم ورضى فلا رد له.

فإن وجد بها عيبًا قديمًا بعد أن [افتضت](1) في يده فله الرد إن جعلنا العيب الذي سببه متقدم من ضمان البائع، وإلا يرجع بالأرش، وهو ما بين قيمتها متزوجة ثيبًا سليمة، ومثلها معيبة. انتهى ملخصًا.

واعتبار الثيوبة هنا ذكره أيضًا في "الشرح الصغير" وتابعه عليه في "الروضة" وهو غلط لأنا إن جعلناها من ضمان البائع لتقدم سببها فيلزم جواز الرد في هذه الحالة، وهو واضح، ولا كلام فيه وإن لم ينظر إلى سبب الوجود في يد البائع فغايته أن يكون كالثيابة الحادثة للتزويج الصادر منه، ولو كان كذلك لم تعتبر الثيابة عند تقويمها لأجل أرش العيب القديم قطعًا، فكذلك هذا فيثبت أن اعتبار هذه الثيوبة الحادثة بعد العقد والقبض غير مستقيم، وكيف يمكن اعتبارها مع أن المعتبر إما قيمة يوم العقد أو يوم القبض أو أقلهما كما ستعرفه.

والسبب المقتضى لوقوع الرافعي في هذا هو أن البغوي في "التهذيب" ذكره كذلك فتابعه عليه الرافعي من غير [إمعان](2) في النظر، وشيخ البغوي وهو القاضي الحسين لما تكلم في "التعليق" على هذه المسألة لم يتعرض للثيوبة.

(1) فى حـ: أفرعها.

(2)

حـ: إتفاق.

ص: 189

قوله: والتصرية أن يشد أخلاف الناقة. إلى آخره.

الأخلاف بالخاء المعجمة جمع خلفه بكسر الخاء، وهي حلمة ضرع الناقة. قاله الجوهري.

قوله: وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس. انتهى.

وهذا الكلام يوهم اختصاص التحريم بما إذا أراد البيع، وليس كذلك فقد جزم صاحب "التتمة" بأنها حرام سواء أراد البيع أم لا لما فيه من إيذاء الحيوان.

قوله: قال أَبو حامد المروروزى: يمتد خيار التصرية لثلاثة أيام لظاهر الخبر (1).

والأصح وبه قال ابن أبي هريرة أنه على الفور كخيار العيب. انتهى ملخصًا.

تابعه النووي في "الروضة" على تصحيح الفورية، وهو خلاف مذهب الشافعي رحمه الله فقد نص فى اختلاف العراقيين على أنه يمتد ثلاثًا لما نقله ابن الرفعة عن تعليق القاضي أبي الطيب، وكذلك نص عليه أيضًا في "الإملاء" كما نقله عنه الرويانى. وقال ابن المنذر: إنه مذهب الشافعي.

وذهب إليه من الأصحاب الصيمري والماوردي والغزالي في "الخلاصة" وهو مقتضى كلام الروياني والشاشى، وبه قال الجوري بضم الجيم، والفوراني والغزالي في غير "الخلاصة" فيما إذا علم قبل الثلاث قالوا: فإن علم بعدها فيكون على الفور، وصحح البغوي أنه على الفور فتبعه الرافعي.

(1) تقدم تخريجه وهو صحيح.

ص: 190

قوله: أما الجس ففيه وجهان:

أصحهما عند الشيخ أبي محمد وغيره أنه يتعين التمر وعلى هذا لو أعوز التمر قال الماوردي: يرد قيمته بالمدينة. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على نقل هذا فقط عن الماوردي مع أن الماوردي قد حكى فيه وجهين: أحدهما هذا.

والثاني: قيمة أقرب بلاد التمر إليه.

قوله: وأما القدر ففيه وجهان:

أصحهما: أن الواجب صاع، قل اللبن أم كثر.

والثاني: أن الواجب يتقدر بقدر اللبن.

ثم قال ما نصه: ومتى قلنا بالوجه الثاني فقد قال الإمام تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز. وقيمة مثل ذلك الحيوان [بالحجاز (1)]، فإذا كان اللبن عشر الشاة أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة. انتهى كلامه.

تابعه عليه في "الروضة"، وهو تفريع لا يلتئم بعضه ببعض لأنه تفريع على الوجه الثاني، وهو أن الواجب يتقدر بقدر اللبن، وأول هذا التفريع يقتضي اعتبار التمر والحيوان، وآخره يقتضي نسبة اللبن من الحيوان.

والذي قاله الإمام: أنا إذا لم نري إيجاب الصاع تعتبر قيمة التمر والحيوان، فإذا فعلنا جرى الأمر في المبذول على الحد المطلوب. هذا كلامه.

وهو موهم وقد أوضحه الغزالي في "الوسيط" فقال: إنا نقوم شاة وسطًا وصناعًا وسطًا في أكثر الأحوال فإذا قيل: هو عشر الشاة مثلًا أوجبنا من التمر ما هو قيمة عشر الشاة. هذا كلامه، وليس فيه اعتبار اللبن لا

(1) سقط من جـ.

ص: 191

في الأول ولا في الآخر، وقد اختصره الشيخ عز الدين على هذا المعنى أيضًا.

قوله: غير المصراة [إذا حلب لبنها ثم ردها بعيب قال في "التهذيب" يرد بدل اللبن كالمصراة](1) وفى تعليق أبي حامد حكاية عن نصه أنه لا يرده لأنه قليل غير معتني بجمعه بخلاف المصراة ورأى الإمام تخريج ذلك على أن اللبن يأخذ قسطًا من الثمن أم لا؟ انتهى.

وقد ذكر الرافعي بعد هذا الفرع بنحو صفحة فرعًا آخر قد يشتبه بهذا فقال: إذا رضى بإمساك المصراة ثم وجد بها عيبًا قديمًا نص على أنه يردها ويرد بدل اللبن وقيل: هو كمن اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد الآخر. هذا كلامه فاستحضره هنا، ثم إن ما نقله الرافعي عن "التهذيب" في الفرع الأول من وجوب رد بدل اللبن ليس فيه تصريح بأن البدل هو الصاع لأنه أوجب الرد كما يجب أيضًا الرد في المصراة.

وقد صرح الماوردي بأنه لا يلزمه رد الصاع لأنه عوض المصراة، قال: وإنما يرد اللبن فإن اتفقا على قدره، وإلا فالقول قول المشتري.

قوله: الثالثة: لو لم يقصد البائع التصرية، لكن ترك الحلاب ناسيًا أو لشغلٍ عَرَض أو تَصَرَّتْ هي بنفسها فهل يثبت الخيار؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا وبه أجاب في الكتاب لعدم التدليس.

والثاني: نعم، للتغرير وهو الأصح عند صاحب "التهذيب" انتهى.

لم يصحح شيئًا منهما فى "الشرح الصغير" أيضًا ولا في "الروضة"، واختار في "الحاوي الصغير" أنه لا رد.

قوله. ولو اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبًا ففي وجوب الأرش

(1) سقط من أ.

ص: 192

وجهان نقلهما ابن كج عن أبي الحسين -يعني: ابن القطان.

قال ابن كج: وعندي أنه يجب. انتهى ملخصًا.

وهذا الكلام مقتضاه حصول العتق جزمًا، وإنما التردد في وجوب الأرش.

إذا علمت ذلك فقد ذكر في الوكالة ما يخالفه فقال في الباب الثاني منها: فرع: سيأتي في القراض أن الوكيل بالشراء هل يشتري من يعتق على الموكل؟ إن قلنا يشتريه فكان معيبًا فللوكيل رده ولأنه لا يعتق على الموكل قبل الرضى بالعيب، ذكره في "التهذيب"، وليس بين المذكور هنا وفي الوكالة فرق إلا مباشرته، ولا أثر لها قطعًا مع صحة البيع في الموضعين والجهل بالعيب وقد صرح في الوكالة بأنه إذا ثبت الخيار للوكيل ثبت للموكل وهو يقوي الإشكال.

والصحيح في الوجهين المحال عليهما في القراض هو جواز الشراء كما صححه هناك، وصورة المسألة الثانية أن يجهل الوكيل العيب.

فأما إذا علم به فلا يقع للموكل كما نبه عليه في الوكالة قبيل هذا الموضع المذكور.

قوله: وإذا زال ملكه عن المبيع بعوض ثم عرف العيب لم يرجع بالأرش على الأصح.

قال أَبو إسحاق وابن الحداد: لأنه استدرك الظلامة وقال ابن أبي هريرة:

ص: 193

لأنه ما آيس من الرد فربما يعود إليه، ويتمكن من رده، وهذا أصح المعنيين عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب، ونص عليه الشافعي ثم قال: فلو حدث به عيب في يد المشتري الثاني [ثم ظهر به عيب قديم فغرم له الأرش أي للمشتري الثاني](1) ففي رجوعه بالأرش على بائعه وجهان:

قال ابن الحداد: لا يرجع لأنه ربما قبله بائعه لو قبله هو فكان متبرعًا بغرامة الأرش.

وأظهرهما: أنه يرجع لأنه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر، قال الشيخ أبو علي: ويمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين إن عللنا بالأول فإذا غرم الأرش زال استدراك الظلامة فيرجع.

وإن عللنا بالثانى فلا يرجع لأنه ربما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه.

قال: وعلى الوجهين جميعًا لا يرجع ما لم يغرم للثاني، فإنه ربما لا يطالبه الثاني بشيء فيبقى مستدركًا للظلامة. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أنه قد سبق أن ابن الحداد لا يرى التعليل باليأس، فكيف يبني مقالته عليه، وجمهور الأصحاب لا يرون التعليل باستدراك الظلامة، فكيف يخرج مقالتهم أيضًا عليه؟

فالصواب جريان الخلاف مطلقًا، وتعليله ما سبق.

الأمر الثاني: أن ما نقله عن الشيخ أبي عليّ من عدم الرجوع قبل الغرم إنما يستقيم على طريقته من كونه غير آيس.

أما الرافعي فإنه لما صحح جواز الرجوع مع أن العلة فيه اليأس لزم منه أن يكون آيسًا.

وحينئذ فيرجع غرم أم لم يغرم، وصحح في أصل "الروضة" أن العلة هي اليأس كما هو مقتضى كلام الرافعي.

(1) سقط من أ.

ص: 194

قوله: القسم الثاني: أن يزول لا بِعوضَ فينظر إن عاد لا بعوض أيضًا ففي جواز الرد خلاف ثم قال: وإن عاد بعوض كما لو استبرأه، فإن قلنا: لا يرد في الحالة الأولى، فكذلك هاهنا. ويرد على البائع الأخير.

وإن قلنا: يرد. فهاهنا يرد على الأول أو على الأخير، أو يتخير؟ فيه ثلاثة أوجه خارجة مما سبق. انتهى كلامه.

وما ادعاه من امتناع الرد على الثاني هنا ليس كذلك لفقد علته، وذلك لأن العلة على ما قاله هى التطويل لأنه لو رده على الثاني لرده الثاني عليه، وهذا المعنى لا يأتي هنا لأنه أعطاه بلا عوض فلا يرد أن يورد عليه.

قوله: باع زيد عمرًا شيئًا ثم اشتراه منه وظهر عيب كان في يد زيد، فإن كانا جاهلين فلزيد الرد إن اشتراه بغير جنس ما باعه أو بأكثر منه، ثم لعمرو أن يرد عليه، وإن اشتراه بمثله فلا رد لزيد في أحد الوجهين لأن عمرًا يرده عليه فلا فائدة، وله الرد في أصحهما لأنه ربما رضى به فلم يرد. انتهى.

اعلم أن هذه المسألة قد ذكرها الرافعي في الكلام على القبض، ونقل عن المتولي من غير مخالفة له أن البيع والحالة هذه أي بمثل الثمن الأول إقالة وتبعه عليه في "الروضة" وإذا كان إقالة لزم امتناع الرد.

وفي المسألة المذكورة بحث وتنبيه آخر، وسأذكرها هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.

قوله: فإن تعلق به حق بأن رهنه ثم علم العيب فلا رد في الحال، وهل له الأرش؛ إن عللنا باستدراك الظلامة فنعم.

وإن عللنا بتوقع العود فلا.

ثم قال: وإن أجره ولم نجوز بيع المسأجر فهو كالرهن، وإن جوزناه فإن رضى البائع به مسلوب المنفعة مدة الإجارة رد عليه، وإلا تعذر الرد ففي الأرش الوجهان. انتهى.

ص: 195

واعلم أن الرافعي قد ذكر في التخالف أن البائع إذا رضى بأخذ المبيع وهو مستأجر أخذه، ولا ينزعه من يد [المستأجر](1) ويكون المسمى للمشتري ويرجع البائع عليه أي على المشتري بأجرة مثل المدة.

قوله: ولو عرف [العيب](2) بعد تزويج الجارية أو العبد ولم يرض البائع بالأخذ قطع بعضهم بأن المشتري يأخذ الأرش هنا، واختاره الروياني والمتولي. انتهى.

واعلم أن في هذا الكلام إطلاقًا فصله الروياني على خلاف ما أجمله هنا، وسيأتي ذكره بعد نحو ورقتين من كتابنا.

قوله: والرد على الفور. . . . إلى آخره.

اعلم أن الإمام قد نبه في الباب الثاني من أبواب الكتابة في الحكم الأول منه على فائدة جليلة، واردة على هذا الإطلاق، ونقلها عنه الرافعي هناك جازمًا بها فقال ما نصه: قال الإمام: الموصوف المقبوض إذا وجده معيبًا، فإن قلنا: إنه يملكه بالرضى فلا شك في أن الرد ليس على الفور [والملك موقوف على الرضى، وإن قلنا يحصل الملك فيه بالقبض فيجوز أن يقال الرد على الفور](3) كما في شراء الأعيان.

والأوجه المنع لأنه ليس معقودًا عليه.

وإنما يثبت الفور في ما يؤدي رده إلى دفع العقد إبقاء للعقد. انتهى كلامه.

فاستفدنا من ذلك أن كل حق يثبت في الذمة لا يجب فيه الرد على

(1) في أ: المشتري.

(2)

في أ: المبيع.

(3)

سقط من أ.

ص: 196

الفور سواء كان [مبيعًا](1) كما إذا أسلم بلفظ البيع أو كان ثمنًا للمبيع أو دين سلم.

قوله نقلًا عن "الوجيز": وترك التقصير بأن يرد عليه في الوقت إن كان حاضرًا. وإن كان غائبًا أشهد شاهدين حاضرين.

فإن لم يكن حضر عند القاضي. انتهى كلامه.

ونقل عن "الوسيط" نحوه أيضًا، وأنه صرح بأنه لو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر كان تقصيرًا، ثم قال الرافعي بعد ذلك ما نصه: وفي الترتيب المذكور إشكال لأن الحضور في هذا الموضع إما أن يعني به الاجتماع في المجلس أو الكون في البلد.

فإن كان الأول فإن لم يكن البائع عنده ولا وجد الشهود لم يسعى إلى القاضي ولا يسعى إلى البائع؟ واللائق بمن يمنع المبادرة إلى القاضي إذا وجد البائع أن يمنع منها إذا أمكنه الوصول إليه.

فإن كان الثاني فأي حاجة إلى أن يقول شاهدين حاضرين، ومعلوم أن الغائب عن البلد لا يمكن إشهاده. انتهى.

وقول الرافعي: (لم يسعى) تقديره لأي شيء يسعى وهو بكسر اللام بعدها ميم مفتوحة، ثم فعل مضارع في آخره ألف.

ووقع في نسخ الرافعي بلم الجازمة وحذف الألف من يسعى على الجزم ولا معنى له، بل هو كما ذكرناه.

وأما إيضاحه فهو أن الغزالي قد ذكر أنه لا يجوز العدول إلى الحاكم مع وجود المالك، وأنه إذا لم يجد المالك ولا الشهود يجوز العدول إليه -أعني الحاكم- ويترك المالك: فقال الرافعي: ينبغي التسوية بين حضوره وعدم

(1) في ب: معيبًا.

ص: 197

حضوره [حتى إذا جعلنا الذهاب إليه عند الوجود](1) تقصيرًا كان ذلك عند عدمه.

قوله في الرد على الغائب: قال القاضي في "فتاويه" يدعي شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم، وأنه أقبضه الثمن ثم ظهر العيب، وأنه فسخ [البيع](2)، ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي ويحلفه القاضي مع البينة لأنه قضاء على الغائب ثم يأخذ المبيع منه ويضعه في يدي عدل ويبقى الثمن دينًا على الغائب فيقبضه القاضي من ماله.

وإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه. انتهى كلامه.

وما ذكره الرافعي في هذه المسألة يوهم أو يقتضي أن المشتري إذا فسخ بالعيب ليس له حبس المبيع لاسترداده الثمن، وليس كذلك، بل له حبسه إلى قبضه. كذا نقله الرافعي في الكلام على حكم المبيع قبل القبض عن صاحب "التتمة" وأقره وبني عليه امتناع تصرف البائع فيه.

قوله: وإلى أن ينتهي إلى الخصم أو القاضي هل يلزمه الاشهاد على الفسخ إذا تمكن منه؟ فيه وجهان منقولان عن صاحب "التتمة" وغيره أصحهما اللزوم. انتهى كلامه.

ومقتضاه رجحان اللزوم، وقد صرح به في "الشرح الصغير" هنا فقال: فيه وجهان، واللزوم أشبه بالترجيح عندهم، وكذلك في "المحرر" أيضًا فقال: إنه أظهر الوجهين.

إذا علمت ذلك فقد ذكر في الشفعة في الكلام على ما إذا بلغه الخبر وهو غائب فسار من غير إشهاد ما يخالفه فإنه قال: والظاهر أنه لا يجب الاشهاد كما لو أنقد وكيلًا.

(1) سقط من أ.

(2)

في أ: العيب.

ص: 198

وليطرد ذلك فيما إذا كان حاضرًا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم كما سبق في الرد بالعيب. انتهى كلامه.

ذكر مثله أيضًا في "الشرح الصغير" ولم يتعرض لهذا في "المحرر": ولا شك أن البابين من جهة المعنى على حد واحد، وقد صرح الأصحاب بذلك، بل صرح هو به في هذا الباب فقال: واعلم أن القول في كيفية المبادرة وما يكون تقصيرًا وما لا يكون إنما نبسطه في كتاب الشفعة. هذا كلامه.

فدل على ما قلناه من استواء البابين، وهو واضح وقد وقع الموضعان كذلك في "الروضة" وصحح في تصحيح التنبيه في مسألة الشفعة أنه يجب على عكس ما ذكره في "الروضة" هناك.

ومن نظائر المسألة نفي الولد، وقد رجح فيه الرافعي في كتاب اللعان وجوب الإشهاد إذا كان غائبًا وسار لنفيه، واقتضى كلامه أنه لا يجب على الحاضر.

قوله: ولو عجز في الحال عن الإشهاد فهل عليه التلفظ بالفسخ؟ فيه وجهان: أصحهما عند الإمام وصاحب "التهذيب" أنه لا حاجة إليه. انتهى كلامه.

ذكر في "الروضة" مثله أيضًا، والراجح في هذه المسألة أنه لابد منه فقد قال صاحب "التتمة": إذا اطلع ليلًا ولم يتمكن من الحاكم والإشهاد والبائع فلابد من الفسخ باللفظ عند عامة الأصحاب، وجوز القفال التأخير.

وهذا الكلام صريح في حكايته عن الأكثرين، وليس في كلام الرافعي ترجيح إلا عن الإمام والبغوي، لكنه في "الشرح الصغير" صرح بالتصحيح فقال: الأصح أنه لا حاجة إليه.

ص: 199

فإنه لما لم يجد في "الكبير" إلا هذا الترجيح صرح به.

واعلم أن الإمام لم يفرضها في حال العجز كما فرضه الرافعي، بل أطلق، وأيضًا فإنه جازم بعدم الوجوب لا مصحح له.

قوله: ولو قال: لم أعلم أن الرد يبطل بالتأخير قبل قوله: لأنه يخفي على العوام. انتهى.

استدرك النووي فقال: شرطه أن يكون مثله ممن يخفي عليه؛ قال: وكذلك الشفعة.

وهذه المسألة مع نظائرها نذكرها إن شاء الله تعالى مبسوطة في النكاح.

قوله: فلو كان المبيع رقيقًا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي بطل حقه، وإن كان بشيء خفيف. انتهى كلامه.

واعلم أن الإستخدام هو طلب الخدمة، وحينئذ فيؤخذ من التعبير به أنه لو خدمه وهو ساكت لم يضر، وهو متجه، وأن مجرد الطلب يؤثر سواء وجد العمل أم لم يوجد، وفيه نظر.

قوله: ولو ركب الدابة للانتفاع فاطلع على العيب لم يجز استدامة الركوب، وإن توجه للرد بخلاف ما لو كان لابسًا ثوبًا فاطلع على عيبه في الطريق، فتوجه للرد ولم ينزع فهو معذور، لأن نزع الثوب في الطريق لا يعتاد، قاله المارودي. انتهى كلامه.

وما ذكره المارودي في الثوب يتعين تصويره في ذوي الهيئات، فإن غالب المحترفة لا يمتنعون من ذلك، ويأتي أيضًا نحوه في النزول عن الدابة.

قوله من "زوائده": قلت لو اشتري عبدًا فأبق قبل القبض فأجاز المشتري المبيع ثم أراد الفسخ فله ذلك ما لم يعد العبد إليه، ذكره الإمام الرافعي في آخر المسائل المنثورة في آخر كتاب الإجارة. انتهى.

ص: 200

وهذه المسألة وأخواتها كالغصب والصباغ. ذكرها الرافعي في الباب الذي يلي ما نحن فيه، وهو باب حكم المبيع قبل القبض، وحكى فيها خلافًا وتفاريع، وبسط الكلام فيها فراجعها.

قوله: ولو زال العيب الحادث بعد ما أخذ المشتري أرش العيب القديم فهل له الفسخ ورد الأرش؟ فيه وجهان: أصحهما: المنع.

وإن كان بعد قضاء القاضي فوجهان مرتبان، والأصح كما قاله البغوي أيضًا المنع. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح هو ما صححه البغوي، كذا صححه النووي في أصل "الروضة"؛ لكن في "الحاوى الصغير" جواز الرد.

الثاني: أن ما ذكره الرافعي من ترتيب الخلاف [على الخلاف](1) يؤخذ منه وجه فارق بين المسألتين، ولم يذكره النووي في "الروضة" بل سوى بين المسألتين.

قوله: واعلم أن كل ما يثبت الرد على البائع لو كان في يده يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري، وما لا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري إلا في الأقل.

فلو خصي العبد ثم عرف به عيبًا قديمًا فلا رد، وإن ازدادت قيمته، ولو نسى القرآن أو الحرفة ثم عرف به عيبًا قديمًا فلا رد لنقصان القيمة. انتهى كلامه.

ومعنى قوله: (إلا في الأقل) أنه يتصور أن لا يرد المشتري بالشيء على البائع، ومع ذلك يمنع الرد إذا حدث عند المشتري.

(1) سقط من أ.

ص: 201

قال ابن الرفعة في "المطلب": ولعله احترز به عما ذكره ابن الصباغ من أنه إذا اشترى عبدًا له أصبع زائدة فقطعها فإنه يمنع الرد، وإن زادت به قيمته كما إذا خصي العبد، وإن كان لو اشتراه وقد قطع البائع أصبعه الزائدة قبل البيع ولا شين لا يثبت للمشتري الخيار بخلاف الخصي.

وما ذكره ابن الصباغ من امتناع الرد قد سبقه إليه القاضي أَبو الطيب، وخالفهما المتولي فقال: إن له الرد، لكن قال ذلك بعد: إن قرر أن فعل البائع له ليس بعيب، وهو ماشٍ على قاعدته.

وأما القاضي أَبو الطيب وابن الصباغ فيحتمل أن [لا](1) يكونا قالا ذلك لأنهما يريان أنه عيب حتى يرد به المشتري لو صدر عند البائع.

ويحتمل أن يكون المستند أنه جزء ورد عليه العقد وهو غير موجود حالة الرد.

قوله: ولو زوجها ثم عرف بها عيبا فكذلك، أي ليس له الرد لنقصان القيمة.

قال الروياني: إلا أن يقول الزوج: إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق، وكان ذلك قبل الدخول، فله الرد لزوال المانع بالرد. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على حصر الرد فيما ذكره الروياني وليس كذلك، فإن التزويج لو كان من البائع كان كتعليق الطلاق على الرد لأنه بالرد ينفسخ النكاح. ولم أر هذه الصورة مسطورة، وقد توقف ابن الرفعة في "المطلب" فيما ذكره الروياني لأجل مقارنة العيب للرد، والتوقف ضعيف لأن المعنى المقتضي للامتناع وهو نقصان القيمة غير موجود.

قلت: ويندفع النظر المذكور بما إذا قال الزوج: فأنت طالق قبيله.

(1) سقط من أ، حـ.

ص: 202

قوله: وإذا اشترى حليًا بوزنه من جنسه ثم أطلع علي عيب قديم بعد حدوث آخر عنده ففيه أوجه:

أحدها: وهو اختيار القاضي الطبري وصاحب "المهذب" ومعظم العراقيين: أنه يفسخ البيع، ويرد الحلي مع أرش العيب الحادث. . . . إلى آخر ما قال.

فيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي لم يصرح هنا بتصحيح، وقد صرح به في "الشرح الصغير" فقال: إن هذا الوجه ذهب إليه الأكثرون، وصححه أيضًا النووي في "أصل الروضة".

الثاني: لم يبين الرافعي أن الفاسخ هو الحاكم أو المشتري؟ وقد بينه الشيخ أَبو حامد وصاحب "العدة" فقالا: إن الفاسخ هو الحاكم.

قوله في "الروضة": فرع:

لو اطلع على عيب الثوب بعد صبغه فأراد البائع إعطاء الأرش وأراد المشتري رد الثوب وأخذ قيمة الصبغ فالأصح أن المجاب هو البائع، ولو كان بالعكس فوجهان، قطع ابن الصباغ والمتولي بأن المجاب هو البائع أيضًا. انتهى ملخصًا.

صرح الرافعي بأن الراجح في المسألة الثانية هو ما قالاه، فقال بعد حكاية هذا في أثناء بحث ما نصه: وقضية إيراد الأئمة أنه لا يجاب المشتري إذا طلب الأرش. انتهى.

فحذف النووي الترجيح المذكور، مع أن الواقف على هذا الكلام لو لم يظفر به -أعني بهذا: الترجيح- لكان [لا](1) يتوقف في إجابة المشتري

(1) سقط من أ.

ص: 203

لأنه طالب لتقرير العقد.

والأصح فيه أنه يجاب طالبه كما تكلموا عليه في مسألة امتناع الرد بحدوث العيب إذا لم يرض البائع بأخذه مجانًا، بل مسألة الصبغ أولى بالإجابة لأن في إجابة البائع لما سأله فيها إخراج عين من ملك المشتري لم يرض بإخراجها، ثم إنهم قد قالوا أيضًا بتقديم الإجازة على الفسخ فيما إذا اشترى عبدًا بأمة ثم أعتقهما فإن الأصح تنفيذ إعتاق ما يقتضي إبقاء العقد.

وبالجملة فهذه المسألة مشكلة خارجة عن القواعد محتاجة للفرق بينها وبين ما سبق.

قوله: ولو اشترى شيئًا مأكوله في جوفه فكسر منه مقدارًا يعرف به العيب فوجده معيبًا ففي رده خلاف.

فإن جوزنا ففي تفريعه أرش الكسر خلاف. ثم قال: فإن قلنا بالتغريم غرم ما بين قيمته صحيحًا فاسد اللب ومكسورًا فاسد اللب ولا ينظر إلى الثمن. انتهى كلامه.

وحاصل ما ذكره أن العين المبيعة إذا رجعت إلى البائع بانفساخ العقد فوجد بها عيبًا وطالب بالعيب فإنه ينسب الأرش إلى القيمة لا إلى الثمن.

والمعني فيه أن العقد قد انفسخ، وصار المقبوض في يده كالمستام.

إذا علمت هذا الحكم وتعليله فقد جزم في الفلس بما يخالفه فقال فيما إذا رجع غريم المفلس في العين، وقد نقصت بفعل مضمون أنه يطالب مع الغرماء بأرش النقص من الثمن.

ووقع الموضعان كذلك في "الشرح الصغير" و"الروضة"، واقتصر في "المحرر" على ذكرها في الفلس.

ولأجل هذا الاختلاف أثبت ابن الرفعة في "الكفاية" في المسألتين خلافًا.

ص: 204

قوله: فإذا باع بعض المبيع ثم اطلع على عيب فهل يرجع بحصة الباقي؟ فيه وجهان:

قال في "التهذيب": أصحهما: أنه يرجع. انتهى.

والصحيح ما قاله صاحب "التهذيب"، كذا صححه النووي في أصل "الروضة".

قوله: فإذا وجد بالمبيع عيبًا يمكن حدوثه فادعى البائع أنه حدث عند المشتري، وأنكر المشتري فالقول قول البائع لأن الأصل لزوم العقد واستمراره. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أننا وإن صدقنا البائع فإذا حلف ثم جرى الفسخ بعده فتحالف وطالب المشتري بأرشه، وزعم أنه أثبت حدوثه بيمينه فلا نجيبه إليه لأن يمينه وإن صلحت للدفع عنه فلا تصلح لشغل ذمة المشتري، بل للمشتري أن يحلف الآن أنه ليس بحادث. قاله الغزالي في "الوسيط" هنا، وسبقه إليه القاضي ثم الإمام.

الثاني: رأيت فىِ "المطارحات" لابن القطان مسألة حسنة غريبة فيها تقييد لإطلاق تصديق البائع فقال: لو ادعى المشتري عينين في يد البائع فاعترف بأحدهما، وادعى حدوث الآخر في يده حتى يمتنع عليه الرد كان القول قول المشتري، وجعلها قاعدة عامة حيث كان العيب يثبت الرد صدق البائع، وحيث كان يبطله صدق المشتري، وهذا الذي قاله متعين عملًا بالأصل في الموضعين.

قوله: ولو اختلفا في بعض الصفات هل هو عيب فقال واحد من أهل المعرفة: إنه عيب، فهل يثبت الرد؟ قال في "التهذيب": نعم.

واعتبر في "التتمة" شهادة اثنين. انتهى.

ص: 205

تابعه في "الروضة" على حكاية الوجهين من غير ترجيح. وقال في "المطلب": القياس ما قاله صاحب "التتمة" وجزم به القفال في "فتاويه" ويشهد له أيضًا ما قاله الرافعي في الديات، وتابعه عليه النووي أيضًا أنّا إذا أوجبنا الخلفات فلابد من معرفة الحمل من قول عدلين من أهل الخبرة، والحمل من جملة العيوب المذكورة. هاهنا وإن لم يكن في البهائم عيبًا.

قوله: وفي "التتمة" ذكر وجه أن الفسح يرفع العقد من أصله مطلقًا أي قبل القبض وبعده تخريجًا من القول بوجوب مهر المثل إذا فسخ النكاح بعيب حدث بعد المسيس. انتهى كلامه.

وما قاله ليس مطابقا لما في "التتمة"، فإنه قد ذكر أن الرد يرفع العقد من أصله تخريجًا من نص الشافعي في النكاح على أن الرجل إذا وطئ امرأته ثم وجد بها عيبًا يفسخ النكاح يغرم لها مهر المثل.

قال: ووجه هذه الطريقة المخرجة أن سبب الفسخ قارن العقد وهو العيب فاستند في الحكم إليه، ويجعل كأنه جمع في العقد بين موجود ومعدوم حتى يصير كأن العقد لم يكن. انتهى كلامه.

وهو صريح في اختصاص هذا الوجه المخرج بالعيب المقارن على خلاف ما دل عليه تعبير الرافعي.

وعلى هذا فيكون الفسخ بالعيب الحادث مضافًا إلى وقت حدوثه كما ذهب بعض الأصحاب إليه في فسخ النكاح.

قوله: وإن افتضها الأجنبي بآلة الافتضاض فعليه المهر، وهل يدخل فيه أرش البكارة أو الرد؟ فيه وجهان: أصحهما: يدخل. انتهى.

هذه المسألة سبق الكلام عليها واضحا في آخر باب البيوع المنهي عنها فراجعه.

ص: 206

قوله: لنا ما روى أن مخلد بن خفاف ابتاع غلامًا. . . . الحديث المعروف (1).

وروى في آخره أنه عليه الصلاة والسلام قال: "الخراج بالضمان".

أما مخلد فإنه بميم مفتوحة وخاء معجمة ساكنة. وخفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء، وهو غفاري يقال: إن له ولأبيه ولجده صحبة.

وحديثه هذا رواه أَبو داود وابن حبان في "صحيحه" وكذلك الترمذي والحاكم وقالا: إنه صحيح.

قوله: ولو اشترى جارية فولدت ثم اطلع على عيب بها فهل يتعين الأرش أم يجوز التفريق؟ فيه اختلاف.

ثم قال: وسنذكر نظيره في الرهن. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح في هذه المسألة أنه لا يجوز التفريق، وكذا صرح الرافعي بالمسألة، وبالتصحيح في باب الفلس في الكلام على الرجوع وعبر بالأصح فافهمه، فإن المسألة ليس فيها تصحيح في هذا الباب.

الثاني: أن الرافعي أشار بقوله: (وسنذكر نظيره في الرهن) إلى أن الأم

(1) أخرجه أَبو داود (3508) والترمذي (1285) والنسائي (4490) وابن ماجه (2242) وأحمد (25786) وابن حبان (4928) والحاكم (2177) والشافعي (1203) والدارقطني (3/ 53) والطيالسي (1464) وأبو يعلي (4537) وعبد الرزاق (14777) وابن أبي شيبة (4/ 373) والبيهقي في "الكبرى"(10521) والطحاوي في "شرح المعاني"(5133) وإسحاق في "مسنده"(750) وابن الجعد في "مسنده"(2811) وابن الجارود (627).

قال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الحاكم: صحيح.

وقال الألباني: حسن.

ص: 207

إذا رهنت دون الولد أو بالعكس واحتجنا إلى البيع فإنه لا يجوز التفريق على الأصح، غير أنه لا يؤخذ منه امتناع التفريق في هذه المسألة لأن الرافعي لم يجعل المسألة كالمسألة وإنما جعل الخلاف نظير الخلاف، وهو نظيره لكونه أيضًا خلافًا في جواز التفريق.

وقد عبر النووي في "الروضة" عن هذه العبارة بتعبير فاسد فقال: وستأتي المسألة مع نظيرها في الرهن. هذا لفظه.

والمسألة ليس لها ذكر في الرهن، وليست أيضًا نظير هذه.

قوله: فأما إذا اشترى جارية أو بهيمة حاملًا ثم وجد بها عيبًا، فإن كانت حاملًا بعد ردها كذلك وإن وضعت الحمل، ونقصت بالولاة فلا رد. انتهى كلامه.

وما قاله رحمه الله من امتناع الرد بسبب النقصان الحاصل من الولادة تابعه عليه في "الروضة" وهو صحيح إن كان المشتري عالمًا بالحمل حالة العقد، أو علم به بعد ذلك ورضى.

فأما إذا استمر الجهل إلى الوضع فلا، وقد تقدم في أول الباب أن العيب إذا حصل في يد المشتري بسبب موجود في يد البائع كافتضاض البكر وقطع العبد وقتله بما سبق من النكاح والجناية والردة هل يكون من ضمان البائع أو المشتري؟ فيه ثلاثة أوجه:

أصحها: إن علم المشتري بذلك كان من ضمانه وإلا فمن ضمان البائع.

قوله: ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلًا فحملت ثم اطلع على عيب، فإن نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل في يد المشتري، وإن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد.

وأما الولد فإن قلنا: يعرف ويأخذ قسطًا من الثمن فيبقى للمشتري

ص: 208

فيأخذه إذا انفصل.

وحكى الماوردي وجهًا آخر أنه للبائع لاتصاله بالأم عند الرد.

وإن قلنا: لا يعرف فهو للبائع، ويكون تبعًا للأم عند الفسخ كما يكون تبعًا لها عند العقد. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الكلام على أن الحمل هل هو عيب أم لا؟ وقد سبق في العيوب ذكره، وذكر ما وقع فيه من المخالفة في كلامه وكلام النووي فراجعه.

الثانى: أن الحمل هل يتبع الأم في الفسخ أم لا؟ وحاصل ما ذكره هنا ترجيح عدم الدخول.

إذا علمت ذلك فقد ذكر في نظيره من الفلس ما يخالفه فقال في آخر الباب في الكلام على رجوع البائع: ولو كانت حائلًا عند الشراء حاملًا عند الرجوع ففي رجوع البائع في الحمل قولان، والأكثرون مائلون إلى ترجيح قول الرجوع، وذكروا أنه المنصوص لأن الحمل تابع في البيع، فكذا في الرجوع انتهى ملخصًا.

ووقع الموضعان كذلك في "الشرح الصغير" و"الروضة" والصواب التسوية بينهما.

وحينئذ فينبغي أن تكون الفتوى على انتقال الحمل مع الأم لنقله إياه في الفلس عن الأكثرين، وهو مقتضى كلام "المحرر"، فإنه هنا جعل الزيادات المتصلة للبائع، ولم يستثنى منها شيئًا، وصرح به هناك.

ومن نظائر المسألة رهن الجارية أو البهيمة حائلًا ثم تحمل، والأصح أن الرهن لا يتعدى إلى الولد وكذلك رجوع الوالد في الهبة.

والصحيح فيها أن الحمل لا يتبع الأم على وفق ما صححوه في هذا

ص: 209

الباب. كذا صححه النووي في "الروضة" وهو مقتضى كلام الرافعي، فإنه بناه على أنه هل يأخذ قسطًا من الثمن كما فعل هنا؟ .

الأمر الثالث: إذا قلنا: لا يتبع في الفلس، فقال الشيخ أَبو محمد: يرجع فيها قبل الوضع.

وقال الصيدلاني وغيره: لا يرجع في الحال، بل يصبر إلى انقضاء المدة، هكذا قاله الرافعي.

ومقتضاه رجحان الثاني، وحينئذ فقياسه أن لا يجوز للمشتري أن يفسخ بالعيب حتى تضع، لكن ذكر النووي هناك من "زياداته" أن قول الشيخ أبي محمد هو ظاهر كلام الأكثرين.

وفي "الشرح" و"الروضة" حكاية الوجهين في الواهب من غير ترجيح.

وسبب امتناع الرجوع قبل الوضع أنه إدخال ملك اختيارًا فلم يجز عند عدم دخول الحمل كبيع الحامل بحر، فإنهم صححوا امتناعه، وعللوه بأن مقتضى البيع دخول الحمل مع الأم، ولم يوجد فصار نظير ما إذا باع الجارية واستثنى حملها.

وقد تقدم [الكلام على](1) هذا التعليل في موضعه.

الأمر الرابع: أن النووي قد ذكر أيضًا من "زياداته" في كتاب الفلس نقلًا عن الماوردي من غير مخالفة له أنا إذا قلنا: إن الحمل لا يتبع الأم فلا تسلم الجارية إلى البائع، ولا تبقى في يد المشتري أو الغرماء لأن لكل واحد حقا، وقياس هذا إنما يأتي في الرد بالعيب، وظاهر كلامهم يأباه.

واعلم أن الحمل يندرج في المعاوضة قطعًا، وفي اندراجه في غيرها من العقود والفسوخ قولان، حتى الهبة نقل الإمام فيها أن الجديد عدم

(1) سقط من أ.

ص: 210

الاندراج، وكلام الرافعي يقتضي الجزم فيها بالاندراج، وفي الرهن الأصح الاندراج وفي الفلس والرجوع بالهبة.

قوله: لكن لو أقاله في البعض ليعجل الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة. انتهى كلامه.

وهذه المسألة سبق الكلام عليها واضحًا في أول البيوع المنهي عنها فراجعه.

قوله من "زياداته": قال القفال في "شرحه في التلخيص": لو تقايلا ثم اختلفا في الثمن ففيه ثلاثة أوجه، سواء قلنا: الإقالة بيع أو فسخ:

أصحها -وهو قول ابن المرزبان-: أن القول قول البائع.

والثاني: قول المشتري.

والثالث: يتحالفان وتبطل الإقالة. انتهى كلامه.

وهذه المسألة لم أرها في "شرح التلخيص" المذكور وينبغي تحرير تصويرها لأنه إن كان قبل قبض الثمن فلا فائدة في الاختلاف لأنه ساقط عن المشتري، قليلًا كان أو كثيرًا.

فإن قيل: قد يكون معينا وتحصل منه زوائد يطلبها البائع.

قلنا: حينئذ لا موجب لتصديق البائع وإعطائه ما يدعيه بمجرد قوله.

وإن كان بعد القبض فتصديق البائع واضح لأنه غارم، ومجيء الخلاف بعيد لاسيما التحالف، فإنه يؤول أيضًا إلى النزاع بعد الانفساخ فلا يبقي له فائدة.

قوله: ولو رد العقد علي درهمين معينين فخرج أحدهما نحاسًا له قيمة فالعقد باطل لأنه بان أنه غير ما عقد عليه، وقيل: إنه صحيح تغليبًا للإشارة. انتهى كلامه.

ص: 211

وما ذكره هنا من تغليب العبارة على الإشارة، قد ذكر في أوائل كتاب النكاح في الكلام على المعقود عليه ما يعكر عليه فإنه ذكر هناك ما إذا قال: بعتك فرسي هذا، وهو بغل، وذكر فيه ما يقتضي الصحة تغليبًا للإشارة، ونقل هناك أيضًا عن الروياني في "البحر" أنه لو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته صح، وكلامه أيضًا يقتضي صحة البيع في كتاب الخلع، ولم يتعرض في "الروضة" للموضع الثاني.

قوله من زياداته: ولو اشترى سلعة بألف في الذمة فقضاه عنه أجنبي متبرعًا فرد السلعة بعيب لزم البائع رد الألف، وعلى من يرد؟ وجهان:

أحدهما: على الأجنبي لأنه الدافع.

والثاني: على المشتري لأنه تقدر دخوله في ملكه فإذا رد المبيع رد إليه ما يقابله، وبهذا الوجه قطع صاحب المعاياة. انتهى كلامه.

وهذا الكلام فيه إشعار برجحان الثاني لأن تصحيح بعض أئمة المذهب معمول به فضلًا عن القطع، لكن نقل في الصداق ما يخالفه فقال في أوائل السبب الرابع من الباب الثاني ما نصه: وإذا كان الابن بالغًا وأدى الأب عنه الصداق فهو كالأجنبي إذا أدى عنه، والأصح في صورة الأجنبي عود النصف إليه لا إلى الزوج، قاله الإمام. انتهى.

وذكر أيضًا في كتاب الضمان نحوه فقال: وإذا ضمن الثمن عن المشتري بغير إذنه وأداه فرده المشتري بعيب أو غيره فهل يرجع ما دفعه إليه أم للمشتري؟ قال: على الخلاف المذكور في الصداق ولا ذكر لهذه المسألة في "الشرح الصغير".

قوله أيضًا من "زياداته": قال القفال والصيدلاني وآخرون: إذا اشترى ثوبًا وقبضه وسلم ثمنه ثم وجد بالثوب عيبًا قديمًا فرده فوجد الثمن معيبًا ناقص الصفة بأمر حدث عند البائع يأخذه ناقصًا ولا شيء عليه له بسبب

ص: 212

النقص، وفيه احتمال لإمام الحرمين ذكره في باب تعجيل الزكاة. انتهى كلامه.

هذه المسألة ذكرها الرافعي في المانع الأول من موانع الرد، وما ذكره هنا أيضًا من جعل الرجوع احتمالًا غريب، فإنه وجه ثابت قوي على ما صرح به هو هناك فقال: لا أرش لنقص صفة المسمى في الأصح.

ص: 213