المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول في أركانه - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٥

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيع

- ‌ الأول: في صحته وفساده

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الفساد بجهة الربا

- ‌ في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة

- ‌ في معرفة الجنسية

- ‌الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي

- ‌القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد

- ‌ القسم الثاني من المناهي ما لا يدل على الفساد

- ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

- ‌ الثاني في لزوم العقد

- ‌ الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده

- ‌ الرابع من كتاب البيع…في موجب الألفاظ المطلقة

- ‌اللفظ الثاني: البستان

- ‌اللفظ الثالث: الدار

- ‌اللفظ الرابع: العبد

- ‌اللفظ الخامس: الشجر

- ‌اللفظ السادس بيع الثمار

- ‌باب معاملات العبيد

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌كتاب الرهن

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في القبض والطوارئ قبله

- ‌الباب الثالث: في حكم المرهون بعد القبض

- ‌الباب الرابع: في النزاع بين المتعاقدين

- ‌كتاب التفليس

- ‌الحكم الأول: منع التصرف

- ‌الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته

- ‌الحكم الثالث: حبسه

- ‌الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع

- ‌كتاب الحجر

- ‌كتاب الصلح

- ‌الفصل الأول في أركانه

- ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

- ‌الفصل الثالث في التنازع

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب الضمان

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح

- ‌كتاب الوكالة

- ‌الباب الأول في أركانها

- ‌الركن الأول: ما فيه التوكيل

- ‌الركن الثاني: الموكل

- ‌الركن الثالث: الوكيل

- ‌الركن الرابع: الصيغة

- ‌الباب الثاني في أحكام الوكالة

- ‌الحكم الأول: صحة التصرف إذا وافق الإذن

- ‌الحكم الثاني: العهدة

- ‌الحكم الثالث: الجواز من الجانبين

- ‌الباب الثالث في الاختلاف

- ‌كتاب الإقرار

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

- ‌الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه

- ‌الباب الرابع في الإقرار بالنسب

الفصل: ‌الباب الأول في أركانه

‌كتاب الإقرار

وفيه أربعة أبواب:

‌الباب الأول في أركانه

وهي أربعة:

قوله: والإقرار إخبار عن حق سابق. انتهى.

واعلم أنه لابد من تقييد هذا الحق بكونه على المخبر، لأنه إن كان له على غيره فدعوى، وإن كان لغيره على غيره فشهادة.

قوله: وقول الغزالي: ينفذ إقراره بكل ما يقدر على إنشائه يحتاج إلى استثناء صورة. . . . إلى آخره.

لم يتكلم على عكس هذه القاعدة، وهو أن من لا يقدر على الإنشاء لا يقدر على الإقرار، وتستثني منها مسائل:

إحداها: إقرار المرأة بالنكاح.

والثانية: إقرار المجهول بالحرية، فإنه مقبول منه، مع أنه لا يقدر على إنشائه. وهاتان المسألتان استثناهما الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "القواعد الكبرى" واقتصر عليهما.

الثالثة: إقرار المفلس ببيع عين من الأعيان التي في يده.

الرابعة: إقرار الأعمى بالبيع أيضًا.

الخامسة: إقرار المريض لوارثه بأنه كان قد وهب وأقبضه.

السادسة: الإقرار [بالنسب](1).

قوله: ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام، أو ادعت الجارية البلوغ بالحيض

(1) في جـ: بلا سبب.

ص: 567

في وقت إمكانه صدقا، وإن فرض ذلك في خصومة لم يحلفا، لأنه لا يعرف ذلك إلا من [جهتهما فأشبه ما إذا علق العتق بمشيئة الغير، فقال: شئت يصدق من](1) غير يمين. انتهى كلامه.

وما ذكره في التعليق بالمشيئة تابعه عليه في "الروضة"، لكن سيأتيك في تعليق الطلاق أن التعليق على الغير لا يشترط فيه الفور ولا الرضى بالقلب، بل المعتبر التلفظ ولو كان كارهًا.

وحينئذ فلا يستقيم ما ذكره من كونه لا يعلم إلا من جهتها، وإنما يستقيم على من يعتبر الرضى بالقلب.

قوله: وفي "التهذيب" وغيره: أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة، وذكر أنه احتلم حلف وأخذ السهم، فإن لم يحلف فوجهان. انتهى.

والصحيح أنه لا يعطى، كذا صححه الرافعي في كتاب الدعاوى.

وما قاله الرافعي في هذه المسألة من التحليف مشكل مخالف لما سبق قبله.

فإن ذكر أن الصبي إذا وقعت له مخاصمة وادعى فيها البلوغ بالاحتلام لا يحلف لأنهما إن صدق فلا يحلف وإن كذب فكيف يحلف، وذكر المسألة أيضًا في أول هذا الباب من "المحرر" وصحح عدم التحليف، وتبعه عليه في "المنهاج".

قوله: ولو أطلق المأذون الإقرار بالدين، ولم يبين جهته فينزل على دين المعاملة، أو لا ينزل على ذلك لاحتمال أنه أراد دين الإتلاف، أي حتى لا يقبل في حق السيد. فيه وجهان: أظهرهما: الثاني. انتهى كلامه.

(1) سقط من ب.

ص: 568

تابعه في "الروضة" على إطلاق ذلك، لكن هذا صحيح إذا تعذرت مراجعة المأذون، فإن أمكنت المراجعة روجع لأن إقراره مقبول.

وقد ذكر النووي هذا الاستدراك في نظير هذه المسألة، تقدم ذكره في أوائل الفلس.

قوله: وإذا أقر العبد بدين إتلاف أو غيره، وصدقه سيده فبيع وبقي من الدين شيء فهل يبيع إذا أعتق؟ فيه قولان مذكوران في الجنايات. انتهى.

والصحيح أنه لا يبيع به، قال في "الروضة" من "زياداته": إنه الجديد.

واعلم أن هذين القولين مستنبطان لا منصوصان على خلاف ما يوهمه هنا كلام الرافعي والنووي، كذا ذكره الرافعي في كتاب الديات.

قوله من "زياداته": قال البغوي: كل ما قبل إقرار العبد فيه كالعقوبات فالدعوى فيه تكون على العبد، وما لا يقبل كالمال المتعلق برقبته إذا صدقه السيد فالدعوى على السيد، فإن ادعى في هذا على العبد إن كان له بينة سمعت، وإلا فلا.

فإن قلنا: اليمين المردودة كالبينة سمعت رجاء نكوله، وإن قلنا: كالإقرار فلا. انتهى كلامه.

وما نقله هنا عن البغوي من جواز الدعوى على العبد إذا كانت له بينة، وأقره عليه خلاف الراجح فاعلمه.

وكذلك أيضًا إذا لم تكن له بينة، وجعلنا اليمين المردودة كالبينة، فإن الصحيح على القول بأنها كالبينة أنها لا تتعدى إلى ثالث، بل تختص بالمتداعين، وقد ذكر المسألة على الصواب في المسألة الخامسة من الباب الثاني في جواز الدعوى، وذكر الأمرين اللذين ذكرتهما مع زيادات أخرى فراجعها.

ص: 569

قوله: ويصح إقرار المريض لوارثه في أصح القولين.

ثم قال: فإن قلنا: لا يقبل، فالاعتبار بكونه وارثًا بحال الموت أو بحال الإقرار، قيل: فيه وجهان وقيل: قولان: أشهرهما الأول. انتهى.

والصحيح أن الخلاف وجهان، كذا صححه المصنف في "الشرح الصغير" والنووي في "أصل الروضة"، ووقع في بعض نسخ الرافعي ترجيحه، فإنه أسقط لفظه قبل.

قوله: ولو أقر في مرضه أنه كان وهب لوارثه وأقبضه في الصحة، أشار الإمام إلي طريقين:

أحدهما: القطع بالمنع لأنه عاجز عن إنشائه.

والثاني: على القولين في الإقرار للوارث، ورجح الغزالي المنع، واختار القاضي حسين القبول. انتهى.

قال في "الروضة": القبول أرجح والله أعلم.

واختار صاحب "الحاوي الصغير" المنع.

إذا علمت ذلك فاعلم أن الخلاف في هذه المسألة مفرع على أن الإقرار للوارث لا يقبل.

فإن قلنا: يقبل وهو الصحيح، فيصح هنا جزمًا، كذا ذكره الرافعي في آخر الباب الثاني من أبواب الطلاق، وكلامه هنا لا ينافيه، بل يشعر به عند التأمل، فتفطن له.

قوله: ولو أقر المريض بعين ماله لإنسان، ثم أقر بدين آخر مستغرق أو غير مستغرق سلمت العين للأول، ولا شيء للثاني، ولو عكس فوجهان:

أصحهما: أن الحكم كما في الصورة الأولى، لأن الإقرار بالدين لا يتضمن حجرًا في العين.

ص: 570

ألا ترى أنه ينفذ تصرفاته فيه.

والثاني: يتزاحمان. انتهى.

وما ذكره في آخر كلامه يشعر بنفوذ التبرعات من المريض الذي عليه ديون مستغرقة، وليس كذلك، فقد صرح بعدم النفوذ في كتاب الوصية قبيل الكلام على المسائل الحسابية.

وحينئذ فيحمل ما قاله هنا من عدم الحجر ونفوذ التصرفات على ما لا تبرع فيه.

نعم لو قضى في مرضه ديون بعض الغرماء لم يزاحمه غيره إن وفى المال بجميع الديون، وكذا إن لم يف على الصحيح المعروف، قاله الرافعي في الوصية.

قوله: وقول "الوجيز": ولو قال: نسئت الحمار على ألف لزمه لمالكه المراد ما إذا صرح بأنه لمالكه، وإلا لم يلزم أن يكون لمالك الدابة في الحال، ولكن نسأل ونحكم بموجب بيانه. انتهى.

وتوجيه ما قاله أنه يحتمل أن يكون الغرم لغير مالكها بأن يكون أتلف شيئًا على إنسان وهي في يد المقر كما قاله الإمام، وأن يكون لمن كان مالكًا، فلذلك استفسر.

قوله: الثانية: إذا قال: لحمل فلانة على ألف فله ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يسنده إلى جهة صحيحة بأن يقول:

ورثه من أبيه، أو أوصى به فلان له فيعتبر إقراره.

ثم إن انفصل ميتًا فلا حق له.

وإن انفصل حيًا، فإن انفصل لما دون ستة أشهر من يوم الإقرار استحقت، وإن انفصل لأكثر من أربع سنين فلا لتيقن عدمه يومئذ، فإن

ص: 571

أشهر أو لأكثر ولدون أربع سنين، فإن كانت مستفرشة لم يستحق، وإلا فقولان: أظهرهما: الاستحقاق. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما دل عليه كلامه من اعتبار المدة من حين الإقرار قد تابعه عليه في "الروضة"، وكيف يستقيم القول به؟ ، بل الصواب اعتبارها من حين سبب الاستحقاق، لأن وجوده عند الإقرار مع عدمه عند تسبب الاستحقاق لا يفيد.

الأمر الثاني: أن هذا الترجيح الذي ذكرته، قد صرح به الرافعي في الشرحين "الكبير" و"الصغير" وعبر بالأظهر كما عبرت به، وحذفه النووي من "الروضة" حالة اختصاره، ثم ذكره من "زياداته" وهو غريب.

قوله في المسألة: وإن أطلق صح أيضًا في أصح القولين ويحمل على الجهة الممكنة.

ثم قال: فإن أسنده إلى جهة فاسدة بأن يقول: أقرضته، فإن لم يصح الإقرار بالمطلق فهو أولى، وإن صححناه فطريقان:

أحدهما: أنه على القولين في تعقيب الإقرار بما يدفعه.

وأظهرهما: الصحة، لأنه عقبه بما هو غير معقود، ولا منتظم فأشبه ما إذا قال له: على ألف لا يلزمني. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وحاصله أن الأصح القطع باللزوم، ثم ذكر ما يخالفه في "المحرر" فقال: وإن أسنده إلى جهة لا تفرض في حقه فهو لغو. هذا لفظه، وهو تباين فاحش.

وقد استدرك في "الروضة" على ما قاله هنا، وصحح عدم اللزوم

ص: 572

كما في "المحرر" و"المنهاج".

قوله: وإذا أقر بمال فكذبه المقر له ترك في يده، وقيل: ينزعه الحاكم.

وقيل: يجبر المقر له على القبول، وهو بعيد.

ثم قال: قال الشيخ أبو محمد: موضع الخلاف ما إذا قال المقر: هذا المال لفلان فكذبه.

فأما إذا قال للقاضي: إن في يدي مالًا لست أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه، وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه هنا أيضًا. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا الذي نقله عن الشيخ أبى محمد فيما إذا أقر به لغير معروف، وأقره عليه، وتابعه النووي فيه، ليس هو الصحيح فافهمه.

فقد ذكر في أربعة مواضع من هذا الكتاب ما يخالفه:

أحدها: في هذا الباب في آخر الكلام على هذا الركن فقال: إذا قال: لو أخذ من بني آدم ولا طالب له فيبقى في يده.

الثاني: في باب دعوى الدم والقسامة فقال: إنه مال ضائع، وفي مثله خلاف مشهور، هذا لفظه.

والمال الضائع له إمساكه في يده، وله إعطاؤه للحاكم كما ذكر في الزكاة في الكلام على الركاز وفي غيره أيضًا.

الثالث: في أول كتاب الدعاوى، فإنه حكى في ذلك وجهين ثم صحح أن الحاكم لا ينزعها.

الرابع: في الكتابة في الكلام على ما إذا أتى المكاتب بالنجوم فادعى السيد أنه مغصوب، وعبر في هذا الموضع وفيما قبله بالأصح.

ص: 573

الأمر الثاني: أن هذه الأوجه تجرى في الدين كما تجرى في العين، وقد صرح به الرافعي في مواضع، منها: كتاب الشفعة في الكلام على ما إذا ادعى الشفيع الشراء وأنكر الذي بيده الشقص، وسوف أذكر المسألة هناك إن شاء الله تعالى، لكنه فيها يحتاج إلى التنبيه فراجعه.

وصرح به أيضًا الرافعي بعد هذا بقليل قبيل الركن الثالث، ووقع في "الكفاية" و"المطلب" أن الخلاف محله في العين.

قال في "المطلب": وأجراه ابن يونس شارح "التنبيه" في الدين أيضًا، ولم أره لغيره.

وما قاله ابن الرفعة غريب، وقد نبهت عليه في كتاب "الهداية إلى أوهام الكفاية".

قوله: ولو رجع المقر عن الإنكار وصدق المقر فقد حكى إمام الحرمين الجزم بقوله: وتسليم المقر إليه، ولكن الأظهر وهو الذي أورده المتولي وغيره: تفريعه على الخلاف السابق إن قلنا: يترك في يد المقر، فهذا حكم منا بإبطال ذلك الإقرار، فلا يصرف إلى المقر له إلا بإقرار جديد، وإن قلنا: ينزعه القاضي ويحفظه فكذلك لا يسلم إليه، ولو أراد إقامة البينة على أنه ملكه لم يسمع، وإنما يسلم إليه إذا فرعنا على الوجه البعيد. انتهى كلامه.

وما قاله لا يستقيم إلا على ذلك البعيد وهو القائل بأن المقر له يجبر على القبول لا يحتاج إلى رجوع، وليس التفريع عليه، فإذا لم يعطه إليه إلا على هذا الوجه البعيد لم يستفد من التفريع زيادة.

وذكره لهذا الكلام تطويل بلا فائدة، فكان ينبغي أن يقول: ولكن الأظهر أن حكمه كما لو رجع.

قوله: واستثنى صاحب "التلخيص" ثلاث ديون، ومنع الإقرار بها:

ص: 574

أحدها: الصداق في ذمة الزوج لا تقر المرأة به.

والثاني: بدل الخلع في ذمة المرأة لا يقر الزوج به.

والثالث: أرش الجناية على الحر لا يقر به المجني عليه، لأنه لا يكون لغيرهم.

وحمل الأئمة ما ذكره على ما إذا أقربها عقب ثبوتها، بحيث لا يحتمل جريان ناقل، لكن سائر الديون أيضًا كذلك، فلا ينتظم الاستثناء، بل الأعيان كذلك حتى لو أعتق عبده، ثم أقر [أنه للسيد أو غيره](1) بدين أو [عين](2) لم يصح. انتهى ملخصًا.

تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمور:

أحدها: أن هذا الحمل الذي ذكره وعزاه إلى الأئمة واقتضى كلامه الاتفاق عليه ليس كذلك، فقد نقل أبو حاتم القزويني في كتاب "الحيل" له ما حاصله: أن المشهور أنه لا فرق في عدم الصحة، عبر بقوله: لم يصح ذلك على المعول من المذهب، فلو أن هذا المقر قال: هذا لفلان بحق الحوالة الصحيحة لزمه الإقرار. هذا لفظه.

فلم ينظر إلى مضي الزمن وعدمه، بل إلى وجود هذا اللفظ وعدم وجوده، فجعل إيصاله موجبًا بالاتفاق وإن لم يمض زمن، وعدمه محلًا للخلاف فتأمله.

الأمر الثاني: أن دعواه اطراده في سائر الديون ليس كذلك.

فأمر إذا باعه مثلًا سلعة ثم أقر له بثمنها، فيجوز أن يكون وكيلًا عنه في البيع، فيكون الإقرار صحيحًا، وهكذا في القرض والإجارة والصلح، ومثل هذا لا يأتي في مسائل صاحب "التلخيص".

الأمر الثالث: أن الحصر في الثلاث غير مستقيم، فإن المتعة والحكومة

(1) في جـ: له.

(2)

في أ: عتق.

ص: 575

والمهر الواجب عن وطء الشبهة وأجرة بدن الحر كذلك.

قوله: ولو أقر بحرية جارية قبل نكاحها منه -أى ممن يدعي رقها- لم يحل له وطئها. انتهى.

وهذا الكلام ليس على إطلاقه، بل ينبغي كما قاله في "الروضة" أن يقال: إن أقر أن زيدًا أعتقها، ولم يكن لها عصبة صح تزويجه، لأنه إما مالك، وإما ولى حرة.

والذي قاله متجه، لكن ينبغي أن يضم إليه أن النكاح وقع بإذنها، وإلا فلا يأتي ما قاله لأنه غير صحيح على تقدير أن يكون وليًا.

قال الماوردي: ولا فرق هنا في نكاح المقر بين أن يكون ممن يحل له نكاح الأمة أم لا، وكانه نظر إلى إقراره بالحرية، وهو مشكل لأنا لم نصدقه فيما يتعلق بالسيد، ولهذا أوجبوا عليه المهر.

وحينئذ فيكون أولاده أرقاء، ويلزم منه أن يمتنع النكاح إلا عند وجود الشرائط، ثم إن القول بصحة النكاح من أصله مشكل، فإن البيع إنما صححناه لما يترتب عليه من الحرية.

ولهذا جعلناه افتداء من جهته، وأما النكاح فإن مقصوده وهو استباحة الوطء لا يترتب عليه، وهذا شرط في صحة النكاح، ثم إنه إذا امتنع تسليمها وامتنعت الخلوة بها لزم امتناع تسليم المهر.

قوله: ولو قال له قبلي ألف، قال في "التهذيب": هو دين، ويشبه أن يكون صالحًا للدين والعين جميعًا. انتهى.

وهذه المسألة ليست في "المحرر" ولا في "الشرح الصغير"، والذي ذكره فيها على سبيل التفقه واختاره قد سبقه إليه الماوردي في "الحاوي"، وتبعه عليه أيضًا النووي وهو خلاف مذهب الشافعي، فإنه قد نص في "الأم" على ما إذا قال له: على ألف درهم، ثم فسرها بوديعة وأجاب

ص: 576

فيها بما قاله الأصحاب من كونه لا يقبل إلا إذا كان متصلًا، ثم قال ما نصه: وكذلك لو قال له: قبلي ألف درهم فوصل الكلام أو قطعه كان القول فيها مثل المسألة الأولى إذا وصل أو قطع. هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته.

ذكره في باب الإقرار والمواهب، ووقوع مثل هذا الموضع في هذا الكتاب ينشأ عنه فساد كبير في الحكم والإفتاء حيث تكون المسألة منصوصة لإمام المذهب، ثم يقتصر الرافعي على نقلها عن متأخر معدود في المصنفين لا يتوقف المتوقف في مخالفته، ولا يهاب الإقدام على رد مقالته بما ظهر له.

فحينئذ يخالف المذكور بما يظهر له لعدم وقوعه على غيره، ثم يقلده فيه من يأتي بعده فيحكم به، ويفتي كما وقع في هذه المسألة وأمثالها، ولبادروا إلى الجواب بما قاله الرافعي، وزعموا أنه مذهب الشافعي كما وقع هنا لصاحب "الحاوي الصغير" فإنه أجاب به، فنسأل الله الكريم الهداية إلى الصواب.

قوله من "زياداته": وقولنا: إقرار بالعين معناه أنه يحمل عند الإطلاق على أن ذلك عين مودوعة له عنده. قاله البغوي.

قال: حتى لو ادعى بعد الإقرار أنها كانت وديعة وتلفت، أو رددتها قبل قوله بيمينه، بخلاف ما إذا قلنا: إنه دين فإنه لو فسر بالوديعة لم يقبل، وإذا ادعى التلف لم ينفعه، بل يلزمه الضمان. انتهى كلامه.

وما ذكره عن البغوي وأقره عليه من أنه لا يقبل منه فيما صرفناه إلى الدين تفسيره بالوديعة، ودعوى تلفه أو رده قد ذكر بعده في الباب الثالث المعقود لتعقيب الإقرار بما يرفعه ما حاصله رجحان مخالفة هذا فقال: لو قال له: على ألف ثم ادعى بعد الإقرار أنها وديعة وأنها تلفت، فالذي

ص: 577

نقله الإمام عن الأصحاب: أنه لا يقبل، وهو مشكل دليلًا ونقلًا.

أما الدليل: فكذا. وأما النقل: فمقتضي كلام غيره تصديقه.

وقد صرح به صاحب "الشامل" في موضعين من الباب. انتهى ملخصًا.

وصرح بتصحيحه في "المحرر" و"المنهاج".

نعم إن قال: في ذمتي له كذا لم يقبل تفسيره بالعين على الصحيح.

قوله: إذا قال: لي عليك ألف فقال في جوابه: أو خذ أو استوف، أو اتزن بهمزة الاستفهام لم يكن إقرارًا، لأنه ليس بالتزام، ولأنه يذكر للاستهزاء، وقيل: الأخير إقرار.

ولو قال: زنه أو خذه فليس بإقرار.

وقال الزبيدي في "الكافي": إنه إقرار، ولو قال: شده في هميانك أو اجعله في كيسك واختم عليه فهو كقوله: زنه. انتهى.

وهذا الذي نقله عن "الكافي" مردود، فقد راجعت كلامه في كتاب الإقرار، وهو بعد نصف الكتاب بقليل فرأيته لم يذكر ذلك إلا مع المضارع بهمزة الاستفهام.

ولم يذكر ما ذكره الرافعي من ألفاظ الأمر بالكلية، والمضارع المذكور أولى بالوجوب من الأوامر، بدليل الوجه الذي حكيناه عن الرافعي.

وحينئذ فلا يلزم من الوجوب مع المضارع وجوبه في الأوامر، بل رأيته قد خالف ذلك بالنسبة إلى المضارع أيضًا في كتابه المسمي "بالمسكت" في باب الإقرار وهو قريب من أواخر الكتاب، فإنه نقل عن العراقيين من أصحابنا هذه التفرقة في المضارع، ثم قال: وهما في القياس عندي واحد لأنه يقال: اتزن من فلان أو اتزن ممن لك عليه، وهكذا إذا قال:

ص: 578

اتزنها. فهو محتمل لما وصفناه.

نعم إذا قال: اتزنها منى فهذا عندى إقرار. انتهى كلامه.

فتلخص أن الصور ثلاثة، وقد تكلم على جميعها، لكن مع المضارع خاصة، وأما مع الأمر فليس له فيها كلام في الكتابين، لا في "الكافي" ولا في الذي لم يقف عليه وهو "المسكت".

قوله في أصل "الروضة": ولو قال: أنا مقر به فهو إقرار. انتهى.

واعلم أن الرافعي قد ذكر بعد هذا كلامًا آخر يدل على اشتراط المخاطبة أى بأن يقول: أنا مقر لك به، فإنه قال: ولو قال: أنا مقر ولم يقل به، أو قال: لست منكرًا أو أنا أقر لم يكن إقرار الجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه، أو بأن الله تعالى واحد، وهذا يدل على أن الحكم بأن قوله: أنا مقر به إقرار فيما إذا خاطبه فقال: أنا مقر لك به، وإلا فيجوز أن يريد به الإقرار به لغيره. هذا كلامه.

وهو ظاهر متجه، وإسقاط النووي له غريب.

قوله: ولو قال: أنا أقر لك به، فوجهان نسب الإمام إلى الأكثرين: أنه إقرار، وفي "التنبيه" كلام فإن العراقيين والقاضيان الحسين والروياني وغيرهم أجابوا بخلافه لاحتمال الوعد.

ولا يحكي الثاني إلا نادرًا، لكنه مؤيد بأنهم اتفقوا على أنه لو قال: لا أنكر ما يدعيه كان إقرار عين محمول على الوعد.

ورأيت بعض أصحاب العبادي أجاب بأن العموم إلى النفي أسرع منه إلى الإثبات، ولهذا عمت النكرة المنفية دون المثبتة. انتهى.

عبر في أصل "الروضة" بقوله: لأن العراقيين والقاضيين حسينًا والروياني قطعوا بأنه ليس كذلك، فإن القاضي أبا الطيب من كبارهم،

ص: 579

وقد قال بأنه يكون إقرارًا، كذا رأيته في الكتاب الذي نقل عنه، ومصنفه ببعض أصحاب العبادى وهو "الإشراف" للهروي نقلًا عنه، ورأيت فيه الفرقال في ذكره الرافعي، وهو يقتضي أن الوعد في المضارع العاري عن لا أقرب من المقترن بها، وهو بالعكس لأن النحاة مع تسليمهم أن المضارع المثبت يحتمل الحال والاستقبال، اختلفوا في المنفي بلا.

فذهب جمهورهم إلى اختصاصه بالاستقبال، وقال: الأقلون هو باق على الاحتمال، وصححه ابن مالك.

وللمسألة إلتفات أيضًا إلى أن المشترك هل يحمل على جميع معانيه عند الإطلاق أم لا؟ فإن حملناه -وهو مذهب الشافعي- اتجه القول بأنه إقرار مع المثبت والنفي، لأن المضارع مشترك بين الحال والاستقبال.

قوله: ولو قال: أبرأني عنه فإقرار، وقيل: لا لقوله تعالى في حق موسى عليه الصلاة والسلام: {فَبَرَّأَهُ اللَهُ مِمَّا قَالُوا} (1) وتبرأته عن عيب الأدرة لا تقتضي إثباته هنا. انتهى.

واعلم أن الأدرة بهمزة مضمومة ودال مهملة ساكنة وراء مهملة هي نفخة في الخصية كما سبق إيضاحه في باب الأحداث، وكان موسى عليه السلام يستتر عند غسله فكانت بنو إسرائيل يقولون: إنه آدر، فجاء ليغتسل يومًا فوضع ثوبه على حجر فمشي الحجر بثوبه إلى أن أتى إلى مكان فيه ملأ من بني إسرائيل -أى أشرافهم- فتبعه موسى عليه السلام وجعل يضربه ويقول: ثوبي حجر -أي: دع ثوبي يا حجر- فرأه بنو إسرائيل، وليس به عِلّة" (2) رواه مسلم في "صحيحه" بعبارات مختلفة.

قوله: اللفظ وإن كان صريحًا في التصديق فقد تنضم إليه قرائن

(1) سورة الأحزاب: 69.

(2)

أخرجه البخاري (3223) ومسلم (339) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 580

تصرفه عن موضعه إلى الاستهزاء والتكذيب، ومن جملتها الأداء والإيراد وتحريك الرأس الدال على شدة التعجب والإنكار، فيشبه أن يحمل قول الأصحاب. إن صدقت وما في معناها إقرار على غير هذه الحالة.

فأما إذا اجتمعت القرائن فلا يجعل إقرارًا، أو يقال: فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال: لي عليك ألف، فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك علىّ ألف، فإن المتولى حكى فيه وجهين. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن تعبير الرافعي بقوله: وألا يراد هو بالدال في آخره، وكذا نقله عنه ابن الرفعة في "الكفاية" و"المطلب" ومن خطه نقلت، ومراده بذلك كيفية أداء الكلمة وإيرادها من الضحك معها، وغير ذلك.

ووقع في "الروضة" بغير دال ظنًا أن المراد الابراء من الدين، وهذا لا معنى له هاهنا.

الأمر الثاني: أن النووي قد تابعه في "الروضة" على حكاية الوجهين عن "التتمة" من غير ترجيح، ولكن لما حكى المتولى الوجهين قال عقبها ما نصه: وأصل المسألة إذا أقر بشيء ثم وصله بما يرفعه. هذه عبارته.

والأصح في المسألة التى فرع هذه عليها هو اللزوم والعجب من إهمال الرافعي لهذه المسألة التى تعلم منها الترجيح، ثم إن هذا الحكم لا يختص بهذا المثال الذي ذكره صاحب "التتمة" بلا شك، لاسيما والتعليل يرشد إليه، والسياق يدل عليه، فتوقف الرافعي غريب.

قوله: وإن قال: أليس لى عليك ألف؟ فقال: نعم، ففي كونه إقرار وجهان. . . . إلى آخره.

ص: 581

والأصح على ما ذكره في "المحرر": أنه إقرار، وكلام الكتاب ربما يشعر به.

قوله: وإذا قال: اشترِ منى عبدى هذا، فقال: نعم، فهو إقرار منه للقائل كما لو قال: اعتق هذا، فقال: نعم، ويمكن أن يكون فيه خلاف مما سبق في الصلح فيما إذا قال بعنيه. انتهى كلامه.

وما ذكره في الإعتاق ذكر مثله في "الروضة"، ولا شك أن المسألة غير المسألة، فإن كان المراد أن يقول: أعتق عبدي، فلا شك أن الحكم واحد والاختلاف إنما هو بالأمثلة، فكيف يقيس إحداهما على الأخرى؟ .

قوله: ولو قال: لا أقر، ولا أنكر، فهو كسكوته فيجعل منكرًا، ويعرض عليه اليمين. انتهى كلامه.

وما قاله من كونه كالمنكر، ويعرض عليه اليمين قد قاله غيره، وأما كون هذا حكم السكوت، فليس مطابقًا لما قاله في الدعوى، فإنه قد قال في أول الباب المعقود لجواب الدعوى: فإن سكت وأصر على السكوت جعل كالمنكر فيرد اليمين على المدعى.

قوله: ولو ادعى عليه عبدًا في يده، فقال: اشتريته من وكيلك فلان فهو إقرار له، ويحلف المدعي على أنه ما وكل فلانًا بالبيع. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على جعله مقرًا بهذا اللفظ، وهو مشكل، لأنه لا يلزم من اعترافه بالشراء من وكيله اعترافه بأنه وكله في بيعه، فإن الوكيل كما يتصرف للموكل يتصرف لنفسه، فينبغي حمل ذلك على ما إذا ضم إليه لفظًا آخر يقتضي اعترافه بالتوكيل في بيعه كقوله: انتقل إلى عنك بالشراء من وكيلك، ونحو ذلك.

قوله في "الروضة": ولو قال: كان علىّ ألف لفلان، أو كانت هذه

ص: 582

الدار في السنة الماضية له، فهل هو إقرار في الحال عملًا بالاستصحاب أم لا لأنه غير مقر في الحال؟ فيه وجهان.

قلت: ينبغي أن يكون أصحهما الثاني، وقد أشار إلى تصحيحه الجرجاني. والله أعلم.

ولو قال: هذه داري أسكنت فيها فلانا ثم أخرجته فهو إقرار باليد على الأصح، لأنه اعترف بثبوتها وادعى زوالها. انتهى كلامه.

وفيه أمران:

أحدهما: أن هذا الذي ذكره هنا قد خالفه في كتاب الدعاوى، فقال في الباب الخامس منه: ولو قال المدعى عليه: كان ملكه أمس، فالأصح وبه قطع ابن الصباغ: أنه يؤاخذ به إلى آخر ما ذكر.

ثم قال: ولو قال: كان في يدك أمس فهل يؤاخذ بإقراره؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ.

قلت: الأصح المنع. والله أعلم.

فانظر إلى هذا الاختلاف الغريب، كيف صحح في هذا الباب من أصل الروضة أنه يؤاخذ بالإقرار باليد، ورجح من "زياداته" عدم المؤاخذة بالإقرار بالملك، وفي "الزيادات" أنه لا يؤاخذ بالإقرار باليد، وقد ذكر الرافعي في أوائل الباب ما يخالف ما نقلناه عنه أولًا فقال: ولو قال له: على ألف قضيته لم يقبل، ولو قال: كان له على ألف قضيته قبل على الصحيح فيهما.

الأمر الثاني: أن قوله: إن الجرجاني أشار إلى تصحيحه غريب، فإن الجرجاني قد ذكر ما هو أبلغ من التصريح بالتصحيح، فإنه لما حكى الوجه القائل باللزوم قال: إنه ليس بشيء، هذا في "الشافي".

ص: 583

وعبر في "التحرير" بقوله: لم يكن إقرارًا، وقيل: يكون.

قوله: ولو قال: اقضِ الألف التي لى عليك، فقال: أعطى غدًا، أو ابعث من يأخذه، أو أمهلني [يومًا أو أمهلنى](1) حتى أصرف الدراهم أو أفتح الصندوق، أو أقعد حتى تأخذ أو لا أخذ اليوم أو لا تدم المطالبة أو ما أكثر ما تتقاضى، أو: والله لأقضينك، فجميع هذه الصور إقرار عند أبي حنيفة.

وأما أصحابنا فمختلفون في ذلك، والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكبر. انتهى.

وما ذكره من اللزوم في أعطى غدًا أو نحوه مما عرى عن الضمير العامل على المال المدعى به [مردود](2)، بل يتعين أن يكون التصوير عند انضمام الضمير كقوله: أعطيه ونحوه، فإن اللفظ بدونه يحتمل أن يراد به المذكور وغيره على السواء، ولهذا لو قال: أنا مقر به أو بما يدعيه أو لست منكرًا له كان إقرارًا، ولو لم يأت بالضمير فقال: أنا مقر أو لست منكرًا أو أنا أقر، فليس بإقرار كما ذكره الرافعي قبل هذا بقليل.

وحينئذ فيكون قول الرافعي: أنا نوافقهم في الأكثر للاحتراز عن هذه الصور فاعلمه.

نعم حذف في "المحرر" الثلاثة الأخيرة، وصرح بالترجيح في أكثر الصور وعينها فقال: ولو قال: اقضِ الألف التى لي عليك، فقال: نعم أو أقضي غدًا أو أمهلني يومًا أو حتى أقعد وأفتح الكيس أو أجد، فإقرار في الأشبه. انتهى، وعبر في "المحرر" بالأصح.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 584

قوله: ولو قال معسر: لفلان على [ألف](1) إن رزقني الله مالًا فقيل: ليس بإقرار للتعليق، وقيل: إقرار، وذلك بيان لوقت الأداء، والأصح: أنه يستفسر، فإن فسر بالتأجيل صح، وإن فسر بالتعليق لغى. انتهى.

أهمل رحمه الله ما إذا تعذر استفساره وقياس المذهب فيه: أنه لا يلزمه شيء، وقد صرح به الهروي في "الإشراف" فقال بعد حكاية ما ذكره الرافعي وجوهًا وتصحيحًا ما نصه: فإن مات قبل البيان فلا يحكم بالوجوب إذا تعذر تحصيل البيان من الورثة، إن الأصل فراغ الذمة، هذه عبارته والذي قاله واضح، وسأذكر إن شاء الله تعالى في أوائل تعليق الطلاق من "زوائد الروضة" مثله، والرافعي رحمه الله نقل أكثر مسائل هذا الفصل عنه من الكتاب المذكور، وقلده في أكثرها.

وصرح به في بعض المسائل إلا أنه لم يصرح باسمه -أعني في هذا الموضع-، بل عرفه شيخه فقال بعض أصحاب أبى عاصم العبادى والعجب كيف ترك الرافعي من كلامه بقية هذه المسألة، وهى من المهمات المستفادات.

وإذا علمت جميع ما ذكرناه فاعلم أن النووي قد ذكر في "الروضة" من "زوائده" نقلًا عن "العدة": أن الأصح أنه إقرار، وسكت عليه، والمراد بالعدة في كلامه هنا عدة أبي المكارم ابن أخت الروياني، لا عدة الحسين الطبري لما ستعرفه.

وهذا التصحيح الذي نقله عنها لا يستقيم مع تصحيحه [وجوب المراجعة لما سبق أيضًا، وإنما قلنا: إنه ليس المراد "عدة الحسين"، لأني رأيت فيها أن الصحيح في أصل المسألة لزوم الألف، ولم يذكر

(1) سقط من جـ.

ص: 585

المراجعة] (1) بالكلية، ونقله أيضًا عنه العمراني في "البيان" وأقره وكذلك [في كتابه المسمى بالزوائد، وهذا التصحيح مقتضاه تصحيح اللزوم عند](2) عند تعذر المراجعة.

ولا يبعد أن يكون أبو المكارم الروياني قد صحح في عدته ما صححه هؤلاء من اللزوم، وفرع عليه أنه إذا مات لزمه ذلك، فأخذ النووي هذا الفرع وضمه لما قرره هو فلزم الخلل، غير أني لم أراجع "العدة" المذكورة.

قوله: وإن قال: إن شهد على فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان، فهو إقرار في أظهر القولين، وإن لم يشهدا.

ولو قال: إن شهدا فصدقهما، فليس بإقرار. انتهي كلامه.

وتقييده في المسألة الأولى بقوله: بكذا لابد منه واحترز به عما لو قال: ما يشهد به شاهدان على فإنهما عدلان صادقان، فإنه لا يكون إقرارًا، بل تزكية وتعديلا، كذا نقله الرافعي في باب التزكية عن الهروي، ولم يخالفه.

قوله من "زوائده": قال في "البيان": ولو قال: لي عليك ألف درهم، فقال لزيد: علىَّ أكثر مما لك، لا شيء عليه لو أخذ منهما. انتهى كلامه.

وما نقله عن صاحب "البيان" وأقره عليه من عدم اللزوم لزيد عجيب مخالف لمدلول اللفظ، والصواب اللزوم لزيد، وتقبل منه دعوى إرادة القليل، كذا ذكره الأصحاب، وعللوه بأن القليل قد يوصف بالكثرة بالإضافة إلى قلة النفع بمال الغير، ونحو ذلك، وقد ذكره الرافعي بعد هذا بنحو ورقتين.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 586

لواحد منهما لاحتمال أنه قاله على سبيل السخرية. هذه عبارته، إلا أنه لم يصرح بلفظ المال، والتعليل يشعر بإرادته.

ويحتمل أنه أراد بما ذكره الإقرار بالألف، بل الظاهر ذلك، فعبر النووي بما عبر فأوقع في الفساد.

قوله في "الزوائد" أيضًا، وإن كتب لزيد على ألف درهم، ثم قال للشهود: اشهدوا علىّ بما فيه، فليس بإقرار كما لو كتبه عليه غيره فقال: اشهدوا بما كتب.

وقد وافقنا أبو حنيفة على الثانية دون الأولى، ووافق أيضًا على ما لو كتب ذلك على الأرض. انتهى كلامه.

وما ذكره في "زوائده" من كونه ليس بإقرار عندنا في المسألتين، قد ذكره في الباب الثاني من كتاب الطلاق قبيل الطرف الثاني من كتاب الطلاق المعقود للإيلاء، فقال عن "فتاوى الغزالي" ما حاصله: الوقوع ظاهر في المسألتين، فإنه ذكر ذلك في المسألة الثانية، وهي ما لو كتبه غيره.

وحينئذ فيؤخذ منه ذلك في المسألة الأولى بطريق الأولى، وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.

وأبين أن الفتوى على المذكور هنا فراجعه.

قوله أيضًا في "الزيادات": ولو قال: له على ألف إلا أن يبدو لي، فوجهان حكاهما في "العدة" و"البيان"، ولعل الأصح أنه إقرار. انتهى كلامه.

والصواب أنه لا يلزمه شيء، فقد نقله الهروي في "الإشراف" عن نص الشافعي، وهو قول أبي حنيفة، والشيخ أبي الطيب لم يصحح هذا

ص: 587

نص الشافعي، وهو قول أبي حنيفة، والشيخ أبى الطيب لم يصحح هذا الاستثناء فجعله بمنزلة قوله: له علىّ عشرة إلا عشرة، لأنه استثناء يرفع الجميع.

والشافعي قاسه على ما إذا قال: إن شاء الله. هذا لفظه، ذكر ذلك في أواخر مسألة، أولها إذا قال: علىّ درهم، وهو قريب من نصف الكتاب.

وإذا تأملت أمثال هذه المواضع الواقعة في هذين الكتابين تعجبت مما وقع فيهما، وعلمت أنه لا تحل المبادرة إلى الإفتاء بجميع ما فيهما إلا إذا صرحا بنقله عن النص، أو عن مقالة الأكثرين.

ص: 588