المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحجر قوله: والنوع الأول -أى الحجر المشروع لمصلحة الغير- خمسة - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٥

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيع

- ‌ الأول: في صحته وفساده

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الفساد بجهة الربا

- ‌ في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة

- ‌ في معرفة الجنسية

- ‌الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي

- ‌القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد

- ‌ القسم الثاني من المناهي ما لا يدل على الفساد

- ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

- ‌ الثاني في لزوم العقد

- ‌ الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده

- ‌ الرابع من كتاب البيع…في موجب الألفاظ المطلقة

- ‌اللفظ الثاني: البستان

- ‌اللفظ الثالث: الدار

- ‌اللفظ الرابع: العبد

- ‌اللفظ الخامس: الشجر

- ‌اللفظ السادس بيع الثمار

- ‌باب معاملات العبيد

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌كتاب الرهن

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في القبض والطوارئ قبله

- ‌الباب الثالث: في حكم المرهون بعد القبض

- ‌الباب الرابع: في النزاع بين المتعاقدين

- ‌كتاب التفليس

- ‌الحكم الأول: منع التصرف

- ‌الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته

- ‌الحكم الثالث: حبسه

- ‌الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع

- ‌كتاب الحجر

- ‌كتاب الصلح

- ‌الفصل الأول في أركانه

- ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

- ‌الفصل الثالث في التنازع

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب الضمان

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح

- ‌كتاب الوكالة

- ‌الباب الأول في أركانها

- ‌الركن الأول: ما فيه التوكيل

- ‌الركن الثاني: الموكل

- ‌الركن الثالث: الوكيل

- ‌الركن الرابع: الصيغة

- ‌الباب الثاني في أحكام الوكالة

- ‌الحكم الأول: صحة التصرف إذا وافق الإذن

- ‌الحكم الثاني: العهدة

- ‌الحكم الثالث: الجواز من الجانبين

- ‌الباب الثالث في الاختلاف

- ‌كتاب الإقرار

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

- ‌الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه

- ‌الباب الرابع في الإقرار بالنسب

الفصل: ‌ ‌كتاب الحجر قوله: والنوع الأول -أى الحجر المشروع لمصلحة الغير- خمسة

‌كتاب الحجر

قوله: والنوع الأول -أى الحجر المشروع لمصلحة الغير- خمسة أضرب: حجر المفلس لحق الغرماء، والراهن لحق المرتهن، والمريض لحق الورثة، والمرتد للمسلمين والعبد لحق السيد سواء كان مكاتبًا أم لا. انتهى.

تابعه النووي على حصرها في هذه الخمسة، ويرد عليهما أمور أخري:

أحدها: الحجر على السيد في العبد الذي كاتبه لأجل حق العبد.

الثاني: الحجر عليه في العبد الجاني لحق المجني عليه.

الثالث: الحجر على الورثة في التركة لحق الميت وحق الغرماء.

فإن قيل: التركة مرهونة على الصحيح، فدخلت فيما تقدم.

قلنا: لو عبر الرافعي بقوله: والحجر على المرهون، وما في معناه لكانت التركة داخلة، لكنه عبر بقوله: والحجر على الراهن، فلا يدخل فيه الوارث، لأنه لم يرهن.

وهذه الثلاثة قد استثناها ابن الرفعة في "الكفاية".

الرابع: الحجر الغريب السابق ذكره في البيع، وهو الحجر على المشتري في السلعة، وجميع ماله إلى أن يحضر الثمن وكذلك المستأجر.

الخامس: الحجر على الأب إذا وجب على الابن اعفافه فملكه جارية حتي لا يعتقها، كما صرح به القاضي حسين والمتولي وغيرهما، وهذان القسمان ذكرهما ابن الرفعة في "المطلب".

السادس: الحجر على المؤجر فيما استأجر على العمل فيه، كما ذكره في البيع في الكلام على حكم المبيع قبل القبض في أثناء كلام أوله: قال:

ص: 426

وبيع الميراث، فقال ما نصه: ومنها إذا استأجر صباغًا ليصبغ ثوبًا، وسلمه إليه، فليس للمالك بيعه ما لم يصبغه، لأن له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق فيه العوض.

وإذا صبغه فله بيعه قبل الاسترداد إن وفي الأجرة.

وإلا فلا، لأنه يستحق حبسه إلى استيفائها. هذا كلامه.

ثم عدد أيضًا أمثلة أخرى ملحقة بذلك، والإلحاق واضح من التعليل.

وقد ذكر في "التتمة" ما ذكره الرافعي، ثم ذكر شيئًا آخر ينبغي معرفته، فقال في الباب السابع من أبواب البيع: الثالث عشر: إذا استأجر إنسانًا شهرًا ليرعى أغنامه أو ليحفظ مالًا له معينًا، ثم أراد أن يتصرف في ذلك المال فالبيع صحيح، لأن حق الأجير لم يتعلق بذلك المال، فإن المستأجر لو أراد أن يستعمله في مثل ذلك العمل لكان جائزًا للبائع الحجر على الممتنع من إعطاء الدين، وماله زائدًا إذا التمسه الغرماء، كما صححه الرافعي في باب الفلس.

الثامن: إذا فسخ المشتري بعيب، كان له حبس المبيع إلى قبض الثمن، ويحجر على البائع في بيعه، والحالة هذه، كذا ذكره الرافعي في الكلام على حكم المبيع قبل القبض نقلًا عن "التتمة".

التاسع: الحجر على الغانم لمال من استرق، وعليه دين، مثاله: ما إذا كان على حربي دين فاسترق وله مال، ثم غنم الذي أسره أو غيره ذلك المال، فإنه يحجر عليه فيه مراعاة لأرباب الديون كالحجر على الوارث في التركة، لأن الرق كالموت، وتوفى منه ديون العبد، وإن زال ملكه عنه، كذا ذكره الرافعي في "السير".

العاشر: ذكره الجرجاني في "الشافي" وهو الحجر على المشتري في

ص: 427

المبيع قبل القبض.

الحادي عشر: ذكره المحاملي، وهو الحجر على العبد المأذون لحق الغرماء.

الثاني عشر: نفقة الأمة المزوجة ملك للسيد، وليس له أن يتصرف فيها ببيع أو غيره حتي يعطي بدلها للأمة، لأن حقها متعلق بعينها، كذا ذكره الرافعي وغيره.

الثالث عشر: إذا أعتق الشريك نصيبه، وقلنا: لا يشتري إلا بدفع القيمة، فتصرف المالك بالبيع وغيره، ففي صحته وجوه: أصحها عند الجمهور كما قال الرافعي، أن لا يصح، لأن صحته تؤدي إلى إبطال ما ثبت للمعتق من الولاء.

وثانيها: نعم.

وثالثها: يصح العتق دون غيره.

الرابع عشر: إذا قال الشريكان للعبد المشترك: إذا متنا فأنت حر، فلا يعتق العبد ما لم يموتا جميعًا.

إما على الترتيب أو معًا، لأنهما علقا عتقه بموتهما.

ثم فصل الرافعي في ذلك في أوائل التدبير، فقال: وإن ماتا معًا ففي "الكافي" للروياني وجه: أن الحاصل عتق تدبير لاتصاله بالموت.

والظاهر: أنه عتق لحصول الصفة كتعلق العتق بموته وموت غيره، والتدبير إن تعلق العتق بموت نفسه.

وإن ماتا على الترتيب فعن أبى إسحاق: أنه لا تدبير أيضًا.

والظاهر أنه إذا مات أحدهما يصير نصيب الثاني مدبرًا لتعلق العتق بموته؛ وكأنه قال: إذا مات شريكي فنصيبي منك مدبر، ونصيب الميت

ص: 428

لا يكون مدبرًا، وهو بين الموتين للورثة، فلهم التصرف فيه بما لا يزيل الملك كالاستخدام والإجارة، وليس لهم بيعه، لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك الآخر.

وقيل: لهم بيعه، لأن أحد شرطي العتق لم يوجد.

الخامس عشر: الدار التي استحقت للمعتدة بالحمل أو بالأقراء أن تعتد فيها، لا يجوز بيعها لأن حق المرأة يتعلق بها، والمدة غير معلومة بخلاف عدة الوفاة.

السادس عشر: إذا اشتري دابة فأنعلها، ثم اطلع على عيب فيها، وكان قلع النعل يؤدي إلى التعييب فردها للمشتري، وترك النعل للبائع فإنه يجبر على قبوله، وليس للمشتري طيلب قيمة النعل، ثم ترك النعل هل هو تملك من المشتري فيكون للبائع لو أسقط، أم إعراض فيكون للمشتري؟ وجهان، أشبههما: كما قاله الرافعي هو الثاني.

وإذا علمت ذلك فيمتنع بيعه على المشتري لما تقدم في دار المعتدة.

السابع عشر: إذا أعار أرضًا للدفن، فإنه لا يرجع فيها قبل أن يبلي الميت لما فيه من هتك حرمته بالنبش، ولو أراد بيع تلك البقعة لم يجز لجهالة مدة البقاء.

الثامن عشر: إذا فعل الغاصب بالمغصوب ما يقتضي انتقاله إليه، كما لو خالطه، بما لا يتميز، ونحو ذلك مما ذكروه في الغصب كالتعييب الساري للهلاك، فإنه يجب عليه البدل، ولا يمكن أن يوجبه عليه مع بقاء المغصوب في ملك المغصوب منه، لئلا يجتمع في ملكة البدل والمبدل فتعين انتقاله إليه، ولا يمكن أن يجوز للغاصب التصرف فيه، لأن المغصوب منه لم يرض بذمته فتعين الحجر عليه.

التاسع عشر: إذا أوصى بعين تخرج من الثلث، وباقي ماله غائب

ص: 429

فيحجر على الموصى له في الثلثين لاحتمال التلف.

والأصح أن لا ينفذ تصرفه في الثلث أيضًا، وإن تيقنا أنه له كما أن الوارث لم يمكن من التصرف في الثلثين.

العشرون: الحجر على من اشترى عبدًا بشرط الإعتاق، فإنه لا يصح بيعه، ولو كان بشرط الإعتاق على الأصح كما قاله الرافعي، لأن العتق مستحق عليه.

الحادي والعشرون: الحجر على السيد في بيع أم الولد.

الثاني والعشرون: إذا أقام شاهدين على ملك [سلعة](1)، ولم يعدلا، فإن الحاكم يحيل بينهما وبين المدعى عليه على الصحيح، فإذا أحال امتنع عليه بيعها وهبتها وغير ذلك مما بينوه في الباب الثاني من كتاب الشهادات، وفيما قبل الحيلولة وجهان.

الثالث والعشرون: إذا اشتري عبدًا بثوب مثلًا، وشرطا الخيار لمالك العبد، فالملك فيه له، ويكون الملك في الثوب باقيًا على من بذله، لئلا يجتمع الثمن والمثمن في ملك رجل واحد، وحينئذ لا يجوز لمالكه التصرف فيه [قبل فسخ مالك العبد لئلا يؤدي إلي إبطال ما ثبت فيه من الخيار](2).

الرابع والعشرون: إذا رهن جارية، ثم وطئها فحبلت منه وهو معسر، فإن الاستيلاد لا ينفذ على الصحيح، فلو حل الحق وهي حامل لم يجز بيعها على الأصح، لأنها حامل بحر، وإذا ولدت لا تباع حتى تسقي الولد اللبن ويجد مرضعة، خوفًا من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد،

(1) سقط من أ، جـ.

(2)

سقط من أ، جـ.

ص: 430

كذا قاله الرافعي.

ولو قيل بالبيع وإلزام الإقامة كما في الحرة وأمة الغير، لكان متجهًا.

الخامس والعشرون: إذا أعطى الغاصب القيمة للحيلولة، ثم [ظفر بالمغصوب](1)، فله حبسه إلي استرداد القيمة، كذا نقله الرافعي في باب الغصب عن نص الشافعي، ثم مال إلى خلافه، ويلزم من حبسه امتناع تصرف مالكه بطريق الأولى.

السادس والعشرون: بدل العين الموصي بمنفعتها إذا تلفت حكمه حكمها.

السابع والعشرون: أعطى لعبده قوته، ثم أراد عند الأكل إبداله، قال الروياني: ليس له ذلك.

وقيده الماوردي بما إذا تضمن الإبدال تأخير الأكل.

الثامن والعشرون: إذا نذر إعتاق عبد نفسه، فإنه لا يخرج عن ملكه إلا بالاعتاق، ومع ذلك لا يجوز له التصرف فيه بخلاف ما إذا نذر الصدقة بدرهم بعينه، فإنه يزول ملكه عنه إلي الفقراء.

ولو أوصى بإعتاقه أو بوقفه كان كالنذر.

التاسع والعشرون: إذا دخل عليه وقت الصلاة وعنده ما يتطهر به، فلا يصح بيعه ولا هبته على الصحيح لحق الله تعالى، وهكذا قياس السترة ونحوها، كالذي يعتمد عليه العاجز عن القيام، والمصحف الذي يقرأ منه غير الحافظ.

الثلاثون: إذا وجبت الكفارة على الفور، وكان في ملكه ما يجب عليه التكفير به، فقياس ما سبق امتناع تصرفه فيه، ولا يحضرني الآن

(1) في أ، جـ: ظهر المغصوب.

ص: 431

نقله.

ومن عليه دين لا يرجو وفاءه، أو وجبت عليه كفارة لا يحل له التصدق بما معه ولا هبته، ولكن لو فعل ففي صحة ذلك نظر.

قوله: ويدخل وقت إمكان الاحتلام باستكمال تسع سنين، وقيل: بمضي ستة أشهر من العاشرة، وقيل: باستكمالها، وهذه الوجوه كالوجوه في أقل سن الحيض، لكن العاشرة هاهنا بمثابة التاسعة هناك، لأن في النساء حدة في الطبيعة.

ولا فرق في إفادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء. انتهى ملخصًا.

تابعه في "الروضة" على إطلاق الدعوى بأن محل الأوجه في العاشرة، وليس ذلك على إطلاقه، بل محله في الصبي، أما الصبية فوقت احتلامها كوقت حيضها كما صرح به المتولي، وجزم به ابن الرفعة في "الكفاية" وتعليل الرافعي يرشد إليه، وعلى هذا فيأتي فيه ثلاثة أوجه، أول التاسعة، ووسطها، وآخرها.

وكلام "الدقائق" للنووي غير مستقيم، فإنه قال: قولهما -يعني "المحرر" و"المنهاج"- وقت إمكان المني استكمال تسع سنين يتناول مني الذكر والأنثى، وهذا هو المذهب، وقيل: منيها كحيضها. هذه عبارته.

قوله: وفيه وجه آخر أن خروج المني لا يوجب بلوغ النسوة، لأنه نادر وعلى هذا قال الإمام: الذي يتجه عندي أن لا يلزمها الغسل، لأنه لو لزم لكان حكيمًا بأن الخارج مني، والجمع بين الحكم بأنه مني، وبين الحكم بأنه لا يحصل البلوغ به متناقض.

ولك أن تقول: إن كان التناقض مأخوذًا من تعذر التكليف بالغسل مع

ص: 432

القول بعدم البلوغ، فنحن لا نعني بلزوم الغسل سوى ما نعنيه بلزوم الوضوء على الصبي إذا أحدث، فبالمعنى الذي أطلقنا ذلك، ولا يكلف مطلق هذا، وإن كان غير ذلك فلابد من بيانه. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن تعليل هذا الوجه بالندور يدل على أن المراد إنما هو الخروج بالاحتلام، فاعلمه فإن خروج المنى بالجماع كثير لا نادر.

الثاني: أن النووي قد تابعه في "الروضة" على هذا النقل عن الإمام مقتصرًا عليه، ثم قال: وفيه نظر.

لكن الإمام مع قوله ما قال: صرح بأن ظاهر كلام الأصحاب: أنه يجب عليها الغسل منه، فاعلم ذلك.

واقتصار الرافعي على ما قاله يوهم أن ذلك هو الموجود في النقل.

الأمر الثالث: أن الاعتراض الذي اعترض به الرافعي على الإمام اعتراض ضعيف جدًا، فإن التناقض ليس مأخوذا من التكلف، بل من غيره.

وقد أوضح الإمام ذلك إيضاحًا بينًا لا يحتاج إلى إعادته، وحاصله أنه مأخوذ من اللازم للتكليف بالغسل، وهو كونه منيًا.

قوله: وفي شعر الإبط وجهان، قال القاضي الحسين والإمام وآخرون: هو كالعانة.

وصحح صاحب "التتمة": أنه لا أثر له، ونبات اللحية والشارب فيه هذان الوجهان؛ لكن فرق صاحب "التهذيب" فألحق الإبط بالعانة [دون اللحية والشارب. انتهى.

وحاصله أنه ليس فيه تصريح] (1) بتصحيح، وكذلك حكى في "الروضة" وجهين فقط.

(1) سقط من أ.

ص: 433

والأصح في هذه الصور كلها أنها لا تلحق بالعانة. كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: في شعر الإبط وجهان: أظهرهما: أنه لا عبرة به، لأنه لو جاز الاعتماد عليه لما كشفوا عن المؤتزر في قصة بني قريظة. هذا لفظه.

وإن كان الأصح عدم العبرة بالإبط، فعدم العبرة باللحية والشارب أولى لما تقدم من كلام "التهذيب".

قوله: فرع: الخنثي المشكل إذا خرج من ذكره المنى، ومن فرجه الحيض حكمنا ببلوغه على الأصح، لأنه ذكر أمني أو أنثى حاضت.

والثاني: لا لتعارض الخارجين وإسقاط كل منهما حكم الآخر، وإن وجد أحد الأمرين فجواب عامة الأصحاب: أنه لا يحكم ببلوغه لجواز أن يظهر من الآخر ما يعارضه.

والحق وهو ما قاله الإمام: أنه ينبغي الحكم بذكورته وأنوثته، ثم إن ظهر خلافه غيرنا الحكم. انتهى.

زاد في "الروضة" فقال: قال صاحب "التتمة": إذا أنزل الخنثى من ذكره أو خرج الدم من فرجه مرة لم يحكم ببلوغه، وإن تكرر حكم به. وهذا الذي قاله حسن وإن كان غريبًا، والله أعلم. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الرافعي قد صحح في باب الغسل أنه لا فرق في أحكام المنى بين أن يخرج من الفرج المعتاد، أو من غيره كالصلب ونحوه، فلا منافاة بين الحيض وخروج المنى من الذكر.

الأمر الثاني: أن الاستدلال بالحيض على الأنوثة وبالمنى عليها أو على الذكورة شرطه التكرار، والرافعي والإمام استندا في تصويب الأخذ بأحد الأمرين إلى القياس على الأخذ بالذكورة والأنوثة، فعلم أن صورة ذلك في التكرار أيضًا.

ص: 434

وإذا علمت جميع ذلك تعجبت لقول النووي إنه غريب، فإن هذا هو المجزوم به، ولا شك أنه توهم عدم اشتراط التكرار هناك لكونهم هنا أهملوه.

الأمر الثالث: لا شك أن هذا التوقف إنما هو قبل استكمال خمس عشرة سنة، فإذا استكملها حكم ببلوغه بالسن، وإذا استحضرت ذلك فاعلم أن الشافعي قد نص على المسألة على خلاف ما رجحه الرافعي، وقد سبق إيضاحه في باب الحدث فراجعه، وقد سبق الكلام على كونه حيضًا في باب الأحداث.

قوله: ومن التبذير الإنفاق في المحرمات، وأما الصرف إلى الأطعمة النفيسة التى لا تليق بحاله فقال الإمام والغزالي: تبذير، وقال الأكثرون: ليس بتبذير. انتهى ملخصًا.

وما قاله من كون الإسراف في النفقة ليس بتبذير، يلزم منه أن لا يكون محرمًا، لأنه قد قرر [أن](1) كل صرف في شيء محرم تبذير بخلاف العكس.

إذا علمت ذلك، فقد ذكر بعد هذا في قسم الصدقات ما يخالفه، فقال في الكلام على الغارم: وإذا كان غرمه في معصية كالخمر والإسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة انتهى.

وقع الموضعان كذلك في "الروضة" و"الشرح الصغير"، واقتصر في "المحرر" على المذكور في هذا الباب.

والسبب في وقوع هذا الاختلاف: أن الغزالي مثل بذلك في قسم الصدقات تبعًا للقاضي حسين، فتبعه الرافعي على المثال غير مستحضر ما قرره في موضعه.

(1) سقط من أ.

ص: 435

قوله: واعلم أن كلام المصنِّف هنا وفي "الوسيط" مصرح بأن عود التبذير أو الفسق لا أثر له، وإنّما المؤثر عودهما جميعًا، وليس كذلك، بل الأصحاب مطبقون على أن عود التبذير كافٍ في الحجر كما سبق. انتهى.

واعلم أن أصل الغزالي من "الوسيط" قد وجد على الصواب، فإنّه ضرب على الأوّل وأصلحه بالمقالة المشهورة.

كذا نبه عليه ابن الصلاح وتبعه النووي في "الروضة".

قوله: وقول "الوجيز": ثم يلي أمره القاضي أم وليه في [الصغر](1)؟ وجهان، وموضع الوجهين ما إذا قلنا: إن الحجر يعود بنفسه، أنها إذا قلنا: إن القاضي هو الذي يعيده فهو الذي يلى أمره بلا خلاف. انتهى كلامه.

وما ادعاه من نفي الخلاف ليس كذلك، ففي "الإشراف" للهروى: أن القاضي إذا حجر عليه ففي الولاية والحالة هذه وجهان:

أحدهما: أنها للقاضي.

والثاني: للأب أو الجد.

وحكاهما أيضًا في "الكفاية" عنه، وسلم النووي في "الروضة" من هذا الاعتراض فإنّه لم يصرح بنفي الخلاف.

قوله: ولو اشترى -أي المحجور عليه- وقبض أو استقرض، فتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان. . . . إلى آخره.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما قاله من عدم الضمان، محله إذا قبضه البائع وهو رشيد.

(1) في أ: الصدقة.

ص: 436

فأمّا إذا قبضه السفيه بغير إذن البائع، أو أقبضه إياه البائع وهو صبي أو محجور عليه بسفه، فيضمنه بالقبض قطعًا، كذا قاله الأصحاب.

ونبه الرافعي على المسألة الثانية في البيع، وقيد ذلك بما إذا لم يكن القبض بإذن الولي، وذكر في "الروضة" هنا المسألتين من "زياداته"، ولم يعز الثّانية إلى كلام الرافعي ولم يقيدها.

الأمر الثاني: أنه يشترط في عدم الضمان مع ما تقدم أن لا يطالبه البائع به، فإن طالبه فامتنع ضمن، كذا رأيته في "شرح المختصر" للداوودي، وهو المشهور بالصيدلاني، وهو ظاهر.

قوله: أنها إذا أذن له الولى وعين له تصرفًا، وقدر له العوض ففيه وجهان:

أظهرهما عند الغزالي: أنه يصح.

وأصحهما عند البغوي: المنع.

وعلى الوجهين يخرج ما إذا وكله غيره في شيء من هذه التصرفات، وما إذا اتهب أو قبل الوصية لنفسه. انتهى.

وهذه المسائل قد ذكرها في "الشرح الصغير" كما ذكرها في "الكبير" وفيها أمور:

أحدها: أن الأصح من هذين الوجهين المذكورين في أصل المسألة هو البطلان، كذا صححه الرافعي في "المحرر"، وعبر بالأظهر عند الأكثرين.

الأمر الثّاني: أن جريان الوجهين في التوكيل، قد تابعه النووي عليه هنا، وصرح -أعني النووي- في كتاب الضمان بما حاصله أن جريانهما فاسد، وذلك لأن الوكيل يطالب بالثمن بلا خلاف إذا لم يعترف البائع بوكالته، وكذا إن اعترف بها في الأصح.

وعلى هذا -أى القول بالمطالبة- يكون الوكيل كالضامن، والموكل

ص: 437

كالمضمون عنه، ويجيء فيه الكلام في اعتبار شرط الرجوع، هكذا قاله الرافعي في كتاب الوكالة.

وإذا تقرر أنه كالقياس، فاعلم أن الرافعي خرج إذن الولي للسفيه فيه -أي في الضمان- على الإذن له في البيع، فرد عليه النووي وقال: إن التخريج فاسد.

قال: لأن البيع إنما صح على وجه، لأنه لا يأذن إِلَّا فيما فيه ربح أو مصلحة، والضمان غرر كله فلا مصلحة. هذا كلام النووي.

فإذا تقرر أن الإذن في التوكيل كالإذن في الضمان، وأن الإذن في الضمان فاسد كما قاله النووي، لزم أن يكون الإذن في التوكيل أيضًا فاسدًا عنده، فموافقته هنا على صحته سهو فتفطن له.

الأمر الثالث: أن الأصح من الخلاف في اتهابه هو الصحة كما ذكره في "الروضة"، ونقله في "النهاية" عن الأكثرين.

نعم إذا فرعنا على أن الهِبَة تقتضي الثّواب، هل يستثني ذلك هنا أم يخرج على ذلك الخلاف حتّى يبطل إن أوجبنا الثّواب، أم يفصل بين العالم بسفهه والجاهل؟ فيه نظر.

الرّابع: أنه إذا وكله غيره في قبول النكاح، فإنه يصح على الصّحيح كما ذكره الرافعي في كتاب الوكالة، بخلاف التوكيل في الإيجاب، فإن الصحيح امتناعه، وكلامه هنا يقتضي امتناعهما معًا.

قوله: ولو أقر السفيه بإتلاف أو جناية توجب المال، فقولان: أصحهما: أنه لا يقبل. انتهى.

وما ذكره هنا من أن الخلاف قولان، قد ذكر خلافه في كتاب دعوى الدم والقسامة فجزم بأنه وجهان.

ص: 438

وتبعه في "الروضة" على الموضعين، ووقع هنا في "الشرح الصغير" و"المحرر" و"المنهاج" أنه قولان كما في "الكبير".

قوله: ولو أقر بنسبه ثبت وينفق على الولد المستلحق من بيت المال. زاد في "الروضة" فقال: كذا قاله الأصحاب في كلّ طرقهم يقبل إقراره بالنسب، وينفق عليه من بيت المال قطعًا، وشذ الروياني فقال في "الحلية": يقبل إقراره بالنسب في أصح الوجهين، وينفق عليه من ماله، وهذا شاذ نبهت عليه لئلا يغتر به. انتهى كلامه.

وما ذكره النووي مستدركًا به على "الحلية" من اتفاق الأصحاب في كلّ الطرق على ثبوت الإقرار، وعلى الإنفاق من بيت المال عجيب، فقد صرح بالخلاف في قبوله جماعة، منهم: القاضي أبو الطيب في "تعليقه" وابن الصباغ في "الشامل" كلاهما في أثناء باب الإقرار في الكلام على مسألة أولها قال الشافعي: ولو أقر لوارث فلم يمت، وصرح بنقل الخلاف فيهما معًا أيضًا في "البحر" في آخر باب الحجر، وبالغ فيه فإنّه حكى في المسألة ثلاثة أوجه: أحدها: لا يقبل بالكلية.

ثم قال ما نصه: والثاني: يثبت نسبه وينفق عليه من ماله، لأن الإقرار يثبت النفقة تبعًا لا مقصودًا، وهو الأشهر. هذا لفظه بحروفه.

ثم حكى الثالث المعروف: أنه يثبت وينفق عليه من بيت المال، فقد صرح بنقله وزاد عليه فقال: إنّه الأشهر.

وإذا تأملت ذلك قضيت العجب مما قاله النووي، فلذلك حكيت ما حكيت حتى لا تغتر بكلامه هو في هذه المسألة، حيث قال في حق الروياني: إنّه نبه على كلامه حتّى لا تغتر به، ولو طالع المبسوطات خصوصًا إذا كان المبسوط لمن يحاول الاعتراض عليه لا نكف عن كثير مما تقدم عليه من التغليط والإنكار للأمور المشهورة، كما أوضحناه في كتابنا هذا.

ص: 439

قوله: ولو نذر التصدق بعين مالٍ لم ينعقد، وفي الذمة ينعقد. انتهى.

تابعه عليه في "الروضة" وكلامهما في النذر يقتضي أنه لا يصح منه نذر القرب المالية مطلقًا، وستعرفه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله من "زياداته": وفيه وجه حكاه صاحب "الحاوي" والقاضي حسين والمتولي: أنه يلزمه التكفير بالمال. انتهى كلامه.

وهو يقتضي أن القاضي من الحاكين له وجهًا أيضًا، وليس كذلك، بل هو جازم به كما ذكره في "تعليقه"، وقاسه على المبعض.

[قوله: ](1) ولا يبيع عقاره إِلا لحاجة كالنفقة والكسوة، ثم قال: أو بغبطة مثل أن يكون يقبل الخراج أو يرغب فيه شريك، أو جار بأكثر ثمن مثله، وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن. انتهى.

وما ذكره من وجدان مثله هو من باب المثال، وليس هو على سبيل الاشتراط، ولهذا لم يشترط في "المحرر" ولا في "الشرح الصغير" ولا في "التنبيه"، وأقره عليه في تصحيحه، ولم يعتبر أيضًا أكثر الأصحاب، وأوهم ابن الرفعة أن كلام الإمام مصرح به، وليس كذلك.

وقوله أيضًا: وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن ليس للتقييد أيضًا، بل لو وجد خيرًا منه بذلك الثمن كان كذلك، صرح به الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والبغوي والخوارزمي وغيرهم.

فإن وجد مثله بمثله فالمتجه المنع [لأنه عيب فتلخص أن المعتبر هو -الحظ والمصلحة](2)، ويبقي النظر فيما إذا لم [يبحث عن وجدان عقار](3) بالصفة المذكورة، فيحتمل أن يقال: إن كان الغالب وجدانه في

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

(3)

سقط من أ.

ص: 440

الحال أو بعده بقليل لو بحث فيجوز وإلا فيمتنع.

قوله: وإذا باع الأب أو الجد عقارًا [للطفل](1)، ورفع إلى القاضي سجل على بيعه، ولم يكلفه إثبات الحاجة أو الغبطة بالبينة، لأنه غير متهم، وفي بيع الوصي والأمين لا يسجل إِلَّا إذا قامت البينة على الحاجة أو الغبطهّ. انتهى.

زاد في "الروضة" على هذا فقال: وفي احتياج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد [ليسجل](2) لهما أو ليحكم بالصحة وجهان حكاهما في "البيان"، والله أعلم.

وما ذكره هنا من حكاية وجهين من غير ترجيح، قد ذكرهما قبل ذلك من "زوائده" أيضًا بزيادة الترجيح للاكتفاء بالعدالة الظاهرة، وستكون لنا عودة إلى هذه المسألة في باب الحضانة إن شاء الله تعالى فراجعه.

ثم إن مقتضى التعليل السابق في الأب: استثناء الأم من الأوصياء، وما كان من هذا القبيل، فتفطن لذلك.

قوله: وإذا باع ماله نسيئة زاد على ثمنه نقدًا، وأشهد عليه وارتهن به رهنا وافيًا، فإن لم يفعل ضمن. انتهى.

وللمسألة شروط أخرى ذكرها في "الروضة" من "زياداته" في كتاب الرهن فقال: قال صاحب "الحاوي" وشيخه الصيمري وصاحب "البيان" وآخرون من العراقيين: إنا إذا جوزنا البيع نسيئة، فشرطه كون المشتري ثقة موسرًا، ويكون الأجل قصيرًا.

قال: واختلفوا في حد الأجل الذي لا يجوز الزيادة عليه، فقيل:

(1) سقط من أ، جـ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 441

سنة، وقال الجمهور: لا يتقدر بها، بل يعتبر عرف الناس. انتهى.

قوله: ولا يهب أمواله لا بشرط الثواب ولا دونه، إذ لا يقصد بالهبة العوض. انتهى.

تابعه في "الروضة" على إطلاق المنع، لكن إذا شرط ثوابًا معلومًا كان بيعًا على الأصح، تجرى عليه أحكام البيع كلها نظرًا للمعنى، كذا ذكره في كتاب الهبة.

وحينئذ فينبغي أن يجوز ذلك حيث يجوز البيع، ويؤيده تصريح الإمام بذلك في المكان، فإنه لما منعه من الهِبَة لكونها تبرعًا، استثنى هذه المسألة، ونقله عنه الرافعي [هناك وأقره، وجزم به في "الروضة"، ولم يخصه بالإمام كما خصه الرافعي](1) واقتضى ذلك كله وجوب استثنائها.

قوله في أصل "الروضة": وإن كان الولي فقيرًا وانقطع نسبه عن الكسب، فله أخذ قدر النفقة وفي "التعليق" له أخذ أقل الأمرين من النفقة وأجرة المثل. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن هذا الأخذ لا يحتاج إلى إذن الحاكم، جزم به ابن الصلاح في "فتاويه".

الثاني: أنه إنما عبر بالتعليق وأطلق، لأن نسخ الرافعي مختلفة، ففي بعضها أنه تعليق الشيخ أبي حامد، وفي بعضها أنه الشيخ أبى محمد، وحكى في "الروضة" من "زياداته": أن هذا المنقول عن التعليق، نص عليه الشافعيّ، وأنه المعروف في كتب أكثر العراقيين.

الأمر الثالث: أن تعبيره بالولى تبع فيه الرافعي، وليس بجيد، والصواب التعبير بالوصي، كما عبر صاحب "التنبيه": لأن الولى

(1) سقط من أ، ب.

ص: 442

يدخل فيه الأب والجد، ولا خلاف أنهما عند الحاجة يأخذان قدر الكفاية، وسواء كانا صحيحين أم لا.

قال ابن الرفعة: لأنه وإن كان صحيحًا قادرًا على التكسب، لكنه قد تعذر عليه الكسب بسبب حفظ المال.

قوله في المسألة: وهل عليه ضمان ما أخذ كالمضطر، أم لا كالإمام إذا أخذ الرزق من بيت المال؟ فيه قولان. انتهى.

والراجح منهما أنه لا يضمن، فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أشبه الوجهين، والنووي في "الروضة"، إنه الأظهر، ولم يذكر المسألة في "المحرر".

قوله: يجب على الولى أن ينفق عليه ويكسوه بالمعروف، ويخرج من ماله الزكوات وأروش الجنايات، وإن لم يطلب، ونفقة القريب بعد الطلب. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره من توقف نفقة القريب على الطلب، لا يستقيم إذا كان المنفق عليه مجنونًا أو طفلًا أو زمنًا يعجز عن الإرسال ونحو ذلك كالمعتوه والمبرم ومختلط العقل لهرم.

الأمر الثاني: أن هذا الكلام يقتضي وجوب أداء الدين قبل طلبه لتصريحه بوجوب الإخراج، وفيه كلام يتعين الوقوف عليه سبق إيضاحه في كتاب الفلس فراجعه.

الأمر الثالث: أن كلامه يوهم أن الضمان يجب بإتلاف الصبي مميزًا كان أو غير مميز، وفيه اضطراب، سوف أذكره إن شاء الله تعالي في أوائل الجنايات فراجعه.

ص: 443

قوله: ومنها: ليس لغير القاضي إقراض مال الصبي، إِلَّا عند [الضرورة بهدٍ](1) أو حريق، وإذا أراد سفرًا، ويجوز للقاضي الإقراض، وإن لم يعرض شيء من ذلك لكثرة أشغاله، وسوى أبو عبد الله الحناطي بين القاضي وغيره. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الرافعي قد حكى في آخر باب القضاء على الغائب عن صاحب "التلخيص": أنه يجوز أيضًا للأب.

وظن النووي هناك أنه تقدّم هنا فأسقطه، فلزم خلو"الروضة" عنه.

الثاني: أن كلامه ليس فيه بيان أن الحناطي سوى بينهما في الجواز والمنع، والظاهر أنه أراد المنع، ويدل عليه أن الرافعي في آخر القضاء على الغائب، وهو قبيل القسمة حكى عن صاحب "التلخيص": أن الأب يجوز له ذلك كالقاضي، ثم قال: وهذا وجه آخر، أى غير ما تقدّم في الحجر.

فلو كان المنع لكان قد سبق، وإن كان أعم، وقد بينه بذلك في أصل "الروضة" فقال: وفي وجه: القاضي كغيره، هذا لفظه.

فعلم أن مراد الرافعي التسوية في المنع، وصرح بذلك أيضًا ابن الرفعة في "الكفاية".

الأمر الثالث: أن ما نقله عن الحناطي فيه نظر، فقد ذكر الحناطي المسألة في "فتاويه"، وجزم بالتفصيل، وفرق بكثرة اشتغال القاضي.

الأمر الرابع: أن ما قاله الرافعي من جواز القرض للقاضي خاصة سبقه إليه البغوي، لكن نقل صاحب "الشامل" في كتاب الفلس: أن الشافعيّ نصّ على أنه لا يجوز لولى الصبي إقراض ماله، ولم يفصل بين القاضي

(1) في جـ: ضرورة نهب.

ص: 444

وغيره، فإنه لما تكلم على بيع أموال المفلس، وما يفعل في أثمانها قال ما نصه: مسألة: قال -يعني الشافعي-: وإن وجد الإمام [ثقة يسلفه](1) المال حالًا لم يجعله أمانة، ثم قال بعد ذلك: فإن قيل: أليس قد قال الشافعيّ: إن ولى الصبي يودع ماله ولا يقرضه؟ ، فالفرق عندي أن مال الصبي معيد لمصلحة تظهر له من شراء عقار أو تجارة، وقرضه يتعذر معه المبادرة إلي ذلك، ومال المفلس وجد للغرماء خاصة فافترقا، هذا لفظه.

وذكر الرافعي في باب القراض، أن شرط المقرض أن يكون أهلًا للتبرع، وهو صريح في منع القاضي منه.

وقال الهروي في "الإشراف" ونقله عنه ابن الرفعة في "الكفاية": إن المذهب أنه لا يجوز أيضًا للقاضي ذلك.

وأطلق المنع أيضًا الشيخ أبو حامد والقاضي حسين والمحاملي والفوراني والشيخ أبو إسحاق وابن الصباغ في تجارة الموصي، والإمام والغزالي والجرجاني والمتولي والروياني وصاحب "العدة" وصاحب "البيان".

قوله من "زياداته": يستحب للحاكم إذا حجر على السفيه أن يشهد على حجره، وحكي في "الحاوي" و"المستظهري" عن أبى على بن أبي هريرة وجهًا: أنه يجب الإشهاد. انتهى كلامه.

واعلم أن قائل هذا الوجه، وهو ابن أبي هريرة يقول: إن الإشهاد شرط في صحة الحجر، كذا صرح به الماوردي، وعلله بأن المقصود من الحجر إظهار منعه من التصرف في ماله ليتحفظ الناس من معاملته، وهذا المعني لا يصح إِلَّا بالإشهاد، وعبارة "المستظهري" أيضًا تشعر به.

فإنه عبر بقوله: وهل يفتقر الحجر إلى الإشهاد؟ فيه وجهان، وكلام النووي في حكاية هذا الوجه غير وافٍ، بل هو موهم خلاف المراد.

قوله أيضًا من "زياداته": وإذا كان للصبي أو السفيه كسب أجبره

ص: 445

الولى على الاكتساب ليرتفق به في النفقة وغيرها، حكاه في "البيان". انتهى كلامه.

وما نقله عن "البيان" في الصبي والسفيه ليس كذلك، بل إنما ذكره في الصبي خاصّة نقلًا عن أبي إسحاق، ولا يلزم من إجباره للصغير، لكونه يستقل بإجارته أن يجبر السفيه، فإن السفيه لو أجر نفسه بغير إذن وليه ففي صحته خلاف، حكاه ابن الرفعة في "الكفاية" عن القاضي وجهين، وعن "الإشراف" للهروى قولين.

وقال الماوردي: إن كان فيما هو مقصود من عمله، مثل أن يكون صائغًا وعمله مقصود في كسبه [لم يجز، ويولى الولى العبد عليه، وإن كان غير مقصود الحج أو وكالة وليس عمله مقصودًا في كسبه](1) لاستغنائه صح لأن له أن يتطوع بهذا العمل. هذا كلام الماوردي.

ومع ذلك لا يلزم من شيء من هذه النقول أن يجب عليه التكسب، ولا إجباره عليه، وكذلك توقف ابن الرفعة في "المطلب" في وجوب العمل عليه.

(1) سقط من جـ.

ص: 446