المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٥

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيع

- ‌ الأول: في صحته وفساده

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الفساد بجهة الربا

- ‌ في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة

- ‌ في معرفة الجنسية

- ‌الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي

- ‌القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد

- ‌ القسم الثاني من المناهي ما لا يدل على الفساد

- ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

- ‌ الثاني في لزوم العقد

- ‌ الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده

- ‌ الرابع من كتاب البيع…في موجب الألفاظ المطلقة

- ‌اللفظ الثاني: البستان

- ‌اللفظ الثالث: الدار

- ‌اللفظ الرابع: العبد

- ‌اللفظ الخامس: الشجر

- ‌اللفظ السادس بيع الثمار

- ‌باب معاملات العبيد

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌كتاب الرهن

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في القبض والطوارئ قبله

- ‌الباب الثالث: في حكم المرهون بعد القبض

- ‌الباب الرابع: في النزاع بين المتعاقدين

- ‌كتاب التفليس

- ‌الحكم الأول: منع التصرف

- ‌الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته

- ‌الحكم الثالث: حبسه

- ‌الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع

- ‌كتاب الحجر

- ‌كتاب الصلح

- ‌الفصل الأول في أركانه

- ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

- ‌الفصل الثالث في التنازع

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب الضمان

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح

- ‌كتاب الوكالة

- ‌الباب الأول في أركانها

- ‌الركن الأول: ما فيه التوكيل

- ‌الركن الثاني: الموكل

- ‌الركن الثالث: الوكيل

- ‌الركن الرابع: الصيغة

- ‌الباب الثاني في أحكام الوكالة

- ‌الحكم الأول: صحة التصرف إذا وافق الإذن

- ‌الحكم الثاني: العهدة

- ‌الحكم الثالث: الجواز من الجانبين

- ‌الباب الثالث في الاختلاف

- ‌كتاب الإقرار

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

- ‌الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه

- ‌الباب الرابع في الإقرار بالنسب

الفصل: ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

فإن باعه مع الأرض بأن باع أرضًا مع شربها من الماء في نهر أو وادٍ صح، ودخل الماء في البيع. انتهى كلامه.

وما ذكره من صحة البيع فيهما قد ذكر ما يخالفه في أواخر إحياء الموات، فصحح في الأرض دون الماء وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.

‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

قوله: وإذا جمع بين شيئين أحدهما: يجوز العقد عليه، والآخر لا يجوز، كمن باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ففي صحة البيع في عبده قولان:

أصحهما: أنه يصح. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ترجيح الرافعي وغيره الصحة ليس هو مذهب الشافعي رحمه الله فإنه إذا كان للمجتهد في المسألة قولان، وعلم المتأخر منهما كان الأول مرجوعًا عنه، والثاني هو مذهبه بلا نزاع.

والقول بالصحة قد رجع عنه، واستقر مذهبه على القول بالبطلان. كذا ذكره الربيع في "الأم" بل كتاب اللقطة الصغير وعبر بقوله: إن البطلان هو آخر قوليه، وهذه دقيقة غفلوا عنها ينبغي التفطن لها، لاسيما وهي جارية في أبواب كثيرة.

الأمر الثاني: أنه يستثني مما قاله الرافعي في هذه القاعدة مسائل.

إحداها: إذا أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين، فإن الصحيح على ما قاله الرافعي في الرهن بطلان الكل.

وقال الماوردي والمتولي: يبطل في القدر الزائد وفي الباقي قولا تفريق الصفقة.

ص: 147

وحينئذ يصح على الصحيح بقسطه من الأجرة.

الثاني: إذا استعار شيئًا ليرهنه بدين فزاد عليه بطل في الكل على الصحيح في الرافعي، وقيل يخرج على هذا الخلاف.

الثالث: إذا فاضل في الربويات حيث منعناه كما لو باع صاعًا بصاعين فإن يبطل في الجميع، وكان القياس تخريجه على القاعدة المعروفة إذا قلنا: يخير بكل الثمن حتى يبطل العقد في صاع، وفي الباقي القولان.

الرابع: إذا زاد في العرايا على القدر الجائز، وهو خمسة أوسق أو دونها فإنه يبطل في الكل، ولم يخرجوه على هذه القاعدة.

قوله في المسألة المذكورة: واختلف في تعليل [المنع](1) فقيل: لأن اللفظة واحدة لا يتأتى تبعيضها، وقيل: لأنه لا يدري حصة كل منهما عند العقد فيكون الثمن مجهولًا، ويبنى على العلتين ما لو جمع بينهما فيما لا عوض فيه كما لو رهنهما أو وهبهما، أو فيه عوض لا يفسد بفساده كما لو عقد على مسلمة ومجوسية أو يفسد لكن لا جهالة فيه كبيع العبد المشترك.

فعلى الأول يأتي القولان في هذه الصورة، وعلى الثاني تكون صحيحة جزمًا. انتهى.

لم يصحح أيضًا شيئًا من هذا الخلاف هنا في "الشرح الصغير" ولا في "الروضة"، والصحيح هو الأول فقد جزم بطريقة القولين في الباب الأول من أبواب الرهن، وسأذكر لفظه هناك.

وجزم بها أيضًا في "المحرر" فإنه مثل بالعبد المشترك وخرجها على القولين، واختلف فيه كلام النووي في "شرح المهذب" فقال في أوائل باب تفريق الصفقة ما نصه: فإن قلنا: لا يصح ففي عكسه وجهان، وقيل: قولان:

(1) سقط من أ.

ص: 148

أصحهما: الجمع بين حلال وحرام.

والثانية: جهالة العوض المقابل للحلال. انتهى.

وحينئذ فمقتضى هذا الكلام أن الصحيح في ما لا عوض فيه هو طريقة القولين.

وقال بعد ذلك بنحو ورقة: فرع:

لو رهن عبده، وعبد غيره، أو عبده وحرًا أو وهبهما أو زوج موليته وغيرها، أو مسلمة ومجوسية، أو حرة وأمة لمن لا تحل له الأمة، فإن صححنا البيع في الذي يملكه فهاهنا أولى، وإلا فقولان بناءً على العلتين، إن عللنا بجاهلة العوض صح. إذ لا عوض هنا؛ وإن عللنا بالجمع بين حلال وحرام فلا.

وإن شئت قلت: فيه طريقان:

المذهب: الصحة.

والثاني: قولان. انتهى كلامه.

فتصحيحه لطريقة القطع مناقض لما قدمه.

قوله: ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض فطريقان:

أحدهما: على القولين.

وأظهرهما: القطع بعدم الانفساخ. انتهى ملخصًا.

وما صححه هاهنا من طريقة القطع قد جزم بعد ذلك بما يخالفه فقال في الكلام على حكم المبيع قبل القبض ما نصه: إذا اشترى عبدين، وتلف أحدهما قبل القبض انفسخ البيع فيه، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة. هذا لفظه.

ووقع الموضعان كذلك في "الروضة" و"الشرح الصغير" وجزم في "المحرر" بطريقة القولين، لكن عدل النووي في "المنهاج" عن التعبير،

ص: 149

بالقولين، وعبر بالمذهب، وهذه العبارة ليس فيها تصريح بتصحيح أحد الطريقين. ووقع في "الشرح الكبير" و"الروضة" موضع ثالث جزم فيه بطريقة القولين أيضًا، وسلم منه "الشرح الصغير" وهو قبل مداينة العبيد في أول الكلام على وضع الحوائج.

قوله في المسألة: والطريقان جاريان فيما إذا تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض. انتهي.

هذه المسألة فيها كلام سبق في باب الربا فليراجع منه.

قوله: القسم الثاني: أن يكون اختياريًا كمن اشتري عبدين صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيبًا فهل له إفراده بالرد؟ فيه قولان:

أظهرهما: لا.

ثم قال: فإن لم نجوز الإفراد فقال: رددت المعيب فهل يكون ذلك ردًا لهما؟ فيه وجهان:

أصحهما: لا، بل هو لغو. انتهى كلامه.

وما ذكره من كونه لغو حتى يكون رجوعه كعدمه ولا يترتب عليه شيء، قد تابعه عليه في "الروضة" وقياس المذهب أن يكون ذلك مسقطًا لخياره فإنه إعراض واشتغال بما لا يفيد، وتقصير.

وحينئذ فلا يتمكن بعد ذلك من الفسخ على خلاف ما يوهمه كلامه.

قوله: ولو تلف بعد ذلك أحد العبدين أو باعه، ووجد بالباقي عيبًا ففي إفراده بالرد قولان، ثم قال: فإن قلنا: لا يجوز: فوجهان، ويقال: قولان:

أصحهما: أنه لا فسخ.

والثاني: أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد، وهو اختيار القاضي أبي الطيب، واحتج له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في المصراة برد الشاة وبدل اللبن الهالك. انتهي كلامه.

ص: 150

وهذا الذي حكاه عن القاضي أبي الطيب غلط، وعلى العكس، مما ذكره في "تعليقه"، فإنه حكى عن بعض أهل خراسان أنه يرد الباقي وقيمة التالف أخذًا من المصراة.

ثم رد عليه القاضي فقال في باب الخراج بالضمان في فصل أوله، قد ذكرنا أنه إذا اشترى ما نصه: وقال بعض أهل خرسان بفسخ العقد على هذا القول فيهما جميعًا، ثم يرد الباقي بقيمة التالف ويسترجع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المصراة أنه يرد الشاة وقيمة اللبن ويسترجع جميع الثمن، وهذا خطأ، ومخالف لنص الشافعي. هذا لفظ القاضي بحروفه ومن "تعليقه" نقلت.

واعلم أن صاحب "الشامل" نقل كلام القاضي بعبارة موهمة فقال: حكى القاضي أبو الطيب عن بعض أهل خراسان أنه يفسخ العقد.

قال: وهذا هو السنة لحديث المصراة، ثم إن صاحب "البيان" نقل كلام ابن الصباغ متوهمًا أن الضمير في (قال) عائد على القاضي فأبرزه فقال: قال القاضي: وهذا هو السنة فيظهر والله أعلم أن يكون وقوع هذا هو السبب فيما وقع للرافعي لما علم من كثرة نقل الرافعي عن "البيان" وكثرة نقل "البيان" عن "الشامل" ونقل "الشامل" عن تعليق أبي الطيب.

قوله في المسألة: فعلى هذا -يعني رد الباقي مع قيمة التالف- لو اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري لأنه غارم، وروي في "التتمة" وجهًا أن القول قول البائع. انتهى.

زاد في "الروضة" على هذا فقال: إنه وجه شاذ، وما ادعياه من كونه وجهًا وزاد عليه النووي فجعله شاذًا ليس كذلك، فقد نص عليه الشافعي في "البويطي"، فإنه قد نص على أنه يضم قيمة التالف إلى

ص: 151

الموجود ويردهما، وعلى أنهما إن تنازعا في القيمة فالقول قول البائع.

وأما نقله ذلك عن "التتمة" فغلط، فإنه عبر بقوله: المذهب المشهور أن القول قول المشتري، وفيه طريقة أخرى أن القول قول البائع. هذا لفظه.

والطريقة قد يراد بها القول، وقد يراد بها الوجه.

ثم صرح -يعني صاحب "التتمة" بعد ذلك بأسطر أن الخلاف قولان.

واعلم أن التفريع أنما هو في منع الرد فيما تلف بعضه، فأما التفريع على الذي قد باع بعضه فلم يذكره هنا، بل ذكره في أواخر الرد بالعيب بنحو خمسة أوراق من "الروضة" تقريبًا.

قوله: لو باع شيئًا يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له، وبعضه لغيره، كما لو باع عبدًا يملك نصفه ترتب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره.

فإن صححنا فيما يملكه فكذلك هاهنا، وإلا فقولان:

إن عللنا بالجمع بين الحلال والحرام لم يصح.

وإن عللنا بجهالة الثمن صح لأن حصة المملوك هاهنا معلومة.

ثم قال: ولو باع جملة الثمار وفيها عشر الصدقة، وقلنا: لا يصح في قدر الزكاة فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيما لو باع عبدًا له نصفه، ولو باع أربعين شاة وفيها قدر الزكاة، وفرعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة فالترتيب في الباقي كما مر فيما لو باع عبده وعبد غيره. انتهى.

وهذا الذي قاله في الشياه مشكل لأنهم اختلفوا في كيفية الشركة على وجهين حكاهما الرافعي في الزكاة من غير ترجيح:

أحدهما: أن الواجب ربع عشر كل شاة.

ص: 152

والثاني: شاة مبهمة.

وحينئذ فنقول: إن قلنا بالشيوع فيكون كمن باع عبدًا يملك نصفه لا قلنا باع عبده وعبد غيره كما يقوله الرافعي.

وإن مكن بالإبهام فلا يصح قطعًا لعدم التعيين.

قوله: ومما يتفرع على هاتين العلتين لو ملك زيد عبدًا وعمرو عبدًا فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد ففي صحة العقد قولان.

وكذا لو باع من رجلين عبدين، لهذا عبد، ولهذا عبد بثمن واحد [إن عللنا](1) بالجمع بين الحلال والحرام صح.

وإن عللنا بجهالة العوض لم يصح لأن حصة كل واحد منهما مجهولة. انتهى كلامه.

وهذا البناء ذكره البغوي فتابعه عليه الرافعي، ثم قال -أعني الرافعي- في الباب الثاني من كتاب الصداق أنه لا فرق بين أن يبيعا بأنفسهما أو بوكيلهما.

إذا علمت ذلك ففيه أمور:

أحدها: أن الصحيح من هذا الخلاف هو عدم الصحة كما صححه النووي في "تصحيح التنبيه".

الأمر الثاني: أنه يستثنى ما إذا اختلط حمام برج بغيره، ولم يتميز أحدهما من الآخر، فإنه يجوز لأحدهما أن يبيع نصيبه لصاحبه على الأصح، وإن كان مجهول القدر والصفة. كذا قاله الرافعي في كتاب الصيد، وعلل بالضرورة، وكذا البيع لثالث على كلام فيه للرافعي قال: وهكذا إذا انصبت حنطته على حنطة غيره أو مائعه على مائع غيره، لكن لو باع نصيبه لثالث لم يجز.

(1) سقط من أ.

ص: 153

الثالث: لقائل أن يقول: إن هذا يستقيم في العقد الواحد، وهاهنا عقدان لأن الصفقة تتعدد للبائع قطعًا، وتتعدد للمشتري على الصحيح فينبغي الجزم بالبطلان.

قوله: ولو اشتري حرًا أو عبدًا، أو خلًا أو خمرًا أو مذكاة وميتة وقلنا: بالأصح، وهو أنه يصح [فيما يصح] (1) وأن الإجازة بالقسط ففي كيفية التوزيع وجهان:

أصحهما عند الغزالي أنه ينظر إلى قيمتها عند من يرى لها قيمة.

والثاني: تقدر الخمر خلًا ويوزع عليهما باعتبار الأجزاء، وتقدر الميتة مذكاة، والخنزير شاة.

وقيل: تقدر الخمر عصيرًا والخنزير بقرة. انتهى ملخصًا.

اعلم أن هذه المسألة فرد من أفراد قاعدة متكررة في أبواب وهي أنه إذا اشتمل العقد على ما لا قيمة له عندنا فهل تعتبر قيمته عند أهله أو نقدره بما يشبهه مما له قيمة عندنا؟

وإذا قدرنا، فما الذي نقدر به؟ .

وهذه القاعدة قد حصل فيها اختلاف شديد في الكتاب، وقد عرفت ما قاله هنا.

وقال في أثناء الباب الأول من كتاب الوصية: وإذا خلف ثلاثة كلاب وأوصى بواحد منها ففي كيفية اعتباره من الثلث أوجه:

أصحها وبه قطع بعضهم: أنه ينظر إلى عدد الرؤوس وينفذ في واحد منها.

والثاني: ينظر إلى القيمة بتقدير المالية.

(1) سقط من أ.

ص: 154

والثالث: تقوم منافعها، ولو لم يخلف إلا كلبًا وطبل لهو وزق خمر محترمة فأوصى بواحد منها فلا يجرى الوجه الأول ولا الثالث لأنه لا تناسب بين الرؤوس ولا بين المنافع فيتعين اعتبار القيمة. انتهى.

ثم ذكر المسألة أيضًا في باب نكاح [المشركات في الكلام](1) على ما تستحقه المرأة إذا أصدقها زوجها المشرك صداقًا فاسدًا فقبضت بعضه ثم أسلما فقال: فإن سموا جنسًا واحدًا متعددًا كخنزيرين فهل يعتبر عددهما أو قيمتهما بتقدير ماليتهما؟ فيه وجهان أصحهما: الثاني، وإن سموا جنسين فأكثر كزقى خمر وكلبين وثلاث خنازير، وقبضت أحد الأجناس، فهل ينظر [إلى](2) الأجناس فكل جنس في هذه الصورة ثلث أم إلى الأعداد فكل فرد سبع أو إلى القيمة بتقدير المالية؟ فيه أوجه أصحها الثالث.

وإذا قلنا: ففيه أوجه:

أصحها: أنه تعتبر قيمتها عند أهلها.

والثاني: يتقدر الخمر خلًا، والخنزير بقرة، والكلب شاة.

والثالث: يقدر الكلب، فهدًا لاشتراكهما في الاصطياد، والخنزير حيوانا يقاربه في الصورة والفائدة. انتهي.

وقال في أوائل الصداق: ولو أصدقها خمرًا أو خنزيرًا أو ميتة فقولان:

أصحهما: وجوب مهر المثل.

والثاني: يرجع إلى بدل المسمى؛ فعلى هذا تقدر الميتة مذكاة.

وأما الخنزير فقال الغزالي هنا: إنه يقدر شاة.

وقال الإمام وصاحب "التهذيب": يقدر بقرة.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 155

وأما الخمر فتقدر عصيرًا ويجب مثله.

وقد حكينا في نكاح المشركات وجهًا أنه يقدر خلًا، ولم يذكروا هناك اختيار العصير، والوجه التسوية.

ووجهًا أنه تعتبر قيمة الخمر عند أهلها، وينبغي ترجيحه كما سبق فيه، وفي البيع. انتهى ملخصًا.

وقد تابعه النووي في "الروضة" على هذه المواضع وزاد هنا -أعني في البيع- فقال قلت: هذا الذي صححه الغزالي هو احتمال الإمام، والأصح هو الثاني وبه قطع الدارمي والبغوي وآخرون، وحكاه الإمام عن طوائف من أصحاب القفال، والله أعلم.

وحاصله ما تقدم من الاختلاف قد وقع في هذه المسألة ثلاثة أوجه:

أحدها: أن النووي صحح في البيع التقدير لا تقويمها عند أهلها، وصحح في نكاح المشركات العكس، وأشار في الصداق لترجيحه، وقطع هو والرافعي في الوصية بالتقويم بتقدير المالية.

الثاني: أنهما صححا في الجنس الواحد في نكاح المشركات النظر إلى قيمته بتقدير المالية لا إلى العدد، وصححا في الوصية العكس.

الثالث: أنا إذا قلنا بالتقدير ففي البيع أن الخنزير يقدر شاة، وقيل: بقرة، وفي الصداق يقتضى ترجيح العكس لأنه نقله عن الإمام والبغوي ونقل التقدير بالشاة عن الغزالي وحده، وفي نكاح المشركات لم يذكر الشاة بالكلية.

وأما الخمر ففي البيع أنه يقدر خلًا، وقيل: عصيرًا وهو موافق لنكاح المشركات، لكن في الصداق أنه يقدر بالعصير.

ثم قال: وقياسه أن يجئ فيه وجه بتقديره خلًا.

ص: 156

واعلم أن ما نقله عن الإمام في الصداق من تقدير الخنزير بقرة ليس له ذكر في "النهاية" في شيء من هذه المواضع.

قوله: ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض فأجاز فالواجب قسطه من الثمن، وعن أبي إسحاق المروزي طرد القولين فيه. انتهى.

وما ذكره هنا من حكاية الخلاف هو الصواب، وادعى في "المحرر" أنه لا خلاف فيه فقال: وتكون الإجازة بالحصة بلا خلاف، وعبر عنه في "المنهاج" بقوله: قطعًا.

وسبب الذي قاله في "المحرر" أن الرافعي لم يحك هذا [الخلاف](1) عند ذكر المسألة في موضعها، بل حكاه في أثناء الباب.

قوله: فرع:

ولو باع شيئًا من مال الربا بجنسه ثم خرج بعض أحد العوضين مستحقًا، وصححنا العقد في الباقى وأجاز فالواجب حصته بلا خلاف لأن الفصل بينهما حرام، انتهى.

وما ادعاه من عدم الخلاف قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" وليس كذلك، فقد رأيت في هذا الباب من "الكافي" للخوارزمي الجزم بتخريج المسألة على القولين المعروفين في أنه يخير بالكل أو بالبعض وكذلك إذا خرج أحدهما لا قيمة له.

قوله: فرع آخر:

باع معلومًا ومجهولًا، وقلنا بتفريق الصفقة ففي صحته في المعلوم قولان مبنيان على أنه كم يلزمه من الثمن؟ إن قلنا: الجميع صح.

وإن قلنا: الحصة فلا لتعذر التوزيع. انتهى ملخصًا.

(1) سقط من أ.

ص: 157

وصورة المجهول أن يقول: بعتك هذا العبد وعبدًا آخر، وبه صور في "شرح المهذب" تبعًا للشيخ أبى حامد، والجرجاني وغيرهما.

أما لو كان مجهولًا عند العاقد فقط، ولكنه كان معينًا في نفس الأمر كما لو باع حاضرًا وغائبًا، وقلنا بفساد بيع الغائب، ففي صحة الحاضر القولان المعروفان فيما إذا باع عبده وعبد غيره. قاله البغوي في "فتاويه".

قوله في المسائل الدورية فيما إذا باع كرًا جيد بكر رديء يتقابلا لأن البيع لا ينفذ إلا في الثلث، والإقالة إنما تصح في ثلث مال المقيل. انتهى.

وهذا التعبير غير مستقيم، والصواب أن يقول: لأن المحاباة فيهما إنما تنفذ في الثلث، وأما ما يصحان فيه فلا، ثم قال: فيأخذ ثلث عشرة ونصف شيء. انتهى.

مراده بنصف الشيء ما صحت فيه المحاباة بالبيع وبالعشرة ما يبطل فيه البيع، وما صح فيه زيادة على المحاباة، فكأنه إنما اعتبر ثلث ذلك لأنه قدر محاباة المقيل، وهو مخالف لما في "النهاية"، فإنه اعتبر النصف فقال: تصح الإقالة في شيء، ويرجع إليه نصف ذلك لأن الإقالة إذا صحت في خمسة أثمان فهي عشرة، ورجع إليهم خمسة وكان بقى في أيديهم مما يبطل به البيع سهم ومما بطلت فيه الإقالة أربعة، فقد صح في عشرة ورجع إليهم خمسة فمجموع ما معهم عشرة، ضعف المحاباة وهي خمسة. هذا كلامه.

ثم أوضحه الإمام بطريقة الخلاف.

قوله: وأما القسم الثاني وهو أن تجمع الصفقة عقدين مختلفين في الحكم كإجارة وسَلَم ففيه قولان:

أصحهما: أن العقد يصح فيهما. انتهى.

ص: 158

فيه أمور:

أحدها: أن الرافعي قد ذكر في آخر الباب الأول من كتاب المسابقة ما حاصله أن شرط القولين أن لا يكون أحد العقدين لازمًا والآخر جائزًا، فقال: فرع أورده الصيدلاني وغيره أنه لو اشترى منه ربويًا وعَقَدَ عَقْدَ المسابقة بعشرة، فإن جعلنا المسابقة لازمة فهو كما لو جمع في صفقة واحدة بين بيع وإجارة، وفيه قولان.

وإن جعلناها جائزة لم يجز لأن الجمع بين جعالة لا تلزم، وبيع يلزم في صفقة واحدة لا يمكن هذا لفظه.

الأمر الثاني: أنه يرد عليه ما إذا باع عبدين، وشرط الخيار في أحدهما أو شرط في أحدهما خيار يوم، وفي الآخر يومين، فإنه عقد واحد بلا خلاف، لأن تعدد العقد إما لتعدد البائع أو المشتري أو لتفصيل الثمن، وجميعها منتف هنا، ومع ذلك فهو على القولين كما صرح هو به في الكلام على أسباب الخيار.

وكذلك إذا اشتمل العقد على ما يشترط فيه التقابض وما لا يشترط كصاع حنطة، وثوب بصاع شعير فإنه عقد واحد، وفيه القولان. كما ذكره الرافعي في قاعدة مُدّ عجوة؛ قال: ومثله البيع والصرف.

الأمر الثالث: أنه لو خلط ألفين بألف [لغيره وقال صاحب الألفين: شاركتك على إحداهما وقارضتك على الأخرى](1) فقيل صح ولا يخرج على الجمع بين مختلفى الحكم، وإن كانا عقدين كما صرح هو به أيضًا في باب القراض.

قال: لأنهما راجعان إلى الإذن في التصرف، ثم إن التقييد بكون العقدين مختلفى الحكم، هل هو تكرار أم احتراز عن شيء؟ [فليتأمل

(1) سقط من أ.

ص: 159

وحذف في "المنهاج" لفظ (عقدين) مع ذكر الرافعي له في "المحرر"] (1).

وذكره هو له في "الروضة" فقال: وإن جمع بين مختلفى الحكم ويرد عليه ما إذا باع شقصًا وسيفًا فإنه يصح جزمًا كما صرح به الرافعي هنا لكونه عقدًا واحدًا، وإن كان الشقص يؤخذ بالشفعة بخلاف السيف.

قوله: ولو جمع بين البيع والنكاح صح النكاح بلا خلاف، وفي البيع والمسمى في النكاح القولان. انتهى.

تابعه في "الروضة" على دعوى نفي الخلاف في النكاح وكذا ذكره الرافعي أيضًا في "الشرح الصغير"، وليس كذلك لأن النكاح يفسد بفساد الصداق على قول قديم مشهور مذكور في الصداق وقد فسد. الصداق هنا على قول فيفسد بفساده أيضًا النكاح، وقد صرح بحكايته هنا ابن يونس في "شرح التنبيه".

قوله: وتتعدد الصفقة بتفصيل الثمن كقوله: بعتك هذا بكذا، وهذا بكذا، وبتعمد البائع، وكذا بتعدد المشتري في أصح القولين. انتهى ملخصًا.

وهذا الذي قرره من الجزم بالتعدد عند تعدد البائع والخلاف عند تعدد المشتري إنما هو خاص بهذا الباب. فأما العرايا والشفعة فبالعكس.

أما العرايا فقد تقرر أن الزيادة على خمسة أوسق في عقد واحد ممتنعة، وكذا الخمس على الصحيح، بل لابد من النقصان، ويجوز ذلك في عقود.

فإذا اشترى رجلان بسبعة أوسق مثلًا من رجلين فجوازه واضح وإن اشترى رجلان من رجل جاز جزمًا، فإن كان بالعكس كما إذا اشترى رجل من رجلين [فيجوز](2) على الصحيح كما هو مذكور في موضعه، وهو

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 160

بالعكس مما تقدم.

وأما الشفعة فقد تقرر أنه لا يجوز للشفيع تبعيض الصفقة الواحدة على المشتري، فلو اشترى رجلان من رجل كان للمشتري أن يأخذ نصيب أحدهما جزمًا. وإن اشترى رجل من رجلين فوجهان، والصحيح الجواز وهو أيضًا عكس ما تقدم، وقد ذكره الرافعي هنا.

قوله: وإذا قلنا: تتعدد الصفقة بتعدد المشتري فخاطب واحد رجلين فقال: بعتكما هذا العبد بألف فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة فأصح الوجهين أنه لا يصح لأن الايجاب وقع جملة، وهو يقتضي جوابهما جميعًا. انتهى ملخصًا.

وعدم الصحة نقله الإمام عن الأصحاب، وصححه البغوي ثم الرافعي؛ لكن الأكثرون على خلافه، فقد جزم بالصحة الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي والبندنيجي والجرجاني.

وقال المتولي: إنه المذهب؛ والإمام: إنه أظهر في القياس، ورجحه الغزالي والروياني في "الحلية" وكذلك ابن الرفعة، واستدل عليه بأنه لو توقف صحة قبول أحدهما على قبول الأخر لم يصح العقد.

قوله: وقد يعرض للناظر تخريج خلاف في تعدد الصفقة بتعدد البائع من وجهين ذكروهما فيما إذا باع رجلان عبدًا مشتركًا بينهما من إنسان، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شيء من الثمن؟ وجهان.

أحدهما -وبه قال المزني-: أنه لا ينفرد.

ولعلنا نذكرهما بتوجيههما في غير هذا الموضع. انتهى كلامه.

قد ذكر الرافعي رحمه الله هذين الوجهين في آخر كتاب الشركة، وقال: أرجحهما: أن له الإنفراد كما لو انفرد بالبيع.

والثاني: لا، بل يشاركه شريكه فيما يقبض كالميراث، وقد ذكر أيضًا

ص: 161

هناك خلافًا وفروعًا متعلقة بالمسألة.

قوله أيضًا تفريعًا على القول المتقدم وهو التعدد بتعدد المشتري: ولو وكل رجلان رجلًا أو بالعكس فالأصح عند الأكثرين أن العبرة بالعاقد. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي في "المحرر" صحح أن العبرة بالموكل وغيره النووي في "المنهاج" فعدل إلى التعبير بالوكيل، واعتذر عنه في "الدقائق"، والفتوى على الأول لنقله إياه عن الأكثرين، وكذلك نقله في "الشرح الصغير" و"التذنيب".

الثاني: أن هذا الخلاف لا يطرد في سائر الأبواب فإنه إذا وكل رجلان رجلًا في رهن عبدهما عند زيد بما عليهما من الدين له، ثم قضى أحد الموكلين دينه فإن المذهب القطع بانفكاك نصفه، ولا نظر إلى اتحاد الوكيل وتعدده، كذا ذكره في "شرحه الكبير" و"الصغير" ونقل عن الإمام توجيه ذلك فقال: قال الإمام لأن مدار الباب على اتحاد الدين وتعدده، ومتى تعدد المستحق أو المستحق عليه تعدد الدين، ويخالف البيع والشراء حيث ذكرنا خلافًا لأن الرهن [ليس](1) بعقد ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر. هذا كلامه.

وفي العرايا والشفعة والرهن كلام في التعدد على غير هذا النحو فراجعه.

قوله: ويتفرع على هذه الوجوه فروع:

أحدها: لو اشترى شيئًا بوكالة رجلين فخرج معيبًا وقلنا: الاعتبار بالعاقد فليس لأحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد كما لو اشترى فمات عن

(1) سقط من أ.

ص: 162