الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع
قوله: ولو صرح الحديث، ذهب الإصطخري إلى أنه لو حكم بالمنع من الفسخ حاكم نقض حكمه. انتهى.
وهذا الذي قاله الإصطخري قد صحح في "الروضة" خلافه، فقال: الأصح أنه لا ينقض حكم من حكم بمنع الفسخ لاختلاف فيه. هذا كلامه.
والعلة التي قالها باطلة، فإن الذي يمنع النقض إنما هو كون المسألة اجتهادية.
وأما الاختلاف فيها فلا، قالا: لكن يؤدي إلى ألا ينقض حكم في مسألة مختلف فيها، بل إن كان الخلاف معارضًا للنص أو القياس الجلي فلا أثر له وينقض حكم من حكم به، وإلا فلا كما أوضحوه في بابه.
واعلم أن هذه المسألة ذكرها في "التهذيب"، ونقل عن الاصطخري ما نقله هاهنا، ثم قال: ويحتمل ألا ينقض.
قال النووي في الكلام عليه في "تعليقه": صحح ابن عصرون هذا الاحتمال، وحكى صاحب "البيان" و"التهذيب" فيه وجهين، قال: وكأنهما نظرا إلى هذا الاحتمال، فإن صح ما قاله ظهرت المناقشة على إثبات الخلاف، فضلًا عن تصحيحه وتعبيره بالأصح.
قوله: ولو كان قد ضمن بالثمن ضامن، فإن ضمن بإذن المشتري فله الرجوع على المشتري، لأنه ليس بمتبرع والوصول من يده كالوصول من يد المشتري.
وإن ضمن بغير إذنه فوجهان: في أحدهما: يرجع كما لو تبرع متبرع بالثمن، وفي الثاني: لا، لأن الحق قد تقرر في ذمته وتوجهت المطالبة عليه بخلاف المتبرع.
ولو أعير من المشتري ما يرهنه بالثمن، فرهنه فعلى هذا الخلاف. انتهى كلامه.
وما ذكره في العارية من تخريجه على الضمان بغير الإذن، كيف يستقيم مع انتفاء الإذن هناك، ووجوده هنا، بل الصواب إلحاق هذه بالضمان بالإذن، وأن يكون الرهن ابتداءً كالضمان بغير الإذن.
وقد ذكر صاحب "التتمة" ذلك على الصواب فقال: الرابعة: إذا أفلس المشتري وبالثمن ضامن هل للبائع الفسخ والرجوع في عين ماله؟ نظر، فإن كان الضامن قد ضمن بإذن المشتري فليس له الفسخ، لأن الضامن ليس بمتبرع، ووصوله إلى الثمن من جهته كوصوله إليه من جهة المشتري.
وإن كان قد ضمن بغير إذنه فوجهان:
أحدهما: له الرجوع، لأن الضامن متبرع، ولا يلزمه قبول التبرع.
والثاني: لا يجوز له [الرجوع، لأن الحق قد ثبت في ذمته، ولهذا يجوز له مطالبته بخلاف المتبرع، فإنه لا يجوز له](1) مطالبته.
وهذا الحكم فيما لو كان قد رهن بعض الناس ماله بالثمن، ثم أفلس المشتري. هذا لفظه.
وهو كلام صحيح، ولا شك أن الرافعي لما نقل عنه تحرف عليه آخر الكلام.
ويؤيده مع كثرة نقل الرافعي عنه أنه نقل عنه في المسألة التي قبل هذه، ثم نقل هذه بالترجيح كما في "التتمة"، وبالتعليل الذي ذكره بعينه.
(1) سقط من جـ.
واعلم أن النووي في "الروضة" لما ذكر المسألة ذكر أحد سببيها خاصة، وهو الضمان بغير الإذن ونسي ذكر الآخر.
قوله: ولو انقطع حبس الثمن، فإن جوزنا الاعتياض عنه انتفى التعذر، وإن منعنا كان كانقطاع المسلم فيه.
وحينئذ فيثبت له الفسخ. انتهى.
وذكره أيضًا كذلك في "الشرح الصغير" وتابعه في "الروضة"، وصرح بامتناع الفسخ إذا جوزنا الاعتياض كما هو مدلول كلام الرافعي، ومنع الفسخ مشكل لا يوافق القواعد، فإن المعقود عليه إذا فات خيار الفسخ لفوات المفقود منه.
وقد جزم به الرافعي في فوات المبيع، وذكر أيضًا أن إتلاف الثمن المعين كإتلاف المبيع حتى يقتضي التخيير.
وإذا ثبت جواز الفسخ فيه لفوات عينه مع إمكان الرجوع إلى جنسه ونوعه، فبطريق الأولى عند فوات الجنس.
ومنقول الأصحاب في هذه المسألة لا يوافق المذكور في الرافعي، فقد قال القاضي الحسين في أواخر باب الربا من "تعليقه" قبل باب اللحم باللحم بنحو ورقة: لا يجوز الاستبدال عنه، ولا يفسد العقد، وإن قلنا: إنه لا يجوز الاستبدال عنه، ففيه قولان:
أحدهما: ينفسخ العقد.
والثاني: يثبت له حق الفسخ. هذا لفظه.
ففرع على عدم الاستبدال عدم الفساد، وهو صحيح لا عدم الفسخ.
وقال الإمام في أوائل الكتابة: ولهذا ذهب معظم الأصحاب إلى
انقطاع حبس الملتزم هنا لا يوجب انفساخ العقد، وفي انقطاع المسلم فيه قولان، وذهب المحققون إلى التسوية. هذا لفظه.
وحاصله أنه هل يجيء القولان أو يقطع بأحدهما وهو عدم الانفساخ، والقائل هناك بهذا القول يجوز الفسخ.
وذكر في "التتمة" في الباب السابع من أبواب البيع في أواخر الفصل الثالث منه نحوه فقال: والثمن مما يستقر في الذمة من غير قبض، بدليل أنه جنس الثمن إذا انقطع عند أيدي الناس لا ينفسغ العقد. هذا كلامه.
واعلم أن الإمام قال في أوائل الفلس: فإن ألحقنا الثمن بالمسلم فيه مع منع الاستبدال عنه، فلو انقطع جنس الثمن كان كما لو انقطع المسلم فيه. هذا لفظه.
ولم يتعرض للتفريع على جواز الاستبدال، وذكر مثله الغزالي في "البسيط"، ثم إنه في "الوسيط" ذكره ظانًا أن التقسيم يقتضي عدم الفسخ، وصرح به مع عدم الانفساخ كما ذكره إمامه في الكتابة، وذكره غير إمامه أيضًا، فتابعه عليه الرافعي.
وذكر ابن الرفعة في "المطلب" في الكلام على قول الغزالي في البيع: وإن غلب في العروض حبس، وأخذ ما ذكره الإمام ناقلًا له عنه، واقتصر عليه، وذكر هنا ما ذكره الغزالي، ونقله عنه فقط، واستشكله وأشار إلي أنه من تفرداته.
قوله: فإذا أجر أرضًا أو دابة، وأفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة، ومضي المدة فللمؤجر فسخ الإجارة. . . . إلي آخره.
اعلم أن الإجارات المعتادة الآن، وهي التي تستحق فيها أجرة كل شهر عند انقضائه، لا فسخ فيها، لأن الفسخ من شرطه أن يكون العوض
حالًا والمعوض باقيًا، فلا يتأتى الفسخ قبل الشهر، لعدم المطالبة بالأجرة، ولا بعده، لأن منفعته قد فاتت، فهى كالمبيع يتلف، وهكذا العمل في كل شهر.
وحينئذ فلا يتصور فيها الفسخ، وإنما يتصور إذا كانت الأجرة كلها حالة فاعلمه، وتفطن له.
وقد نبه عليه مع وضوحه ابن الصلاح في "فتاويه".
قوله: باع مالًا واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب، فهل للمشتري الفسخ كما لو أنفق المبيع أم لا لأنه لا نقص في نفس المبيع؟ فيه وجهان.
منقولان في "التتمة". انتهى.
لم يصح في "الروضة" شيئًا منهما، والأصح، امتناع الفسخ، كذا صححه الرافعي والمصنف في نظير المسألة، وهو امتناع المشتري وهربه.
قوله: ولو استولدها ثم حجر عليه بالفلس، لم يكن للبائع الرجوع. انتهى ملخصًا.
وامتناع الفسخ هو الصواب المذكور في أكثر كتب النووي.
وادعي في "تصحيح التنبيه" أنه لا خلاف، فإنه عبر بالصواب، ووقع في "فتاوى النووي" أنه يرجع، وهو غلط فاعلمه.
قوله: وإن أجره فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر، وإن جوزناه فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر، وإلا ضارب بالثمن. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من التخريج على البيع، قياسه أن يأتي أيضًا في رجوع الواهب، لكنه لم يرتضه، فقال ما حاصله: إن المذهب الذي قطع به
الأكثرون هو الجواز.
وقال الإمام: إن جوزنا بيع المستأجر رجع، وإلا فوجهان.
قوله: ولو حجر عليه بعد ما زال ملكه، ثم عاد، نظر: إن عاد بلا عوض كالهبة والإرث ففي الرجوع وجهان.
ثم قال: وهذا الخلاف كما ذكرنا في مثله من الرد بالعيب. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن مقتضى هذا الكلام تصحيح جواز الرجوع، لأنه الصحيح في الرد بالعيب على ما اقتضاه كلامه في هذا الكتاب، وصرح به في "المحرر"، ولا جزم، وصرح به هنا في "الشرح الصغير" -أعني بجواز الرجوع- وعبر بالأظهر.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" لما اختصر هذا الكلام حكى وجهين، ولم يزد عليهما، ثم ذكر من "زياداته" أن الصحيح عدم الرجوع على العكس هنا، صرح به في "الشرح الصغير"، واقتضاه كلامه هنا.
قوله من "زوائده": قلت: لو كن المبيع شقصًا مشفوعًا ولم يعلم الشفيع حتى حجر على المشتري، وأفلس بالثمن، فأوجه:
أحدها: يأخذه الشفيع، ويؤخذ منه الثمن، فيخص به البائع جمعًا بين الحقين.
والثاني: يأخذه البائع.
وأصحها عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وآخرين: يأخذه الشفيع، ويكون الثمن بين الغرماء، والله أعلم.
وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي في كتاب الشفعة في الكلام على الركن الثالث، وصرح بتصحيح الوجه الثالث، وزاد وجهًا رابعًا: وهو أن
البائع إن كان قد سلم الشقص قبل فلس المشتري لم يكن أولي بالثمن لرضاه بذمته، وإن لم يسلمه فهو أولى بالثمن، ثم إن مقتضى ما ذكره هناك: أنه لا فرق بين أن يعلم الشفيع قبل الحجر أو بعده.
نعم إن علم وأخذ قبل الحجر فلا رجوع للبائع جزمًا، وسوف أذكر صور هذه المسألة إن شاء الله تعالي في كتاب الشفعة للتنبيه على غلط وقع في الرافعي و"الروضة".
قوله في أصل "الروضة": وإن كان التغييب بجناية المشتري فطريقان:
أصحهما عند الإمام: أنه كالأجنبي، لأن جناية المشتري قبض واستيفاء، وكأنه صرف جزءًا من المبيع إلى غرضه.
والثاني وبه قطع صاحب "التهذيب" وغيره: أنه كجناية البائع على المبيع قبل القبض، ففي قول كالأجنبي، وعلى الأظهر كالآفة السماوية.
قلت: المذهب أنه كالآفة، وبه قطع جماعات، والله أعلم. انتهى كلامه.
وما نقله في الأصل عن "التهذيب" من إلحاقه بجناية البائع حتي يجيء فيه القولان غلط، بل صاحب "التهذيب" من الجماعات الذين نقل عنهم من "زياداته" القطع بإلحاقه بالآفة، فإنه قال: ولو جنى عليه المشتري، فهو كما لو حصل النقصان بآفة سماوية، فالبائع إن شاء أخذ المبيع ولا شيء عليه، وإن شاء ترك وضارب الغرماء بالثمن. هذا لفظه.
وقد ذكره الرافعي في الشرحين على الصواب، وإنما فهمه على غير وجهه، فإنه لما ذكر القول الثاني من الطريقة الثانية عبر بقوله: وهذا ما أورده صاحب "التهذيب" وغيره، مشيرًا به إلى القول، فظن النووي أنه أشار إلى الطريقة فصرح به فغلط.
قوله: أما إذا باع عبدين متساويي القيمة بمائة، وقبض خمسين فتلف
أحدهما في يد المشتري، ثم أفلس فالجديد أنه يرجع، وعلى هذا فإن لم يرجع، نص أنه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن.
وله فيما إذا أصدقها أربعين شاة وحال عليها الحول فأخرجت شاة، ثم طلقها قبل الدخول، قولان:
أحدهما: يرجع بعشرين شاة، وهو قياس نصه هاهنا.
والثاني: أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة الشاة المخرجة.
واختلفوا هاهنا، وعلى هذا فأظهرهما: المنصوص، والطريق الثاني: القطع بالمنصوص. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن الراجح طريقة القولين، فقد جزم بها الرافعي في "المحرر"، وتبعه عليه النووي في "المنهاج"، ولا يؤخذ من كلام "الشرح الصغير" أيضًا تصحيح واحدة من الطريقين.
الأمر الثاني: أن النووي صحح في أصل "الروضة" طريقة القطع، فقال ما نصه: هذا هو المذهب والمنصوص، وقيل: فيه قول مخرج. هذا لفظه.
فانظر كيف ضعف إثباته فقال: وقيل فيه قولان، ولم يقل: وفيه قول. وهذا واضح، وقد صرح به في أول الإشارات التي جمعها على "الروضة"، "كالدقائق" على "المنهاج" فقال: وقولي: وقيل: تخريجه على القديم، إشارة إلي طريقين: أصحهما: القطع بالثانية إثبات قولين، وقد ذكرت لفظه هناك.
وإذا علمت ما قاله في "الروضة"، ظهر لك عليه استدراكان:
أحدهما: مخالفته لما في "المنهاج".
والثاني: إدخال تصحيح في كلام الرافعي لما يذكره.
قوله: فرعان: أحدهما: إذا غلى الزيت حتى ذهب بعضه، ثم أفلس فوجهان:
أحدهما: أنه كما لو تعيب المبيع، وكان الزائل صفة النقل.
وأصحهما: أنه بمثابة تلف المبيع.
وينبغي أن يطرد الوجه الأول في إغلاء الغاصب الزيت المغصوب، وليس له ذكر هناك، ولم يتعرض له المعظم هاهنا. انتهى كلامه.
وما ذكره رحمه الله من أن الوجه لم يذكروه هناك غريب، فقد ذكره جماعة، وممن ذكره الغزالي في "الوسيط" ناقلًا له عن ابن سريج، وكذلك ذكره هو -أعني الرافعي- ونقله عن صاحب "التلخيص"، وكأن الرافعي رحمه الله اغتر بكلام المشروح وهو "الوجيز"، فإنه حكى الوجهين هنا، وجزم هناك.
واعلم أن في هذه المسألة ومسألة العصير كلامًا آخر يتعين الوقوف عليه أذكره إن شاء الله تعالى في باب الغصب فراجعه.
قوله ولصاحب "التلخيص" في المسألة كلام غلطوه فيه. انتهى.
والذي قاله في "التلخيص" أنه نقصان عين أو صفة فيرجع في الذاهب، ويضارب بأرش نقصان الباقي، ثم خطأه الإمام في تغريمه أرش نقصان الباقي، قال: لأن الغليان كالتلف.
والذي قاله الإمام غير ظاهر، بل الغليان كإتلاف المشتري، وفيه خلاف مشهور، حتى اختار الإمام أنه كتعييب الأجنبي، وحينئذ فلا يقال في هذا: إنه غلط، بل هو الحق.
ونقل الغزالي في "الوسيط" و"البسيط" كلام "التلخيص" على
غير وجهه، ثم نقل في "البسيط" عن الإمام تخطئته فيه، فاعلم ذلك واجتنبه.
قوله: إحداها: المتصلة من كل وجه كالسمن وتعلم الحرفة، فلا عبرة بها، وللبائع الرجوع من غير أن يلتزم للزيادة شيئًا. انتهى كلامه.
وما ذكره في الحرفة من أن البائع يفوز بها ليس كذلك، بل أصح القولين أن المشتري يكون شريكا بنسبة الزيادة، كذا ذكره الرافعي بعد ذلك في الكلام على القصارة، فقال: وإذا اشتري حنطة يطحنها، أو ثوبًا يقصره وزادت القيمة فأصح القولين أنها تجري مجرى الأعيان، ويصير المفلس شريكًا.
ثم قال: وعن أبي إسحاق، أن تعلم العبد القرآن والحرفة والكتابة والشعر المباح ورياضة الدابة لا يلحق بها، ولا يجري مجرى الأعيان قطعًا لأنه ليس بيد المعلم والرائض إلا التعليم، وقد يجتهد فيه ولا يحصل الغرض، فكان كالسمن ونحوه، ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة وابن القطان أيضًا.
والأصح، أنها من صور القولين، لأنها أعمال يجوز الاستئجار عليها، وضبط صور القولين أن يصنع بالمبيع ما يجوز الاستئجار عليه، وظهر به أثر فيه دائمًا، وإنما اعتبرنا ظهور الأثر، لأن حفظ الدابة وسياستها على عمل يجوز الاستئجار عليه، ولا تثبت به الشركة، لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة. هذا كلام الرافعى.
والعمدة على الموضع الثاني، لأنه موضع الإمعان في المسألة، وذكر مقالة الناس فيها، ووقع الموضعان كذلك في "الروضة"، والموضع الأول في "المحرر" و"المنهاج" و"الشرح الصغير" فاعلمه واجتنبه.
قوله في الكلام على ما إذا ولدت الجارية عند المفلس: وهاهنا مباحثة وهي أنهم لم يذكروا هنا احتمال التفريق، وإنما احتالوا في دفعه فيجوز أن يقال به، كما قيل به في الرد بالعيب، ويجوز أن يفرق بأن مال المفلس مبيع كله. انتهي ملخصًا.
وليس الأمر كما قال الرافعي من عدم ذكره هنا، بل قد ذكره جماعة، والغريب أن صاحب "التتمة" منهم، وقد علمت استمداد الرافعي منها.
وذكره أيضًا الماوردي في "الحاوي"، والشاشي في "الحلية"، وجزم به الإمام في كتاب السير، فقال: جوزوا الرجوع في الأم للضرورة، فتعليله بالضرورة صريح في جواز التفريق.
نعم أكثر من نقل هذا الوجه ضعفه، وفرق بما ذكره الرافعي، وقال في "الروضة": الفرق هو الصواب الذي قطع به الجمهور، ثم نقل بعض ما [نقلناه](1).
قوله: ولو كان المبيع بذرًا فذرعه، أو بيضة ففرخت ففيه وجهان: الأصح عند أصحابنا العراقيين، وصاحب "التهذيب": الوجه الثاني، وسترى في كتاب الغصب ما يؤيده، واختار صاحب "الكتاب" والقاضيان أبو الطيب وابن كج: أنه لا رجوع. انتهى.
والضابط المذكور في المسألة السابقة يقتضي أن البائع لا يفوز بالزيادة فاعلمه.
قوله: وإن كانت حاملًا عند الشراء، حائلًا عند الرجوع، أو بالعكس ففي تعدي الرجوع إلى الولد قولان. . . . إلى آخره.
هذا سبق الكلام عليه في الرد [بالعيب](2) والرهن فراجعه.
(1) في جـ: قلناه.
(2)
في أ: بالعيب.
قوله: ذنابة البطن في انفصال الجنين. . . . إلى آخره.
هذه اللفظة قد ذكرها أيضًا في أوائل النفقات، في الكلام على نفقة الزوجات في أواخر كتاب القضاء قبيل الكلام على القضاء على الغائب، وهى بضم الذال المعجمة وكسرها، وبعدها نون ثم باء موحدة بينهما ألفًا ومعهما هاء طرف الشيء ومنتهاه.
ولو عبر بقوله: تذنبت لكان أظهر، وجعله في "الروضة" فرعًا.
قوله: ولو رجع في الأرض المبيعة وهى مزروعة، ترك زرع المشتري إلى الحصاد. . . . إلى آخره.
ثم قال: وعن صاحب "التقريب": أن ابن سريج خرج قولًا: أن للبائع طلب أجرة المثل لمدة بقاء الزرع، كما لو بنى المشتري أو غرس كان للبائع الإبقاء بالأجرة على ما سيأتي. انتهى.
وما ذكره في استحقاق الأجرة في البناء والغراس، قد تابعه عليه في "الروضة" أيضًا وهو غريب، فإن الرافعي لم يوجبها، بل ولا أثبت إيجابها قولًا ولا وجهًا، فإن الإمام حكى قولًا بإيجابها، فأنكر الرافعي عليه ذلك، وتبعه عليه في "الروضة"، وسأذكر ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى.
قوله: واعلم أن استتار الثمرة بالأكمة وظهورها بالتأبير قريبان من استتار الجنين وظهوره بالانفصال، وفيها الأحوال الأربعة المذكورة في الجنين:
أولها: أن يشتري نخيلًا وعليها ثمرة مؤبرة، وكانت عند الرجوع غير مؤبرة أيضًا [فهى للبائع](1).
وثانيها: أن يشتريها ولا ثمرة عليها، ثم كانت لها ثمار عند الرجوع،
(1) سقط من أ، ب.
فعلى الخلاف في الحمل.
ثالثها: إذا كانت ثمرتها عند الشراء غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة، فقيل: على القولين في الحمل، وقيل: يرجع قطعًا.
رابعها: أن تكون فارغة عند الشراء فأطلعت عند المشتري، ثم جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبرة فقولان.
إذا علمت هذه الصور فقد قال بعد ذلك: الثانية: إذا ثبت الرجوع في الثمار، إما بالتصريح ببيعها مع الأشجار وهي مؤبرة، أو على أحد القولين في الحالة الثالثة والرابعة ثم تلفت الثمار بجائحة أو بأكل المشتري، ثم فلس فللبائع يأخذ الأشجار بحصتها من الثمن، ويضارب مع الغرماء بحصة الثمار، وسبيل التوزيع، أن تقوم الأشجار وعليها الثمار، فيقال مثلًا: قيمتها مائة، وتقوم وحدها فيقال: قيمتها تسعون، فيضارب بعشر الثمن. انتهى كلامه.
وما ذكره من [أن] القولين فيما إذا كانت الثمرة معدومة عند البيع، موجودة بعد ذلك من تخريجه على الحالة الرابعة في الحمل، قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة" وهو غلط لأن الكلام فيما إذا تفلت الثمار قبل الفلس، ونظيرها من الحمل أن تكون خلية عند البيع والرجوع حاملًا بينهما، ولا خلاف في أن الولد يفوز به المشتري وهكذا الثمرة، فلا يصح ما قالاه من مجيء القولين في غرم قيمتها بناء على القولين في أخذها عند وجودها فالصواب أن يقول: على أحد القولين في الأولي والثالثة، أما الثالثة فواضح، وأما في الأولي وهي ما إذا كانت حاملًا عند البيع والرجوع، فهو وإن كان يرجع فيها جزمًا، لكن إنما يقابله قسط من الثمن إذا قلنا: له حكم.
قوله: قال الأصحاب: إذا اختار البائع الرجوع في الأرض بعد أن بني
أو غرس، نظر إن اتفق الغرماء والمفلس على القلع كان لهم ذلك -رضى البائع أم لا-، فإن حدث في الأرض نقص بالقلع وجب أرش النقص في ماله يقدم به على الغرماء على ما قاله في "المهذب" و"التهذيب"، وذكر الشيخ أبو حامد أنه يضارب مع الغرماء. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على نقل المضاربة عن الشيخ أبي حامد، والمذكور في "تعليقه" إنما هو التقديم على الغرماء.
قال ابن الرفعة: وكذلك نقله راوياه البندنيجي والمحاملي، وكذلك الماوردي.
نعم لو قلع المشتري قبل الرجوع، ففي وجوب الأرش وجهان نقلهما الماوردي.
فإن قيل: فهل يمكن حمل كلام الرافعي عليه؟ قلنا: لا يمكن إذا قلنا بالوجوب في صورة الماوردي، فيضارب به البائع بلا نزاع على قاعدة التعييب بفعل المشتري.
وقد صرح به الماوردي أيضًا، وقد علمت مما تقدم أن الرافعي حكى الخلاف في أنه أيضارب أو يقدم بالأرش؟ .
لا جرم أن ما ذكره أبو حامد إنما هو في القلع قبل الرجوع.
قوله: وإن أراد الرجوع في الأرض وحدها وإبقاء البناء والغراس للمفلس لم يجب إليه في أصح القولين لما فيه من الضرر، وعلى هذا فالبائع يترك الرجوع ويضارب مع الغرماء أو يعود إلي بدل قيمتهما أو قلعهما وغرامة أرش النقص؟ . انتهى كلامه.
والتعبير بقوله: (يعود) يدل أنه لا يضر عوده إليه بعد أن نازعه، بل يمكن من ذلك، وقد نبه عليه النووي على حاشية "الروضة" بخطه قلت: قوله: (يعود) إشارة إلي أنه لو امتنع من ذلك، ثم عاد إليه
يمكن، هذا لفظه، ومن خطه نقلت، ولم يصرح ابن الرفعة في "الكفاية" فيها بشيء، وتعرض لها في "المطلب"، ولم ينقل فيها شيئًا، وقال من عنده: يشبه أن يبني على الخلاف في أن حق الرجوع على الفور أم لا.
قوله: وأما الإمام فإن محصول ما نقله في المسألة -أي من أصلها- أربعة أقوال:
أحدها: أنه فاقد عين ما له ولا رجوع.
والثاني: أن الأرض والبناء يباعان معًا كالثوب المصبوغ.
والثالث: يرجع في الأرض، ويتخير بين ثلاث خصال في البناء والغراس.
والرابع: إن كانت قيمة البناء أكثر فالبائع فاقد عين ماله، وإن كانت قيمة الأرض أكثر فواحدة، ثم قال: وأنت إذا تأملت هذا الكلام بعد وقوفك على المذهب المعتمد وتصفحت عن كتب علمائنا، ورأيت ما بينهما من المخالفة الصريحة قضيت العجب منه، وقلت: ليت شعري من أين أخذت هذه الأقوال، ثم حفظت لسانك استعمالًا للآداب. انتهى كلامه.
تابعه النووي في "الروضة" على إنكار ذلك أيضًا، ونقله أيضًا ابن الرفعة في "الكفاية" ساكتًا عليه، وليس الإنكار صحيحًا، بل الأقوال ثابتة، وقد تفطن -أعني ابن الرفعة- في "شرح الوسيط" إلى الصواب فقال: أما القول الثالث والرابع فلا إشكال فيهما، وقد حكاهما [ابن الرفعة] (1) قال: وأما الأول فقد نقله القاضي حسين في "تعليقه"، فإنه نقل قولًا في منع رجوع الواهب بعد الغرس أو البناء.
(1) في جـ: الرافعي.
فقال -أي القاضي-: إنه مثل قول في الفلس إذا غرس وبنى، لا يرجع بائع الأرض فيها، فثبت القول بمنع الرجوع على الإطلاق، ثم إن ابن الرفعة أيده وقواه بأن المشتري بنى في ملكه الذي لا خيار فيه، بخلاف الموهوب له، والمستعير ومشتري الشقص، قال أيضًا في "الكفاية": ثم سلك ابن الرفعة أيضًا في "المطلب" مسلكًا آخر في الجواب عن الإمام فقال: إذا امتنع المفلس والغرماء من القلع والبائع من بذل القيمة وأرش النقصان جاءت الأقوال وكلام الرافعي مشتمل عليها فتأمله، وحينئذ فلا اعتراض على الإمام إلا من جهة الإطلاق، فإذا حملنا كلامه على هذا اندفع ذلك عنه.
قوله: وهل للقصار والطحان الحبس لاستيفاء الأجرة؟ إن قلنا: إنها عين فنعم، وبه قال الأكثرون. . . . إلى آخره.
نبه في "الروضة" على فائدة حسنة فقال: نص الشافعي في "الأم"، والشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهم: على أنه ليس للأجير حبسه، ولا لصاحب الثوب أخذه، بل يوضع عند عدل حتى يوفيه الأجرة، أو يباع لها.
قال: وهذا الذى قالوه ليس مخالفًا لما سبق، فإن جعله عند العدل حبس. انتهى.
قوله: اشتري ثوبًا واستأجر قصارًا فقصره ولم يوفه أجرته حتى أفلس.
فإن قلنا. القصارة أثر، فليس للأجير إلا المضاربة بالأجرة.
وإن قلنا: عين، فله أحوال.
فلو كانت قيمة الثوب عشرة والأجرة خمسة والثوب عند القصارة يساوي أحد عشر، فإن فسخ الأجير الإجارة فعشرة للبائع ودرهم [للمفلس ويضارب الأجير بالخمسة، وحكى في "الوسيط" فيها أنه ليس](1) للأجير
(1) سقط من أ، ب.
إلا القصارة الناقصة أو المضاربة، كما هو قياس الأعيان، ولم أرَ هذا النقل لغيره فالمعتمد ما سبق. انتهى كلامه.
وما حكاه هنا عن "الوسيط" واستغربه وجعل المعتمد على خلافه تابعه عليه في "الروضة" وهو غريب، فقد سبق منه قبل هذا بقليل تصحيحه في نظير المسألة، وحكايته عن الأكثرين فقال: ولو اشترى صبغًا وصبغ به ثوبًا، فللبائع الرجوع إن زادت قيمته مصبوغًا على ما كانت قبل الصبغ، وإلا فهو فاقد.
زاد في "الروضة" على هذا فقال: وإذا شارك ونقصت حصته عن ثمن الصبغ، فوجهان:
أصحهما: وهو قول [الأصحاب](1) على ما حكاه صاحب "البيان": اْنه إن شاء قنع به، ولا شيء له غيره، وإن شاء ضارب بالجميع.
والثاني: له أخذه والمضاربة، وبهذا قطع في "المهذب" و"الشامل" وغيرهما، هذا كلامه في "الروضة".
قوله: ولو كانت قيمة الثوب عشرة واستأجر على قصارته بدرهم، وصارت قيمته مقصورًا خمسة عشر درهم فبيع بثلاثين، قال الشيخان أبو محمد والصيدلاني وغيرهما تفريعًا على العين: أنه يتضاعف حق كل منهم، كما قاله ابن الحداد في الصبغ.
قال الإمام: ينبغي أن يكون للبائع عشرون وللمفلس سبعة وللقصار درهم، كما كان ولا تزيد حصته، لأن القصارة غير مستحقة للقصار، وإنما هى مرهونة بحقه، وهذا استدراك حسن. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على لزوم هذا الاستدراك وهو غريب، فقد تقدم في أوائل الفرع أَنَّا إذا فرعنا على أن القصارة عين، وزادت قيمة الثوب أن لكل واحد من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله، فجعلاه مستحقًا له، فكيف يجئ هذا الاستدراك.
(1) في جـ: أكثر أصحابنا.
قوله في "الروضة": فرع:
لو قال الغرماء للقصار: خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء صاحب الثوب، أجبر على الأصح كالبائع إذا قدمه الغرماء بالثمن، وكأن هذا القائل يعطي القصارة حكم العين من كل وجه. انتهى كلامه.
وما جزم به هاهنا من لزوم الإجابة عند تقديم الغرماء بثمنه غريب، وجعله هذا الحكم أصلًا لمسألة صحح فيها أنه يجبر أغرب، فقد تقدم في الكلام على الرجوع ترجيح جواز الفسخ عند تقديم الغرماء بالثمن، وعبر بالصحيح، واصطلاحه في التعبير به أن يكون مقابله ضعيفًا، وهو تباين فاحش.
والرافعي قد ذكر مسألة القصارة على الصواب، ولكن اشتبه كلامه على النووي فأداه ذلك إلى الوقوع في هذا الاختلاف الفاحش، وذلك أن الرافعي قدر أن القصارة مملوكة للمفلس، مرهونة لحق الأجير.
ثم قال ما نصه: ذكر القاضي ابن كج أن أبا الحسين -يعني ابن القطان- خرج وجهين في أنه لو قال الغرماء للقصار: خذ أجرتك ودعنا نكون شركاء صاحب الثوب، هل يجبر عليه؟ وأن الأصح الإجبار.
وهذا الأصح ينطبق على قول أن القصارة مرهونة بحقه، إذ ليس للمرتهن التمسك بعين المرهون إذا أدى حقه.
ووجه الثاني: القياس على [البائع](1) إذا قدمه الغرماء بالثمن هذا كلام الرافعي. فقوله: ووجه الثاني -يعني عدم الإجبار- فإنه ذكر أولًا تصحيح الإجبار، وعلله، ثم ذكر الثاني وهو مقابله، وكأن النووي والله أعلم أراد أن يقول: والثاني: لا كالبائع إذا قدمه الغرماء بالثمن فنسي، فذكر التعليل دون الوجه فصار تعليلًا للأصح، فلزم الخلل المذكور.
(1) في جـ: ما.