الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه
قوله في "الروضة": ولو قال: لفلان علىَّ ألف من ثمن خمر، فقولان: أصحهما: اللزوم.
ثم قال: أنها إذا قدم الخمر فقال: لفلان من ثمن خمر على ألف، فلا يلزمه شيء قطعًا بكل حال. انتهى كلامه.
وقد ذكر هذه المسألة في باب التيمم من "شرح المهذب" ونقل عن "المعتمد" للشاشي: أنه لا فرق في جريان القولين بين التقديم والتأخير ولم يصرح الرافعي هنا بدعوى القطع، بل قال: لا يلزمه شيء بكل حال.
قوله: وإذا قال: علىّ ألف لا يلزمني أو علىّ ألف، ولا يلزمه الألف لأنه غير منتظم، فلا يبطل به الإقرار. انتهى كلامه.
وتصحيح الإقرار فيما إذا قال: علىّ ألف أو لا قد ذكر في هذا الكتاب قبل هذا الموضع بنحو ورقة ما يخالفه فقال في أوائل الفروع التى ختم بها الباب السابق: ولو قال: علىّ ألف أو على زيد أو على عمرو لم يلزمه شيء، وكذا لو قال على سبيل الإقرار: أنت طالق أو لا، فإن ذكره في معرض الإنشاء طلقت كما لو قال: أنت طالق طلاقًا لا يقع عليك. هذا لفظه.
ولا فرق في إبطال الإقرار بأو بين الإقرار بالمال والإقرار بالطلاق.
ثم ذكر ما يخالف الموضعين معًا في الباب الثاني في أركان الطلاق قبيل الطرف الثاني، فقال واللفظ "للروضة": فرع:
قال: أنت طالق ثلاثًا أولًا بإسكان الواو لا يقع شيئًا.
قال المتولى: كما لو قال: هل أنت طالق؟ انتهى.
فتحصلنا على ثلاثة مواضع متخالفة، وما ذكره أولًا من إطلاق الوقوع، قد جزم به ابن كج في الطلاق وقاسه على اللزوم في الإقرار، ذكر ذلك في كتابه المعروف، والمسمى "تفريعات ابن كج" عن ابن القطان، وهو كتاب نحو "التنبيه"، ينقل فيه فروعًا عن شيخه ابن القطان، ويستدرك عليه في بعضها.
وقد نقل الرافعي في "شرحه" غالب ما فيه، فتبعه الرافعي على هذه المسألة، ونقلها إلى هذا الباب، وذكر جماعة منهم الماوردي هذه المسألة، وأجابوا فيها بعدم اللزوم.
واعترض عليه في "الروضة" في هذا الموضع غير مطلع على ما اطلعنا عليه فقال: هكذا رأيته في نسخ من كتاب الإمام الرافعي على ألف أولًا، وهو غلط وقد صرح صاحب "التتمة" و"البيان" بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شيء كما لو قال: أنت طالق أولًا.
فإنه لم يجزم بالالتزام، وما يبعد أن يكون الذى هنا تصحيفًا من النساخ أو تغييرًا كما في "التهذيب"، فقد قال في "التهذيب": لو قال على ألف لا فهو إقرار، وهذا صحيح، وقربه في "التهذيب" بقوله: ألف لا يلزمني، وهو نظيره.
ومعظم نقل الرافعي من "التهذيب" و"النهاية"، هذا كلام النووي، وهو خطأ لما ذكرناه.
وأما نقل الوقوع عن "التهذيب" فصحيح، وقد سبقه إليه ابن كج. كذا رأيته في كتاب "الغنية" له.
ونقله عنه في "البحر" في الطلاق، وفيه نظر، فإن تأخير الحرف
الباقي معهود، ولم يذكر المسألة في "الشرح الصغير"، وذكر عوضًا عما لو قال: ألف لا بإسقاط "أو".
ويبقى النظر في المراد بقوله: أو لا فإنه قد يفسره أو لا يفسره، فإن فسره يفسره بأفعل التفضيل، وقد يفسره بأو مع لا النافية. ومدلولهما متغاير.
قوله: ومنها إذا قال: علىَّ ألف إن شاء الله.
فالصحيح أنه لا يلزمه شيء لأنه لم يجزم بالإقرار وقيل على الخلاف فيما إذا قال: عن ثمن خمر.
ثم قال: ولو خرجوا طريقًا آخر جازمًا باللزوم كان قريبًا بناءً على أن تعليق السابق لا ينتظم. انتهى كلامه.
وما ذكره من أن هذا التعليق لشيء سابق ليس كذلك، لأن أداة الشرط تخلص ما دخلت عليه للاستقبال فتعليقه يمنع أن يكون سابقًا، وإذا لم يكن سابقًا استحال.
قوله: ولو قال: علىَّ ألف إذا جاء رأس الشهر، أو إذا قدم زيد، أطلق جماعة أنه لا شيء عليه، لأن الشرط لا أثر له في إيجاب المال، والواقع لا يعلق بشرط.
وذكر الإمام وغيره أنه على القولين، فكيف كان المذهب أنه لا شيء عليه، وهذا إذا أطلق أو قال: قصدت التعليق، فإن قَصَدَ التأجيل لزمه. انتهى كلامه.
وما ذكره من قدوم زيد ذكر مثله أيضًا من "زوائده" في آخر الباب الأول، وهو غير مستقيم حكمًا وتعليلًا، بل الصواب اللزوم والشرط يؤثر في إيجاب المال بالنذر.
وقد صرح به الرافعي في كتاب النذر في النوع الرابع المعقود للهدايا والضحايا، نقلًا عن "فتاوى القفال" من غير مخالفة فقال في "فتاوى
القفال": إنه لو قال: إن شفى الله مريضى فلله على أن أتصدق بعشرة على فلان فشفاه الله تعالى لزمه التصدق عليه، فإن لم يقبل لم يلزمه شيء، وهل لفلان مطالبته بالتصدق بعد الشفاء؟ يحتمل أن يقال: نعم كما لو نذر اعتاق عبد معين إن شفي فشفي له المطالبة. هذا كلامه.
فقد عهد أن الشرط يؤثر في إيجاب المال، غير أنه مثل في باب النذر بشفاء المريض، ومثل هنا بقدوم الغائب، وكلاهما يوجب الوفاء بالنذر.
واعلم أنه يحتمل أن يقال في مسألتنا أن الناذر وجب في ذمته مال المنذور له حتى يجب عليه الأخذ أو الإبراء، ويجب عليه فيه الزكاة ونحوه.
ويحتمل أن يقال -وهو المتجه-: أنه لا يجب عليه مال، بل الواجب إنما هو التصدق، والتصدق متوقف على أخذه فصار كما لو نذر الوقف عليه، وفرعنا على اشتراط القبول فإنه لا يثبت له شيء إلا بقبوله، ويلتفت على هذا ما توقف فيه الرافعي وهو المطالبة، لكن المتجه جواز المطالبة ليتوصل بها إلى قبض الحق الذى تعلق به.
قوله: الثانية: الإقرار بالهبة لا يتضمن الإقرار بالقبض على المشهور.
وفي "الشامل" ذكر خلاف في المسألة إذا كانت العين في يد [الموهوب](1)، وقال:[أقبضتنى](2).
ولو قال: وهبته وخرجت منه إليه، فقد مر أن الظاهر أنه ليس بإقرار بالقبض أيضًا. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" عليه، وهو كالصريح في أنه لا فرق في الصورة الثانية أيضًا بين أن تكون العين في يد الموهوب له أم لا تكون، لأنه صرح
(1) في جـ: المرهون منه.
(2)
سقط من أ.
في الأولى بذلك، ثم ذكر هذه عقبها من غير تفصيل، فدل ذلك على أنه لا فرق، فإن الحمل على عدم استحضار التفصيل لا [يتأتى](1)، لكن الأمر ليس كذلك، فقد نص الشافعي رحمه الله على الفرق ونقله عنه -أعنى ابن الرفعة- في آخر الفصل الأول من كتاب الهبة فقال في أثناء فروع نقلها عنه ما نصه؛ ولو قال: وهبته منه بالقبض، وإن كان في يد الواهب فلا.
قوله: ولو أقر بالإتلاف على إنسان وأشهد عليه ثم قال: كنت عازمًا على الإتلاف فقدمت الإشهاد على الإتلاف، لم يلتفت إليه بحال، بخلاف ما لو شهد على نفسه بدين ثم قال: كنت عازمًا على أن أستقرض منه فقدمت الإشهاد على الاستقراض، قُبِل للتحليف؛ لأن هذا معتاد، وذلك غير معتاد. انتهى كلامه.
والمسألة الأولى وهي مسألة الإتلاف قد نص عليها أيضًا في "الشرح الصغير" هكذا، وأشار الإمام وغيره إلى أنه لا خلاف فيها كما يشعر به كلام الرافعي هنا.
وقد وقع في كثير من نُسَخ الكتاب إسقاط جوابها، ووقعت نسخة من تلك النُّسخ للنووي فاختصرها على ما هي عليه، ثم كتب على حاشية "الروضة" بخطه: يحقق من "التتمة" أو غيرها، ثم إن كثيرًا من النساخ اجتهدوا فحذفوا المتوسط، وهو صدر المسألة الثانية -أعني مسألة الدين- وأجابوا عنها بجواب واحد، فقالوا: ولو أقر بإتلاف مال أو بدين.
ثم قال: كنت عازمًا على أن أستقرض. . . . إلى آخر المسألة.
ثم إنهم مع إسقاطها أبقوا الفرق، وهو لا يكون إلا بين مسألتين.
ولو راجع النووي ما راجعناه لاستغنى عن هذا كله.
(1) في حـ: ينافى.
قوله: ولو قال: غصبت هذه الدار من زيد، بل من عمرو سلمت لزيد.
وأظهر القولين أنه يغرم لعمرو، ثم قيل: القولان فيما إذا انتزعها الحاكم من يده وسلمها إلى زيد.
فأما إذا سلمها بنفسه فيغرم قطعًا.
وقيل: القولان في الحالين. انتهى ملخصًا.
لم يصحح شيئًا من الطريقين في "الشرح الصغير" أيضًا، والصحيح طردهما في الحالين، فقد صححه القاضي أبو الطيب في "تعليقه" والشيخ في "التنبيه" والنووي في "الروضة"، وهو مقتضى إطلاق "المحرر".
ونقل النووي عن الأصحاب أنه لا فرق في المسألة بين أن يوالى الإقرار بينهما أو يفصل، وسواء كان الفصل يسيرًا أم كثيرًا.
قوله: ولو باع عينًا وأقبضها واستوفي الثمن، ثم قال: كنت بعته من فلان أو غصبته لم يقبل قوله على المشتري، وفي غرامة القيمة للمقر له طريقان:
أحدهما: على القولين.
وأصحهما عند البغوي: القطع بالغرم لتفويته عليه بتصرفه وتسليمه. انتهى.
والصحيح ما قاله البغوي، فقد صححه الماوردي والنووي في أصل "الروضة"، ويتجه أن يقال: لا أثر فيما قلناه للإقباض ولا لاستيفاء الثمن، وإن كان التغريم معهما أظهر، لكن نص الشافعي في "الأم" في باب الإقرار بالحكم الظاهر على القولين، وهو يبطل ترجيح القطع.
قوله: فإن سكت بعد الإقرار، أو تكلم بكلام أجنبي عما هو فيه ثم استثنى لم ينفعه. انتهى.
قال في "الروضة": هكذا قال أصحابنا أن تخلل الكلام الأجنبي يبطل الاستثناء.
وقال صاحبا "العدة" و"البيان": إذا قال: على ألف أستغفر الله إلا مائة صح الاستثناء عندنا خلافًا لأبي حنيفة ودليلنا أنه فصل يسيره فصار كقوله: على ألف يا فلان إلا مائة.
وهذا الذي نقلاه فيه نظر، هذا كلام النووي، وليس فيه تصريح بموافقتهما، ولا مخالفتهما فيما نقلاه في الفصل اليسير، والأمر كما أطلقه الأصحاب، فقد صرح بالمسألة في أول باب الاستثناء في الطلاق وقال: إنه يقدح على الظاهر، ثم قال: وحكى القاضي ابن كج رحمه الله وجهًا آخر: أن الكلام اليسير الأجنبي بين المستثنى والمستثنى منه لا يقدح في الاستثناء. هذا لفظه.
قوله: ولو أتى باستثناء بعد استثناء وكان الأول مستغرقًا كقوله: عشرة إلا عشرة إلا أربعة فأوجه:
أحدها: يبطل الاستثناءان، ويلزمه عشرة.
وقيل: يبطل الأول ويلزمه ستة، وقيل: يصحان ويلزمه أربعة، لأن آخر الكلام يخرج الأول عن أن يكون مستغرقا.
قال في "الشامل": وهذا أقيس. انتهى.
والأصح هو الثالث، كذا صححه الرافعي في كتاب الطلاق، وذلك لأنه استثنى من العشرة عشرة إلا أربعة، والعشرة إلا أربعة ستة، فكأنه استثنى أولًا ستة فيلزمه أربعة، وهذا هو الذي أراده الرافعي هنا في تعليل الوجه، ولكن عبارته فيها قلق.
قوله: ولو كان العددان بحيث لو جمعا حصل الاستغراق كما إذا قال: على عشرة إلا سبعة وثلاثة، فقيل: يبطلان لأن الواو تجمعهما فيصير مستغرقًا.
وقيل: يبطل الثاني خاصة، وهو الأصح كما قاله الشيخ أبو على.
ثم قال: ورأى -يعني الشيخ- أن يفرق بين قوله: عشرة إلا سبعة وثلاثة، وبين قوله: عشرة إلا سبعة إلا ثلاثة، ويقطع في الصورة الثانية بالبطلان لأنهما استثناءان مستقلان. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على نقل التفريق المذكور على الكيفية التى نقلها الرافعي، وهو سهو، والصواب وهو المذكور في "الكفاية": القطع بصحة الأول إذا أعاد (إلا)، وحكاية الخلاف إذا لم يعدها للمعنى الذي ذكره الرافعي.
والصحيح في كتاب الطلاق من "المحرر" وغيره وفي أصل "الروضة" هنا هو ما صححه الشيخ أبو على.
قوله: وإذا قال: على عشرة إلا خمسة أو ستة، قال المتولى: يلزمه أربعة، لأن الدرهم الزائد مشكوك فيه فصار كما لو قال: على خمسة أو ستة ويمكن أن يقال: يلزمه خمسة، لأنه أثبت العشرة.
وأما استثناء الدرهم الزائد فمشكوك فيه. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: ما نبه عليه في "الروضة" فقال: الصواب قول المتولى، لأن المختار أن الاستثناء بيان ما لم يرد بأول الكلام إلا أنه إبطال ما ثبت، وذكر في "الكفاية" مثله أيضًا فقال: لا وجه إلا ما قاله المتولى.
الأمر الثاني: أن الرافعي قد جزم في هذا الباب بأنه إذا قال: علىّ
درهم أو دينار لزمه أحدهما وتعين، وجزم أيضًا بذلك -أعني بالتعين- في باب عدد الطلاق فيما إذا قال على سبيل الاستثناء: أنت طالق واحدة أو اثنين، وقياس ذلك يأتى بعينه في مسألتنا.
قوله: فلو أقر بعض الورثة بدين على الميت وأنكر بعضهم فقولان. القديم: أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به، لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين.
والجديد: أنه لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة، لكنه إن مات المنكر وورثه المقر لزمه الجميع، ثم قال: ويتفرع على القولين فرعان:
أحدهما: لو شهد بعض الورثة بدين على المورث، إن قلنا: لا يلزمه الإقرار إلا حصته قبلت شهادته وإلا فلا لأنه متهم، وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله. انتهى كلامه.
وما أطلقه الرافعي جازمًا به أيضًا من بناء قبول الشهادة على القولين هو ما ذكره القاضي الحسين فتبعه الإمام وصاحب "التتمة" ثم الرافعي، والمعروف خلافه، فقد ذهب العراقيون جميعهم إلى القبول مطلقًا على القولين معًا.
وذكر ابن الرفعة في كتابيه أنهم قطعوا به، وجزم به الماوردي، وادعى في "البيان" أنه لا خلاف فيه، وقطع به أيضًا الروياني في آخر الإقرار من "البحر"، وكذلك القفال شيخ المراوزة فيما إذا وقعت الشهادة قبل الإقرار.
وأما بعده فخرجها على القولين.
[قوله](1)، والثاني كيس في يد رجلين فيه ألف درهم، قال: أحدهما لثالث لك نصف ما في الكيس، فيحمل إقراره على النصف الذي
(1) سقط من أ.
في يده وهو ربع الجميع؟ فيه وجهان بناء على القولين السابقين، وبناء على الخلاف فيما إذا أقر أحد الشريكين في العبد المشترك بالتسوية بنصفه أنه يحمل على نصفه أم يوزع النصف المقر به على النصفين؟
وهذا الخلاف الثاني مذكور في الكتاب في باب العتق. انتهى كلامه.
واعلم أنه إذا كان شريكًا في شيء بأن يكون له في دين أو عين مثلًا نصفه، فأقر بالنصف أو وهبه أو باعه أو تصرف فيه بغير ذلك، وأطلق، ولم ينص على أنه النصف الذي له، فهل ينحصر فيه -أعني في نصفه- أم يشيع؟ فيه قولان يعبر عنهما بقولي الحصر والإشاعة.
وهذه المسألة وهي مسألة الإقرار فرد من أفراد هذه القاعدة.
وقد اختلف كلام الرافعي والنووي فيها في مواضع شتى من وجوه شتى، فلنذكر تلك المواضع ثم نبين وجه المخالفة فنقول: قال في كتاب الرهن: لو رهن نصف عبد ثم أعتق نصفه، فإن أضاف العتق إلى النصف المرهون ففيه الأقوال.
وإن أضاف إلى النصف الآخر وأطلق، عتق ما ليس بمرهون، ويسري إلى المرهون إن نفذنا أعتقاه، كذا إن لم ننفذه على الأصح، لأنه يسري إلى ملك غيره فملكه أولى، وعلى هذا يفرق بين الموسر والمعسر على الأصح. انتهى.
وهذا التفريع كله والتصحيح موافق لقول الحصر، وأما على قول الإشاعة فيحمل على ربع ليس بمرهون، وربع مرهون.
وحينئذ فيعتق النصف الذي ليس بمرهون بلا محالة الربع بالمباشرة، والربع بالسراية، ويتخرج الربع المرهون الذي باشر عتقه على الأقوال الثلاثة.
وأما الربع الآخر من النصف المرهون فلا يتخرج عليها كما ذكره.
وقال من "زياداته" في هذا الباب عقب مسألة الإقرار بنصف الكيس: إن أفقه الوجهين حمله على ما يملكه، وهو موافق لما تقدم، ويؤخذ منه ترجيح ذلك في غير الإقرار بطريق الأولى لما ستعرفه من كلامه.
وقال في الباب الثاني من الوصية قبيل الكلام على المسائل الحسابية: إنه إذا أوصى بثلث عبد معين فاستحق ثلثاه أن في المسألة طريقين:
أحدهما: القطع بأن له الثلث.
وأصحهما: أن فيه قولين:
أحدهما: هذا.
والأظهر: أن له الثلث كاملًا.
ثم قال: وقد اشتهر الخلاف في العبد المشترك بين اثنين بالسوية إذا قال أحدهما: بعت نصفه أن البيع ينصرف إلى نصفه أم يشيع؟ ، ولا فرق في ذلك بين البيع والوصية. هذا لفظه.
وهو موافق أيضًا للموضعين المتقدمين.
وقال في آخر الباب الرابع من أبواب الصداق، وإن خالعها على نصف الصداق قبل الدخول، نظر إن قال: على النصف الباقي لك بعد الفراق، وصح وعاد إليه الجميع، وإن أطلق فقولان بناء على أن تصرف أحد الشريكين في النصف المطلق من العين المشتركهّ نصفين هل ينزل على النصف الذي له أم يشيع؟
أحدهما: ينزل على نصيبها، ويكون كما لو قبله بنصفها.
[وأظهرهما: عند الأكثرين: يشيع لإطلاق اللفظ، وكأنه خالع على
نصف نصيبها] (1) ونصف نفسه، فيبطل في نصف نصيبه، وفي نصف نصيبها القولان. انتهى.
وهذا مخالف لجميع ما تقدم.
وقال في كتاب العتق في الشرط الرابع من شروط السراية: ولو باع نصف عبد يملك نصفه، فإن قال بعتك النصف الذي أملكه من هذا العبد، أو نصيبي منه وهما يعلمانه صح، وإن أطلق وقال: بعت نصفه فهل يحمل على ما يملكه، أو على النصف شائعًا؟ وجهان.
ولو أقر بنصف المشترك ففيه هذان الوجهان وقال أبو حنيفة: يحمل في البيع على ما يملكه لأن الظاهر أنه لا يبيع ما لا يملكه، وفي الإقرار على الإشاعة لأنه إخبار.
واستحسن الإمام هذا التفصيل، وبه أجاب الغزالي، وصحح البغوي الإشاعة فيهما. انتهى.
زاد في "الروضة" على هذا فقال: قلت: الراجح قول أبي حنيفة والله أعلم. انتهى.
وهذا الكلام من الرافعي مخالف [لما قاله في الخلع فإنه هناك جعل الخلاف قولين، وفى هذا الموضع جعله وجهين، وأما النووي فما قاله من التفصيل مخالف](2) للمذكور هنا من كونه ينحصر مطلقًا، لأنه قد رجحه في الإقرار، وقد علمت أن غيره بذلك أولى، ومخالف للمذكور في الخلع من كونه يشيع مطلقًا.
والغريب أن الترجيحين المتعارضين فيما إذا أقر به كل منهما إنما أبداه تفقهًا، ومن زياداته أيضا ثم إنه شارك الرافعي أيضًا في أن الخلاف وجهان
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
أو قولان، وعبر في "الروضة" عما حكاه الرافعي عن الإمام والغزالي بقوله: واستحسن الإمام والغزالي هذا، وفيه نظر، فإن الجواب بالشيء فيه زيادة بلا شك على استحسانه.
وقال أيضًا في [العتق في](1) الكلام على السراية: إذا كان بينهما عبد بالسوية فوكل أحدهما الآخر في عتق نصيبه فقال الوكيل للعبد: نصفك حر.
فإن قال: أردت نصيبي، قوم عليه نصيب شريكه.
وإن قال: أردت نصيب شريكي، قوم على الشريك نصيب الوكيل.
وإن أطلق فعلى أيهما يحمل؟ وجهان حكاهما في "الشامل".
قال النووي من "زياداته" لعل الأصح حمله على نصيب الوكيل. انتهى.
وقياس ترجيح الإشاعة أن يحمل على نصف نصيبه، ونصف نصيب شريكه، ثم يسري عليهما، لأنهم إذا حملوه على ذلك مع كونه غير قادر على التصرف في الباقي، وأبطلوه، فحمله عليه مع كونه قادر عليه بطريق الأولى.
وأما على قول الحصر ففيه نظر يحتمل أن يجاب بذلك أيضًا، لأنه مالك للتصرف فيهما، ولا ترجيح، ويحتمل الحمل على نصيب المباشر، وهو الوكيل لأن تصرفه فيه بالأصالة.
وإذا علمت هذه المواضع المذكورة علمت أن الفتوى على التفصيل كمقالة أبي حنيفة لقوة مدركه، أو على الإشاعة مطلقًا وهو الحق، لنقله إياه عن الأكثرين.
(1) سقط من أ.
وأما المذكور في هذا الباب من زياداته فلا وجه له لمخالفة المعنى الواضح، والنقل عن الأكثرين، وكذلك المذكور في الرهن والوصية لمخالفة الأكثرين، ومثله ما ذكرته ثانيًا عن العتق.
قوله من زوائده: قال القاضي أيضًا في آخر الغصب -يعني القاضي أبا الطيب-: لو باع دارًا ثم ادعى أنها كانت لغيره باعها بغير إذن، وهي ملكه إلى الآن، وكذبه المشتري، وأراد أن يقيم بينة بذلك، فإن قال: بعتك ملكي أو داري أو نحو ذلك مما يقتضي أنها ملكه، لم تسمع دعواه، وإلا سمعت. انتهى كلامه.
وهذه المسألة على التصوير الذي ذكره غلط، ليست في تعليق القاضي، فإنه لا تصح منه الدعوى بملك الغير.
فإن تكلف متكلف وقال: إن صورة ذلك [فيما إذا وكله ذلك](1) الغير فلا تصح أيضًا، لأنا لا نسلم امتناع دعواه إذا كان قد قال: بعتك ملكي، ونحو ذلك، لأن فائدة الدعوى لا تعود إليه لكونه نائبًا عن غيره فكما أن إقراره هذا لا يمنع صحة دعوى ذلك بنفسه، فكذلك توكيله.
وبالجملة فالمذكور في "الروضة" غلط منه على القاضي سببه سوء فهمه لذهول أو غيره.
فإن القاضي فرض المسألة فيما إذا انتقلت إلى المدعي الذي كان قد باع فإنه قال في الموضع المذكور، وهو آخر الغصب ما نصه: إذا باع من رجل دارًا ثم ادعى أن الدار لم تكن له حين البيع وإنما كانت لغيره، وقد باعها بغير إذنه، وهي ملك له الآن بميراث أو هبة أو غير ذلك، وكذبه المشتري في ذلك، فأراد أن يقيم البينة على دعواه، نظر إلى آخر ما تقدم. وهذه عبارة القاضي، ومن تعليقه نقلت، وهو كلام صحيح.
(1) سقط من أ.
ففهم النووي منه خلاف المراد وتصرف في العبارة فوقع في الخلل، وكان يندفع التغليط الصريح، ويمكن التأويل لو حذفت من كلامه لفظة إلى الداخلة على لفظ الآن.
وعلى كل حال فالمذكور في "الروضة" غلط قطعًا، لأنه لو كان الحكم في نفسه صحيحًا لكن غلطًا لكونه غير المذكور في كلام القاضي.
قوله أيضًا من زوائده: ولو أقر بثياب بدنه لزيد، قال القاضي الحسين في "الفتاوى": يدخل فيه الطيلسان والدواج وكل ما يلبسه، ولا يدخل فيه الخف.
والمراد بالدواج: اللحاف.
ومقتضى كلام القاضي هذا: أنه يدخل فيه الفروة فإنها مما يلبسه، ولا شك في دخولها.
وإنما نبهت عليه لئلا يتشكك في دخولها، وكذلك الحكم لو أوصى بثياب بدنه. انتهى كلامه.
وما ذكره من دخول الفروة في اسم الثوب، وأنه لا شك فيه عجيب، وذهول عن المنقول، فقد جزم الرافعي في كتاب الأيمان بأنها لا تدخل وتبعه عليه في "الروضة"، وجزم بدخولها في الملبوس فقال: حلف لا يلبس ثوبًا حنث بلبس السراويل.
ثم قال: ولا يحنث بلبس الجلود، ولا بما يتخذ منها ولا بلبس القلنسوة. هذا لفظه.
ثم قال: ولو حلف لا يلبس شيئًا حنث بجميع ذلك.
والقلنسوة هي القبع والطاقية ونحوهما مما يغطي الرأس، كما تعرفه في الكفارات.
وقد علم مما قاله هناك أن القلنسوة لا تدخل في مسمى الثياب، وحينئذ فلا تدخل في مسألتنا -أعني في الإقرار- وفيه نظر، فإنها تجري في الكفارات.
ورأيت في الأيمان من كتاب ابن كج أنه لو حلف لا يلبس ثوبًا من غزلها فتغطى بلحاف لم يحنث. والله أعلم.