المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذه المسألة ذكرها الرافعي في أواخر باب الحجر وحكى فيها - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٥

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيع

- ‌ الأول: في صحته وفساده

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الفساد بجهة الربا

- ‌ في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة

- ‌ في معرفة الجنسية

- ‌الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي

- ‌القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد

- ‌ القسم الثاني من المناهي ما لا يدل على الفساد

- ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

- ‌ الثاني في لزوم العقد

- ‌ الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده

- ‌ الرابع من كتاب البيع…في موجب الألفاظ المطلقة

- ‌اللفظ الثاني: البستان

- ‌اللفظ الثالث: الدار

- ‌اللفظ الرابع: العبد

- ‌اللفظ الخامس: الشجر

- ‌اللفظ السادس بيع الثمار

- ‌باب معاملات العبيد

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌كتاب الرهن

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في القبض والطوارئ قبله

- ‌الباب الثالث: في حكم المرهون بعد القبض

- ‌الباب الرابع: في النزاع بين المتعاقدين

- ‌كتاب التفليس

- ‌الحكم الأول: منع التصرف

- ‌الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته

- ‌الحكم الثالث: حبسه

- ‌الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع

- ‌كتاب الحجر

- ‌كتاب الصلح

- ‌الفصل الأول في أركانه

- ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

- ‌الفصل الثالث في التنازع

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب الضمان

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح

- ‌كتاب الوكالة

- ‌الباب الأول في أركانها

- ‌الركن الأول: ما فيه التوكيل

- ‌الركن الثاني: الموكل

- ‌الركن الثالث: الوكيل

- ‌الركن الرابع: الصيغة

- ‌الباب الثاني في أحكام الوكالة

- ‌الحكم الأول: صحة التصرف إذا وافق الإذن

- ‌الحكم الثاني: العهدة

- ‌الحكم الثالث: الجواز من الجانبين

- ‌الباب الثالث في الاختلاف

- ‌كتاب الإقرار

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

- ‌الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه

- ‌الباب الرابع في الإقرار بالنسب

الفصل: هذه المسألة ذكرها الرافعي في أواخر باب الحجر وحكى فيها

هذه المسألة ذكرها الرافعي في أواخر باب الحجر وحكى فيها خلافًا، وصحح ما نقله هنا عن الغزالي، [وسيأتي](1) في أصل "الروضة" هناك.

‌باب السلم

قوله: ذكروا في تفسير السلم عبارات متقاربة، منها: أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطي عاجلًا. . . . إلى آخره.

هذه العبارة قد اختارها النووي في "لغات التنبيه" فقال: إنها أحسن العبارات، ويرد عليها وما بعدها أمران:

أحدهما: ما إذا وقع بلفظ البيع أو بلفظ الشراء، ولم يقع بعده لفظ السلم، فإنه لا ينعقد سلمًا على الأصح، بل بيعًا كما ذكره هو بعد ذلك، وسنذكره واضحًا.

الثاني: أن إعطاءه عاجلًا شرط من شروط الصحة، وليس داخلًا في حقيقة السلم.

لا جرم لم يذكر هذه الزيادة في "المحرر"، بل قال: هو بيع موصوف في الذمة، لكن يرد على هذا التعبير ما إذا عقد بلفظ البيع، فإنه ليس بسلم على الصحيح، بل يكون بيعًا.

قوله: ويجوز أن يجعل رأس المال منفعة دار أو عبد مدة معلومة، ويسلمها بتسليم العين، انتهى كلامه.

هذه المسألة أسقطها النووي فلم يذكرها في "الروضة" هاهنا.

قال ابن الرفعة: وإنما قلنا: يحصل التسليم بالعين، لأنه لما تعذر القبض الحقيقي اكتفينا بهذه لأنه الممكن.

قلت: وفيه نظر لأن المعتبر في هذا الباب، إنما هو القبض الحقيقي، ولهذا لا تكفي الحوالة كما قاله الرافعي هاهنا، ولا الإبراء كما قاله في باب

(1) سقط من جـ.

ص: 284

الإجارة وهكذا الحكم في الربا أيضًا.

ولو كانت المنفعة متعلقة ببدنه، كما لو جعل رأس المال تعليم سورة أو خدمة شهر وسلم نفسه، فإن أخرج نفسه بعد ذلك من التسليم كما هو الغالب لم يكف بخلاف الدار والعبد، لأنهما مال فيمكن الحكم باستدامة اليد الشرعية عليهما، والحر لا يدخل تحت اليد المتصلة، فكيف في حال الانقطاع، وإن لم يخرج نفسه ففيه نظر لما ذكرناه.

والمتجه: الجواز لأن الأجرة تستقر بذلك، وكلام "المنهاج" يقتضي الاكتفاء مطلقًا، فإنه عبر بقوله: ويجوز كونه منفعة، ويقبض بقبض العين. هذه عبارته، والقياس ما ذكرناه.

قوله: ولو قبض رأس المال، ثم رده إلى المسلم عن دين، قال أبو العباس الروياني: لا يصح، لأنه تصرف قبل انبرام ملكه، فإذا تفرقا فعن بعض الأصحاب: أنه يصح السلم لحصول القبض، وإلزام الملك، ويستأنف إقباضه للدين. انتهى.

والصحيح في هذه المسألة: صحة إقباضه عن الدين، وأن العقد يلزم فافهمه، وذلك لأن التصرف قبل انبرام الملك أي في مدة [خيار البائع، وإنما يمتنع إذا كان مع غير البائع لأن صحته تقتضي اسقاط ما ثبت له من](1) الخيار.

فأما إذا كان معه فالأصح فيه الصحة، ويكون ذلك إجازة منهما.

كذا ذكره الرافعي في الكلام على الخيار، وفي باب الربا.

وحينئذ فيكون إقباضه له عن الدين صحيحًا وإلزامًا للعقد فاعلمه.

وسكوت الرافعي والنووي على ما تقدم يشعر بأن الحكم كذلك، وبأنهما قد ارتضياه، وكأنهما لم يستحضرا ما قدماه.

(1) سقط من أ.

ص: 285

قوله: ولو كان له في ذمة الغير دراهم، فقال: أسلمت إليك الدراهم التي في ذمتك على كذا، نظر: إن شرط الأجل فيه فهو باطل لأنه بيع الدين بالدين، وإن كان حالًا ولم يسلم المسلم فيه قبل التفريق فكمثل، وإن أحضره وسلمه فوجهان:

أحدهما: يصح كما لو صالح من تلك الدراهم على دنانير وسلمها في المجلس.

وأظهرهما: المنع، لأن قبض المسلم فيه ليس شرط، وإن كان المسلم حالًا، فلو وجد لكان متبرعًا به، وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات.

ألا ترى أنه لو باع طعاما بطعام إلى أجل، ثم تبرعا بالاحضار لم يجز. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ادعاه من أن قبض المسلم فيه ليس بشرط، إن أراده في هذه المسألة فممنوع، لأن من يشترط إحضار أحد العوضين يشترطه في صحة هذا العقد، وإن أراد في غيرها لم يضر.

الأمر الثاني: أنه على تقدير أن لا يكون قبضه شرطًا، لكن لا يقال فيه أنه تبرع، لأنه يجب على المسلم إليه الإعطاء في مجلس [العقد، فكيف يقال: لا يجب وهو حال قادر عليه؟ فإذا كان حالًا فيشترط عند هذا القائل تسليمه في المجلس](1)، فكيف يكون تبرعًا؟

وأما تنظيره بما إذا باع طعامًا إلى أجل فظاهر الفساد، لأن الإحضار هناك تبرع بلا شك.

وقوله: (متبرعًا به) هو بفتح الراء على البناء للمفعول.

(1) سقط من أ.

ص: 286

قوله: وأطلق صاحب "التتمة" وجهين في أن تسليم المسلم فيه في المجلس، وهو حال هل يغني عن تسليم رأس المال؟ والأظهر المنع. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على إطلاق المنع، إلا أنه إنما يتجه إذا ورد بلفظ السلم أو بلفظ البيع، واعتبرنا المعنى.

فإن قلنا بالصحيح، وهو اعتبار اللفظ فيتجه أن يكفي، لأن المانع حينئذ كونه بيع دين بدين، [فإذا وجد القبض من أحد الجانبين كفى لزوال المانع. ولعل الرافعي إنما عبر](1) بالمسلم فيه لهذا المعنى.

قوله في أصل "الروضة": ولو كان رأس المال عبدًا فأعتقه المسلم إليه قبل القبض لم يصح، إن لم يصح اعتاق المشتري قبل القبض، وإلا فوجهان. والفرق أنه لو نفذ لكان قبضًا حكميًا، ولا يكفي ذلك في السلم.

ثم قال ما نصه: فإن صححنا فتفرقا قبل قبضه بطل العقد، وإلا فيصح، وفي نفوذ العتق وجهان. انتهى كلامه.

وهذا التفريع الذي ذكره على تصحيح العتق ظاهر الفساد، فإنه كيف يفرع على نفوذه تفريعًا يكون فيه وجهان في عدم نفوذه.

وأيضًا فإنا إذا نفذناه يحصل القبض به حكمًا كما أشار إليه، فكيف يقول بإبطال العقد عند عدم قبضه؟ وقد عبر الرافعى بقوله: فعلى هذا -أي فعلى القول بالفرق- وهو الإبطال هنا والصحة في المشتري، وهو تفريع لا وقفة فيه ولا في حكاية الخلاف بعد ذلك في نفوذ العتق، وقد حكاه المتولي في "التتمة" كذلك.

وبناء الوجهين على أن الراهن إذا أعتق وقلنا: لا ينفذ اعتاقه، فانفك الرهن هل ينفذ أو لا؟ فاتضح كيفية الخلاف المحكي في ["المهذب"](2) لا

(1) سقط من أ.

(2)

في أ: المذهب.

ص: 287

سيما شرحه إذا وقع في كلام الرافعي من كلام "التتمة" لاستمداد كلامه منها.

قوله: ولو أسلم بلفظ الشراء فقال: اشتريت منك ثوبًا أو طعامًا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال:[اشتريت منك ما](1) بعته منك انعقد، لأن كل سلم بيع.

وهل هو سلم اعتبارًا بالمعنى أو بيع اعتبارًا باللفظ؟ فيه وجهان:

الأصح على ما ذكره صاحب "التهذيب" وغيره: أن الاعتبار باللفظ.

والصحيح عند ابن الصباغ: اعتبار المعنى. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما نقله عن ابن الصباغ قد نص عليه الشافعي في "الإملاء" كما نقله [عنه](2) الشيخ أبو حامد، ونقله عن العراقيين، وصححه الروياني والجرجاني، وذكر الرافعي في "الأيمان" ما يقتضيه، فقال فيما إذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد ما نصه: ويحنث بما يملكه بالتولية والإشراك وبما ملكه بالسلم، لأنها شراء في الحقيقة والإطلاق هذه عبارته.

وذكر مثله أيضًا في الإجارة، فإنه حكى هذا الخلاف في الإجارة الواردة على الذمة.

ونقل عن البغوي: أنه رجح مراعاة المعنى، ثم قال -أعني الرافعي-: إن ما صار إليه البغوي في الإجارة لا يلائم ما صار إليه في السلم.

ثم وافقه الرافعي في "المحرر" على ما رجحه هناك، واقتضى كلامه في الشرحين أن الأكثرين عليه، وحينئذ فيقال للرافعي، قد ثبت بقولك أن كلامك أيضًا هنا لا يلائم كلامك هناك.

(1) سقط من جـ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 288

وحينئذ فلابد من ترجيح أحد هذين الموضعين فرجحنا بنص الشافعي، فلتكن الفتوى على مراعاة المعنى.

وأما نظرهم إلى أن البيع مختص بالأعيان فيجري عليه هنا حكم الأعيان ففاسد، لأنه يلزم منه بطلان العقد بالكلية، وليس كذلك، فثبت رجحان كونه سلمًا لمقتضى الترجيح في الإجارة، ونص الشافعي عليه، وكثرة القائلين به وفساد دليل مقابله.

لا جرم أن الرافعي لم يصرح هنا بترجيح لا في "الكبير" ولا في "الصغير"، فإنه عبر بقوله: ورجح أي على البناء للمفعول.

نعم ذكر في "المحرر" أنه أقرب، فصرح النووي بتصحيحه في "الروضة" و"المنهاج" جريًا على عادته.

الأمر الثاني: أن محل انعقاده بيعًا إذا اقتصر على لفظ الشراء أو البيع، فإن ضم إليه لفظ السلم فقال مثلًا: بعتك أردب قمح في ذمتي سلمًا بكذا، أو قال: اشتريت منك أردبًا في ذمتك سلمًا بكذا، فإنه يكون سلمًا.

كذا جزم به الرافعي في الكلام على تفريق الصفقة في اختلاف الأحكام.

قوله: ولو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي.

فإن جعلناه سلمًا وجب تعيين الدراهم، وتسليمها في المجلس، وإن جعلناه بيعًا لم يجب. انتهى لفظه بحروفه.

وتابعه عليه النووي في "الروضة"، ومقتضاه أنه لا يجب التعيين ولا التسليم تفريعًا على الوجه المصحح، وهو جعله بيعًا مراعاة للمعنى.

فأما ما قاله في التسليم فمسلم، وأما التعيين فلا بل لابد منه، وإلا لصار بيع الحالي بالحالي أي بيع الدَّين بالدَّين، وقد أجمعوا على منعه للحديث الصحيح.

ص: 289

وممن صرح به المحاملي، ورأيته أيضًا في "فوائد المهذب" لابن عصرون نقلًا عن الفارقي تلميذ الشيخ أبى إسحاق.

فينبغي أن يحمل قوله: (لم يجب) على المجموع السابق ذكره، لأن المجموع لم يجب، بل إنما يجب [بعضه](1) غير أن مثل هذا لا يستعمله الفقهاء، ولا يريدونه ولا يفهمه الواقف على كلامهم.

قوله: ولو وقت بفصح النصارى، نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لا يجوز.

فأخذ بعض الأصحاب إطلاقه اجتنابًا عن التأقيت بمواقيت الكفار، وعامتهم فصلوا فقالوا: إن اختص بمعرفة وقته الكفار فالجواب ما ذكره، لأنه لا اعتماد على قولهم، وإن عرفه المسلمون أيضًا جاز، وكذلك سائر أعياد أهل الملل، وسواء اعتبرنا معرفتهما أم لا.

فلو عرفا كفى على الصحيح، وقيل: يشترط معرفة عدلين من المسلمين سواهما، لأنهما قد يختلفان فلابد من مرجع. انتهى.

تابعه في "الروضة" على إطلاق المنع إذا عرفه الكفار فقط، وليس على إطلاقه، بل يستثني ما إذا كانوا عددًا كثيرًا في البلاد الكبار بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإنه يكفي لحصول العلم بقولهم، وهذا التنبيه استدركه ابن الصباغ في "الشامل".

والفصح بكسر الفاء وإسكان الصاد وبالحاء المهملتين هو عيد النصارى.

قال الجوهري: وذلك إذا أكلوا اللحم وأفطروا.

قوله: الثالث لو أقتا بنفير الحجيج وقيد بالأول أو بالثاني جاز، وكذا إن أطلقا على الأصح، ويحمل على الأول.

ثم قال، وحكى عن "الحاوي" أن التوقيت بالنفير الأول أو الثاني لأهل مكة جائز، لأنه معروف عندهم ولغيرهم وجهان، وأن في التوقيت بيوم

(1) سقط من جـ.

ص: 290

القر لأهل مكة وجهين أيضًا، لأنه لا يعرفه إلا خواصهم، وهذا غير فقيه لأنا إن اعتبرنا علم المتعاقدين فلا فرق، وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم. انتهى.

اعترض في "الروضة" على كلام الرافعي فقال بعد قوله: إن القر هو الحادي عشر من ذي الحجة، وهذا الوجه الذي ذكره في "الحاوي" قوي.

ودعوى الإمام الرافعي شهرته عند غير الفقهاء ومن في معناهم لا يقبل، بل ربما لا يعرف القر كثير من المتفقهين والله أعلم.

وهذا الاعتراض الذي ذكره في "الروضة" غلط فاحش، فإن الرافعي يريد أن معرفة الآجال هل يكفي فيها علم المتعاقدين أم لابد من معرفة عدلين؟ فيه خلاف سبق.

فإن اعتبرنا علم المتعاقدين فلا فرق بين النفر والقر، إن علما بهما صح، وإلا فلا، وإن لم نعتبر علمهما، وقلنا: لابد من عدلين فكذلك أيضًا لأنه لا يتصور خلو مكة ولا غيرها من النواحي عن عدلين من الفقهاء يعرفان القر فلا فرق أيضًا.

قوله: قال الإمام: لو عقدا وقد بقى من صفر لحظة، ونقص الربيعان وجمادى فيحسب الربيعان بالأهلة، ويضم جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر، ويكملان بيوم من جمادى الآخرة سوى لحظة.

ثم قال: كنت أود في هذه الصور أن يكتفي بالأشهر الثلاثة، فإنها جرت عربية كوامل، وما تمناه هو الذي نقله أبو سعيد المتولي وغيره، وقطعهما بحلول الأجل بانسلاخ جمادى في الصورة المذكورة، وأن العدد إنما يراعى في ما إذا جرى العقد في غير اليوم الأخير، وهو الصواب. انتهى كلام.

تابعه في "الروضة" على حصره في اليوم الأخير وليس كذلك، بل لو وقع العقد في الليلة الأخيرة كان كاليوم في أنه لا يراعى فيه العدد أيضًا

ص: 291

للمعنى الذي ذكره.

وأشار الرافعي بقوله في الصورة المذكورة [إلى](1) نقصان جمادى، فلو كان تامًا لم يتوقف على انسلاخه بل بإكمال ثلاثين، حتى لو كان العقد وقت الزوال من اليوم الأخير من صفر حل الأجل بزوال اليوم [الأخير](2) من جمادى إذا جاء كاملًا، كما صرح به صاحب "التتمة".

قوله: ولو قال: محله في الجمعة أو في رمضان فوجهان:

أصحهما: المنع، لأنه جعل اليوم أو الشهر طرفًا فكأنه قال: محله وقت من أوقات يوم كذا، وفرقوا بينه وبين الطلاق بأن الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل والأغرار، بخلاف السلم، قال ابن الصباغ: نعم، لكن لو كان كذلك لوقع في الجزء الأخير دون الأول، وهذا حسن، والفرق مشكل. انتهى كلامه.

وفرق إسماعيل الحضرمي بأن الطلاق لما قبل التعليق بالمجهول قبله بالعام، وتعلق بأوله والسّلم لا يؤجل بقدوم زيد، فلا يؤجل بعام.

قوله في أصل "الروضة": ولو قال: إلى أول رمضان أو آخره بطل. كذا قاله الأصحاب، لأنه يقع على جميع النصف الأول أو الآخر.

قال الإمام والبغوي: ينبغي أن يصح ويحمل على الجزء الأول. انتهى كلامه.

ذكر الرافعي نحوه أيضًا، وما ذكره غريب، فقد قال الشافعي في "البويطي": ويسمى أول الشهر أو كذا وكذا يومًا يمضي من الشهر، [وصرح به أيضًا الشيخ أبو حامد وسوى بين "إلى شهر رمضان" و"إلى غرته" و"إلى هلاله" و"إلى أوله" قال: إنه إذا قال إلى أول يوم من الشهر] (3)، فالمحل أول جزء من أول اليوم.

(1) في جـ: في.

(2)

سقط من أ.

(3)

سقط من أ.

ص: 292

وكذلك الماوردي سوى بين الشهر والأول والغرة، [بل جعل الأول والغرة](1) أصلين، وألحق الشهر بهما.

وقال في "الشرح الصغير": الأقوى الصحة.

قوله: ولو أسلم في شيء ببلد لا يوجد مثله فيه ويوجد في غيره، قال في "النهاية": إن كان قريبًا منه صح، وإن كان بعيدًا فلا.

قال: ولا تعتبر مسافة القصر هاهنا، وإنما التقريب فيه أن يقال: إن كان يعتاد نقله إليه في معرض المعاملة لا في معرض التحف والمصادرات صح السلم، وإلا فلا.

ويجئ في آخر الفصل ما ينازع في الإعراض عن مسافة القصر. انتهى كلامه.

وقال في آخر الفصل في الكلام على انقطاع المسلم فيه: وإن أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله إن كان في حد القرب وبم يضبط؟ .

أما صاحب "التهذيب" في آخرين فإنهم نقلوا وجهين، أقربهما: أنه يجب نقله فيما دون مسافة القصر.

والثاني: من مسافة العدوى.

وأما الإمام فإنه جرى على الإعراض عن مسافة القصر. إلى آخره.

ويؤخذ من مجموع كلام الرافعي أن الراجح في المسألة الأولى اعتبار مسافة القصر أيضًا، على خلاف ما قاله الإمام.

إذا علمت ذلك فقد جزم في "المحرر" بما قاله الإمام، وتبعه النووي عليه في "المنهاج".

(1) سقط من أ، جـ.

ص: 293

والتحف بضم التاء وفتح الحاء جمعة تحفة ساكن الحاء ومفتوحها أيضًا وهي الهدايا. قاله الجوهري.

قوله فيما إذا انقطع المسلم فيه: فإن أجاز ثم بدا له مكن من الفسخ، كزوجة المولى، ووجهه الإمام: بأن هذه الإجازة إنظار، وقد يتوقف الناظر في كونها إنظار أو يميل إلى أنها إسقاط حق كإجازة زوجة العنين.

ويجوز أن يقرر فيه وجهان، لأن الإمام حكى وجهين في أنه لو صرح بإسقاط حق الفسخ هل يسقط؟ وقال: الصحيح أنه لا يسقط. انتهى كلامه.

اعلم أن النووي قد ذكر هنا كلامًا فيه شيء يظهر [بذكر](1) لفظه فقال: فإن أجاز ثم بدا له مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت ثم أرادت المطالبة كان لها ذلك.

قلت: هذا هو الصحيح، وذكر صاحب "التتمة" في باب التفليس وجهين في أن هذا الخيار على الفور أم لا، كالوجهين في خيار من ثبت له الرجوع بالإفلاس، والله أعلم. هذا لفظه بحروفه.

ومقتضاه أن هذا الخلاف المحكي عن صاحب "التتمة" هو خلاف في المسألة التي بحث فيها الرافعي، وهو ما إذا أجاز ثم بدا له فتأمله، وليس كذلك، فإنهما مسألتان مستقلتان، ولا يلزم من كونه على التراخي أنه إذا اختار خصلة يجوز له الرجوع عنها كالمفلس.

قوله: ولو وجد المسلم فيه عند قوم يبيعونه بثمن غالٍ فليس بانقطاع، بل يجب تحصيله. انتهى كلامه.

وهذه المسألة قد يحصل فيها اشتباه على كثير من الناس، وغلط في فهمها، وذلك لأن الغلاء يطلق، ويراد به الزيادة على ثمن المثل كما يقول الشخص لوكيله: ارددها فإنها غالية، ويطلق ويراد به ارتفاع الأسعار،

(1) سقط من أ، جـ.

ص: 294

وأن يبيع بثمن مثله في ذلك الزمان، كما يقال: كان ذلك في زمن الغلاء لا في زمن الرخص.

والمراد هنا إنما هو الثانى، وأما الأول فلا يكلف به، لأن فيه إجحافًا زائدًا، وتكليفًا بما لا نهاية له، فإن صاحب السلعة قد يبالغ في الزيادة وقد جعل الشارع الموجود بأكثر من قيمته كالمعدوم بدليل الرقبة وماء الطهارة، وغير ذلك، ومما يدل على ما قلناه من كون المراد هو الثاني أن الغاصب مع تعديه لا يكلف القسم الأول على الأصح، كما قاله في "الروضة" في بابه، فبالأولى هذا، ولم يصحح الرافعي [في "الشرحين"](1) هناك شيئًا.

والحاصل أنهما مسألتان، ذكرت إحداهما هنا والأخرى هناك، والبابان محتاجان إلى ذكر كل واحدة من المسألتين.

وقد صح في كتاب الكفارات أنه لا يلزمه شراء الرقبة بالثمن الغالي.

ولعل الفرق بينه وبين السلم تأكد حق الآدمي إلا أن يقال: المراد بالغلاء هناك الزيادة على ثمن المثل غير أن الخلاف في إيجابه بعيد، وجزم في كتاب الأطعمة نقلًا عن "التهذيب": بأن المضطر يجب عليه أن يشتري بالثمن الغالي، وفسره بالزيادة الكبيرة.

قوله في "الروضة": ولو أمكن نقله وجب إن كان قريبًا، وهو ما دون مسافة القصر.

وقيل: هي المسافة التي لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلًا، ثم قال ما نصه: وقال الإمام: لا اعتبار بمسافة القصر؛ فإن أمكن النقل على غيبته، فالأصح: أنه لا ينفسخ قطعًا، وقيل: على القولين. انتهى كلامه.

وتعبيره بقوله: على غيبته تحريف، والصواب وهو المذكور في "النهاية"

(1) سقط من أ.

ص: 295

والرافعي على عسر بالسين والراء، ثم إن هذا اللفظ .. إلى آخره هو من تتمة كلام الإمام فاعلمه.

قوله: ولو عين موضعًا فخرب وخرج عن صلاحية التسليم فأوجه:

أحدها: يتعين ذلك الموضع.

والثاني: لا، وللمسلم الخيار.

والثالث: يتعين أقرب موضع صالح. انتهى.

قال النووي في "زياداته": الأقيس هو الثالث. انتهى. وما ذكره النووي إن كان حاصله متجهًا فناقص موهم، بل لابد أن يقال فيه مع هذا: إن ذلك الأقرب الصالح له حالان:

أحدهما: أن يكون أبعد من المعين ابتداءًا فيستحق أجرة الزائد، لأن العقد لم يقتضيه، وإنما أوجبناه لغرض المستحق جمعًا بين المصلحتين، كما ذكروا في نظائر لهذا.

الحال الثاني: أن يكون أقرب، فيتجه تخيير المسلم، فيقال له: إن شئت فأسلم لك في المعين ولا كلام، وإن شئت سلم لك في الصالح من غير حط شيء من الأجرة.

قوله: وحمل الإمام إطلاق الأصحاب على جواز السلم في الموزون كيلًا على ما يعد الكيل في مثله ضبطًا، حتى لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلًا لم يصح. انتهى كلامه.

وليس فيه تصريح بأن الأمر كما قاله الإمام، أو على ما أطلقه الأصحاب، والأمر كما أطلقوه من عدم الاشتراط، كذا صرح به الرافعي بعد ذلك، فقال في أثناء الشرط السادس: ويجوز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلًا ووزنًا.

ص: 296

وجزم النووي في "تصحيح التنبيه": بالاشتراط، كما قاله الإمام، وكأنه إذ ذاك وقف على الموضع الأول فقط، ولم يستحضر ما قاله الرافعي ثانيًا.

ولم يصرح في "الروضة" بشيء، غير أنه ذكر عقب الموضع الثاني أن كلام الرافعي هنا مخالف لما تقدم نقله عن الإمام، قال: وكأنه اختار ما أطلقه الأصحاب. هذا كلامه.

ولم يذكر غير ذلك، ولم يخالفه أيضًا في اختياره.

قوله: ولا يجوز السلم في الجوز واللوز عددًا، ويجوز وزنًا، وفي الكيل وجهان نقلهما صاحب "البيان"، المذكور منهما فى "الشامل": الجواز، وكذا في الفستق والبندق.

واستدرك الإمام فقال: قشور الجوز واللوز مختلفة [منها غلاظ، ومنها رقاق والغرض يختلف باختلافهما فيمتنع السلم فيهما](1) بالوزن أيضًا.

وليحمل ما أطلقه الأصحاب على النوع الذي لا تختلف قشوره في الغالب. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضًا، وفيه أمور:

أحدها: أن منع الكيل قد نص عليه الشافعي في "البويطي" فقال: ولا يجوز إلا وزنًا. هذا لفظه بحروفه.

ونص في "مختصر المزني" على الجواز، فتلخص أن الخلاف قولان [لا وجهان](2).

الثاني: أن الراجح في هذه المسألة هو الجواز، فقد قال الرافعي في "المحرر": إنه أشبه الوجهين.

وصححه النووي في "الروضة" و"المنهاج"، ولم ينبه في "الروضة"

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 297

على أنه من "زياداته"، بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له.

الأمر الثالث: أن حكم السلم في الجوز واللوز وزنًا، هو كما أطلقه الأصحاب لا كما استدركه الإمام، كذا نبه عليه النووي في "شرح الوسيط" فقال بعد حكايته لمقالة الإمام ما نصه: والمشهور في المذهب هو الذي أطلقه الأصحاب، ونص عليه الشافعي انتهى.

وجزم الرافعي في "المحرر" بالتقييد بما استدركه الإمام، وتبعه عليه النووي في "الروضة" و"المنهاج"، والصواب: التمسك بما قاله في "شرح الوسيط"، لأنه متبع لا مختصر.

قوله: ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة، ولا في عدد منها، لأنه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها، وذلك يورث عزة الوجود. انتهى كلامه.

تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمران:

أحدهما: أن منعه في البطيخة الواحدة وفي العدد منه، قد سبقه إليه جماعة، لكن نص الشافعي في "البويطي" على الجواز فقال: ويسمى اللون ويصف صغيره وكبيره ووسطه، ولو وصف وزن كل واحدة من هذا كان أحوط، وإلا لم يضره، وكذلك البيض هذا لفظه بحروفه، ومن "البويطي" نقلته.

الأمر الثاني: أن الرافعي قد عدى هذا الحكم إلى البيض والباذنجان والرمان.

وحذف النووي من "الروضة" ذكره بالنسبة إلى هذه الأمور فاعلمه.

قوله من "زياداته" معترضًا على الرافعي: كذا قال أصحابنا

ص: 298

الخراسانيون يشترط في اللبن الجمع بين العدد والوزن، ولم يعتبر العراقيون أو معظمهم الوزن، فقد نص الشافعي رحمه الله في آخر كتاب السلم من "الأم" على أن الوزن فيه مستحب و [لو](1) تركه فلا بأس، لكن يشترط أن يذكر طوله وعرضه وثخانته وأنه من طين معروف. انتهى.

ومقتضى هذه الزيادة أن يكون الراجح: أنه لا يشترط، وقد نص عليه أيضًا الشافعي في "البويطي" فقال: لا بأس بالسلم في الطوب والحجارة إن ضبط طوله وعرضه، وإلا وزن. هذا لفظه بحروفه.

لكن جزم النووي في "المنهاج" تبعًا للمحرر باشتراطه.

قوله: لكن في منع السلم في الجارية وولدها أو أختها إشكال، على الإطلاق، لأنهم حكوا عن نصه: أنه لو شرط كون العبد كاتبًا والجارية ماشطة جاز.

ولمدعٍ أن يدعى ندرة اجتماع الكتابة والمشط مع الصفات التي يجب التعرض لها، بل قضية ما أطلقوه تجويز السلم في عبد وجارية بشرط كون هذا كاتبًا، وتلك ماشطة، وكما يندر كون أحد الرفيقين ولد الآخر مع اجتماع الصفات المشروطة فيهما، فكذلك يندر كون أحدهما كاتبًا والآخر ماشطًا مع اجتماع تلك الصفات، فلنسوِ بين الصورتين في المنع والتجويز. انتهى كلامه.

وما ذكره من المشابهة ضعيف، فإن الفرق بينهما أن اشتراط الكتابة في العبد، والمشط في الجارية يسهل تحصيله بالاكتساب، وليس فيه إلا زيادة وصف على الأوصاف المطلوبة.

وإذا أسلم في عبد وجارية بهذه الصفة فلا تعلق لأحدهما بالآخر، ولا هو وصف فيه.

(1) سقط من أ.

ص: 299

أما البنوة والأخوة فوصف غير مكتسب فيعز اجتماعه مع باقي الأوصاف، وكونها ذات ولد وصف فيها.

قوله نقلًا عن الصيمري: ولو شرط كونه زانيًا أو قاذفًا أو سارقًا جاز، بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة لا يصح.

وفرق الصيمري بينهما بأنها صناعة محظورة، وتلك أمور تحدث كالقمار، وهذا فرق لا يقبله ذهنك. انتهى.

فأما اشتراط الزنا والسرقة ونحوهما، فقد خالف الصيمري فيه غيره فقال: لا يصح اشتراطه.

وقد نقل الوجهين معًا الماوردي في "الحاوي"، وأما المنع في المغنية فقال الماوردي أيضًا: إن كان الغناء مباحًا فيجوز، وإن كان محرمًا -أي بأن كان بالعود ونحوه- فوجهان: أصحهما: المنع.

واعلم أنه قد وقع في "الروضة" التعبير بالقوادة بالقاف، كذا رأيته بخطه كما هو مذكور في النسخ أيضًا، ولكنك إذا تأملت الفرق المذكور علمت أن الصواب بالعين كما وقع في الرافعي، وأن المتجه على هذا القول إلحاق القوادة -أعني بالقاف- بالسارقة ونحوها.

ولم يذكر في "الروضة" الفرق المذكور، واقتصر على الحكم موهمًا تسلميه.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة (1). انتهى.

[والربذة قد سبق الكلام عليها في التيمم](2).

قوله: ولو اختلف نتاج بني فلان فكان فيها أرحبية ومهرية ومجيدية.

(1) أخرجه مالك (1331) والبخاري معلقًا والشافعي (678) والدارقطني (3/ 69) وابن أبي شيبة (4/ 305) والبيهقي في "الكبرى"(10311) قال الألباني: إسناده صحيح.

(2)

سقط من أ، ب.

ص: 300

إلى آخره.

هذه الألفاظ سبق الكلام عليها في الزكاة.

قوله: وأما قول "الوجيز" غير مؤدن، فإن الشافعي رضي الله عنه ذكر في "المختصر": أنه يقوله في السلم في البعير غير مؤدن، نقى من العيوب، سبط الخلق، مجفر الجنبين.

والمؤدن ناقص الخلقة.

والسبط: المديد القامة الوافر الأعضاء.

والمجفر الجنبين: عظيمهما وواسعهما، واتفق الأصحاب على أن ذكر هذه الأمور ليس بشرط. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن المودن بفتح الدال المهملة وبالنون هو الناقص الخلق السيء العدا.

والسبط قد فسره في "الكتاب" وهو بسين مفتوحة وباء موحدة تسكن وتكسر.

والمجفر بميم مضمومة وجيم ساكنة وفاء مفتوحة.

الثاني: أن دعواه الاتفاق على عدم الاشتراط ليس على إطلاقه، فقد شرط الماوردي في الإبل والخيل ذكر القد فيقول مربوع أو مشرف.

قوله: ولو ذكر معه الشيات، كالأغر والمحجل واللطيم كان أولى. انتهى.

الشيات جمع شية وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، قال تعالى:{لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: 71] أي ليست متلونة.

واللطيم من الخيل الذي سالت غرته في أحد شقي وجهه، يقال منه: لطم الفرس على البناء لما لم يسم فاعله، قاله الجوهري.

ص: 301

قوله: ومنها الطيور: فيجوز السلم فيها، وقال في "المهذب": لا يجوز. انتهى.

ذكر مثله أيضًا في "الروضة"، وقريبًا منه في "الشرح الصغير" وفيه إشعار بأن غير الشيخ لم يقله ولاسيما من المتقدمين على الشيخ وهو غريب.

فقد نص الشافعي في (البويطي) على المنع فقال ما نصه ولا يجوز السلم في الطير لأنها لا تنضبط بسن ولا ذرع. هذا لفظه بحروفه ومنه نقلت.

نعم: نص الشافعي في غيره على الصحة، ونقله الروياني وغيره.

قوله: وفي كتب أصحابنا العراقيين اعتبار أمر شائع -أي في اللحم- وهو بيان السمن والهزال. انتهى.

وهذا الشرط نقله أيضًا عنهم في "الشرح الصغير" و"الروضة" وليس فيه تصريح بموافقتهم ولا مخالفتهم، وقد أهمله الرافعي في "المحرر" وكذلك النووي في "المنهاج"، وفيه إشعار بعدم اعتباره، ولابد منه فقد نص الشافعي عليه في "البويطي".

قوله: ولا يلزم قبول الرأس والرجل من الطير والذنب من السمكة. انتهى.

تابعه في "الروضة" على هذه العبارة] (1) وفيها إشعار بأن رأس السمكة يجب قبولها، وليس كذلك فاعلمه، فقد نص الشافعي في "البويطي" على أنه لا يجب، فقال ما نصه: ولا بأس بالسلم في الحيتان، ويسمى أجناسها وصغارها وكبارها وأجلها ووزنها، وحيث يقبض لا يوزن ذنبها ولا رأسها. هذا لفظه.

وجزم ابن الرفعة بذلك، ولم يتعرض لكلام الرافعي ولا لهذا النص، ثم حكى فيما إذا كان الحوت صغيرًا وجهًا أنه يجب قبول الرأس والذنب،

(1) سقط من أ.

ص: 302

لأن العادة أكلهما معه.

ثم [قال: والمذهب الأول، وأيضًا فقد نص الشافعي في "الأم" كما](1) قاله في "المطلب" على أنه: إذا كان على الذنب لحم وجب قبوله.

قوله في أصل "الروضة": في السلم في الدبس والعسل المصفى بالنار والسكر والفانيد واللبا وجهان استبعد الإمام المنع فيها كلها.

قلت: وممن اختار الصحة في هذه الأشياء: الغزالي وصاحب "التتمة" والله أعلم. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن الأصح في الجميع هو المنع على ما يقتضيه كلام الرافعي.

الثاني: أن في السكر والفانيد طريقة قاطعة بالجواز حكاها الرافعي، ولم يذكرها في "الروضة"، ولنذكر عبارة الرافعي ليعرف منه الموضعان فقال: والسمن والدبس والسكر والفانيد كالخبز، ففي سلمها الوجهان. وأشار الإمام إلى طريقة قاطعة بجواز السلم في السكر والفانيد. هذا لفظه. ثم قال: وفي اللبا والعسل المصفى بالنار الوجهان.

وهذا الكلام مقتضاه المنع في جميع هذه الأشياء لأنه الصحيح في الخبز.

ويؤيده أن [الأصح](2) في باب الربا إلحاق ما دخلته النار للتمييز عما دخلته، للطبخ حتى لا يجوز بيع بعضه ببعض، فأطلق النووي ذكر الوجهين فقط، ثم حذف هذه الطريقة المنقولة عن الإمام، وحكى عنه شيئًا آخر.

الثالث: [أن النووي](3) صحح في "تصحيح التنبيه" جواز الجميع، لكنه لم يصرح فيه بالعسل والسمن غير أنه يؤخذ منه، فإنه لما عدد هذه

(1) سقط من أ.

(2)

في جـ: الصحيح.

(3)

في جـ: أنه.

ص: 303

الأشياء جعل ضابطها أن تكون النار لطيفة، ولا شك أن نار العسل المشار إليه وهو عسل النحل ألطف من نار السكر.

ولم يصرح في غير هذا الكتاب بتصحيح، فإنه لم يتعرض لذلك في "المنهاج"، وأما في "الروضة" فكما تقدم.

الرابع: أن ما نقله عن صاحب "التتمة" من تجويز السلم في الخمسة المتقدم غلط، إنما اختار الجواز في اللبا قبل أن يخلطه باللبن وتطبخ، أما بعد طبخه، فلا.

قوله: وتردد صاحب "التقريب" في السلم في الماء ورد لاختلاف تأثير النار فيما يتصعد ويقطر. انتهى.

لم يصحح في "الروضة" شيئًا أيضًا، والراجح هو الجواز، فقد قال الروياني: إنه أصح عندي وعند عامة الأصحاب.

قوله: والأكارع كالرؤوس. انتهى.

أهمل شرطًا آخر في الأكارع لم يذكره، ونبه عليه النووي في "الروضة"، وهو بيان أنها من الأيدي والأرجل.

قوله: وفي كتاب القاضي ابن كج اعتبار شرط آخر -أي لتجويز السلم في الرؤوس على قول-، وهو أن يكون المشافر والمناخر منحاة عنها، وهذا لا اعتماد عليه. انتهى كلامه.

وما قاله ابن كج قد وافقه عليه الماوردي في المشافر.

قوله: وهل يحتاج في السمن إلى التعرض للحديث والعتيق، قال الشيخ أبو حامد: لا بل العتيق معيب لا يصح السلم فيه.

وقال القاضي أبو الطيب: العتيق المتغير هو المعيب لأكل عتيق، فيجب البيان. انتهى كلامه.

ص: 304

وفيه أمران:

أحدهما: أن ما نقله عن القاضي أبي الطيب، قد تبعه عليه في "الروضة" أيضًا، لكن نقل عنه في "الشامل" أنه إن اختلفت القيمة وجب البيان، وإلا فلا فقال ما نصه: قال القاضي: ونقول حديث أو عتيق إن كان يختلف.

الأمر الثاني: أن النووي لم يصحح شيئًا في "الروضة" أيضًا، والراجح عند الرافعي: وجوب البيان، كذا رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: إنه أشبه الوجهين، ولم يتعرض للمسألة في "المحرر" ولا في "المنهاج"، وما نقله عن الشيخ أبي حامد من الحكم والتعليل قد نص عليه الشافعي.

والغريب أن الشيخ أبا حامد قد نقله عنه، فاقتصار الرافعي عليه في غاية العجب.

وقد نقله عنه في "الشامل" فقال: وقال الشيخ أبو حامد: قال الشافعي: إطلاقه يقتضي الحديث، فإن العتيق معيب، وإنما يصلح للخراج. انتهى كلامه، فتلخص من ذلك أنه مذهبنا.

قوله: وليس في الزبد إلا الوزن. انتهى.

تابعه في "الروضة" على أنه لا يصح السلم فيه كيلًا، بل وزنا، لكن نص الشافعي في "الأم" على أنه يصح السلم فيه كيلًا ووزنًا.

قوله: ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود حيًا ولا ميتًا، لأنه يمنع معرفة وزن القز، وبعد خروج الدود يجوز. انتهى.

تابعه عليه في "الروضة"، وذكر قبل ذلك في أوائل البيع في الكلام على شروط البيع من "زياداته": جواز بيع القز وفيه الدود وزنًا، على [خلاف](1) ما جزم به هاهنا من فساد التقدير بالوزن، وذكرت لفظه هناك.

(1) سقط من أ.

ص: 305

وثبت أن الصواب هو المذكور هنا، وهو المنع فراجعه.

قوله: الخامسة: إذا أسلم في الثياب بين الجنس ثم قال: ويبين الغلظ والرقة والنعومة والخشونة .. إلى آخره.

ذكر في "الشرح الصغير" و"المحرر": الصفاقة والرقة مع الغلظ والرقة، ولابد من ذلك، فإن الغلظ والرقة راجعان إلى كيفية [الغزل، وقد صرح الرافعي بذلك أيضًا قبل هذا بقليل، والصفاقة والرقة راجعان إلى كيفية](1) النسج.

فالصفاقة: انضمام بعض الخيوط إلى بعض، مأخوذ من الصفق، وهو ضرب آلة النسج.

والرقة: تباعدها.

والحاصل: أن هذين الوصفين لابد من التعرض لهما في العقد، وأن التعبير عنهما بهذه الألفاظ صحيح إلا الرقة، فإن استعماله فيما ذكر ومغاير للرقة مخالف لما قاله الجوهري، فإنه قد صرح بأن الدقيق والرقيق خلاف الغليظ على أن الشيخ أبا حامد قد سبق إلى ذكر هذه الألفاظ، وعبر بعبارة هي أحسن من عبارة الرافعي فقال: الدقة أو الغلظ والصفاقة أو الرقة، ولم يتعرض في "الروضة" للفظتين الأخيرتين تبعًا لما قاله الرافعي.

قوله: وعن الصيمري أنه يجوز السلم في القميص والسراويلات إذا ضبطت طولًا وعرضًا وضيقًا وسعة. انتهى كلامه.

وما نقله عن الصيمري من الجواز وأقره، ولم يذكر في هذا الباب، بعده ولا قبله ما يخالفه، قد ذكر في آخر الباب الثاني من أبواب الخلع عكسه، فإنه صرح بعدم جواز السلم فيها، ولم يحك فيها خلافًا، وستعرف لفظه في موضعه إن شاء الله تعالى.

(1) سقط من أ.

ص: 306

ووقع الموضعان [في الروضة](1) كذلك، وذكرها الرافعي في "الشرح الصغير" في الخلع فقط كما ذكرها في "الكبير"، ولم يذكرها في "المحرر"، والفتوى على خلاف ما قاله هنا.

قوله: وكل شيء لا يتأتى وزنه بالقبان لكن يوزن بالعرض على الماء. انتهى.

وكيفية الوزن بالماء [ذكرها الرافعي في باب الربا فقال ما نصه: وقد يتأتى الوزن بالماء](2) بأن يوضع الشيء في ظرف، ويلقى على الماء وينظر مقدار غوصه.

قوله: وفي الرصاص يذكر نوعه من قلعى وغيره وفي الصفر من شبه وغيره. انتهى.

الشبه بشين معجمة وباء موحدة مفتوحتين ضرب من النحاس. قاله الجوهري.

قوله: فنقول: السلم في المنافع كتعليم القرآن وغيره جائز، ذكره الروياني. انتهى.

تابعه في "الروضة" على نقل الجواز عنه من غير مخالفة له، وهو الصواب على كلام فيه يأتيك إن شاء الله تعالى في باب القرض.

قوله من "زياداته": ولو أسلم الدراهم في الدنانير أو بالعكس سلمًا حالًا، فوجهان محكيان في "البيان"، والأصح المنصوص: المنع. انتهى ملخصًا.

وتوجيه المنع كما قاله في "البيان": أن لفظ السلم يقتضي تقديم أحد العوضين، واستحقاق قبضه دون الآخر، والصرف يقتضي تسليم العوضين

(1) سقط من أ، جـ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 307

في المجلس فيصادف أحكامها.

والعجب من نقل هذا الحكم عن "البيان" بدون نقل تعليله عنه، وفيه غموض ودقة.

نعم نقل الرافعي في أول الباب في جعل رأس المال دينًا نحوه، وزاده إيضاحًا فقال: لأن قبض المسلم فيه ليس بشرط، فلو وجد لكان متبرعًا به، وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات.

واعلم أن صاحب [البيان](1) نقل عن الشيخ أبي حامد المنع في هذه المسألة، وليست كما قاله، بل إنما نقله أبو حامد المذكور عن النص، ثم قال: وعندي أنه يجوز.

قوله: ولا يجوز السلم في الحباب والطساس والطناجير. انتهى.

وأما الحباب بكسر الحاء المهملة وبالبائن الموحدتين فهي جمع حب.

والطساس: بكسر الطاء جمع طس بفتحها، ويقال فيه: طست بإبدال سينه الثانية تاء.

والطناجير: جمع طنجير بكسر الطاء، قاله الصنعاني، قال العسكري في "التلخيص" في كتاب أسماء الأشياء ونعوتها: هو أعجمي يضرب فيه، قالوا: طنجرت اللحم فهو مطنجر إذا طبخته في الطنجير، قال بعضهم: هو الدست.

قوله: كما يجوز في مربعات الصرم [وقطع الجلود وزنًا، ولا يجوز في الجلود على هيئتها لتفاوتها دقة وغلظًا. انتهى كلامه.

الصرم: ] (2) بصاد مفتوحة وراء مهملة ساكنة وفي آخره ميم، هو

(1) في ب: الشامل.

(2)

سقط من أ.

ص: 308

الجلد بلغة فارس. قاله الجوهري، ولم أرَ هذا كله في "الروضة".

قوله: وإذا أسلم في التمر بين النوع. . . . إلى آخره.

أهمل هو والنووي شرطًا آخر، وهو كون جفافه على النخل أو بعد الجذاذ، ولابد منه كما قاله الماوردي فإن الأول أنقى، والثاني أصفى.

قوله: وفي العسل يبين أنه جبلى أو بلدي .. إلى آخره.

قال الماوردي: ولابد أن يبين أيضًا مرعاه وقُوته ورقته.

قوله: إحداهما: ذهب العراقيون إلى اشتراط التعرض للجودة والرداءة، وظاهر النص يوافق ما ذكره.

وقال غيرهم: لا حاجة إليه، وهو الأظهر. انتهى.

ودعواه أن ظاهر النص يوافقهم غريب، فقد نص على اشتراطه في مواضع من "الأم" نصًا صريحًا، لا جرم أن النووي قد اعترض عليه في "الروضة" أيضًا.

قوله: ولا يجوز السلم في الأرز والعلس لاستتارهما بالكمام. انتهى.

وما ذكره هنا في الأرز والعلس، قد سبق فيهما ما يخالفه في الكلام على بيع الثمار فراجعه.

ص: 309

الباب الثاني في أداء المسلم فيه والعرض

قوله: ويجب تسليم التمر جافًا، والرطب غير مشدخ. انتهى.

هو بالشين والخاء المعجمتين.

قال في "الأم": وهو ما لم يترطب مشدخ، وأراد بذلك أنه عولج بالتغمير ونحوه حتى ترطب، وهو المسمى بالمعمول في بلاد مصر.

قوله: ولو أتى بالمسلم فيه قبل المحل، وامتنع المسلم من قبوله فقال الجمهور: إن كان له في الامتناع غرض، كما إذا كان وقت نهب، أو كان مما يحتاج إلى مكان له مؤنة كالحنطة الكثيرة فلا يجبر على القبول. . . . إلى آخره.

وهذا الكلام يقتضي أن الحنطة وغيرها من الحبوب إذا كانت قليلة يجبر على قبولها، وأن الحجارة الكبيرة ونحوها لا إجبار فيها، لما فيها من مؤنة المكان وهو عكس ما قاله الشافعي في "الأم"، فإنه قال في باب تعجيل الكتابة ما نصه: قال الشافعي: ولو كاتبه على عرض من العروض، فإن كان لا يتغير على طول الحبس كالحديد والنحاس والرصاص وغيرها مما لا يتغير على طول الحبس، وكالدراهم والدنانير يلزم السيد أن يقبلها منه.

ثم قال بعد ذلك: والحنطة والشعير والأرز مما يتغير.

ثم قال: وكل موضع [أجبرت السيد على قبضه من المكاتب](1) أخبرت فيه رب الدين، وإلا فلا. انتهى.

ومخالفته لكلام الرافعي واضحة، وهذا المعنى الذي اعتبره الشافعي من التغيير على طول الزمان لم يتعرض له الرافعي، ولابد منه فإنه غرض صحيح لاسيما من الذين يطلبون الأسعار في الحبوب ونحوها.

وأما المعنى الذي اعتبره الرافعي من مؤنة الموضع، فهو حقير في

(1) سقط من ب.

ص: 310

الغالب بالنسبة إلى فائدة التعجيل، فلذلك أهمل الشافعى اعتباره.

قوله: فإن كان للمؤدى غرض فى التعجيل سوى براءة الذمة كفكاك الرهن وبراءة الضامن أجبر على القبول.

ثم قال: وهل يلتحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول؟ فيه وجهان، المذكور منهما فى الكتاب أنه يلتحق. انتهى.

لم يصرح بتصحيح فى "الشرح الصغير" أيضًا، والأصح ما قاله فى "الوجيز"، كذا صححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من "زياداته"، بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.

قوله: ولو ظفر بالمستقرض في غير مكان الإقراض فأخذ منه القيمة ثم عاد إلى مكان الإقراض فطلب أحدهما رد القيمة والرجوع إلى المثل، ففي إجابته وجهان، انتهى ملخصًا.

والأصح عدم الإجابة، كذا قاله النووي من "زياداته".

قوله: وكذا فى المسلم يطالب بقيمة بلد العقد إذا جوزنا أخذ قيمته. انتهى.

واطلاقه اعتبار قيمة بلد العقد في السلم ذكره أيضًا في "الشرح الصغير"، وليس كذلك، فإن المعتبر فى السلم قيمة الموضع الذي يستحق فيه التسليم، ثم قد يكون بلد العقد، وقد يكون غيره، وقد استدركه عليه في "الروضة".

قوله: والبكر الفتى من الإبل، والبازل الذي له ثمان سنين تمامًا. انتهى.

والفتى بفاء مفتوحة وتاء مثناه مكسورة وياء بنقطتين من تحت مشددة وجمعه أفتاء كيتيم وأيتام.

قال الجوهري: وهو خلاف المسن يعني أنه الصغير.

والبازل بالباء الموحدة والزاي المعجمة.

قوله: ويعتبر فى القرض أهلية التبرع، لأن القرض تبرع أو فيه شائبة

ص: 311

التبرع.

ألا ترى أنه لا يقرض الولى مال الطفل إلا لضرورة. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن إطلاقه منع الولى من إقراض مال الطفل ليس كذلك على ما ذكره في كتاب [الحجر](1)، فإنه فصل هناك فجوز للقاضى دون غيره، لكن فيه كلام يذكر هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.

الأمر الثاني: أن الرافعي متردد في أن القرض تبرع محض، أو فيه شائبة التبرع؟ .

وجزم بعد هذا فى أثناء الباب بالاحتمال الثاني، وجزم به أيضًا في كتاب الضمان، وبالغ في نفي الاحتمال الأول فقال: واعلم أن القول بكون الضمان تبرعًا إنما يظهر حيث لا يثبت [الرجوع](2)، فأما حيث يثبت فهو إقراض لا محض تبرع، هذا لفظه.

وذكر فى كتاب الوصية نحوه فقال: أما التبرع فهو إزالة الملك عن مال مجانًا.

ووافقه النووي على هذا، ولكن قال: إنه ينبغي أن يضم إليه ما يدخل فى الاختصاصات، فيقال عن مال ونحوه.

ثم خالف فى الضمان فقال من "زياداته": إن القرض تبرع.

قوله: وأما الصيغة، فالإيجاب لابد منه، وهو أن يقول: أقرضتك أو أسلفتك أو خذ هذا بمثله. . . . إلى آخره.

لم يبين هل هذه الصيغ كلها صرائح، أو بعضها صريح وبعضها كناية.

وظاهر كلامه أن الجميع صرائح، لكنه قد نص فى البيع على أنه إذا قال: خذ هذا بمثله، يكون كناية فينبغى هنا كذلك، وذكر النووي في "الروضة" هذه الصيغ كما ذكرها الرافعي.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

ص: 312

قوله: فإن اختلفا في ذكر البدل، كان القول قول المخاطب. انتهى كلامه.

والتعبير بالمخاطب تعبير ملتبس لا يدرى هل هو بفتح الطاء أو بكسرها، وفتح الطاء هو المراد هنا، ولهذا عبر في "الروضة" بقوله: الآخذ، وحكى وجهًا من زياداته أن القول قول الدافع، قال: وهو متجه.

قوله من "زياداته": وفي "التتمة" وجه أن الاقتصار على ملكتك، قرض. انتهى.

وما حكاه عن "التتمة" لم أرَ له ذكرًا فيها، لا في هذا الباب ولا في غيره.

قوله: فأما الجارية المحرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فلا خلاف فى جواز إقراضها منه. انتهى كلامه.

وما ادعاه من نفى الخلاف ذكره أيضًا في "الشرح الصغير"، وليس كذلك، فقد حكي الماوردي في "الحاوي" في قرضها منه ومن المرأة وجهين لأصحابنا [ونسب الجواز إلى البغداديين، والمنع إلى البصريين قال: وعلى رأيهم](1) يصرف جنسًا لا يجوز إقراضه.

وهذا الموضع قد استدركه أيضًا النووي.

قوله: وما لا يجوز السلم فيه هل يجوز قرضه؟ إن قلنا: الواجب فى المتقوم القيمة جاز؛ وإن قلنا: المثل فلا. انتهى.

ومقتضى هذا تصحيح منع قرضه، لأن الصحيح إيجاب المثل لا القيمة، ويستثني من هذا الإطلاق جزء الدار، فإنه لا يجوز السلم فيها قطعًا كما صرح به الرافعي وغيره.

ومع هذا فيجوز قرضه، كما نقله في "المطلب" في كتاب الشفعة عن

(1) سقط من أ.

ص: 313

الأصحاب، وهو مقتضى كلام الرافعي أيضًا هناك، فإنه قال في أوائل الباب الثاني: ومنها: قال في "التتمة": "إذا استقرض شقصًا أخذه الشفيع بقيمته.

وإن قلنا: إن المستقرض يرد المثل لأن القرض مبنى على الإرفاق والشفعة ملحقة بالإتلاف هذا لفظه.

فجعل القرض مجزومًا به، ففرع عليه هذا التفريع الذي نقله عن صاحب "التتمة"، ولم يرده بل ارتضاه، ثم إنه حكم بجوازه مع قولنا: إنه يرد المثل، فدل ذلك على استثناء هذه المسألة كما قلناه.

ونص أيضًا على الجواز في الباب الأول من أبواب الشفعة ناقلًا له عن "التتمة" أيضًا، لكن جزم الماوردي في "الحاوي" بأنه لا يجوز قرض العقار، ويمكن حمله على الدار جميعها، وما قاله أولئك على الجزء فقط.

قوله: وفى إقراض الخبز وجهان كما فى السلم، وأصحهما عند البغوي: المنع.

واختار ابن الصباغ وغيره: الجواز. انتهى ملخصًا.

زاد في "الروضة" عليه أن صاحب "التتمة" و"المستظهرى" قطعا بجوازه.

إذا علمت ذلك فاعلم أن الراجح فى هذه المسألة هو الجواز، كذا رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال ما نصه: وفي إقراض الخبز وجهان كما في السلم، والمختار الجواز للحاجة وإطباق الناس عليه، هذا لفظه.

وعبارة "الكبير" و"الروضة" تقتضى أن القائلين به أكثر من القائلين بالمنع.

ص: 314

وإذا جوزنا إقراض الخبز، فقال الدارمي فى "الاستذكار": إن اتفقا على رد الخبز أو القيمة: جاز، وإن اختلفا فقال ابن المرزبان: الأولى القيمة.

فإن شرط عليه رد الخبز فوجهان قالهما ابن القطان.

قوله من "زياداته": وفى فتاوى القاضي: أنه لا يجوز إقراض الروبة لأنها تختلف بالحموضة، قال: ولا يجوز إقراض المنافع، لأنه لا يجوز السلم فيها. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن الروبة براء مهملة مضمومة وبعدها واو ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة وهى الخميرة التي تلقى من اللبن الحامض على اللبن الحليب ليروب، قاله الجوهرى.

الثانى: أن ما نقله عن فتاوى القاضي من امتناع قرض المنافع وأقره عليه هو موجود فى "فتاويه" قبيل الإجارة وبعد القراض، لكن صرح المتولى أيضًا فى هذا الباب بجواز قرض المنافع فقال: السادسة: إقراض المنافع جائز عندنا حتى إذا قال: أقرضتك منفعة عبدى أو دارى شهرًا وسلم العين صار مستحقًا للمنافع يتصرف فيها على حسب اختياره، هذا لفظه.

فتعبيره بقوله: (عندنا) يقتضى نقله عن المذهب وشهرته فيه.

وسأذكر أيضًا ما يوضح ترجيحه.

الثالث: أن ما نقله أيضًا عن القاضى [فى الفتاوى المذكورة من امتناع قرض المنافع قد رأيته أيضًا مصرحًا به فى كتاب الغصب من كتابه المسمى "بالإشراف"، ثم فرع على ذلك فقال فلو قال أقرضتك منافع هذه الدار

ص: 315

احتمل أن يكون إباحة.

الأمر الرابع: أن ما حكاه عنه] (1) فى تعليل امتناع القرض بامتناع السلم وأقره عليه، واقتضى كلامه الاتفاق عليه عجيب، فقد جزم الرافعي فى الإجارة بالجواز، فقال: إنه يجوز إيرادها على المنافع الكائنة فى الذمة بلفظ السلم، ويكون سلمًا، ونص عليه الشافعي، وقد ذكره الرافعي أيضًا في كتاب السلم نقلًا عن الروياني ولم يخالفه، وتقدم ذكر لفظه هناك فراجعه.

وإذا بطل مستنده فى امتناع القرض، وهو امتناع السلم لزم أن يكون الصواب هو الجواز كما تقدمت الإشارة إليه.

وذكر القاضى الحسين فى باب الغصب من تعليقه أن منافع الدور لا يصح السلم فيها.

قلت: وسببه أن اختلاف الغرض لمكانها يوجب بالضرورة تعيين الدار، وإذا عين صار نظير السلم فى ثمرة نخلة معينة أو قرية صغيرة، وهو باطل، لأن انقطاعه لا يؤمن.

وهكذا القول فى منفعة سائر الأعيان بخلاف المنافع الكائنة في الذمة كالخياطة ونحوها، فتعين حمل المنع على الأول، والجواز على الثانى، ولا خلاف ولا اختلاف، ويكون الجواز فى المعين مستثنى.

قوله في أصل "الروضة": ولو أقرضه بلا شرط فرد أجود أو أكثر أو ببلد آخر جاز، ولا فرق بين الربوى وغيره، ولا بين الرجل المشهور برد الزيادة وغيره على الصحيح فيها. انتهى كلامه.

ومدلوله أن الوجه المحكي هو في جواز قبول الزيادة، فأما في الربوي فصحيح.

(1) سقط من أ، جـ.

ص: 316

وأما الوجه في المشهور برد الزيادة فهو في صحة إقراضه، كذا حكاه الرافعي، وما قاله في "الروضة" سهو.

قوله: الثانية: يجوز أن يقرضه بشرط الرهن والكفيل، وكذا بشرط أن يشهد أو يقر به عند الحاكم، انتهى.

لقائل أن يقول: ما فائدة هذا الشرط حتي يحكم بصحته، لأنه لا يجب على المقترض الوفاء بما شرط عليه من الرهن وغيره، ولا يجب أيضًا على المشروط كفالته أن يتكفل، وقد صرحوا بذلك في البيع المشروط فيه هذه الأمور، وإنما صححنا هذه الشروط في البيع، لأن فيه فائدة وهى الفسخ على تقدير أن لا يحصل سواء كان الثمن حالًا أو مؤجلًا، ثم يأخذ العين إن كانت باقية وقيمتها إن كانت تالفة، وأما المقرض فيجوز له فى كل وقت أن يرجع.

قوله: لا شك أن المستقرض يتملك ما استقرضه. انتهى كلامه.

وهو يقتضى أنه لا خلاف فيه، وليس كذلك فقد حكي الخوري في "شرح المختصر" قولًا: أنه لا يملكه وإنما سلطه المقرض على إتلافه.

قال: وهذا هو المحفوظ للشافعى.

قوله: فى أصل "الروضة": وإن قلنا يملك بالتصرف، فمعناه إذا تصرف فتبين ثبوت ملكه انتهى كلامه.

وليس فيه بيان الوقت الذي يملك فيه، وقد جزم الرافعي هاهنا بأنه قبيل التصرف، فإنه عبر بقوله: قبيله.

وحكي -أعني الرافعي- في الكلام على الزكاة المعجلة عن الإمام بحثًا آخر فقال: ينقدح فيه أمران:

أحدهما: [هذا.

ص: 317

والثانى: أن يستند الملك إلى حالة القبض، وقد صرح الغزالي في "البسيط" هنا بحكايته وجهًا.

قوله: ] (1) وإذا فرعنا على الوجه الأول، وهو أن المراد بالتصرف الذي يتوقف عليه الملك على القول الضعيف وهو المزيل للملك، فهل يكفي البيع بشرط الخيار؟ إن قلنا: إنه لا يزيل الملك فلا.

وإن قلنا أنه يزيل فوجهان. انتهى كلامه.

واعلم أن خيار المجلس هل يمنع نقل [الملك](2) أم لا؟ فيه الخلاف فى خيار الشرط، فجزمهم بأن البيع يكفى بدون خيار الشرط يقتضي الجزم به مع خيار المجلس أيضًا، وما الفرق بين خيار المجلس والشرط؟

قوله: ولو استقرض من يعتق عليه لم يعتق على القول بأنه يملكه بالتصرف.

قال صاحب "التهذيب": ويجوز أن يقال: يعتق عليه [ويحكم بالملك قبيله. انتهى.

وما حكاه الرافعي احتمالًا فقط قد جزم به] (3) صاحب "التتمة" وقال: وجهًا واحدًا، لأنه لو كان عبدًا أجنبيًا وأعتقه نفذ، وكل سبب يفيد اعتبار عتق الأجنبي يفيد عتق القريب.

قوله في أصل "الروضة": وإن اقترض متقومًا، فالأصح عند الأكثرين: أنه يرد مثله من حيث الصورة، والثاني: يرد القيمة يوم القبض إن قلنا: يملك به، وإن قلنا بالتصرف فوجهان:

أحدهما: كذلك.

(1) سقط من أ.

(2)

فى أ: الشرط.

(3)

سقط من أ.

ص: 318

والثاني: تجب قيمته أكثر ما كان من القبض إلى التصرف. انتهى كلامه.

والصحيح من هذين الوجهين هو الوجه الثاني وهو وجوب الأكثر. كذا صححه هو -أعني النووي- في "نكت الوسيط"، وصححه أيضًا الرافعي في شرحيه "الكبير" و"الصغير" معًا فقال: فإن قلنا بالأول -أي وجوب القيمة- فالاعتبار بقيمة يوم القبض، إن قلنا: يملك القرض بالقبض.

فإن قلنا: يملك بالتصرف فالأكثر من يوم القبض إلى يوم التصرف، وفيه وجه أن الاعتبار بيوم القبض، هذا لفظ الرافعي في "الكبير" بحروفه.

وقد ذكر في "الصغير" مثله أيضًا، فعدل النووي عنه، وحكي وجهين من غير ترجيح، وكأنه والله أعلم وقعت له هنا نسخة سقيمة فاختصر منها، ومحل هذه المسألة فى الرافعي قبيل هذا الموضع، ولكن نقله النووي إلى هنا.

ص: 319