الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوكالة
فيه ثلاثة أبواب:
الباب الأول في أركانها
الركن الأول: ما فيه التوكيل
قوله: فلو وكل غيره بطلاق زوجة سينكحها أو بيع عبد سيملكه، أو إعتاق كل رقيق يملكه، أو بتزويج ابنته إذا انقضت عدتها أو فارقها زوجها، وما أشبهه. فقيل يصح، وبه أجاب القفال والبغوي، والأصح عند العراقيين والإمام وبه أجاب الغزالي: بطلانه. انتهى ملخصًا.
ذكر نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا، ومقتضاه أن الأكثرين على المنع، ولهذا صرح به في أصل "الروضة"، وصححه في "المحرر" أيضًا فقال: إنه أظهر الوجهين، إذا علمت ذلك ففيه أمور:
أحدها: أنه قد ذكر في كتاب النكاح ما يخالف ذلك فقال في باب بيان الأولياء في المانع الرابع، وهو الإحرام ما نصه: لو جرى التوكيل في حال إحرام الموكل أو الوكيل أو المرأة، نظر إن وكل لينعقد في حال الإحرام: لم يصح.
وإن قال: ليزوج بعد التحليل صح، لأن الإحرام يمنع العقد دون الإذن، ومن ألحق الإحرام بالجنون لم يصححه، ولو أطلق التوكيل فهو كالتقييد بما بعد التحليل. انتهى لفظه.
والصحيح أن الإحرام لا يلحق بالجنون، [وحينئذ](1) فيكون الصحيح صحة هذا التوكيل على عكس ما قاله هنا.
(1) سقط من أ.
وذكر في "الروضة" في الباب المذكور، وهو باب الأولياء ما يوافق هذا أيضًا فقال: فرع: في "فتاوى البغوي": أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الإذن، كما لو قال الولي للوكيل: زوج بنتي إذا فارقها زوجها أو انقضت عدتها، وفي هذا التوكيل وجه ضعيف: أنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة. انتهى لفظه.
ومراده بقوله: (وفي هذا التوكيل) يعني الصورة المقيس عليها، فإنه الذي سبق ذكره في الوكالة [إذا علمت المقصود ظهر لك أن ما ذكره غريب فإنه صحح عكس ما صححه هنا، وزاد على ذلك فادعى أن مقابله ضعيف، سبق في الوكالة](1) مع أنه قد سبق فيها أنه هو الصحيح.
واعلم أن الرافعي لم يرجح شيئًا في هذه المسألة، بل ذكرها قبيل كتاب الصداق من غير ترجيح، فنقلها النووي إلى الموضع المذكور أولًا، ثم رجح ما رجح.
وبالجملة فالراجح ما قاله هنا، فإن مقتضى كلامه أنه رأي الأكثرين.
وأما ما ذكره الرافعي في النكاح حكاية، قلد فيه البغوي.
واعلم أنا إذا صححناه فمحله إذا لم يصرح بتعليق الوكالة، فإن صرح كما لو قال: إذا طلقت بنتي أو انقضت عدتها، فقد وكلتك بتزويجها، فهل يصح هذا التوكيل؟ فيه القولان المعروفان في تعليق الوكالة، كذا قاله الرافعي في النكاح في الكلام على الإحرام، وفي الكلام على التوكيل فيه أيضًا، وحينئذ فيكون الراجح عدم الصحة، ولكن ينفذ التصرف.
الأمر الثاني: أن شرط الاعتداد بإذن الأب في نكاح غير البكر تقدم إذن المرأة كما ذكروه في كتاب النكاح، وحينئذ فتكون صورة المسألة
(1) سقط من أ.
الأخيرة من المسائل المذكورة أولًا أن تكون بكرًا، أو يموت عنها زوجها أو يطلقها.
الأمر الثالث: أن ما حكاه عن البغوي يقتضي أنه يقول بالصحة، مع تنكير العبد والمرأة وغيرهما، وليس كذلك، بل شرطه عنده أن يكون معينًا، فقد رأيت في "فتاويه" -أعني البغوي- ما نصه: إذا قال: وكلتك بتزويج ابنتي إذا طلقت، أو إذا اشتريت العبد الفلاني فأعتقه صح، وإن قال: وكلتك بإعتاق عبد أشتريه لا يصح، لأن التصرف فيه غير معين بخلاف الأوليين.
ولو قال: وكلتك، فإذا صار هذا الخمر خلا فبعه صح.
ولو قال: وكلتك بتزويج الحمل الذي في بطن زوجتي لا يصح، لأنه غير معلوم. هذا كلام البغوي.
ويظهر أن يكون التعميم كقوله: كل عبد بمثابة التعيين في الصحة.
الأمر الرابع: أن هذا الخلاف هل هو خاص بما إذا خصص ما سيملكه بالتوكيل حتى إذا جعله مثلًا بائعًا لأمواله الموجودة فقال: وكلتك في بيع أموالي وما سأملكه يجوز كما قالوا به في الوقف، فإنه لو قال: وقفت على من سيولد من أولادي، فإنه لا يجوز، ولو قال: على أولادي ومن سيولد لي جاز، أم الخلاف جار في الصورتين؟ فيه كلام يأتي في الكلام على ما إذا وكله في شراء شاة فاشترى شاتين.
قوله: ويستثنى من جنس الصلاة ركعتا الطواف. انتهى.
واعلم أن شرط النيابة في هاتين الركعتين أن يكون ذلك تبعًا للحج أو العمرة حتى لو أفردهما بالتوكيل لم يصح، وقد صرح بذلك الرافعي في كتاب الوصية.
قوله: وفي الظهار وجهان بناء على أن المغلب فيه معنى اليمين أو
الطلاق، والظاهر عند العظم منع التوكيل فيه. انتهى لفظه.
ذكر مثله في "الشرح الصغير"، وظاهره يقتضي أن الراجح تغليب شبه اليمين، ولكن الذي صححه في آخر باب الظهار، وتابعه عليه في "الروضة"، أن المغلب شبه الطلاق، وهذا البناء الذي يقتضي بظاهره المخالفة، لم يذكره في "الروضة".
قوله: ولو أسلم على أكثر من أربع نسوة فوكل بالاختيار أو طلق إحدي امرأتيه أو إحدى عبديه، ووكل بالتعيين لم يصح. انتهى كلامه.
ومحله إذا لم يعين المرأة، أنها لو أشار إلى واحدة، وقال: وكلتك في تعيين هذه للطلاق أو النكاح، أو أشار إلى أربع من المسلمات وقال: وكلتك في تعيين النكاح فيهن كان كالتوكيل في الرجعة حتي يصح علي الصحيح، كذا نقله في "الروضة" من "زياداته" عن "التتمة"، وأقره، ولكن ينبغي أن يعلم أن الطلاق اختيار للنكاح كما ذكره في بابه، فتعيين الزوجة بقوله: للطلاق أو النكاح، يوهم خلافه، ولو عبر بالفراق لكان أصوب.
قوله: لكن ما هو على الفور من الفسوخ قد يكون التأخير بالتوكيل، فيه تقصيرًا. انتهى.
وتعبيره بقوله: قد يكون ليس لتردده في ذلك فافهمه، بل للحكم به مرّة وعدمه أخرى، فإذا اطلع مثلًا على العيب وهو يأكل أو في حمام أو ليل، فإنه لا يلزمه المبادرة ولا التلفظ بالفسخ، فإذا وكل لم يكن تقصيرًا قطعًا.
وإذا حضر عند المالك مثلًا، أو القاضي ولم يفسخ، بل وكل في ذلك كان تقصيرًا كما جزم به صاحب "التتمة" وغيره.
وأما ما يكون على التراخي من الفسوخ كالإعسار بالنفقة وغيره
فواضح.
قوله: نعم يمتنع توكيل الذمي المسلم في أداء الجزية على رأي مذكور في الجزية. انتهى.
تابعه في "الروضة" علي تقييد الوجه بالمسلم، وهو باطل فإن الخلاف ينبني على أن أخذ لحيته وضرب لها ذمه ونحوها واجب أو مستحب.
وإذا قلنا بوجوبه فيمتنع توكيل الذمي كالمسلم لأن التوكيل فيما وجب عليه من عقوبة باطل.
قوله: وفي التوكيل في تملك المباحات كإحياء الموات وجهان. انتهى.
حكاه في "الشرح الصغير" وجهين أيضًا، واعترض عليه في "الروضة" فقال: قلد في حكايتهما وجهين بعض المراوزة وهما قولان مشهوران، وهذا الاعتراض لا يستقيم، فقد قال القاضي أبو الطيب بعد تعبيره بالقولين أنهما مخرجان من القولين في مسألة الاشتراك في البغلة والراوية والاستقاء، وكذا قال القاضي حسين في آخر باب الشركة بعد تعبيره بالوجهين، وقد تقرر أن الخلاف المخرج في الحقيقة معدود من الوجوه.
قوله من "زياداته": قال ابن الصباغ: ولا يصح التوكيل في الالتقاط قطعًا، كما لا يجوز في الاغتنام، فإن التقط أو غنم كان له دون الموكل.
وقال صاحب "البيان": ينبغي أن لا يكون الالتقاط على الخلاف في تلك المباحات.
وما قاله ابن الصباغ أقوى. انتهى كلامه.
وما ذكره هاهنا من ترجيح القطع بعدم الصحة، ولم ينقل خلافه إلا بحثًا عن "البيان"، قد جزم بعكسه في آخر اللقطة، وسأذكر لفظه هناك
إن شاء الله تعالى وجزم الروياني في "البحر" بأنه للملتقط، ولم يخرجه على الخلاف، وهو يقوي ما رجحه النووي هنا، ومثار التردد في الالتقاط أن الالتقاط فيه شائبة الاكتساب، وشائبة الولاية كما ذكره في بابه.
قوله: وإذا قلنا: لا يصح التوكيل بالإقرار، فهل يجعل مقرًا بنفس التوكيل؟ فيه وجهان. . . . إلى آخره.
والأصح أنه يكون مقرًا، ونقله في "الروضة" عن الأكثرين، قال: ولو قال: أقر عني لفلان بألف له على، فهو إقرار بلا خلاف، صرح به الجرجاني وغيره.
قال ابن الرفعة: وإذا صححنا التوكيل، فكيفية الإقرار على ما يقتضيه كلام البندنيجي أن يقول: أقررت عنه بكذا، قال: وصوره بعضهم بأن يقول: جعلت موكلى مقرًا بكذا.
قوله: وأما حدود الله تعالى فلا يجوز التوكيل في أثنائها، لأنها مبنية على الدرء، ويجوز في استيفائها لقوله عليه الصلاة والسلام:"أغديا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"(1). انتهي.
فيه أمران:
أحدهما: أنه يستثنى من حدود الله تعالى مسألة واحدة ذكرها الرافعي في كتاب اللعان والقذف وهي دعوى القاذف، على المقذوف أنه زنا.
الثاني: ما ذكره من أن أنيسًا كان وكيلًا في استيفاء الحد، فيه كلام
(1) أخرجه البخاري (2190) ومسلم (1697) وأبو داود (4445) والترمذي (1433) والنسائي (5410) وابن ماجه (2549) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
مذكور في القضاء، وستقف عليه إن شاء الله تعالى.
قوله في "التهذيب": لو قال: وكلتك ببيع جميع مالي وكان معلومًا، أو قبض جميع مالي وكان معلومًا، أو قبض جميع ديوني، وهى معلومة يجوز.
وهذا التقييد يشعر باشتراط العلم، لكن الأشبه خلافه، فإن معظم الكتب لا تتعرض لذلك. انتهى كلامه.
وما أشعر به كلام الرافعي من الاشتراط، قد صرح به القاضي حسين في "تعليقه" في مسألة البيع، ونقله عنه في "الكفاية".
قوله: ولو قال: بع ما شئت من أموالي أو اقبض ما شئت من ديوني جاز ذكره في "المهذب" و"التهذيب" وفي "الحلية" ما ينازع فيه، فإنه لو قال: بع من رأيت من عبيدي لا يجوز حتي يميز. انتهى كلامه.
والأصح خلاف ما في الحلية، فقد جزم الرافعي بالصحة في آخر الباب الثاني في أوائل المسائل المنثورة، وذكر أنه لابد أن يترك شيئًا، فقال: ولو قال: بع من عبيدي من شئت وأبقي بعضهم ولو واحد، هذا لفظه.
نعم لا يؤخذ من تصحيح الصحة في العبد تصحيحه في الأموال، لأنها أكثر غررًا، ولهذا فصل في "الشامل" هاهنا، فصحح في العبيد دون الأموال.
قوله في المسألة من "زوائده": وهذا المذكور عن "المهذب" هو الصحيح المعروف، قال في "التهذيب": ولا يجوز أن يبيع الكل، ولا أن يقبض الكل.
وأما قول صاحب "الحلية"، ففي "البيان" عن ابن الصباغ نحوه،
فإنه قال: لو قال بع ما تراه من مالي لم يجز، ولو قال: ما تراه من عبيدي. جاز، وكلاهما شاذ ضعيف.
وهذا النقل عن "الحلية" إن كان المراد به "الحلية" للروياني فهو غلط، فإن الذي في "الحلية للروياني": لو قال بع عبيدي هؤلاء الثلاثة من رأيت جاز، ولا يبيع الجميع لأن "منْ" للتبعيض.
ولو وكله أن يزوجه من شاء جاز، ذكره القاضي أبو حامد.
هذا لفظ الروياني في "الحلية" بحروفه. انتهى كلام النووي.
فأما تصحيح الصحة فقد ذكرت لك أن الرافعي قد صرح به في آخر الباب الثاني بالنسبة إلى العبيد.
وأما نقله عن "التهذيب" أنه لا يبيع الكل، فقد سبق لك أيضًا أن الرافعي قد جزم به في الموضع المذكور ثم إن ظاهر كلامه يقتضي أنه مما أجاب به البغوي نفسه، وليس كذلك، بل إنما نقله البغوي عن شيخه القاضي الحسين، ولم يزد عليه فقال: قاله شيخنا، وأما قوله: إن كان المراد "حلية الروياني" فغلط، فإنه باطل، والمراد "حلية الروياني"، وتغليط الرافعي غلط.
فإن المسألة مذكورة في "الحلية" قبيل هذا الكلام الذي نقله بنحو خمسة أسطر، فقال ما نصه: ولو قال: بع من عبيدي من رأيت لم يجز حتي يميز، وكذلك لو قال: اشترِ لي عبدًا من الأتراك لا يجوز حتي يبين لكثرة الجهالة. هذا لفظ "الروياني" في "الحلية" بحروفه.
والعجب من هجومه على تغليط الإمام الرافعي قبل استيعاب الكلام مع ما علمته منه من التحرير والإتقان، وقد صرح الماوردي أيضًا بما قاله الروياني في "الحلية"، والمراد بالرؤية هنا رؤية القلب.
قوله من "زياداته": قال أصحابنا: لو قال: بع هذا العبد، أو هذا لم يصح. انتهى كلامه.
وما نقله في هذه المسألة مشكل، بل ينبغي الصحة.
كما إذا قال: بع أحدهما، وكما تقدم فيما إذا قال: بع من مالي ما شئت.
نعم إن أريد التردد في التوكيل فالبطلان ظاهر، كما لو قال وكلتك إمّا في هذا وإما في هذا، فلا وجه لما نقله إلا حمله على هذا فيتعين الحمل عليه.
قوله: ولا يكفي أن يقول: اشترِ لي شيئًا أو عبدًا، ثم قال: وفي "النهاية" أن صاحب "التقريب" حكى وجهًا أنه يصح التوكيل بشراء عبد مطلق، وهذا الوجه بعيد هاهنا.
وإذا اطرد في شراء شيء كان أبعد. انتهى كلامه.
وهو لا يدل على وقوع طرده ولا على خلافه، وقد حكى الإمام في "النهاية" والغزالي في "البسيط" ترددًا في التوكيل بشراء شيء، تفريعًا على هذا الوجه، وحكاه في "الروضة" عن "البسيط".
قوله: وقول الغزالي في "الوجيز": أو ذكر الثمن، أو لم يذكر نوعه ففيه خلاف إن أراد به ما هو المفهوم من ظاهره، وهو أن يقول: اشترِ لي عبدًا بمائة، ولا يتعرض لكونه تركيًا أو هنديًا، فإثبات الخلاف في هذه الصور بعد الحكم بأنه لابد من ذكر التركي أو الهندي، مما لم يتعرض له الأئمة، ولا ذكر له في "الوسيط". انتهى كلامه.
وقد ذكر هذا الاعتراض أيضًا في "الشرح الصغير"، وكذلك في كتابه "التذنيب"، وليس كما زعم من إنكار الخلاف، فقد ذكر الماوردي في "الحاوي"، وكذلك الغزالي في "البسيط"، ونقله عنه النووي في
"مختصر التذنيب" مستدركًا عليه.
قوله: ومنها: لو وكله بالإبراء فيشترط علم الموكل بقدر الدين، وأما الوكيل فقال القاضي والغزالي: لا يشترط، وقال في "المهذب" و"التهذيب": يشترط، والأشبه الأول. انتهى ملخصًا.
واشتراط علم الوكيل قد قال به أيضًا الماوردي والبندنيجي، ونقله ابن الرفعة عن الجمهور، وإن كانت عبارته ملبسة.
قوله: فإن قلنا: الإبراء إسقاط، صح مع جهل من عليه الحق المبلغ. وإن قلنا: تملك، فلا يصح. انتهى.
هذه المسألة سبق الكلام عليها في الضمان.
قوله: ثم إن قال: ابرأ فلان عن شيء من ديني، أبرأه عن قليل منه. انتهى.
ويعني بالقليل أقل ما ينطلق عليه الاسم، كذا صرح به في "التتمة"، ونقله عنه في "الروضة"، وقال: إنه أصح، والأمر كما قال، وما ذكره ابن الرفعة من أنه يبرئه عما يشاء بشرط أن يبقي شيئًا فغلط.