الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن الرابع: الصيغة
قوله: وأما القبول فإنه يطلق بمعنيين:
أحدهما: الرضى والرغبة فيما فوضه إليه، ويقتضيه الرد.
والثاني: اللفظ الدال عليه.
والقبول بالمعنى الأول معتبرًا، وأما اللفظ فلا يشترط، وقيل: يعتبر، وقيل: يشترط في صيغة العقد لوكيلك دون الإذن كبيع. انتهى.
وما ذكره من اشتراط القبول بمعنى الرضى ليس كذلك، فإنه لو أكرهه حتى تصرف نفذ تصرفه على الصحيح، كما قاله في كتاب الطلاق نظرًا إلى الإذن.
وأيضًا فقد ذكر بعد هذا: أنه لو تصرف غير عالم كان كمن باع مال أبيه ظانًا حياته فبان ميتًا.
واعلم أن الروياني في "البحر" ذكر في البيع قبل باب بيع اللحم كلامًا متعلقًا بمسألتنا فقال: ما معنى قولكم: الوكالة تفتقر إلى القبول ويجوز بيعه قبل القبول؟ .
فإذا كان التصرف جائزًا على كل حال فما فائدة الخلاف؟ قلنا: له فائدتان:
إحداهما: أنه لو كان وكيلًا يقبض دينه من رجل فتمكن الرجل من دفعه إلي الوكيل، ولم يتمكن من دفعه إلى الموكل، نظر إن قبل الوكيل الوكالة فعليه دفع ما عليه له، لأن الوكيل بمنزلة الموكل، وإن لم يقبل الوكالة لم يلزمه الدفع لأنه لم يصر وكيلًا، وهذا قبل مطالبة الوكيل.
فأما إذا طالبه بالدين عن الموكل فيلزمه الدفع، لأن هذه المطالبة جارية مجرى قبول الوكالة، ويحتمل وجوب الدفع إليه قبل المطالبة، لأن الدفع إليه يوجب البراءة.
الفائدة الثانية: إذا كان للوكيل وكيلًا يقبض العارية من فلان فوصل المال إلى يد الوكيل وهو لا يعلم أنه المال الموكل فيه.
فإن كان الوكيل قد قبل الوكالة زال الضمان عن المستعير، وإن لم يكن قد قبلها لا يزول، لأنه لم يصل لصاحبه ولا وكيله، فإن قيل: لمَ لا يزول الضمان كما يصح البيع؟ قيل: لأن الشروع في إثبات البيع يقوم مقام قبول الوكالة والرضى بها، وهذا غير موجود في مسألة الضمان، لأنه لم يعلم أن المال للموكل فيه حتى يجعل قبضه كالرضا بالقبول، هذا آخر كلام الروياني.
قوله: التفريع إن شرطنا القبول، فهل يجب أن يكون على الفور؟ ظاهر المذهب: أنه لا يجب. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على إطلاق ذلك، وتستثني من ذلك صور:
إحداها: إذا وكله في إبراء نفسه، فإنه يصح إن لم يشترط القبول، وهو الصحيح.
قال في "البحر": ولابد أن يبريء في الحال، قال: فلو أخره لم يصح.
الثانية: أن يعين زمان العمل الذي وكل فيه ويخاف فواته، فيكون القبول على الفور.
الثالثة: أن يعرضها الحاكم عليه عند ثبوتها عنده، فيكون أيضًا على الفور كما قاله الماوردي وصاحب "البحر".
واستثنى ابن الرفعة في "الكفاية" الصورتين الأخيرتين.
قوله: وحيث لا يشترط القبول تكفي الكتابة والرسالة، ويجعله مأذونًا في التصرف، وحيث اشترطنا فحكمه كما لو كتب بالبيع، وقطع الروياني في الوكالة بالجواز، انتهى.
استدرك عليه في "الروضة" فقال: قطع الماوردي أيضًا وكثيرون بالجواز وهو الصواب والله أعلم.
ثم ذكر في الطلاق ما يخالفه فقال: فرع: كتب إليه: وكلتك في بيع كذا من مالي أو إعتاق عبدي، فإن قلنا: الوكالة لا تفتقر إلى القبول فهو ككتب الطلاق، وإلا كالبيع ونحوه. انتهى.
ذكر مثله أيضًا في كتاب البيوع من "شرح المهذب" فذكر أولًا أن الصواب "القطع بالاكتفاء" وأن لا يلحق بالبيع، وجزم في الموضعين الأخيرين بإلحاقه به -أعني بالبيع- والمسألة بعد استحضار أن الكتب من الكنايات تبني على قاعدة، وهي أن ما لا يشترط فيه الشهادة، إن قيل: مقصودة التعليق بالغرو كالخلع، فتنعقد بالكتابة مع النية، وإن لم يقبل كالبيع والإجارة ففيه خلاف.
إذا علمت هذا فالتعليق يفسد الوكالة لكن لا يمنع من التصرف، فمنهم من ينظر إلي الأول فيخرجها على الخلاف في البيع، ومنهم من ينظر إلى الثاني فيحرم وهو المتجه، لأن المقصود من الوكالة، فعل الشيء الموكل فيه، والتعليق لا يؤثر فيه كما تقدم، وادعى القاضي أبو الطيب في مسألة الجبر إجماع المسلمين على الصحة.
قوله: في تعليل جواز تعليق الوكالة، لأنها استنابة في التصرف فأشبهت عقد الإمارة، فإنها تقبل التعليق، على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فإن أصيب جعفر فزيد"(1). انتهى.
وهذا الذي ذكره من تقديم جعفر في التأمير على زيد ليس كذلك، بل الصواب وهو المذكور في كتب الأحاديث والسير كسيرة ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيدًا ثم جعفر ثم عبد الله بن رواحة، وقد ذكره الرافعي على الصواب في كتاب الوصية فقال في الكلام على الوصايا ما نصه: ومن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيدًا وقال: إن أصيب زيد فجعفر فإن أصيب فعبد الله بن رواحة.
قوله: ولو نجز الوكالة وشرط للتصرف شرطًا، فإن قال: وكلتك الآن ببيع عبدي هذا، ولكن لا تبعه حتي يجيء رأس الشهر، صح التوكيل بالاتفاق، ولا يتصرف إلا بعد حضور الشرط. انتهى كلامه.
ودعواه الاتفاق ذكره أيضًا في "الشرح الصغير"، وعبر عنه في "الروضة" بقوله: بلا خلاف، وهو غريب، فقد حكى الإمام فيه خلافًا فقال:[ومن العراقيين من ذكر خلاف، وصحح الغزالي في "البسيط" بطلانه فقال: ](2) فهو تعليق فاسد إذ لا معنى لتخير الوكالة مع منع التصرف.
وقال الشيخ أبو محمد: الوكالة صحيحة، وهذا بعيد. هذا لفظه في "البسيط".
وحكى ابن يونس في "التعجيز" هذا الخلاف أيضا.
قوله: قاعدتان إحداهما: إذا أفسدنا الوكالة بالتعليق، فلو تصرف
(1) أخرجه أحمد (22604) و (22619) وابن حبان (7048) والطبراني في "الكبير"(4655) وابن أبي شيبة (7/ 412) والنسائي في "الكبري"(8249) وأبو نعيم في "الحلية"(9/ 16) وابن سعد في "الطبقات"(3/ 46)، وهو حديث صحيح.
لكن الوارد في الحديث تقديم زيد على جعفر رضي الله عنهما.
(2)
سقط من جـ.
الوكيل بعد حصول الشرط صح في أصح الوجهين، لأن الإذن حاصل، وحينئذ فأثر فساد الوكالة أنه يسقط المسمى، إن كان قد سمى له جعلًا، ويرجع إلى أجرة المثل. انتهى كلامه.
وفي "الكفاية" و"المطلب" فائدة أخرى، وهي عدم جواز التصرف، وأن ابن الصباغ استبعد المنع.
قوله: الثانية: إذا قال: وكلتك بكذا، ومهما عزلتك فأنت وكيل. ففي صحة الوكالة في الحال وجهان:
أصحهما: الصحة.
ووجه المنع باشتمالها على شرط التأبيد، وهو إلزام العقد الجائز. انتهى كلامه.
واعلم أن الخلاف يشترط فيه أمران:
أحدهما: أن تكون صيغة الشرط مقتضية للتكرار، وهي كلما بخلاف متى ومهما ونحوها، وهذا الشرط يؤخذ من تعليل الرافعي، لأن متي ومهما ونحوهما لا تقتضي التّأبيد، لأنها لا تقتضي التكرار.
فإذا عزله مرة، فعاد كان له عزله ثانيًا ولا يعود، ولأجل ما قلناه لم يصور المسألة في "المطلب" إلا بكلما.
الثاني: أن يجعل التعليق شرطًا في الوكالة، فيقول: إني كلما عزلتك، أو بشرط كلما عزلتك فأنت وكيلي ونحوه.
وهذا الشرط جزم به في "المطلب" ناقلًا له عن القاضي حسين وغيره.
والتعليل الذي نقلناه عن الرافعي صريح فيه أيضًا، وهو متعين لا شك فيه، وما وقع في الكتاب و"الروضة" مما يوهم مخالفة ذلك، فمحمول على أنه لم يقع عن قصد لتوافق المنقول، ويصان عن فساد
التعليل.
قوله في المسألة: فإذا عزله ففي عوده وكيلًا الوجهان في تعليق الوكالة: أظهرهما: المنع.
فإن قلنا يعود، نظر إن أتى بصيغة لا تقتضي التكرار قوله: إذا عزلتك أو مهما أو متى فإنه لا يقتضى عود الوكالة إلا مرة واحدة.
وحينئذ فطريقه أن يكرر العزل، ولا كلام، كان أتي بصيغة التكرار كقوله: كلما عزلتك. فإنه يقتضي العودة مرة أخرى، فطريق عزله أن يقول: كلما عدت وكيلي فأنت معزول، فإذا عزله ينعزل لتقادم التوكيل والعزل واعتضادنا لأصل، وهو الحجر في حق الغير. انتهى ملخصًا.
ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أنّا إذا قلنا بصحة تعليق العزل على طلوع الشمس وقدوم زيد ونحوهما كيف يعديه إلى تعليقه على التوكيل مع أنه تعليق؟ قبل الملك إذ لا يملك العزل عن الوكالة التي لم تصدر منه فهو كقوله: إن ملكت عبد فلان فهو حر، والمعروف بطلانه.
الأمر الثاني: أن ما تقدم من الحيلة في عزله، وهو التكرار أو التعليق المعتاد للأول، قد خصه الرافعي بالوجه الضعيف القائل بتصحيح الوكالة المعلقة، وليس كذلك، فإن الوكالة الفاسدة يصح التصرف فيها، فيحتاج إلى هذه الحيلة في عزله على الوجهين، ولأجل ذلك ذكرها في "الحاوي الصغير" في أنه لا يفرع على الضعيف.
قوله: والخلاف في قبول الوكالة التعليق جار في أن العزل هل يقبله؟ ولكن بالترتيب والعزل أولى بالقبول، لأنه لا يشترط فيه قبول، وتصحيح إعادة الوكالة والعزل مبني على قبولهما التعليق. انتهى.
ذكره في "الروضة" وفيه أمران:
أحدهما: أنه ليس فيه بيان الصحيح من هذا الخلاف، وحاصله أنا إن صححنا تعليق الوكالة صححنا تعليق العزل، وإن لم نصحح تعليقهما ففي العزل وجهان، والمرجح على ما اقتضاه كلام "المنهاج" تبعًا "للمحرر" تصحيح عدم الانعزال، فإنه لما حكى الوجهين في تعليق الوكالة عبر بقوله: ويجريان في تعليق العزل.
الأمر الثاني: أن ما اقتضاه كلامهما من تصحيح عدم العزل عجيب، فكيف [تنفذ التصرفات والمالك مانع منها لاسيما أن جملة الصيغ أن يقول](1) إذا انقضى الشهر فلا تبع؟ وأيضًا فلأنا لما منعنا تعليق الوكالة رتبنا على التعليق عرض المالك، وهو التصرف، فكيف لا يرتب غرضه في تعليق العزل، وهو المنع الذي هو الأصل؟
قوله: قال الإمام: إذا نفذ العزل وقلنا: تعود الوكالة فلا شك أن العزل ينفذ في وقت وإن لطف ثم ترتب عليه الوكالة] (2).
فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف فهل ينفذ؟ فيه وجهان، وإنما يتضح هذا الغرض والتصوير لو وقع بينهما ترتب زماني، لكن الترتيب في مثل هذا لا يكون إلا عقليًا. انتهى كلامه.
والذي قاله الرافعي غريب، فإن لنا وجهين مشهورين حكاهما هو وغيره في النكاح والطلاق وغيرهما في أن الشرط مع المشروط أو يترتب عليه، وليس المراد الترتيب العقلي، فإنه لا خلاف فيه، بل الترتب الزماني كما صرح به هو وغيره، وبنوا عليه فوائد.
قوله: واعلم أن الخلاف في أن الوكالة هل تقبل التعليق جار في أن العزل هل يقبله؟ ولكن بالترتيب، والعزل أولى بالقبول. انتهى كلامه.
وليس فيه تصحيح، لأن حاصله أنا إن صححنا تعليق الوكالة صححنا
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.