الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحوالة
قوله في "الروضة": وهل الحوالة استيفاء حق كان المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحال عليه، أو بيع؟ وجهان: أصحهما وهو المنصوص: أنها بيع. انتهى ملخصًا.
تابعه عليه في "الروضة" وهو يقتضي أن الشافعيّ لم ينص على الأول، وليس كذلك فقد قال في "الأم" في باب قطاعة المكاتب: ولو كانت للمكاتب على رجل مائة دينار، وحلت عليه لسيده مائة دينار، فأراد أن يبيعه المائة بالمائة لم يجز، ولكن إن أحاله عليه جاز.
ثم قال ما نصه: وليس هذا بيعًا، وإنما هو حوالة، والحوالة غير بيع. هذا لفظ الشافعيّ بحروفه، ومن "الأم" نقلته.
وحينئذ فيكون الخلاف قولين، وقد أشار إليه الرافعي بقوله: وجهان أو قولان.
قوله: وهل يشترط رضى المحتال عليه؟ فيه وجهان: أصحهما: لا.
وعن ابن القاض أن المنصوص عليه في "الأم" أنه لا يشترط. انتهى.
واعلم أن الشيخ أبا إسحاق قد نقل في "التنبيه" عن النص: أنه لا يشترط، فيكون الخلاف حينئذ قولين لا وجهين.
قوله: ولو أحال على من لا دين عليه برضاه، ففي صحة الحوالة وجهان بناهما الجمهور على الأصل المذكور، إن قلنا: إنه اعتياض لم يصح، لأنه ليس على المحال عليه شيء يجعله عوضًا عن حق المحتال، وإن قلنا: استيفاء فيصح، فإنه أخذ المحتال حقه وأقرضه من المحال عليه. انتهى كلامه.
ثم قال بعده بقليل: وهل يبرأ المحيل في هذه الحوالة؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يبرأ على قياس الحوالات.
والثاني -وهو الذى أورده الأكثرون-: أنه لا يبرأ، وقبول الحوالة ممّن لا دين عليه ضمان مجرد. انتهى كلامه.
وهذا الذي نقله عن الأكثرين ثانيًا مخالف لما نقله عنهم أولًا، فإنهم لما صححوا أولا تفريعًا على قول الاستيفاء ومتى وقع الاستيفاء لزمت البراعة فلا يصح منه النص بعد ذلك، والحكم بأنها مجرد ضمان، وهذا الاعتراض وارد أيضًا على "الروضة"، وقد تفطن ابن الرفعة في "الكفاية" لما ذكرناه فقال: إن كلامهم هنا غير مستقيم.
قوله: وتجوز الحوالة بالثمن في مدة الخيار، وعليه في أصح الوجهين لأنه صائر إلى اللزوم.
ثم قال: ولو اتفق فسخ البيع [انقطعت الحوالة لأنها إنما صحت على تقدير إقضاء البيع](1) إلى اللزوم، فإذ لم يقضِ إليه ارتدت الحوالة. انتهى كلامه.
واعلم أن الملك في زمن الخيار موقوف على الأصح في البيع وفي الثمن، فإن تم البيع تبين ملك المشتري للمبيع، والبائع للثمن، وإن لم يتم تبينا أن لا ملك بالكلية، وحينئذ فلا حوالة أصلًا حتى يقال انقطعت، فاعلمه.
فإن كلام الرافعي وكلام "الروضة" يقتضيان خلاف الصواب، وفائدة ما ذكرناه البناء على الحول في الزكاة.
قوله: ولو كان للسيد على مكاتبه دين معاملة فأحال عليه هل يصح؟ قال في "التتمة": يبنى على أنه لو عجز نفسه هل يسقط ذلك الدين؟ . انتهى.
(1) سقط من أ.
والأصح هو الصحة، كذا صححه في "الروضة".
قوله: ومما يدخل في هذا القسم الجعل في الجعالة، والقياس أن يجيء في الجعالة به، وعليه الخلاف المذكور في الرهن به، وفي ضمانه.
والذي أجاب به أبو سعيد المتولى: تجويز الحوالة به وعليه بعد العمل، ومنعهما قبله. انتهى كلامه.
واعلم أن الخلاف الذي ذكره الرافعي في الضمان والرهن، محله بعد الشروع وقبل الفراغ، والأصح فيه عدم الصحة، فإن كان قبل الشروع لم يصح جزمًا، وإن كان بعد الفراغ صح جزمًا، ومراد المتولي بما بعد العمل هو الفراغ.
إذا علمت ذلك ففيه أمران:
أحدهما: أن النووي في "الروضة" قد قال: قلت: قطع الماوردي بالمنع مطلقًا والله أعلم.
وما ذكره يقتضي إما المنع بعد العمل عند الماوردي وهذا لا يمكن، وإما أن يكون قد اعتقد أن المتولي أجاب بعد الشروع، وليس كذلك.
الأمر الثاني: أن هذا التخريج الذي ذكره الرافعي، قد رده في "المطلب" فقال: الحق المنع، لأن الجعل إنما يثبت بعد الفراغ من العمل، والحوالة إما معاوضة وإما استيفاء، وكلاهما لابد أن يعتمد ثانيًا، والدين لم يثبت بعد، وخالف الضمان والرهن لأنه وثيقة والتوثيق يقصد عند وجود السبب الملزم لتحصل النقدية عند الاستحقاق، ولهذا جوز مقرونًا بأحد شقي العقد كما إذا اشتريت منك كذا بكذا، ورهنتك هذا ثمنه.
قوله نقلًا عن "التتمة": ولو أحال من عليه الزكاة الساعي على إنسان جاز، إن قلنا: الحوالة استيفاء.
وإن قلنا: اعتياض، لم يجز لامتناع أخذ العوض عن الزكاة. انتهى
كلامه.
لم يبين هو ولا النووي ولا ابن الرفعة صورة المسألة ويتعين تصويرها بما إذا تلف النصاب بعد التمكن، فإن كان باقيًا فلا دين حتى يحال به، لأن الزكاة تجب في العين.
قوله: القسم الثاني: الدين اللازم فيجوز الحوالة به وعليه. . . . إلي آخره.
واعلم أن الرافعي قد ذكر قبيل هذه المسألة وبعدها في الكلام على ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن: أنه لا يكفي لصحة الحوالة لزوم الدين، بل لابد فيه من الاستقرار، لأن دين المسلم لازم، مع أن أصح الأوجه أنه لا تصح الحوالة به، ولا عليه.
واستدركه أيضًا في "الروضة" هنا، وما أطلقناه من اشتراط الاستقرار لا يستقيم، لأن الأجرة قبل الدخول والموت، والثمن قبل قبض المبيع ونحو ذلك غير مستقرة.
كما صرحوا به، فالأول في الزكاة، والثاني في الصداق، والثالث في هذا الباب.
ومع ذلك تصح الحوالة بها وعليها عندهم، حتي قال في "المطلب": إنه لا شك فيه، وصار ضرر هذه الزيادة أكثر من نفعها.
نعم يكفي في إخراج السلم أن يقال: يصح الاستبدال عنه، أو يقال: لا يتطرق إليه السقوط بتعذره في نفسه، وعبر في "الكفاية" بالأول، وفي "المطلب" بالثاني.
قوله في أصل "الروضة": الشرط الثالث: اتفاق الدينين، فيشترط اتفاقهما جنسًا وقدرًا وحلولًا وتأجيلًا وصحة وتكسيرًا وجودة ورداءة، وفي وجه تجوز الحوالة بالقليل على الكثير، وبالصحيح على المكسر
وبالجيد على الرديء، وبالمؤجل على الحال، وبالأبعد أجلًا على الأقرب، وكأنه تبرع بالزيادة. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره من حكاية هذا الوجه من جواز الحوالة بالصحيح على المكسر، وبالجيد على الرديء غلط على العكس [مما ذكره الرافعي، فإنه قال: الثالثة في اشتراط تساويهما في الحلول والتأجيل](1) وجهان:
أصحهما: الاشتراط.
والثاني: يجوز أن يحيل بالمؤجل على الحال أن للمحيل أن يعجل ما عليه، فإذا حال به على الحال فقد عجل، ولا يجوز أن يحيل بالحال على المؤجل.
ثم قال: ولو كان لأحدهما صحيحًا والآخر مكسرًا، فلا حوالة بينهما على الوجه الأول، وعلى الثاني يحال بالمكسر على الصّحيح، ويكون المحيل متبرعًا بصفة الصحة، ولا يحال بالصحيح على المكسر، ولا كان المحتال تاركًا لصفة الصحة، ويخرج على هذا حوالة الأردأ على الأجود.
هذا كلامه وتعليله، فانعكس على النووي في بعض الأمثلة دون بعض، وذكر التعليل على حاله.
الأمر الثاني: أن الإمام والغزالي قد حكيا وجهًا ثالثًا.
أنه يجوز أخذه عنه، وأشار الرافعي لهذا الوجه، وحذفه النووي فلم يذكره في "الروضة".
قوله: ولو صالح مع أجنبي عن دين على عين، ثم جحد الأجنبي وحلف، فهل يعود إلى من كان عليه الدين؟
(1) سقط من أ.
قال القاضي حسين: نعم، ويفسخ الصلح وعن حكاية الشيخ أبي عاصم: أنه لا يعود. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح هو قول القاضي، كذا قال في "الروضة".
الثاني: أن صورة هذه المسألة أن يصالح لقطع النزاع.
وإن كان المدعى عليه منكرًا إذا اعترف الأجنبي.
وإن صالح لنفسه فهو ابتياع الدين من غير من عليه.
والأصح عند الرافعي وعند النووي في بعض كتبه: أنه لا يصح كما سبق بيانه في البيع.
قوله: ولو أحال المشتري البائع بالثمن على رجل، ثم اطلع على عيب قديم بالعبد فرده، ففي بطلان الحوالة طرق:
أحدها: قولان: أظهرهما عند ابن كج والغزالي وغيرهما: البطلان، وهما مبنيان على أنهما بيع أو استيفاء، إن قلنا: استيفاء بطلت أو بيع فلا.
والطريق الثاني: القطع بالبطلان، وبه قال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وابن أبي سلمة.
والثالث: عكسه، وبه قال صاحب "الإفصاح". انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الأصح من الطرق هي طريقة القولين، على خلاف ما يشعر به كلامه هنا، فقد صححها في "الشرح الصغير" وجزم بها في "المحرر" وتبعه عليه النووي في "المنهاج"، ولم يصحح في "الروضة" شيئًا من هذه الطرق، ولا حكى أيضًا ترجيحًا عن غيره كما حكاه هنا.
الأمر الثاني: أن الراجح في المسألة من حيث هو لا يؤخذ من كلامه هنا، فإنه نقل ترجيح أحد القولين تفريعًا على طريقة لم يصححها وهي
طريقة إثبات القولين، ثم إنه أيضًا عارض ظاهر ذلك الترجيح بظاهر مقتضى البناء، فإن مقتضاه عدم البطلان، فقد صحح في "الشرح الصغير" و"المحرر"، والنووي في "زياداته" فقال: قلت: المذهب البطلان. وصححه في "المحرر" والله أعلم.
وحاصله أنه في "الروضة" بين الأصح في المسألة، ولم يبين الأصح من الطرق، وكثيرًا ما يفعل ذلك.
قوله في "الروضة": فرع: قال ابن الحداد: إذا أحالها بصداقها، ثم طلقها قبل الدخول لم تبطل الحوالة، وللزوج مطالبتها بنصف المهر، قال من شرح كتابه: المسألة تترتب على ما إذا أحال المشتري البائع، فإن لم تبطل هناك فهنا أولى، وإلا ففي بطلانها في نصف الصداق وجهان.
والفرق: أن البطلان سبب حادث لا يستند إلى ما تقدم بخلاف الفسخ، ولأن الصداق أثبت من غيره، ولو أحالها ثم انفسخ النكاح بردتها أو يفسخ أحدهما بعيب، لم تبطل الحوالة على الأصح أيضًا، ويرجع الزوج عليها في صورة البطلان بنصف الصداق وبجميعه في الردة والفسخ، وإذا قلنا بالبطلان فليس له مطالبة المحال عليه، ويطالب الزوج بالنصف في الطلاق. انتهى كلامه.
وتعبيره في آخر كلامه بقوله: (فليس له) غلط وصوابه "فليس لها" أي للمرأة، وأيضًا فقوله: قبله على الأصح أيضًا إنما يستقيم التعبير بلفظة أيضًا، وكلام الرافعي في الموضعين على الصواب، فإنه جمع المسألتين، وصحح فيهما معًا، وعبر بقوله:(فليس لها) فاعلمه.
قوله: صورة المسألة أن يبيع عبدًا، ويحيل غريمه بالثمن على المشتري، ثم يتصادق المتبايعان على جزء الأصل، فإن وافقهما المحتال أو قامت بينة إمّا بإقامة العبد أو بأن شهدت حسبة بطلت الحوالة.
ثم قال بعد ذلك: قال صاحب "التهذيب": ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان لأنهما كذباها بالدخول في البيع وكذلك ذكره القاضي الروياني انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن ما نقله هنا عن البغوي والروياني، قد قال به أيضًا البندنيجي وابن الصباغ، وهو الموافق لقاعدة ذكرها الإمام في الضمان، وهو أن من أقدم على عقد كان في ضمنه الاعتراف، بوجود شرائطه حتي لا يسمع منه خلاف ذلك، وجزم به أيضًا الرافعي في "الشرح الصغير"، وكذلك النووي في "الروضة" لعدم وقوفهما هنا على [خلافه](1)، وذكر هنا بعده ما يوافقه أيضًا كما ستعرفه، والصحيح المنصوص في "الأم" خلافه.
وممن قال به أيضًا الروياني على خلاف ما قاله هنا، وقد ذكر الرافعي ذلك في آخر كتاب الدعاوى قبيل باب دعوي النسب بنحو ورقة فقال: فيما جمع من فتاوي القفال وغيره: أنه لو باع دارًا أو ادعى أنها وقف أن العراقيين قالوا: تسمع بينته إذا لم يكن صرح بأنها ملكه، بل اقتصر على البيع، وأن الروياني قال: إذا باع شيئًا، ثم قال: بعته وأنا لا أملكه، ثم ملكته بالإرث، إن قال حين باع: هو ملكي لم تسمع دعواه ولا بينته.
وإن لم يقل ذلك بل اقتصر على قوله: بعتك، سمعت دعواه، فإن لم يكن له بينة حلف المشتري أنه باعه وهو ملكه.
قال: وقد نص عليه في "الأم"، وغلط من قال غيره، وكذا لو ادعى أن المبيع وقف عليه، هذا كلام الرافعي، وتبعه عليه في "الروضة"
(1) سقط من أ، جـ.
[وهو صريح في مخالفة المذكور هنا وذكر في "الروضة"(1) من "زوائده" في آخر الباب الثالث من أبواب الإقرار ما يوافقه أيضًا فقال: قال القاضي أبو الطيب في آخر الغصب: لو باع دارًا ثم ادعى أنها كانت لغيره باعها بغير إذنه، وهي ملكه إلى الآن، وكذبه المشتري، وأراد أن يقيم بينة بذلك، فإن قال: بعتك ملكي أو داري، أو نحو ذلك مما يقتضي أنها ملكه لم تسمع دعواه، وإلا سمعت. هذا كلامه.
الأمر الثاني: أن ما قاله في المتبايعين من كونه لا يتصور منهما إقامة هذه البينة، إن عنى به أنه يستحيل منهما شرعًا طلب أداء الشهادة، فهو محال، بل طلبه جائز مثاب عليه لما يترتب عليه من الحرية، وإن كان عاصيًا أو لا يبيعه.
وإن عنى به أنه يمنع صحة الشهادة، فباطل أيضًا قطعًا، لأن ما تسمع فيه شهادة الحسبة يكون وجود الدعوى فيه كعدمها، وإن أراد أن المحال عليه إذا أراد أن يدفع عنه طلب المحتال بهذه البينة، فإنه لا يقيده، فإرادته به صحيحة، غير أن هذا اللفظ لا إشعار له بذلك، ثم إنه يبقي السؤال في جانب المحيل، فيقال بأنه كيف يستحيل إقامة البينة على الحرية عند إنكار المشتري مع أنه لا يثبت له بإقامتها حقًا، بل هو معترف للمحتال بأن حقه باق عليه.
الأمر الثالث: أن ما قاله في المتبايعين بتقدير صحته باقي أيضًا في العبد، لأنه إن لم يعترف بالرق حال البيع، بل سكت فالقول قوله بلا بينة وهو واضح.
فإن اعترف بها كان مكذبًا لبنيته بالصريح، وهو أقوي من التكذيب الموجود في المتبايعين، وهو الدخول في البيع، وما يتخيل من أن الحرية حق لله تعالى، فتسمع فيها بينة العبد مع التكذيب، فهو بعينه موجود في المتبايعين.
(1) سقط من جـ.
نعم تتصور المسألة بما إذا كان العبد صغيرًا حال البيع ثم بلغ، وادعى.
الأمر الرابع: إذا اعترف المتبايعان بالحرية عتق العبد من غير توقف على تصديق المحتال، وحينئذ فلا تسمع دعوى العبد ولا بينته، فكيف يأتي ما يقوله الرافعي، وذكر ابن الرفعة في "الكفاية" هذا الإشكال، ثم قال: ووقفت في تعليق القاضي أبي الطيب على تصوير المسألة بما إذا وقع التصادق بعد بيعه لآخر، قال: فإن كان إطلاق الأصحاب محمول على هذه الصورة، فقد اندفع الإشكال، فإن العبد والحالة هذه لا يحكم بحريته.
قوله في المسألة: فإن نكل المحتال حلف المشتري، ثم إن جعلنا اليمين المردودة كالإقرار بطلت الحوالة، وإن جعلناها كالبينة فالحكم كما لو حلف، لأنه ليس للمشتري إقامة البينة. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن المشتري إنما يحلف إذا كان قد ادعى ذلك، والمعنى الذي ذكره الرافعي في عدم قبوله البينة منه، هو بعينه يأتي في الدعوى.
الثاني: وقد ذكره ابن الرفعة في "الكفاية": أنا إذا قلنا بما قاله من أن المشتري ليس له إقامة البينة فينبغي أن لا يحلف إذا جعلنا اليمين المردودة كالبينة، كما ذكره الأصحاب في غير هذا الموضع، لأنه لا يترتب عليه فائدة، فلا معنى له حينئذ، والرافعي جازم بخلافه.
الثالث: أن دعواه أنا إذا جعلناها كالبينة تكون كما لو حلف -يعني المحتال- يظهر أنه سهو، وأن صوابه كما لو لم يحلف -أي المشتري- على عكس ما قاله.
وذلك لأنه المحتال والحالة هذه قد امتنع من اليمين المتوجهة عليه، وتعذر ترتيب الحكم علي يمين المدعى، فيجيء فيه الخلاف فيما إذا كان
الحق للمسلمين أو الفقراء، أو غير ذلك من نظائره هل يحبس المدعى عليه أو يقضى عليه بالنكول؟ وأما جعل يمين المشتري مغنية عن يمين المحتال والحالة هذه فلا يعقل.
قوله: وإن اتفقا على جريان لفظ الحوالة، وقلت: أردت به التسلط بالوكالة، وقال زيد: بل أردت حقيقة الحوالة فوجهان، ذهب المزني وأكثر الأصحاب: إلي أن القول قولك مع يمينك.
ثم قال: وعن القاضي حسين القطع بتصديق زيد، وحمل كلام المزني على ما إذا اختلفتما في أصل اللفظ. انتهى كلامه.
وما نقله عن القاضي من القطع وتأويل كلام المزني، مخالف للمذكور في "تعليقه"، فإن المذكور فيها تصحيح ذلك لا القطع.
قوله في المسألة: وموضع الوجهين ما إذا كان اللفظ الجاري بينكما: أحلتك بمائة على عمر، فأمّا إذا قال: أحلتك بالمائة التى لك على بالمائة التى لي على عمرو، فهذا لا يحتمل إلا حقيقة الحوالة، فالقول قول زيد بلا خلاف. انتهى كلامه.
تابعه في "الروضة" على دعوي نفي الخلاف في هذه الصورة وعبر بقوله: قطعًا، وليس كما زعماه، بل في "النهاية": أن بعضهم جعل هذا وجهًا ثالثًا، ثم خالفه الإمام ورأى الجزم بجعله حوالة.
قوله: التفريع إن جعلنا القول قولك فحلفت، نظر إن قبض زيد ما على عمرو برئت ذمة عمرو لتسليمه ما عليه إلى الوكيل أو المحتال، وحكي الإمام وجهًا ضعيفًا عن رواية صاحب "التقريب": أنه لا يبرأ. انتهى كلامه.
وهذا الوجه الذي حكاه، قد أنكر عليه في "المطلب" وقال: لم أرَ في كلام الإمام ما يدل عليه.
قوله: ومنها لك على رجلين مائة على كل واحد خمسون وكل واحد ضامن عن صاحبه، فأحلت شخصًا عليهما، على أن يأخذ المحتال من كل واحد الخمسين جاز، ويبرأ كل واحد عما ضمن، وإن أحلت عليهما بالمائة على أن يأخذها من أيهما شاء، فعن ابن سريج فيه وجهان، وجه المنع: أنه لم يكن له أولًا مطالبة واحد، فلا يستفيد بالحوالة زيادة قدر وصفة. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنه لم يصحح في "الروضة" شيئًا منهما أيضًا، وقد صحح القاضي أبو الطيب المنع للتعليل المذكور، لكن الأصح عند الشيخ أبي حامد: هو الجواز، لأنه لا زيادة في القدر ولا في الصفة، وصححه أيضًا الجرجاني، وقال المحاملي والروياني: إنه الأشبه.
الثاني: أن تعبيره في أوائل المسألة بالخمسين أي بأل الدالة على العهد، وهي التي بطريق الأصالة ليس بشرط فتأمله.
وقد بقي قسم آخر، وهو ما إذا أحال على بخمسين، فهل ينصرف إلى الأصلية، أو يوزع أو يكون كوفاء الدين حتى يرجع على المحيل فيما أراده؟
فإن لم يرد شيئًا صرفه ببينته فيه نظر، وفائدته فكاك الرهن الذي على أحدهما.
الثالث: أنه لا فرق بين أن يشترط مطالبة أيهما شاء أم لا، كما أشار إليه القاضي أبو الطيب، ولهذا صور المسألة بالإطلاق، والرافعي مثل ذلك للاحتراز عما إذا شرط أن يأخذ من كل واحد خمسمائة.