المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٥

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيع

- ‌ الأول: في صحته وفساده

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الفساد بجهة الربا

- ‌ في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة

- ‌ في معرفة الجنسية

- ‌الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي

- ‌القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد

- ‌ القسم الثاني من المناهي ما لا يدل على الفساد

- ‌الباب الرابع: من جهة تفريق الصفقة

- ‌ الثاني في لزوم العقد

- ‌ الثالث في حكم العقد قبل القبض وبعده

- ‌ الرابع من كتاب البيع…في موجب الألفاظ المطلقة

- ‌اللفظ الثاني: البستان

- ‌اللفظ الثالث: الدار

- ‌اللفظ الرابع: العبد

- ‌اللفظ الخامس: الشجر

- ‌اللفظ السادس بيع الثمار

- ‌باب معاملات العبيد

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌باب السلم

- ‌كتاب الرهن

- ‌الباب الأول: في أركانه

- ‌الباب الثاني: في القبض والطوارئ قبله

- ‌الباب الثالث: في حكم المرهون بعد القبض

- ‌الباب الرابع: في النزاع بين المتعاقدين

- ‌كتاب التفليس

- ‌الحكم الأول: منع التصرف

- ‌الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته

- ‌الحكم الثالث: حبسه

- ‌الحكم الرابع: الرجوع إلى عين المبيع

- ‌كتاب الحجر

- ‌كتاب الصلح

- ‌الفصل الأول في أركانه

- ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

- ‌الفصل الثالث في التنازع

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب الضمان

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني فيما يترتب على الضمان الصحيح

- ‌كتاب الوكالة

- ‌الباب الأول في أركانها

- ‌الركن الأول: ما فيه التوكيل

- ‌الركن الثاني: الموكل

- ‌الركن الثالث: الوكيل

- ‌الركن الرابع: الصيغة

- ‌الباب الثاني في أحكام الوكالة

- ‌الحكم الأول: صحة التصرف إذا وافق الإذن

- ‌الحكم الثاني: العهدة

- ‌الحكم الثالث: الجواز من الجانبين

- ‌الباب الثالث في الاختلاف

- ‌كتاب الإقرار

- ‌الباب الأول في أركانه

- ‌الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

- ‌الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يرفعه

- ‌الباب الرابع في الإقرار بالنسب

الفصل: ‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

‌الفصل الثاني في النزاع على الحقوق

قوله: فإن لم يضر إخراج الجناح، فلا منع منه. انتهى.

اعلم أن عدم المنع خاص بالمسلم، فقد قال في "الروضة" في أثناء باب أوله ومن المهمات المستفادة أن أهل الذِّمَّة يمنعون من إخراج الأجنحة إلى شوارع المسلمين النافذة، وإن جاز لهم استطراقها، لأنه كإعلائهم البناء على بناء المسلم أو أبلغ، قال: هذا هو الصّحيح، وذكر الشاشي في جوازه وجهين.

قوله: وقال أبو حنيفة: الاعتبار بالضرر وعدمه في إخراج الجناح، ولكن إن خاصمه إنسان فيه نزع، وإن لم يضر وإلا ترك.

وقال أحمد: لا يجوز إنتزاعه بحال إلا إذا أذن فيه الإمام، لنا اتفاق الناس عليه، وأيضًا فإن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابًا في دار العباس (1)، وقس الجناح عليه. انتهى.

وهذا الدليل الثاني ليس فيه رد على أبي حنيفة، ولا على أحمد، أما أبو حنيفة فلأنه لا يقول بمنع النصب كما تقدّم، وأمّا أحمد، فلأنه إنما يمنع عند عدم إذن الإمام، وفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم له آكد وأبلغ من الإذن فيه.

قوله: مع الكنسة المنصوبة على رأس المحمل. . . . إلى آخره.

الكنسة بفتح الكاف وكسر النون المخففة هي الأعواد المرتفعة على

(1) أخرجه أحمد (1790) والحاكم (5428) وعبد الرزاق (15264) والبيهقي في "الكبري"(11145).

قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن هشام بن سعد لم يسمع من عبيد الله. وقال الألباني: ضعيف.

ص: 453

المحمل، المعدة لأن يوضع عليها السترة التي تقي من الحر والبرد، وسترة الراكب.

قال الجوهري: كنس الظبي يكنس بالكسر وتكنس على وزن تكلم أي دخل في كناسه وهو موضعه في السحر يكن فيه ويستتر.

قوله: وفي جواز نصب الدكة وغرس الشجر عند عدم الضرر وجهان، أقواهما: المنع.

قال: لأن المكان المشغول بالبناء [والشجر لا يتأتى فيه الطروق، وقد يتزاحم المارة، وأيضًا فإنه إذا طالت المدة اشتبه مكان البناء](1) والغراس الأملاك وانقطع أثر استحقاق الطروق فيه. انتهى.

فأمّا الدّليل الأول: فينتقض بغرس الشجرة في المسجد، فإنه جائز مع الكراهة كما هو مذكور في آخر شروط الصلاة من "زيادات الروضة"؛ وأمّا الثاني فينتقض بفتح الباب المستمر إلى الدرب الذي لا ينفذ، فإنه رجح الجواز كما سيأتى والدكة هي المسطبة المرتفعة.

قال الجوهري: والدكة والدكان ما يجلس عليه.

قوله: ولو أشرع جناحًا [لا ضرر فيه، ثم انهدم أو هدمه فأشرع آخر في محاذاته جناحًا](2) لا يمكن معه إعادة الأول جاز، كما لو قعد في طريق واسع، ثم انتقل عنه يجوز لغيره الارتفاق به، ولك أن تقول: المرتفق بالقعود لمعاملة لا تبطل حقه بمجرد الزَّوال عن ذلك الموضع، وإنما تبطل بالسفر والإعراض عن الحرفة، كما سيأتي في إحياء الموات، فقياسه أن لا يبطل حقه لمجرد الانهدام والهدم، بل يعتبر إعراضه عن ذلك الموضع ورغبته عن إعادته. انتهى كلامه.

وهذا الاعتراض الذي [ذكره](3) الرافعي اعتراض صحيح، واعترض

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

(3)

في جـ: اعترضه.

ص: 454

عليه في "الروضة" فقال: قلت: إنما قاسه كثيرون على ما إذا وقف في الطريق، ثم فارق موقفه أو قعد للإستراحة أو نحوها، فلا يردّ اعتراض الإمام الرافعي. هذا لفظه.

وهو اعتراض عجيب، وذلك لأنه لا يصح القياس على القاعد للاستراحة ونحو ذلك كما فهمه النووي، لأن ما نحن فيه للدوام بخلاف ما ذكره، فتكون المسألة شبيهة بالقاعد للمعاملة، وبتقدير أن يريدوا ما ذكره يقول الرافعي لهم: ليس نظير ما ذكرتموه، ويذكر ما ذكره فسؤال الرافعي، وأراد على كل تقدير، ويلزمهم أن يفرقوا، وفرق في "المطلب": بأن إشراع الجناح إنما كان بطريق البيع لاستحقاق الطروق، وعند السقوط استحقاق الطروق ثابت لكل من المسلمين، فكذلك من سبق إليه كان أحق به لمشاركته في السبب، والانتفاع بالمقاعد ليس بيعًا لغيره، فكذلك من سبق إليه كان أحق به ما لم يعرض، وهذا الفرق ظاهر الضعف، وقول النووي:(إنما قاسه كثيرون على كذا وكذا) فغير مسلم به، بل صرحوا بالقياس على ما ذكره الرافعي، ومنهم الشاشي في "المعتمد" باللفظ الذي ذكره الرافعي بعينه، ومنهم صاحب "البحر" وغيره.

قوله في أصل "الروضة" والشوارع منفكة عن الملك والاختصاص، ثم قال: قال الإمام: ومصير الموضع شارعًا له صورتان.

إحداهما: أن يجعل الرَّجل ملكه شارعًا وسبيلًا.

والثانية: أن يجيء جماعة بلدة أو قرية وتركوا مسلكًا نافذًا من الدور والمساكن، ويفتحوا إليه الأبواب، ثم حكى عن شيخه ما يقتضي صورة ثالثة، وهو أن يصير موضع من الموات جادة يستطرقها الرفاق، فلا يجوز تغييره، وإن كان يتردد في ثنيات الطريق التي يعرفها الخواص ويسلكونها.

قال الإمام: ولا حاجة إلي لفظ في مصير ما يجعل شارعًا. انتهى

ص: 455

كلامه.

وما حكاه عن الإمام ظاهره أنه راجع إلي الصور الثلاثة وليس كذلك، بل هو راجع إلى الصورتين الأخيرتين، وعدم اشتراط اللفظ فيهما ظاهر، وأما الأولى فلابد فيها من لفظ يقتضي إخراج الملك عنه، وصيرورته وقفًا بلا نزاع على قاعدة أوقاف الأملاك.

وقد نبه عليه مع وضوحه ابن الرفعة في "المطلب"، وثنيات بالمثلثة المضمومة جمع ثنية مصغرًا.

قوله: ولا يجوز لأهل السكة إخراج الجناح إلا برضاهم، وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه: يجوز إذا لم يضر.

ثم قال: وشركة كل واحد تختص بما بين رأس السكة وباب داره، وقيل: الشركة في جميعها لجميعهم.

وتظهر فائدته على قول الشيخ أبي حامد في أن مستحق المنع إذا أضر الجناح من هو، لكنهم لم يذكروه. انتهى ملخصًا.

وما قاله الرافعي من عدم ذكرهم له عجيب، فقد ذكره صاحب "التهذيب"، واستمداد الرافعي من كلامه، وذكر في "الروضة" أيضًا هذا الاعتراض فقال: هذا من أعجب العجب، فقد ذكره صاحب "التهذيب" مع أن معظم نقل الرافعي منه ومن "النهاية".

قوله: ولو قال: أفتح إليها بابًا للاستضاءة دون الاستطراق، أو أفتحه وأسمره فوجهان:

أصحهما عند الكرخي: لا يمنع. انتهى.

قال في "الروضة": صححه أيضًا العمراني، قال: وصحح الجرجاني والشاشي: أنه لا يجوز، ثم قال -أعني النووي- في الروضة: إن الأفقه المنع، ولم يذكر ترجيحًا له غيره، وصحح الرافعي

ص: 456

في "المحرر" الخيار وعبر بالأظهر، وصححه أيضًا النووي في "المنهاج"، و"تصحيح التنبيه"، وعبارة "الشرح الصغير" فيه مثل عبارة "الكبير"[وبالجملة فالنووي على الجواز، فقد نقله ابن جرير الطبري عن الشافعيّ](1).

قوله: ولو كان له باب في السكة فأراد أن يفتح آخر أبعد من أولها فشريكه إن كان فوقه فله المنع، وإن كان تحته ففيه الخلاف في كيفية الشركة. . . . إلى آخره.

أهمل رحمه الله قسمًا ثالثًا، وهو أن يكون تحت شريكه مقابلًا لبابه لا فوقه ولا تحته، وحكمه حكم من هو أقرب إلى رأس السكة ففيه الوجهان، كذا قاله الإمام ونقله عنه في "الروضة"، وهو ظاهر، لكنه عبر هو والرافعي هنا عن الباب القديم الذي للفاتح بالباب المفتوح فافهمه، فإنه قد يتوهم منه أن المراد بالمفتوح الباب الجديد، وليس كذلك، فإنه لو أراد ذلك لكان المنع متفقًا عليه.

قوله: ولو كان له داران ينفذ باب أحدهما إلي الشارع، وباب الأخرى إلي سكة مفسرة فأراد فتح باب من أحدهما إلي الأخرى، فليس لأهل السكة المنع في أظهر الوجهين، ولو كان باب كل واحدة في سكة غير نافذة، جري الوجهان أيضًا لأهل السكتين معًا.

كذا نقل الإمام، ثم قال: واعلم أن موضع الوجهين فيما إذا سد باب إحدى الدارين، وفتح الباب بينهما لغرض الاستطراق.

أما إذا قصد اتساع ملكه ونحوه فلا يمنع. انتهى كلامه.

وفيه أمور نبه عليها في "الروضة":

أحدها: أن دعوى اختصاص الخلاف إذا سد باب إحداهما خطأ،

(1) سقط من جـ.

ص: 457

قال: بل الصواب جريان الوجهين إذا بقي البابان نافذين، وكل الأصحاب مصرحون به.

نعم إن أراد إزالة الحائط الذى بينهما وجعلهما دارًا واحدة وترك بابيهما على حاليهما جاز قطعًا، وممن نقل الاتفاق عليه القاضي أبو الطيب في "تعليقه".

فالصواب أن يقال: موضع الوجهين ما إذا لم يقصد اتساع ملكه.

الثاني: أن تعبيره بقوله: هكذا نقله الإمام يوهم الخلاف، والوجهان مشهوران للأصحاب.

الثالث: أن دعواه أن الأظهر الجواز، تابع فيه لصاحب "التهذيب"، والجمهور على ما نقله أصحابنا العراقيون على المنع، بل نقل القاضي أبو الطيب الاتفاق عليه، ثم قال: وعندي أنه يجوز، هذا كله هو معني كلام "الروضة".

قوله: وذكر الإمام أنه لو فتح من لا باب له في السكة بابًا برضى أهلها كان لأهلها الرجوع متى شاؤوا ولا يلزمون بالرجوع شيئًا بخلاف ما لو أعار الأرض للبناء ثم رجع، فإنه لا يقلع البناء مجانًا، وهذا لم أجده لغيره، والقياس أن لا فرق. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على أنه لا فرق بينهما، قال في "المطلب": والفرق واضح لأنه هنا بنى في ملكه، والبني باقٍ بحاله لا يزال، فلا غرم بخلاف البناء على الأرض، فإن المعير يقلع فغرم الأرش لذلك.

وما [ذكره](1) في "المطلب": صحيح إذا فرعنا على أنه يجوز إحداث باب في ملكه لغير الاستطراق.

فإن قلنا: لا يمكن منه، كان له مطالبته بسده، وحينئذ فتتجه التسوية

(1) سقط من جـ.

ص: 458

بين المسألتين.

قوله: فرع: قال القاضي الروياني في "البحر": إذا كان بين داريه طريق نافذ فحفر تحته سردابًا من إحداهما إلى الأخرى، وأحكم بالأزج لم يمنع.

قال: وبمثله أجاب الأصحاب فيما إذا لم يكن نافذًا، لأن لكل أحد دخول هذا الزقاق كمطروق الدرب النافذ.

وغلط من قال بخلافه، وهذا اختيار منه، لكونها في معني الشارع، والظاهر خلافه، انتهى كلامه.

وما نقله الرافعي عن "البحر" غير نافذ، قد غلط فيه عليه فإنه لا ذكر له فيه، بل فيه وفي "الحلية" له ترجيح المنع، وعبر في "البحر" بقوله: والأقيس، وفي "الحلية" بقوله: ظاهر المذهب.

وقد تبع النووي الرافعي على هذا الغلط، ثم بعد ذلك أنكر على الروياني مقالته اعتقادًا منه صحة ما نقله الرافعي فقال من "زياداته": وأمّا تجوز الروياني في ذلك فيما إذا لم يكن الطريق نافذًا، ونقله ذلك عن الأصحاب فضعيف، ولا يؤخذ ذلك في كتب معظم الأصحاب، ولعلّه وجده في كتاب أو كتابين، فإني رأيت له مثل ذلك كثير، هذا كلام النووي، وقد علمت أن الغلط منهما لا من الروياني.

قوله: والجدار المخصوص بأحد المالكين هل للآخر وضع الجذوع عليه من غير إذن مالكه؟ القديم: الجواز لما روي عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره"، قال: فنكس القوم رؤسهم، فقال أبو هريرة: ما لكم عنها معرضين، والله لأضعن بها بين أكتافكم" (1) أي لأضعن هذه السُّنة.

(1) أخرجه مالك (1430) والبخاري (2331) ومسلم (1609).

ص: 459

والجديد: المنع، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه"(1).

ويشترط على القديم ألا يحتاج مالك الجدار إلي وضع الجذوع عليه، وألا يزيد الجار في ارتفاع الجدار، ولا يبني عليه أزجا وهو العقد، ولا يضع عليه ما لا يحتمله أو يضره، وألا يملك شيئًا من جدار البقعة التي يريد تسقيفها، أو لا يملك إلا جدارًا واحدًا، فإن ملك جدارين فليسقف عليهما، وصاحب "النهاية" لم يعتبر هذا الشرط هكذا، بل قال: الشرط أن تكون الجوانب الثلاثة للجار، فإن كان الجميع للغير لم يصح قولًا واحدًا.

ثم نقل عن بعض الأصحاب: أنه لم يعتبر هذا الشرط، واعتبر في "التتمة" مثل ما ذكر الإمام، وحكى الوجهين فيما إذا لم يملك إلا جانبًا أو جانبين. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن القول بالإجبار قد نقله "البويطي" عن الشافعيّ، فيكون القولان في الجديد، ولهذا قال البيهقي في إحياء الموات: لم نجد في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعارض هذا الحديث، ولا يصح معارضته بالعمومات.

وقد نص الشافعيّ في القديم والجديد على القول به، فلا عذر لأحد في مخالفته. هذا كلامه، والحديث في الصحيحين.

ولكن أجاب الأصحاب بأن الضمير في جداره لصاحب الخشب أي لا يمنعه الجار أن يضع خشبة علي جدار نفسه. وإن تضرر به من جهة منع الضوء والهواء ورؤية المارة والأماكن المستنزهة ونحوها، على خلاف

(1) أخرجه أحمد (20714) وأبو يعلي (1570) والبيهقي في "الشعب"(5492) وفي "الكبري"(11325) من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه بسند ضعيف.

ص: 460

ما يقوله مالك من المنع في كثير من هذه الحالات، واختاره الروياني عند ظهور تعنت فاعله، ويتأيد بأنه القياس الفقهي والقاعدة النحوية، أنها الأول فواضح، وأمّا الثاني فلأنه أقرب من الأول فوجب عود الضمير إليه، وقوله في الحديث (خشبة) روي بالإفراد والجمع.

قال الحافظ عبد الغني: الناس كلهم يروونه بالجمع إلا الطحاوي.

وقوله فيه: "أكتافكم"، هو بالمثناة من فوق، أي بينكم، ونقل القاضي عياض عن بعضهم أنه رواه بالنون، ومعناه أيضًا بينكم، فإن الكنف هو الجانب.

وفي "تعليقة القاضي الحسين": أن أبا هريرة قال ذلك حين كان متوليًا على مكة والمدينة.

الأمر الثاني: أنه يستثني من القولين الساباط، فلو أراد بناءه على شارع أو درب غير نافذ، ويريد أن يضع طرف الأخشاب على حائط جاره المقابل، فلا يجوز ذلك إلا بالرضا قولًا واحدًا، قاله صاحب "التتمة" وغيره، وجرى عليه في "المطلب".

الثالث: أن ما نقله الرافعي عن "التتمة" من الجزم بالمنع إذا لم يملك شيئًا، وتخصيص الوجهين بما إذا ملك اثنين أو واحدًا، فذكر -أعني صاحب "التتمة"- في إحياء الموات ما يخالفه، فإنه جزم بالوضع إذا ملك ثلاثة، ثم قال: وإن لم يملك فيها شيئًا أو ملك اثنين أو واحدًا فوجهان.

قوله في المسألة: فإن رضي بغير عوض فله الرجوع عنها قبل البناء، وكذا ما بعده في أصح الوجهين. انتهى.

وما صححه من جواز الرجوع قد جزم في البيع في الكلام على بيع الشجر بما يخالفه، وقد تقدّم هناك أيضًا أن الصّحيح خلافه.

ص: 461

قوله في المسألة: وما فائدة رجوعه؟ فيه وجهان مذكوران في الكتاب:

أظهرهما: أنه مخير بين أن يبقي بأجرة، وبين أن يقلع ويضمن أرش النقصان، كلما لو أعار أرضًا للبناء.

قال في "التهذيب": إلا أن في إعارة الأرض له خصلة أخرى، وهي تملك البناء بالقيمة، وليس لمالك الجدار ذلك، لأن الأرض أصل، فجاز أن يستتبع البناء، والجدار تابع فلا يستتبع.

والثاني رواه الإمام عن حكاية القاضي: أنه ليس له إلا الأجرة. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما نقله عن "الوجيز" من ذكر وجه التخيير غلط، لم يذكره الغزالي فيه ولا في "البسيط" ولا في "الوسيط"، وإنما ذكر وجهين:

أحدهما -وهو ما نقله عن الرافعي-: وهو الإبقاء بالأجرة.

والثاني: القلع وغرامة أرش النقص.

فقال: فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم له النقص.

وقيل: فائدة الرجوع المطالبة بالأجرة للمستقبل، هذا لفظ "الوجيز" فأسقط منه وجهًا غيره.

نعم التخيير ثابت، ذكره البغوي وغيره، ونقل الغزالي في "الوسيط" أن القاضي قائل بالأجرة، وهو غلط والصواب ما عبر به الرافعي نقلًا عن الإمام.

الأمر الثاني: أن ما أجاب به من التخيير بين الأمرين تبعه عليه في "الروضة" أيضًا، والصّحيح خلافه، وسنذكر المسألة إن شاء الله تعالى مع نظائرها، وما وقع فيها في باب العارية.

ص: 462

قوله: فإذا قلنا: ليس له الرجوع، فلو رفع الجذوع صاحبها، أو سقطت بنفسها لم يملك إعادتها بغير إذن جديد على أصح الوجهين، زاد في "الروضة" على هذا فقال ما نصه: قلت: الخلاف في جواز الإعادة بلا إذن، فلو منعه المالك لم يعد بلا خلاف إذ لا ضرر.

كذا صرح به صاحب "التتمة"، وأشار القاضي أبو الطيب أو صرح بجريان الوجهين في منعه. انتهى لفظه.

وأوائله غير منتظم، وكأنه سقط منه شيء، ويظهر أن يكون أصله هكذا الخلاف في جواز الإعادة بلا إذن، محله عند عدم المنع، فسبق القلم إلى التعبير بقوله: فلا إذن.

قوله في المسألة: ولو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة، فكذلك أي يخرج جواز الإعادة من غير إذن على الوجهين.

ثم قال: وإن بناه بغير تلك الآلة، فلا خلاف في أنه لا يعيد إلا بإذن جديد، لأنه جدار آخر. انتهى كلامه.

وما ادعاه من نفي الخلاف تبعه عليه في "الروضة" أيضًا، وليس كذلك بل في المسألة خلاف حكاه الروياني في باب العارية من "البحر"، قال ابن الرفعة في "المطلب". ولعلّ قائله يقول: الأرش أصل فما دام فالاعتبار به، قال: ولهذا قال بعض الأصحاب: إذا سقط جدار الوقف وأعيد بغير نقصه لتلفه لا يحتاج إلى تجديد وقف لأنه وضع موضع الأول.

قوله في الجدار المشترك: لو منع أحدهما الآخر من الاستناد فهل يمتنع عن الأصحاب؟ فيه تردد لأنه عناد محض. انتهى.

لم يصحح شيئا في "الشرح الصغير" أيضًا، والأصح أنه لا يمتنع، كذا قاله في "الروضة"، وقيد في "التتمة" جواز الاستناد بما إذا لم

ص: 463

يجعل ثقله عليه.

قوله في الكلام على ألفاظ "الوجيز": ولم يذكر أحد خلافًا في ذلك -أي في جواز قسمة الحائط عرضًا في كمال الطول- وبالعكس، بل أطلقوا الجواز عند التراضي، وحينئذ فيكون بالقرعة. انتهى.

وما ادعاه الرافعي من عدم الخلاف ليس كذلك، فقد حكى الفوراني في "الإبانة" وجهين في قسمته عرضًا في كمال الطول من غير قرعة، قال: وبالقرعة لا يجوز وجهًا واحدًا، وجزم الماوردي بأنه لا يجوز قسمته مطلقًا، وعلله بأن ما يضر لكل منهما مضر بصاحبه وبه، لأنه إن أراد هدمه لم يقدر إلا بهدم ما لشريكه أو بهدم بعضه.

قوله: وإذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه لاستهدامه أو من غير استهدامه، ففي "التهذيب": أن النص إجبار الهادم على إعادته، وأن القياس غرامة النقصان، لأن الجدار ليس بمثلي. انتهى.

وما فهمه صاحب "التهذيب" من أن المراد الحائط المشتركة يضمن بحائط موضعها، تابعه عليه الرافعي، ثم عداه إلى الجدار الخالصة للغير أيضًا لعدم الفرق بينهما في موضعين: أحدهما: في هذا الباب كما تقدّم قريبًا، الثاني عند الكلام فيما إذا باع أرضًا فيها حجارة، فقال: في وجوب الإعادة على هادم جدار الغير خلاف يذكر في الصلح، وأشار إلى المذكور هنا مع أنه لم يصرح أيضًا بخلاف.

وهذا الفهم بعيد مخالف للقواعد، فإن الحائط متقومة بلا نزاع، والصواب ما قاله ابن الرفعة في "الكفاية" و"المطلب": أن المراد من النَّص إنما هو على أن يبني مع شريكه، فإنه قال في "الأم" عند الكلام في سقف بين علو لواحد وسفل لآخر إذا تنازعا فيه وحلفا جعل

ص: 464

بينهما ما نصه: وإذا اصطلحا على أن ينقض العلّو والسفل لعلّة فيهما أو في أحدهما أو غير علة، فذلك لهما ويعيدان معًا البناء كما كان، ويؤخذ صاحب السفل بالبناء إذا كان هدمه على أن يبنيه أو هدمه لغير علة. هذا لفظه.

وهو يدل على إجباره على المشاركة في البناء، وإن كان مذهبه الجديد عدم الإجبار في غير هذه الحالة، وكأنه راعى التعدي أو الالتزام، وأمّا وجوب إعادتها على الهادم فلا يمكن، بل تجب قيمتها.

قال: لأنَّا لو أجبرنا الهادم على إعادته مستهدمًا، فهو غير منضبط أو غير مستهدم كان زائدًا على ما هدمه، وذلك حيف، وهذا الذي قاله حق لا شك فيه، وهو الذى فهمه صاحب "التعجيز" في اختصاره "للتنبيه"، وليس في النص المذكور ما يدل على أن المراد ما قالوه، بل محتمل له ولنا، وقلنا: السابق والقواعد والأدلة القطعية تقتضي أحد التأويلين، فتعين المصير إليه، ويعلم من ذلك أن الجدار المختص بالغير لا يأتي فيه ذلك، وأنه لا يضمن إلا بالأرش بلا نزاع.

وقد جزم الرافعي في الغصب في الكلام على حفر الأرض: أنه إذا هدم حائطًا لغيره لا يلزمه إعادتها، لأنها غير مثلية، ونقله الإمام في الكلام على بيع الأرض وفيها حجارة عن الأصحاب قاطبة، وكذلك القاضي أبو الطيب في كتاب الغصب في الكلام على تسوية الحفر، فإنه نقل عن الشافعيّ وجوبه، ثم قال: فاقتضى ذلك أنه إذا هدم حائطا لغيره لزمه بناؤه، وأصحابنا يقولون لا يلزمه ذلك، وإنما يلزمه رد ما بين قيمته قائمًا ومهدومًا. هذا كلامه.

وحاصله أنه مجرد استشكال، أو محاولة تخرج على خلاف ما اقتضى نقله عن الأصحاب، وقد أجاب الأصحاب عن ذلك، وفرقوا بين

ص: 465

المسألتين بإمكان التسوية كما هو معروف هناك، وبالجملة فقد نص الشافعيّ في "البويطي" على هذه المسألة نصًا صريحًا دافعًا لما توهمه الرافعي، فقال: ولو اشترى دارًا وقد غصبها رجل ثم هدمها ثم بناها استحقت قيل له: خذ بنيانًا منها ويؤخذ الكراء، ويؤخذ من الذي في يديه قيمة البنيان الذي هدمه، وصرح بمثله أيضًا في الكتاب المذكور فقال: وإن حبس ربعًا فتعدى فباعه فهلك في يد المشتري رجع على أيهما شاء، المحبس عليهم، فأخذوا قيمة البناء قائمًا وردوه في العرصة على حاله، وإن ولى المشتري بهدمه وإتلافه تقوم قيمته قائمًا، ولا يرجع على البائع بشيء.

وإن أدركه منقوصًا أخذ أهل الحبس النقص، وما بين قيمته صحيحًا ومنقوصًا من المشتري، ولم يرجع به على البائع.

هذا لفظ الشافعيّ بحروفه، ومن "البويطي" نقلته.

ونقل ابن الرفعة هنا وفي الغصب من "المطلب" عن الإمام: أن التسوية في البناء ممكنة إذا كان بغير طين ونحوه من الأحجار، بل بعضها فوق بعض مرصوصًا على هيئة البناء.

ثم قال -أعني ابن الرفعة-: إنه يجبر في هذه الحالة على إعادته، كما في طم البئر بترابها، وهذا الذى قاله واضح.

قوله: فلو انهدم -أى الجدار المشترك- أو هدماه فامتنع أحدهما من الإعادة فلا يجبر عليها على الجديد، كما لا يجبر على زراعة الأرض المشتركة، ولو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر فانهدمت، فهل لصاحب العلو إجبار صاحب السفل على إعادته ليبنى عليه؟ فيه قولان:

ومنهم من قال: القولان فيما إذا انهدم أو هدماه من غير شرط.

أنها إذا استهدم، فهدمه صاحب السفل بشرط أن يعيده أجبر عليه قولًا

ص: 466

واحدًا، ويجرى القولان فيما إذا طلب أحدهما إتخاذ سترة بين سطحيهما هل يجبر الآخر على مساعدته؟ انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن القياس على الزرع غير مستقيم، لأنه يجبر الشريك على إجارتها، فيندفع الضرر بذلك.

نعم إنما يستقيم القياس على وجه اختاره الغزالي أنه لا يجبر على الإجارة أيضًا.

الأمر الثاني: أن هذا القيد الذى قد حكاه الرافعي عن بعضهم في مسألة العلو وساقه مساق الأوجه الضعيفة، لابد من التقييد به، فقد صرح به الشافعيّ في "الأم" وقال في كتاب الصلح المذكور بعد أبواب اللعان ما نصه: ويؤخذ صاحب السفل بالبناء إذا كان هدمه على أن يبنيه، أو هدمه لغير علة، وإن سقط البيت لم يجبر صاحب السفل على البناء. هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته.

وإذا كان قائل القول قد عين مراده، وصرح بالتقييد، ولاسيما إمام المذهب وجب المصير إليه بلا نزاع، لكن الرافعي رحمه الله لم يتيسر له النظر في كثير من الأصول المعتمدة، لاسيما كتب الشافعيّ.

الأمر الثالث: أن القولين في السترة محلهما في الإعادة لا في الإنشاء كما يوهم كلامه، فتفطن له.

قال في "المطلب": لأن إنشاء الحائط بين الملكين لا يجب على القولين.

قوله: فإذا قلنا بالقديم، فأضر الممتنع، أنفق الحاكم عليه من ماله، فإن لم يكن له مال اقترض عليه أو من الشريك في الإنفاق عليه، فلو استقل به

ص: 467

الشريك لم يرجع، وقيل قولان: القديم: نعم، والجديد: لا، وقيل يرجع في القديم وفي الجديد قولان، وقيل: إن لم يمكنه عند البناء مراجعة الحاكم رجع، وإلا فلا. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على حكاية الطريق الثانية والثالثة هكذا، وكيف يتصور ما ذكره مع أنه لم يحك عن الجديد إلا عدم إيجاب العمارة؟ ، فكيف يصح ما ذكره في الطريقة الثالثة أنه يرجع عليه على قول؟ ، فلهذا قال في "المطلب": إنه مستنكر في بداية العقول، وكذلك ما ذكره في الثانية، لا يصح أيضًا فتأمله.

قوله في "الروضة": فرع: إذا قلنا: لا يجبر الشريك على العمارة فأراد الطالب الانفراد بها، نظر إن أرادها بالنقض المشترك، فللأجير منعه. انتهى كلامه.

وما جزم به من المنع غريب، فقد نقل الرافعي عن الإمام والغزالي أنهما صرحا بالجواز، وزاد الإمام على ما نقله عنه الرافعي، فنقل إجماع الأصحاب عليه، وقال في "الكفاية": إنه ظاهر كلام الشيخ في "التنبيه" وغيره من العراقيين والمراوزة، ولم ينقل -أعني ابن الرفعة- مقابله إلا عن "التهذيب"، وفي "المطلب" عن الأول أنه قال: أشبه، والسبب في ذهول الشيخ محيى الدين عن هذا الخلاف أن الرافعي إنما ذكره في آخر المسألة في الكلام على ألفاظ "الوجيز".

قوله: وإذا جرت هذه المعاملة -أى بيع حق البناء الجدار-، فلو هدم صاحب السفل أو غيره السفل قبل بناء المشتري، فعلى الهادم قيمة حق البناء، ولو كان الهدم بعد البناء، فالقياس أن يقال: إن من هدم جدار الغير يلزمه إعادته فعليه إعادة السفل والعلو، وإن قلنا: يلزمه أرش

ص: 468

النقض فعليه إعادة أرش نقض الآلات، وقيمة حق البناء للحيلولة. انتهى كلامه.

وما ذكره بعد البناء تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمران:

أحدهما: ما سبق في وجوب إعادة الجدار على هادمه.

الثاني: أن ما قاله في التفريع على لزوم أرش النقض على الهادم، وهو الصواب كما تقدم، إنما يستقيم إذا كان الهادم غير المالك، وهو قد فرض المسألة في هدم المالك وغيره للإعادة.

أما إذا كان الهادم هو المالك، وكان قد هدمه متعديًا فتلزمه الإعادة، وأرش بناء الأعلى، وفى مدة التعطيل تلزمه القيمة للحيلولة، وما قلناه من وجوب الإعادة، قد سبق نقله عن الشافعيّ في المسألة التي قبل هذه، حيث قال: أو هدمه لغير علة، وقياسه أن يأتي أيضًا إذا كان الهدم قبل البناء، المعنى فيه التزام صاحب السفل لصاحب العلو البناء والحمل.

قوله: لتكون الإجارة عتيدة. . . . إلى آخره.

هكذا عبر به في "الروضة" أيضًا، والعتيد بالعين المهملة والتاء المثناة من فوق هو الحاضر المهيأ.

قال الجوهري: ومنه قوله تعالى: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ] (1).

قوله: وإن أجر أرض غيره لإجراء ماء، وجب بيان موضع البناء فيه، وطولها وعرضها وعمقها، وتقدير المدة.

قال في "الشامل": ولابد أن تكون الساقية محفورة، وأن المستأجر لا يملك الحفر. انتهى كلامه.

والحفر المذكور في آخر كلامه هو بفتح الحاء وسكون الفاء، على أنه

(1) سورة ق (23).

ص: 469

مصدر، وقد أوضحه في "الشامل" فقال: قال أصحابنا: وإنما يصح إذا كانت الساقية محفورة، فأما إذا لم تكن محفورة لم يجز، لأنه لا يمكن المستأجر إجراء الماء بالحفر، وليس له الحفر في ملك غيره، ولأن ذلك إجارة لساقية غير موجودة، فإن حفر الساقية وصالحه جاز. هذا لفظه.

ثم نقل عن الأصحاب أيضًا: أنه لا يجوز حفر الساقية في الأرض المستأجرة والموقوفة عليه.

وذكر أيضًا: أنه لا يجوز أن يصالح على أن يسقي أرضه من نهر أو عين لأن الماء مجهول. هذا كلامه.

وهو مشتمل على فوائد، والعجب من إهمال الرافعي إياها: وتوهم في "الروضة" أن المراد: أن المستأجر لا يملك مكان الحفر، فجعله مسألة مستقلة لا تعليلًا، وضبطه بخطه بضم الحاء وفتح الفاء، فقال: ويشترط كون الساقية، محفورة، وإذا استأجر لا يملك الحفر. هذا لفظه.

وهو غريب، فإن المستأجر لا يتخيل إحداث تملك ما استأجره، والمراد من الساقية هو المجراة كما قاله في "الكفاية" وهو واضح.

قوله: وتجوز المصالحة عن قضاء الحاجة في حش الغير. انتهى.

الحش بالحاء المهملة والشين المعجمة، هو المرحاض وسبق الكلام عليه في باب الاستنجاء.

ص: 470