الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله:
الحكم الثاني: في بيع ماله وقسمته
قوله في أصل "الروضة": أما الذي له مال وعليه دين، فيجب أداؤه إذا طلب. انتهى.
هذه العبارة لم يصرح بها الرافعي، وهى تقتضي أن الدين لا يجب أداؤه قبل طلبه.
والمسألة فيها وجهان، نقلهما الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة" في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم:"مطل الغني ظلم"(1)، وجزم شيخه الشيخ عز الدين في "القواعد الكبرى" بعدم الوجوب، ذكر ذلك في آخر الفصل المعقود لتنويع العبادات البدنية، وهو نحو نصف الكتاب.
قال: فإن ظهرت قرائن خالية تشعر بالطلب، ففي وجوبه احتمال، وتردد، وجزم به أيضًا -أعنى بعدم الوجوب- الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب "القواطع في أصول الفقه"، ذكر ذلك في فصل معقود لبيان ما أسقط من الحقوق بعذر الصبي، وهذا هو المفهوم من كلام الأكثرين أيضًا.
إذا علمت ذلك، فقد ذكر -أعني النووي- في أواخر كتاب الحجر كلامًا حاصله الوجوب، وذكر معه صورة لا يجب فيها ذلك، وستعرف لفظه هناك فراجعه.
وأطال ابن الرفعة الكلام فيها، فقال في كتاب الرهن من "الكفاية": قال صاحب "البحر" في كتاب الغصب: يحتمل أن يقال: إن كان
(1) أخرجه البخاري (2166) ومسلم (1564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وجوبه يرضي المالك فهو على التراخي، ويتعين أداؤه بالمطالبة أو الخوف منه على ماله أن يفوت.
وإن كان وجوبه بغير رضى المالك فالقضاء على الفور، لأن صاحبه لم يرض بوجوبه في ذمته، وهذا لأنه إن كان برضى المالك فصاحب الدين مندوب إلى ألا يطالب بالدين، ولو كان وجوب القضاء على الفور لكان مندوبًا إلى المطالبة ليخرج من عليه الدين من العصيان بتأخر القضاء.
ويحتمل أن يقال: إن كان الوجوب بغير رضاه، نظر إن كان صاحب الحق لا يعلم به فيكون على الفور، وإن كان عالمًا به فإن وجب بتعدٍ منه كان على الفور، وإن كان بغير تعدٍ كان على التراخي.
وقال الإمام في كتاب الوكالة: إنه لا يتعين أداؤه إلا بالمطالبة.
وقال في كتاب القاضي إلى القاضي، بعد قوله: إن الأداء لا يلزم إلا مع طلبه، وقد يقول [الفقيه] (1): من عليه دين حال يلزم أداؤه، وإن لم يطالبه صاحبه. انتهى ما نقله ابن الرفعة.
وقال الماوردي في آواخر الوصية: إذا كان على المحجور دين فيجب على الولى قضاؤه إن ثبت وطالب به صاحبه.
فإن أمسك عن المطالبة نظر، فإن كان مال المحجور ناضًا ألزمهم الولى قبض ديونهم، أو الإبراء منها خوفًا من أن يتلف المال.
وإن كان أرضًا أو عقارًا تركهم على خيارهم في المطالبة إذا شاؤوا. انتهى.
وقد سكت عما إذا كان ماله من المنقولات، ويتجه إلحاقه بالناض.
(1) سقط من أ.
ثم إن ما قاله -أعني الماوردي- إنما يأتي إذا كان صاحب الدين رشيدًا، فإن كان أيضًا محجورًا عليه حرم التأخير، لأن [إثم ولى](1) المستحق بالتأخير لا يكون عذرًا لمن يجب عليه الوفاء سواء كان هو المديون أو وليه.
واعلم أن الأصحاب قد قالوا في كتاب الجنائز: أنه تجب المبادرة إلى وفاء دين الميت تبرئة لذمته، وخوفًا من تلف ماله.
ويتجه تخصيص ذلك بما إذا كان الميت مكلفًا، فإن لم يكن كان على مالكه.
ولقائل أن يقول: يعدى ذلك إلى المكلف أيضًا.
وإذا علمت جميع ما تقدم فيتلخص منه أن الدين على أقسام:
أحدها: أن يكون محجورًا على مثله.
الثاني: عكسه.
الثالث: لرشيد على محجور.
الرابع: بالعكس.
وإذا كان على مكلف فقد يكون حيًا، وقد يكون ميتًا كما تقدم. وأيضًا فقد يكون المستحق عالمًا به، وقد لا يكون، والذي لا يعلم به مستحقه يكون الإعلام فيه كالأداء في الجواز وأيضًا فالواجب قد يكون رضي صاحبه بتأخيره بمثابة الأداء أيضًا.
وينشأ مما ذكرناه أقسام كثيرة لا يخفى حكمها مما سبق.
قوله: وغير المفلس من المديونين إذا امتنع من قضاء الدين وبيع المال فيه يبيع الحاكم ماله ويقسمه بين الغرماء، وعند أبى حنيفة لا يبيعه بل يحبه. انتهى كلامه.
(1) سقط من أ.
وهو يوهم تعين البيع عندنا، والذي قاله الأصحاب كما نقله النووي، أنه مخير بين هذا وبين إكراهه على البيع وتعزيره عليه بالحبس وغيره.
قوله "من زياداته": وفي "فتاوى" صاحب "الشامل": أن المحبوس يمنع من الاستمتاع بالزوجة.
قال: وفي "فتاوى الغزالي" أن الرأي فيه إلى القاضي. انتهى ملخصًا.
وهذه المسألة قد أعادها في الباب الثاني في "جامع آداب القضاء" في آخر الطرف الأول منه، وجزم بالمنع، وهو مخالف لكل من هذين النقلين المذكورين هنا، وسوف أذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: ثم خالف الحاكم وسلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن، وكيف يضمن؟ سنذكره إن شاء الله تعالى. انتهى كلامه.
والموضع الذي وعد بذكره هو الوكالة، وقد وقع كذلك في بعض نسخ الرافعي.
قوله: وتقدم بيع المرهون والجاني ليتعجل حق مستحقهما. انتهى.
ويلحق أيضًا بهما في التقديم المال الذي تعلق به عامل القراض، ويقدم بالربح المشروط.
قوله: وذكر صاحب "التقريب": أنه لا يكلف الغرماء عند القسمة، أو أنه ينبه على أنه لا غريم سواهم، وقال الإمام: يكلفون إن كلفنا الورثة، ويفارق إن تفرق فإن الورثة على كل حال أضبط من الغرماء. انتهى ملخصًا.
قال في "الروضة": الأصح قول صاحب "التقريب"، وهو ظاهر
كلام الجمهور.
قال: ويفرق أيضًا بأن الغريم الموجود تيقنا استحقاقه لما يخصه، وشككنا في مزاحم، ثم لو قدر مزاحم لم يخرج هذا عن كونه يستحق هذا القدر في الذمة، وليست مزاحمة الغرم متجهة، فإنه لو أبرأ أو عوض سلمنا الجميع إلى الآخر، والوارث يخالفه في جميع ذلك.
قوله: هذا كله إذا كان الغريم الذي ظهر قديمًا، فإن كان حادثًا بعد الحجر، فلا يشارك الأولين في المال القديم. انتهى كلامه.
وما قاله من عدم المشاركة بسبب الدين الحادث ليس على إطلاقه، فقد تقدم أنه لو كان بجناية شارك.
وذكر بعد ذلك: أنه لو تقدم سببه لشارك أيضًا، كما إذا انهدمت الدار التى أجرها وقبض أجرتها وتلفت.
قوله: وإن ظهر مال قديم وحدث مال باحتطاب وغيره، فالقديم للقدماء خاصة، والحادث للكل. انتهى كلامه.
وما ادعاه أن الحادث للجميع، تبعه عليه في "الروضة"، ولا يخلو إما أن يكون حدوثه قبل فك الحجر أو بعده، فإن حدث قبله اختص به أصحاب الديون المتقدمة على حدوثه، لأن [الرافعي](1) قد ذكر أنه لو اشترى سلعة تعدى إليها الحجر ولا يضارب البائع بثمنها على الصحيح.
فإذا لم يضارب هذا، فأولى ألا يضارب غيره ممن لم يأخذ الغرماء في مقابلته شيئًا.
وإن حدث بعد فك الحجر، فلا يتعلق به حق أحد من الغرماء لا من
(1) سقط من أ.
الأولين ولا من غيرهم، بل يتصرف فيه المديون كيف شاء.
وقد ذكر ابن الرفعة الشطر الأول من هذا الاعتراض، وسكت عن الثاني.
ونقل عن الشافعي: أنه فرض المسألة بعد فك الحجر، وكذلك الماوردي والروياني.
واستشعر الروياني هذا الاعتراض، وصور المسألة بما إذا أعاد القاضي الحجر.
فإن قيل: كيف يتأتى الفرق بين المال القديم والحادث لأن القاضي إذا فك فلا فرق أيضًا؟ .
قلنا: قد صرح الماوردي بأنه إذا ظهر له مال، يكون الحجر باقيًا فيما ظهر، واقتضى كلامه اختصاص الحجر به.
قوله: ولو نصب الحاكم أمينًا حتى باعه، ففي كونه طريقًا في الضمان إذا خرج مستحقًا وجهان كما ذكرنا في نظيره من الرهن. انتهى.
والأصح هناك كما قاله الرافعي: أنه لا يضمن، لأنه ثابت الحكم، والحاكم لا يضمن.
وذكر في "الروضة" هنا: أن صاحب "التهذيب" صحح عدم الضمان واقتصر عليه.
قوله: ينفق الحاكم على المفلس إلى فراغه من بيع ماله وقسمته، وكذا ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والأقارب، لأنه موسر ما لم يزل ملكه. انتهى.
تابعه على هذا الاطلاق في "الروضة"، وينبغي استثناء من تزوج بها في حال الحجر، فإنها لا تستحق شيئًا من ذلك المال.
وقد صرح -أعني الرافعي- بذلك في كتاب النكاح، وكذلك الجرجاني في "المعاياة" هنا، وفرق بينها وبين تجدد الولد، بأن الزوجة تجددت باختياره بخلاف الولد.
فإن قيل: إن الرافعي قد قال في باب الحجر: إن السفيه إذا أقر بنسب، فإنه يثبت وينفق على الولد المستلحق من بيت المال، فهل يستثني أيضًا ذلك من هذا الباب؟ قلنا: لا، بل الأمر علي ما أطلقوه، ويستحق المذكور النفقة، فإن إقرار السفيه بالمال وبما يقتضيه لا يقبل بخلاف إقرار المفلس، فإنه مقبول على الصحيح فغايته هاهنا أن يكون قد أقر بدين، وإقراره به مقبول، ويجب أداؤه فبطريق الأولى وجوب الإنفاق لأنه وقع بطريق البيع، ويغتفر في الأمور التابعة ما لا يغتفر بطريق الأصالة، لثبوت النسب بشهادة النسوة بالولادة.
قوله: وأما قدر نفقة الزوجات، فقال الإمام: لا شك أن نفقته نفقة المعسرين.
وقال الروياني: نفقة الموسرين، وهذا قياس الباب إذ لو كان ينفق نفقة المعسر لما أنفق على القريب. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: ذكر الشافعي في "المختصر" ما يوافق كلام الإمام فقال: أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم من نفقة، وكسوة، هذا كلامه.
ونقله عنه في "الروضة" وقال: إنه يرجح كلام الإمام.
الثاني: أن استدلال الرافعي بما قاله استدلال عجيب، لأن اليسار المشروط في نفقة الزوجة غير اليسار المشروط في نفقة القريب، كما ذكره
هو وغيره في موضعه، فلا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني.
قوله: الرابعة: يترك له قوت يوم القسمة. انتهى.
والمراد اليوم بليلته، كذا صرح به البغوي في "التهذيب"، ونقله عنه النووي في تعليقه على "المهذب" وارتضاه.
قوله: وذكر الغزالى أنه يترك له سكني ذلك اليوم أيضًا، فاستمر على قياس النفقة، لكن لم يتعرض له غيره. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة" أيضًا، وما نقله عن الغزالي ولم يذكر معه ما يقتضي موافقة ولا مخالفة، قد جزم به في أوائل العتق في الكلام على السراية.
قوله من "زياداته": قال في "البيان": وتسلم النفقة إليه -أى إلى المفلس- يومًا بيوم. انتهى.
ذكر مثله أيضًا صاحب "التتمة".
قوله: وليس على المفلس أن يكتسب. . . . إلى آخره.
هذا إذا لم يلزمه الدين بسبب هو عاص به، فإن كان كذلك وجب عليه الاكتساب لوفائه، كذا ذكره ابن الصلاح فيما جمعه من الفوائد في رحلته إلى بلاد الشرق عن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الفزاري من أصحابنا، وهو واضح، لأن التوبة مما فعله واجبة، وهي متوقفه في حقوق الآدميين على الرد.
قوله: وهل تؤجر عليه أم ولده وضيعته الموقوفة عليه؟ فيه وجهان، مال الإمام إلى المنع؛ لكن في تعاليق العراقيين: أن الإيجار أظهر. انتهى.
زاد في "الروضة" على هذا فقال: قلت: الإيجار أصح، وصححه في "المحرر".
وما نقله عن "المحرر" ليس مطابقًا له، فإنه عبر بقوله: فيه وجهان، رجح منهما الإجارة. هذا لفظه.
[بصيغة البناء للمفعول، ومدلوله أن بعضهم رجحه هذا الترجيح دون الترجيح المذكور في "الروضة"](1).
(1) سقط من أ.