الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: في الفساد من جهة النهي
المناهي قسمان:
القسم الأول: ما حكم فيه بالفساد
.
قوله: بل إعارة الفحل للضراب محبوبة. انتهى كلامه.
وما ذكره الرافعي من الاستحباب لم يتعرض له في "الروضة" وإنما حكم بالجواز فقط.
قوله: ومنها بيع السلاح لأهل الحرب لا يصح. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن كلامه يشعر بصحة بيعه لمن دخل إلينا بأمان كالتاجر والرسول، لأنه بالأمان خرج عن الحرابة، وصار معصومًا، وهو محتمل لأنه في قبضتنا كالذمي، ولكن المتجه المنع لأن الأصل إمساكه عنده إلى عوده، ولأن الحرابة فيه متأصلة والأمان عارض يزول.
الثاني: أن السلاح على ما نقله الرافعي في صلاة الخوف عن ابن كج يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها.
قال: وأما الترس والدرع فليس بسلاح. انتهى.
والمتجه أن يكون المراد هنا ما هو يعد للقتال كالبيضة ونحوها مما سبق لأن الاستعانة علينا كما تكون بفعلهم تكون بدفع فعلنا.
وقد صرح به الإمام في كتاب [الرهن](1) قبيل باب [الرهن](2) والعميل بنحو ورقتين فقال: وبيع السلاح من الذمي ورهنه جائز، مات رسول الله
(1) في أ: السير.
(2)
في أ: الربا.
- صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهون عند أبى سجمة اليهودي (1)، هذا لفظه، وفي معنى ما ذكرناه أيضًا الخيل وما يلبس لها.
قوله: ولو باع عبده بألف بشرط أن يبيعه داره لم يصح، ثم قال: وإذا أتيا بالبيع الثاني نظر إن كانا يعلمان بطلان الأول صح، وإلا فلا لإتيانهما به على الشرط الفاسد. كذا نقله صاحب "التهذيب" وغيره والقياس صحته، وبه قطع الإمام، وحكاه عن شيخه. انتهى كلامه.
اعلم أن هذه المسألة فرد من أفراد قاعدة متكررة في أبواب وهي أنه إذا شرط عليه في شيء من التصرفات عقد لا يلزمه الوفاء به ففعله المشروط عليه جاهلًا ببطلان العقد المشروط فيه، فهل ينفذ لكونه تصرفًا صحيحًا في نفسه أم لا لإتيانهما به وفاء بالشرط الفاسد؟ فيه خلاف.
وهذه القاعدة قد حصل فيها اختلاف شديد في هذا الباب فقال في كتاب الرهن في الركن الثالث منه إذا قال: أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن بالمائة التي لي عندك كذا، فالقرض فاسد، ثم إن رهن بالمائة التي عليه صح إن علم فساد الشرط، وإن ظن صحته فوجهان.
قال القاضي: لا يصح، وقال الشيخ أبو محمد وغيره: يصح. انتهى.
وكذا لو باع بشرط بيع آخر فاستثناه ظانًا صحة الشرط وقد سبقت هذه الصورة في بابها. انتهى ملخصًا.
وليس في هذين الموضعين تصريح بتصحيح.
إذا علمت ذلك فقد قال في أوائل الإقالة ما نصه:
وتجوز الإقالة في بعض السلم فيه أيضًا، لكن لو أقاله في البعض ليعجل الباقي له أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة.
(1) أخرجه البخاري (2374) من حديث عائشة رضي الله عنها.
انتهى كلامه.
فأما الإقالة بشرط التعجيل ففسادها واضح.
فأما إذا عجل بشرط الإقالة فأقاله فهو والرهن المشروط في البيع الفاسد سواء.
ثم ذكر أيضًا عدم الصحة في كتاب الكتابة فقال في أثناء الحكم الثاني من الباب الثاني: إذا جاء المكاتب بالنجم عند المحل وشرط على السيد أن يبرئه فالشرط لغو، وللسيد أخذه ولا يلزم أن يبرئه من الباقي.
وإن عجله قبل المحل على أن يبرئه من الباقي وأخذه وأبرأه لم يصح القبض والإبراء ولو قال: أبرأتك عن كذا بشرط أن تعجل الباقي، أو إذا عجلت كذا فقد أبرأتك عن الباقي فعجل لم يصح القبض ولا الإبراء، هذا هو المذهب.
وأشار المزني إلى ترديد قول صحة القبض والإبراء، ولم يسلم له الجمهور إثبات خلاف فيه. انتهي.
ثم ذكر ما يخالف الموضعين المذكورين في أوائل الصلح، فقال في المصنف الثاني وهو صلح الحطيطة: ولو صالح من ألف مؤجل على ألف حال فباطل لأن الأجل لا يسقط ولا يلحق، فلو عجل من عليه المؤجل وقبله المستحق سقط بالاستيفاء. انتهى.
وتعجيل المؤجل بعد الشرط نظير الإقالة والإبراء والتعجيل بعد الشرط.
وقد أجاب فيه بعكس ما ذكره فيهن، ومقتضاه فيهن أن لا يملكه حتى لا يحصل الإبراء.
وبالجملة فهو تباين واضح خصوصًا المذكور في الصلح [مع المذكور في](1) الكتابة.
(1) سقط من أ.
ووقع هذا الاختلاف بعينه في "الشرح الصغير" إلا أنه لم يذكر مسألة الإقالة، ووقع أيضًا في "الروضة" وزاد على ذلك فصحح في كتاب الرهن من "زياداته" الصحة فقال: قلت: الثاني أصح -يعني الصحة- واختاره الإمام والغزالي في "البسيط" وزيف الإمام قول القاضي، والله أعلم.
وجزم في الركن الثالث من المساقاة بأنه لا يصح، ولم يجزم به الرافعي، بل نقله عن "التهذيب" فقط، ثم ذكر أنه قدم نظيره في الرهن فحذف النووي المنقول عنه وجزم به، فوقع في صريح التناقض.
وقد ذكر الشافعي في "الأم" مسألة الكتابة في باب قطاعة المكاتب كما ذكره الرافعي ثم قال بعده ما نصه: وإن فعل هذا على أن يحدث للمكاتب عتقًا فأحدثه له فالمكاتب حُرّ، ويرجع عليه سيده بالقيمة لأنه أعتقه ببيع فاسد كما قلت في أصل الكتابة الفاسدة. انتهى.
ونص في البويطي على مسألة الرهن، وحكم فيها بعكس ما صححه في "الروضة" فقال في باب الرهن ما نصه: ولو كان لرجل على رجل دين حال أو إلى أجل ثم قال: بعني بيعة أخرى على أن أرهنك بالأول والآخر لم يجز، وكان البيع الآخر فاسدًا، والرهن باطلًا، وكان حقه الأول على حاله.
وقال في "الأم": وإذا كان المدعى عليه منكرًا فالصلح باطل، وهما على أصل حقهما، ويرجع المدعى على دعواه، والمعطى [فيما] (1) أعطى وسواء إذا أفسد الصلح قال المدعى: أبرأتك مما ادعيت عليك، أو من بدله من قبل أنه إنما أبرأه على أن يتم له ما أخذ منه، وليس هذا بأكثر من أن يبيعه البيع الفاسد.
(1) في جـ: على ما.
فإذا لم يتم رجع كل واحد منهما على أصل ملكه كما كانا قبل أن يتبايعا [هذا كلامه. وقد تظافرت نصوص الشافعي على البطلان فلتكن الفتوى عليه](1). ولا عبرة بما عداه.
قوله: ولو اشترى حطبًا على ظهر بهيمة مطلقًا فهل يصح العقد ويسلمه إليه في موضعه [أم لا يصح حتى يشترط تسليمه إليه في موضعه](2) لأن العادة قد تقتضي حمله إلى داره؟ حكي صاحب "التتمة" فيه وجهان. انتهى.
والأصح منهما هو الصحة. كذا صححه النووي في "زيادات الروضة".
قوله: وذكر القاضي الروياني أنه لو أجل الثمن إلى [ألف](3) سنة بطل العقد للعلم بأنه لا يبقى إلى هذه المدة فيسقط الأجل بالموت كما لو أجر ثوبًا ألف سنة لا يصح. فعلى هذا يشترط في صحة الأجل احتمال بقائه إلى المدة المضروبة. انتهى كلامه.
اعترض النووي في "الروضة" عليه فقال: لا يشترط احتمال بقائه إليه، بل ينتقل إلى وارثه لكن التأجيل بألف سنة وغيرها مما يبعد بقاء الدنيا إليه فاسد. انتهى كلامه.
والذي قاله النووي معترضًا به من أن ذلك لا يشترط، بل ينتقل إلى الوارث غلط، فإن الكلام ليس في مستحق الدين، بل في من هو عليه.
ولهذا قال الرافعي: فيسقط الأجل بموته، والأجل يسقط بموت من عليه لا بموت من له.
وإذا ظهر هذا ظهر أيضًا ضعف البطلان فيما إذا كان يبعد بقاء الدنيا إليه لأنا نعلم الاستحقاق قبلك بموت من عليه بخلاف الإجارة، فإن بطلانها واضح.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
(3)
سقط من أ، ب.
والنووي حذف التصريح بانتقاله إلى الوارث حالة اختصاره لكلام الرافعي ثم توهم بعد ذلك عكسه فأجاب عنه، وقال صاحب رفع التمويه في الإجارة: إن الأرض تؤجر خمسمائة سنة.
ثم قال: وأكثر ما يصح أن يبيعه بثمن مؤجل إلى هذا القدر. هذا كلامه وذكر ذلك في ذيل كلام نقله عن الشيخ أبى حامد، واقتضى إيراده أنه منه.
قوله: ولو حل الأجل فأجل البائع المشتري مدة لم يتأجل، ولو أوصى من له دين حال على إنسان بإمهاله مدة [فعلى ورثته إمهاله. انتهي.
وقد ذكر مثله في "الروضة". والكلام عليه له مقدمة ذكرها ابن الرفعة في "المطلب" فقال: وإنما تنفذ الوصية بعدم المطالبة إلى مدة] (1) بشرط أن يخرج منه الدين من الثلث لأنهم قالوا: إن البيع بثمن مؤجل يحسب كله من الثلث إذا لم يحل منه شيء قبل موت الموصى لأنه منع الورثة من التصرف فيه فكان كإخراجه عن ملكهم، وهذا مثله.
ثم قال: وأنا أقول: إذا قلنا: إن الملك ينتقل في البيع في زمن الخيار، ويجوز إلحاق الزيادة بالعقد كان ذلك صورة أخرى لأن الدين كان حالًا وقد تأجل قال بل هذه بالذكر أولى لأن ما كان حالًا تأجل، وما عداها قد يقال: إن الدين باق بصفته، وإنما منع من طلبه مانع كالإعسار هذا كلامه.
ذكر ذلك في آخر الباب الثالث من أبواب البيع، وهذا الاحتمال الذي أبداه من كونه حالا امتنعت الطالبة به لعارض احتمال ظاهر وله فوائد:
منها: إذا عجله المديون قبل المدة لغرض البراءة فهل يجبر رب الدين جزما على أحد الأمرين وهما القبول أو البراءة كسائر الديون الحالة لاسيما أن هذه المدة لم تقع برضا المديون أم يتخرج على الخلاف في الدين المؤجل؟
ومنها: إذا حلف لا مال له وقلنا بالتفصيل بين الحال والمؤجل.
(1) سقط من أ.
ومنها: إذا أفلس المديون فهل لصاحبه المطالبة به؟ إن قلنا إنه من باب] (1) التأجيل فيأتي فيه الخلاف في حلول المؤجل بالإفلاس.
وإن قلنا: إنه حال، منع من المطالبة به مانع فالمتجه عدم المطالبة به لقيام المانع، ويحتمل خلافه لما فيه من الضرر، ويحتمل [التخريج](2) على المؤجل لأن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب الأصلي، ويحتمل التفصيل بين أن يقول لله عليّ أن لا أستوفيه إلا بعد كذا وكذا ونحو ذلك، فلا يطالبه أو يقول: لله عليّ تأجيله، وهذا كله إذا كان الناذر والمديون حيين. فإن كان المديون ميتًا فلا شك أن المسارعة إلى براءة ذمته واجبة إذا خلف وفاء.
وحينئذ فلا يؤثر النذر حتى لو رضي الوارث ورب الدين معًا بالتأخير لم يجز لما ذكرناه.
وأيضًا فلأن قصد الناذر التبرع برفق المديون، وقد زال ذلك بموته، وإن كان الناذر ميتًا فالمتجه بقاء المدة سواء كان وارثه رشيدًا أم محجورًا عليه لأن من ورث مالًا ورثه بحقوقه التي عليه والتي له. ويحتمل التفصيل السابق وهو الفرق بين أن يلتزم التأجيل أو عدم مطالبته هو.
ومن تفاريع المسألة إخراج الزكاة عن ذلك المال.
فنقول: للنذر حالان:
أحدهما: أن يكون بعد تمام الحول، فلا إشكال في وجوب [إخراج قدر الزكاة غير أنه هل يستثنى ذلك القدر من وجوب](3) الإنظار لأن الملك فيه لغيره بناء على الصحيح، وهو أن الفقراء شركاء رب المال، أو يجب الإنظار فيه أيضًا، وهو المتجه لكونه قادرًا على تمام نذره لجواز الإخراج من غيره كما قلنا به فيما إذا رهن مالًا زكويًا، وحال عليه الحول،
(1) سقط من جـ.
(2)
في أ: الترجيح.
(3)
سقط من جـ.
بل مسألتنا أولى لأن الرهن سابق على الوجوب بخلاف النذر.
الحال الثاني: أن يكون قبل تمام الحول ففي إلحاقه بما بعد الحول احتمال لأن النذر في هذه الحالة يصرف منه قبل تعلق نصيب الفقراء.
وقياس مسألة الرهن وجوب الإخراج من غيره عند القدرة، ومنه عند عدمها.
واعلم أن ابن الرفعة في باب القرض من "الكفاية" نقل عن صاحب "التتمة" أن الحال يصير مؤجلًا بالوصية، ثم قال عقبه ما نصه: وسمعت من بعض مشايخنا أنه يتأجل بالنذر أيضًا. هذا كلامه.
ومقتضاه أنه يقف على نقل في هذه المسألة وهو غريب، فقد ذكرها أيضًا المتولى عقب هذه المسألة التي نقلها هو عنه من غير فصل بينهما فقال في الباب الخامس من أبواب البيع: الثامن: إذا كان له حق حل أجله فقال: إن شفى الله تعالى مريضى أو رجع غائبي فلله عليّ أن لا أطالبه شهرًا، فالحكم فيه كالحكم فيما نذر عيادة المرضى وتشييع الجنائز. هذا كلام المتولي.
وقد ذكرها أيضًا الروياني في "البحر" في كتاب البيع قبل باب بيع اللحم بالحيوان بنحو ورقة فقال: إن فيه وجهين كالوجهين في ما إذا نذر تشييع الجنازة، وهذا الكلام يقتضي أن الراجح من الوجهين هو الواجب لأنه الراجح في المحال عليه.
قوله ولابد من تعيين الرهن، والكفيل، والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الوصف كما يوصف المسلم فيه، وفي الكفيل المشاهدة [أو](1) المعرفة بالاسم والنسب، ولا يكفي الوصف بأن يقول: رجل موسر، ثقة، هذا هو النقل.
(1) سقط من أ.
ولو قال قائل: الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله لم يكن مبعدًا. انتهي كلامه.
ونظير هذه المسألة في المشاهدة مع عدم معرفة الحال قد ذكره الرافعي في كتاب الصداق، وفي المسابقة فقال: الصداق إذا أصدقها تعليم آيات من القرآن فلابد من علمها، فإن أراها مقدارًا من المصحف فقال: من هاهنا إلى هنا فقال أبو الفرج الزاز: يكفي، ولك أن تقول: لا يكفي هذا إذ لا تعرف به صعوبته وسهولته.
زاد النووي في "الروضة" فقال: الصواب أنه لا يكفي. انتهى.
والمسألتان في المعنى سواء، فيقال للنووي: لم جعلت هناك الصواب ما قاله الرافعي بحثًا ولم تجعله هنا كذلك؟
وقال في المسابقة: لو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما صاحبه حكم بصحة العقد.
فإن بان أنهما أو أحدهما لا يحسن الرمي بطل العقد.
وإن بان أن أحدهما قليل المعرفة لا يقاوم الآخر ففيه وجهان.
ومقتضى كلام الرافعي في الشرط الخامس من شروط المسابقة ترجيح الصحة.
قوله: ولو باع عبدًا بشرط العتق، وأن يكون الولاء للبائع فسد العقد، وفي قول يصح.
ثم قال ما نصه: وعلى هذا -يعني الصحة- ففي صحة الشرط وجهان نقلهما الإمام:
أحدهما: أنه لا يصح. . . . إلى آخر ما ذكر.
ثم قال: إن الجمهور قضوا على هذا القول بفساد الشرط، وقصروا
الصحة على العقد، ولا تكاد تجد حكاية الخلاف في صحة الشرط بعد تصحيح العقد إلا للإمام.
إذا علمت ذلك فاعلم أن ما وقع في كلام الرافعي من أن الإمام نقل الوجهين غلط، فإن الذي نقله إنما هو فساد الشرط فقط.
وأما تصحيحه فذكره بحثًا فقال تفريعًا على قول الصحة ما نصه: وعلى هذا ففي الولاء المشروط نظر، ذهب بعض الأصحاب إلى أن الوجه فيه إلغاء الشرط، وتصحيح العقد، وهذا فاسد مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاشتراط، ومتعلق القول بصحة العقد قضية بريرة، فلا ينبغي أن يعتبر أصلها، ويعطل تفصيل القول فيها، فإذًا الوجه تصحيح الشرط إذا صححنا العقد تعلقًا بقضية بريرة. هذا لفظ الإمام.
لا جرم أن ابن الرفعة في "شرح الوسيط" قال: إن أحد الوجهين ذكره الإمام نقلًا والآخر تفقهًا، وإن كان قد وقع هو في "شرح التنبيه" في ما وقع فيه الرافعي.
قوله: وما لا يقتضيه العقد من الشروط، ولكن لا غرض فيه كشرط أن لا يأكل إلا الهريسة أو لا يلبس إلا الحرير، وما أشبهه فلا يفسد العقد ويلغو كما قاله الإمام والغزالي.
لكن في "التتمة" أنه لو شرط ما يقتضي التزام ما ليس بلازم، فإنه لو باع بشرط أن يصلي النوافل فإنه يفسد العقد لأنه أوجب ما ليس بواجب وقضية هذا فساد العقد في مسألة الهريسة، والحرير أيضًا. انتهى ملخصًا.
وكلامه يقتضي أنه لم يجد التصريح بالبطلان منقولًا، وإنما يؤخذ من مقتضى كلام "التتمة" وهو عجيب، فقد نص الشافعي رحمه الله في "الأم" على البطلان فقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى المذكور بعد باب قطع العبد في أواخر باب الغصب منه ما نصه: قال محمد
ابن إدريس: فإذا باع الرجلُ الرجلَ العبدَ على أن لا يبيعه من فلان، أو على أن يبيعه من فلان، أو على أن لا يستخدمه، أو على أن ينفق عليه كذا وكذا، أو على أن يخارجه فالبيع كله فاسد. هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته. فتلخص أن مذهب الشافعي في اشتراط ما لا غرض فيه هو البطلان، وأن الرافعي لم يطلع فيه إلا على كلام بعض المتأخرين المعدودين في الصنفين لا في أصحاب الوجوه.
ثم إن الرافعي جزم بالصحة في "المحرر" و"الشرح الصغير" لكون القائل بالصحة اثنان؛ وبالبطلان واحد على ما تحصل له في مبسوطه.
وهذا أمر صعب يورث ريبة، ووقفه في الإفتاء بكثير من كلامه.
قوله: ولو باع الحامل واستثنى حملها ففي صحة البيع وجهان منقولان في "النهاية".
أحدهما: أنه يصح كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة قبل بدو الصلاح.
وأصحهما -وبه أجاب الجمهور-: أنه لا يصح. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله: (قبل بدو الصلاح) سهو، بل الصواب أن يقول: قبل التأبير؛ لأن الثمرة قبل التأبير داخلة في البيع، وإذا استثناها صح الاستثناء، فصح قياس الصحة في استثناء الحمل عليه.
وأما بعد التأبير وقبل بدو الصلاح فإنها غير داخلة بالكلية حتى يقال: إن استثناء ما صحيح، ويقاس عليه ما نحن فيه.
قوله: ولو كانت الأم لواحد والحمل لآخر فهل لمالك الأم بيعها؟ فيه وجهان.
وكذا لو باع جارية حاملًا بُحْر، ففيه وجهان، الذي ذكره المعظم أنه لا يصح لأن الحمل لا يدخل في البيع فكأنه استثناه.
والثاني وهو اختيار الإمام وصاحب "الكتاب" أنه يصح لكونه مستثنى شرعًا. انتهي.
فيه أمران:
أحدهما: أن تصحيح المنع هنا مشكل على تصحيح الجواز في الدار المستأجرة، فإن الحمل والمنفعة قد اشتركا في دخولهما عند بيع الأصل.
وفي الإبطال عند استثنائهما على تقدير ملكه لهما. وحينئذ فيجب استواء الصورتين لأن المالك فيهما لم يستثن شيئًا، بل باع جميع ما يملك، فإن جعل المستثنى شرعًا كالمستثنى شرطًا وجب البطلان وإن جعل غير المملوك كالمعدوم، ونظرنا إلى أنه لم يستثن شيئًا لزم القول بالصحة فيهما بل الصحة في الحامل بحر أظهر من المستأجرة لأن الحر لا يقبل البيع أصلًا فهو كالمعدوم بخلاف المنفعة.
الأمر الثاني: أن جواب الإمام والغزالي قد اختلف في ذلك فأما الإمام فقال هنا قبل باب النهى عن بيع وسلف: إن الأصح صحة البيع.
وقال في الرهن: [المذهب](1) الذي قطع به الأئمة امتناعه.
وأما الغزالي فأجاب بالجواز في موضعين من "الوسيط" أحدهما في البيع والثاني في الرهن على خلاف ما قاله فيه إمامه، وأجاب بالمنع في موضعين منه أيضًا، فإنه جزم به في كتاب النكاح في الكلام على ما إذا وطئ الأب جارية الابن.
وقال في كتاب "السير": إنه الأصح ذكر ذلك فيما إذا وطئ جارية من الغنيمة.
فتلخص أن الذي استقر عليه رأيهما معًا هو المنع على خلاف ما اقتصر عليه الرافعى.
(1) سقط من أ.
قوله: ولو قال: بعتك الجبة وحشوها ففيه [طريقان](1) منهم من طرد الخلاف أي المذكور في الحمل، ومنهم من قطع بالجواز لأن الحشو داخل في مسمى الجُبَّة، فذكر ذلك ذكر ما دخل في اللفظ فلا يضر التنصيص عليه. والحمل غير داخل في مسمى الشاة فذكره ذكر شيء مجهول مع المعلوم. انتهى كلامه.
لم يصحح شيئًا من الطريقين في "الروضة" أيضًا والأصح طريقة القطع. كذا صححها النووي في "شرح المهذب" وعبر بلفظ الأصح.
قوله في أصل "الروضة": ولو شرط كون الشاة تدر كل يوم كذا رطلًا من اللبن بطل البيع قطعًا لأن ذلك لا ينضبط. انتهى.
وما ادعاه من القطع ليس كذلك، ولم يذكره الرافعي أيضًا، فإن في المسألة وجهين مشهورين حكاهما الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" في باب الرد بالعيب، والروياني في "البحر" وصاحب "العدة" والشاشى في "الحلية" وصحح الدبيلى في "آداب القضاء" منهما الصحة.
والغريب أن النووي ادعى ذلك أيضًا في "شرح المهذب" وعبر بقوله: بطل بلا خلاف. ذكره في باب ما يجوز بيعه في الكلام على بيع الحمل في البطن.
قوله: ومنها لو قال لغيره: بع عبدك من زيد بألف على أن على خمسمائة فباعه على هذا الشرط فهل يصح العقد؟ فيه قولان لابن سريج أظهرهما: لا. لأن الثمن يجب جميعه على المشتري، وهاهنا جعل بعضه على غيره.
والثاني: نعم، ويجب على زيد ألف، وعلى [الآمر] (2) خمسمائة كما لو قال: العد متاعك في البحر وعليّ كذا. انتهي.
(1) في ب: قولان.
(2)
في جـ: الأخر.
ذكر في "الروضة" من زياداته في آخر الوكالة مسألة أخرى تشبه هذه فقال: لو قال: بع عبدك بألف درهم على زيد وخمسمائة [على فعند ابن سريج العقد صحيح وعلى زيد ألف وعلى الأمر خمسمائة](1)، وعلى الصحيح العقد فاسد قال في "الحاوي": هذا لفظه.
وذكر الرافعي أيضًا في الباب الرابع من أبواب الخلع في الطرف الرابع منه مسألة أخرى تشبه هاتين المسألتين فقال: لو قال: بع عبدك من زيد بألف، ولك على خمسمائة فباعه منه لم يستحق على القائل شيئًا عند الجمهور.
وقال الداركي: يحتمل أن يستحق كالتماس الطلاق والعتق. انتهى.
ولما كانت هذه المسائل الثلاث قد يحصل فيها اشتباه الواقف على بعضها عن البعض الآخر ذكرتها في موضع واحد ليفطن له، فإنه أبطل الأولى، ونقل فيها عن ابن سريج قولين، وأبطل الثانية، ولم ينقل عن ابن سريج فيها إلا قولًا واحدًا، وهو الصحة، وجزم بصحة الثالثة.
فأما التي في الخلع فإنه باع من زيد بألف عليه، ولم يشترط في البيع أن له على السائل شيئًا، فهذا صحيح إذ لا مفسد فيه، ولكن النظر وقع في استحقاق ما التزمه السائل.
وأما التي في الوكالة فإن البائع صرح بأن الثمن ألف وخمسمائة وبأن ألفًا منها على المشتري وباقيها على السائل، وبطلانه واضح لأن الثمن لا يكون إلا على المشتري، ومقابله ضعيف.
وأما المذكورة في هذا الباب، فإنه لم يصرح بأن الثمن خمسمائة حتى يكون بعضه على المشتري بل باع بألف على المشتري ثم شرط في صلب العقد أن يكون على السائل خمسمائة أخرى، ولم يجعلها ثمنًا، وإن كان من جهة المعنى يشبه الثمن على غير البائع فلما شرط في الأولى مالًا خارجًا
(1) سقط من ب.
عن الثمن بخلاف الثانية نظر ابن سريج إلى هذا المعنى فتردد في صحة الأولى مع تسليمه الصحة في الثانية.
قوله: وإن تعلق بالشرط الفاسد غرض فسد البيع بفساده. انتهى.
يستثنى منه ما إذا اشترط البراءة من العيوب، وقلنا: إن الشرط لا يصح، فإن الأصح في الرافعي أنه لا يبطل البيع.
قوله: ولا يجوز للمشترى حبس المبيع في البيع الفاسد لاسترداد الثمن.
وحكى ابن كج عن الإصطخرى جوازه، ونقله القاضي عن النص. انتهى ملخصًا.
وما صححه هنا من امتناع الحبس قد جزم في أوائل الضمان بما يخالفه فقال في الكلام على ضمان العهدة: ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ففي مطالبة الضامن وجهان:
أحدهما: يطالب كما لو خرج مستحقًا.
والثاني: لا لاستغنائه عنه بإمكان حبس المبيع إلى استرداد الثمن. انتهي كلامه.
ووقع الموضعان كذلك في "الروضة"] (1) وذكر أيضًا قريبًا من هذا الموضع موضعًا آخر يخالفه أيضًا.
قوله: وإن تلف فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف. وقيل: العبرة بقيمته يوم التلف كالعارية، وقيل: بقيمته يوم القبض. انتهى ملخصًا.
أطلق وجوب القيمة ولم يفصل بين المثلى والمتقوم، وكذلك أيضًا أطلقه فيما إذا تلف المبيع في زمن الخيار بعد القبض، وقلنا: إن الملك فيه للبائع فإنه ذكر هناك أن الواجب القيمة، ولم يفصل وتبعه في "الروضة" على
(1) سقط من ب.
هذا الاطلاق، وليس كذلك، بل محله إذا كان متقومًا.
فأما إذا كان مثليًا فإنه يضمن المثل. كذا نص عليه الشافعي في مواضع فقال في الكتابة في أوائل باب بيع المكاتب وشرائه ما نصه: وإذا باع بما لا يتغابن الناس بمثله بغير إذن سيده فالبيع فيه فاسد، فإن وجده بعينه رد، وإن فات كان على مشتريه مثله إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل فقيمته هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته.
وذكر بعده بدون ورقة مثله أيضًا فقال في ما إذا باع المكاتب شيئًا بيعًا فاسدًا ما نصه: فإن فات كان للمكاتب اتباعه بقيمته إن كان مما لا مثل له [أو بمثله إن كان مما له مثل](1).
وذكر بعد هذا الثاني بأسطر قلائل مثله أيضًا.
وقال بعد ذلك بأوراق في باب بيع كتابة المكاتب يعني نجوم المكاتب ما نصه، ويرد مشترى كتابة المكاتب ما أخذ إن كان قائمًا في يده، ومثله إن كان له مثل أو قيمته إن فات ولم يكن له مثل.
وقال أيضًا في باب اختلاف المسلف في الثمن بعد أن ذكر صورًا من التخالف قال [فإن كان الثمن في هذا كله دراهم أو دنانير رد مثلها أو طعامًا رد مثله فإن لم](2) يوجد رد قيمته.
وقبيل هذا الباب قال الشافعي: إن أسلف سلفًا فاسدًا وقبضه رده، وإن استهلكه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل.
ونقل عن أحمد بن بشرى المصري عن الشافعي نحوه.
فقال في ما إذا اشترى الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط التبقية وقطع منها شيئًا: قال الشافعي: فإن كان له مثل رد مثله، ولا أعلم له مثلًا، وإن
(1) سقط من ب.
(2)
سقط من أ.
لم يكن فقيمته. انتهى.
فهذه نصوص الشافعي قد تظافرت على وجوب المثل، وهو القياس.
وذكر الرافعي أيضًا في الإقالة ما يقوي ذلك، فإنه ذكر أن الإقالة جائزة بعد تلف المبيع، ويرد المشتري مثل المثلى وقيمة المتقوم، وعلى هذا اقتصر الرافعي في "الشرح الصغير".
والذي اقتضاه اطلاق الرافعي أولا من وجوب القيمة صرح بتصحيحه الماوردي، وجزم به الروياني في "البحر" وادعى أنه لا خلاف فيه، قال: لأن ماله مثل إنما يضمن بالمثل إذا لم يكن مقبوضًا على وجه المعاوضة، فإن ضمن بها كالمقبوض بسوم أو بيع مفسوخ، فلا لأنه لم يضمنه وقت القبض بالمثل.
ثم قال: وهذا إذا كان قبل طلب البائع، فإن طلبه فمنعه المشتري ثم تلف فوجهان.
وما ادعاه الروياني مع التصريح بهذه النصوص غريب مردود.
فائدة في ما يستثنى من هذه القاعدة:
فنقول: المتقوم يضمن بالقيمة، ولا يضمن بالمثل إلا في مسائل:
أحدها: جزاء الصيد.
الثاني: العين المقترضة على الصحيح.
الثالث: هدم الحائط كما هو مقتضى كلام الرافعي، وأجاب به النووي في "فتاويه"، ونقله فيها عن النص، وإن كان مردودًا كما تعرفه في باب الغصب.
الرابع: طم الأرض كما قاله الرافعي، والمكاتب إذا حبسه مدة وفرعنا على وجوب التخلية.
الخامس: إذا أتلف رب المال الماشية كلها بعد الحول، وقبل الإخراج فإن الفقراء شركاء رب المال على الصحيح، ومع ذلك فإنه يلزمه حيوان آخر لا قيمته.
هكذا جزم به الرافعي وابن الرفعة في زكاة المعشرات في الكلام على ما إذا أتلف المالك الثمرة بعد وجوب الزكاة فيها.
وعلله في باب قسم الصدقات من "الكفاية" بأن إخراجه جائز مع بقاء المال فتعين عند عدمه لأنه قائم مقامه.
وهذا بخلاف ما لو أتلفه أجنبي، وفي المسألة كلام آخر ذكرناه في زكاة المعشرات.
وأما المثلى فيضمن بالمثل إلا في مسائل.
إحداها: العارية فإنه يضمنها بقيمتها كما هو مقتضى إطلاق الرافعي، وصرح به الشيخ في "المهذب".
وجزم ابن عصرون في "المرشد" بوجوب المثلى في المثلى، وكذلك في كتابه المسمى "بالتنبيه والإشارة على الأحكام المختارة".
وقال في "الانتصار": إنه أصح الطريقين، قال: والطريق الثاني أنه ينبني على أن المتقوم تعتبر قيمته في أي وقت، فإن اعتبرنا قيمته يوم التلف ضمن المثلى بالقيمة.
وإن اعتبرنا بالأكثر من القبض إلى التلف ضمنه بالمثل.
فإن قيل: فما صورة المستعار المثلى؟
قلنا: صوره ابن عصرون في "المرشد" بما إذا استعار مثليًا ليرهنه.
قلت: وهذا يشعر بأنه لا يتصور في المستعار الانتفاع على العادة، وليس كذلك. بل يتصور فيما إذا استعار آنية من النحاس الذي لا يختلف
كالأسطال المربعة أو كانت مختلفة، ولكنها غير مضروبة بل مصبوبة في قالب كما أوضحوه في السلم.
الثانية: إذا أتلف ماءه في مفازة وقدم الحاضرة فلا يجب مثله كما صرح به الرافعي في الغصب، وفي غيره لحقارته في الحضر غالبًا بالنسبة إلى المفازة.
الثالثة: المستام.
الرابعة: المبيع المفسوخ فلا يضمن الأمرين بالمثل بل بالقيمة بلا خلاف. قاله الروياني في "البحر".
الخامسة: اللبن في المصراة فإنه لا يضمنه إذا تلف بمثله، ولا بقيمته، بل بالثمن.
السادسة: المبيع بيعًا فاسدًا على ما تقدم.
وقد يضمن المتقوم بأكثر من قيمته، وذلك فيما إذا استعار عينًا للرهن، وباعها بأكثر من قيمتها، فإنه يضمنها بما باعها كما صححه جماعة.
قال في "الروضة" من "زياداته": وهو الصواب.
وحكى الرافعي عن أكثر الأصحاب وجوب القيمة، وقد يختلف المضمون باختلاف الضامن كما إذا افتضى بكرًا بشبهة أو نكاح فاسد، وكان من عادتهم مسامحة العشيرة، فإنه إن كان منهم سومح وإلا فلا.
قال الروياني: وليس لنا مضمون يختلف إلا هذا،
قوله وإن أنفق على العبد المبيع بيعًا فاسدًا مدة جاهلًا، فعن الصيمري أنه على وجهين. انتهي.
والأصح منهما عدم الرجوع [كذا صححه النووي في "زيادات
الروضة"] (1).
قوله: وإن اشترى جارية شراءًا فاسدًا ووطئها المشتري، فإن كانا عالمين وجب الحد إن اشتراها بميتة أو دم.
وإن اشتراها بخمر أو شرط فاسد لم يجب لاختلاف العلماء. انتهي ملخصًا.
لقائل أن يقول: قد صحح الرافعي في غير هذا الباب كالخلع والكتابة أن الميتة لا تلحق بالخمر، وقد جزم هنا بالحاقها بالدم.
قلت: السبب فيه أن النظر في الخلع والكتابة إلى ورود العقد على شيء مقصود أو غير مقصود كما هو مقرر في موضعه.
والميتة مقصودة لإطعام الجوارح، فلهذا ألحقوها بالخمر، وأوجبوا للزوج مهر المثل وللسيد قيمة الرقبة لأنهما لم يرضيا بإخراج ملكهما مجانًا.
وأما هذا الباب فإن المدار في إسقاط الحد على الأشياء التي يقول أبو حنيفة: إن الشراء بها يفيد الملك، ولقد ألحقت الحنفية الميتة بالدم في عدم التمليك به كما رأيته في كتبهم، فلهذا ألحقناه أيضًا به في وجوب الحد فاعلمه.
قوله في المسألة المذكورة: ثم إن كانت بكرًا وجب مع مهر البكر أرش البكارة.
أما مهر البكر فللاستمتاع بها، وأما الأرش فلإتلاف ذلك الجزء. انتهى كلامه.
وهذا الذي جزم به هنا قد ذكر ما يخالفه في مواضع من الكتاب:
أحدها: في الباب الثاني من كتاب الغصب في أول الفصل الثالث منه
(1) سقط من أ.
فيما إذا اشترى جارية مغصوبة ووطئها، وهما جاهلان فقال: فإن كانت بكرًا فهل عليه مهر مثلها ثيبًا، وأرش البكارة أو مهر مثلها بكرًا؛ ذكروا فيه وجهين، ورجحوا الأول. انتهى ملخصًا.
وهذا مع ما تقدم في غاية الغرابة، فإنه جزم في الشراء الفاسد بإيجاب زيادة لم يوجبها في الغصب، ولم يحك في إيجابها خلافًا، مع اختلافهم في أن البيع الفاسد هل يغلظ فيه كما يغلظ في الغصب أم لا؟
وأما كونه أغلظ فلا قائل به.
والموضع الثاني: في كتاب الجنايات في أواخر الباب الثاني في دية ما دون النفس في الجناية على الحرة، فذكر فيها كما ذكر في الأمة في الغصب.
والموضع الثالث: في أواخر خيار النقض قبيل الإقالة فقال: ولو افتضى أجنبي الجارية المبيعة قبل القبض بغير الذكر فعليه ما نقص من قيمتها وإن افتضها به فوجهان:
أصحهما: أنه يجب عليه مهر مثلها.
والثاني: يجب أرش البكارة ومهر مثلها ثيبًا. انتهي ملخصًا.
وهذا أيضًا مخالف لكل واحد من الموضعين الأولين فتحصلنا في هذه المسألة على ثلاثة [أجوبة](1) متعارضة تابعه عليها النووي في "الروضة"، فالمذكور في هذا الموضع مهر بكر، وأرش بكارة.
وفي خيار النقض مهر بكر فقط، وفي الغصب والجنايات مهر وأرش بكارة.
وذكر في "المحرر" مسألة الجناية فقط، وفي "الشرح الصغير" الموضعين الأولين.
(1) في جـ: أوجه.
قوله: وإن استولدها فالولد حر للشبهة، فإن خرج حيًا فعليه قيمته يوم الولادة، وتستقر عليه القيمة بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة، فإنه يغرم قيمة الولد، ويرجع بها على البائع لأنه غره. انتهى.
واعلم أنه سيأتي في ولد المشتري من الغاصب أنه لا يرجع على الصحيح.
قوله: وإن خرج الولد ميتًا فلا قيمة له، لكن إن سقط بجناية وجبت الغرة على عاقلة الجاني وعلى المشتري أقل الأمرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة. انتهى.
سيأتي أن المغصوبة إذا ولدت من الغاصب أو من المشترى منه ولدًا ميتًا بجناية وجبت فيه الغرة على الجاني، وللمالك عشر [قيمة الأم، وقيل قيمته لو وضع حيًا، فلو زاد عشر القيمة على الغرة اقتصرنا على عشر](1) القيمة على الصحيح.
قوله: ولو زاد في الثمن أو زاد اثبات الخيار أو الأجل أو قدرهما نظر إن كان ذلك بعد لزوم العقد لم يلحق بالعقد.
وكذا الحكم في رأس مال السَّلم والمُسْلَم فيه والصداق، وكذا الحط لا يلحق شيء من ذلك بالعقد.
وإن كان ذلك قبل اللزوم فأوجه:
أصحها عند الأكثرين: يلحق مطلقًا لأن الزيادة من أحدهما تدعو الآخر إلى إمضائه.
والثاني: لا [يجوز](2) مطلقًا.
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من ب.
والثالث: يلحق في خيار المجلس دون الشرط. فإن قلنا بالجواز فقال أبو على الطبري والشيخ أبو علي صاحب "التهذيب" وغيرهم: إنه مُفَرَّع على قولنا: الملك في زمن الخيار للبائع.
أو قولنا: موقوف ويفسخ العقد، فأما إذا قلنا: للمشتري فالزيادة في الثمن لا يقابلها شيء من الثمن، وكذا الأجل والخيار لا يقابلهما شيء من العوض.
وقال العراقيون: إن الجواز يطرد على الأقوال كلها وفي الحط قبل اللزوم مثل هذا الخلاف. انتهى ملخصا.
وحاصله أنا إذا قلنا: إن الملك للبائع صح الإلحاق وإن قلنا: للمشتري: فوجهان.
وكلامه يوهم أن الحط أيضًا يجري فيه هذا التفصيل بعينه، ويمكن التمثيل له بالمعني الذي ذكره في الالحاق، ولكنه قد صرح بعكسه في الباب الثاني من كتاب الشفعة فقال: وكنا قد ذكرنا في البيع التفات الخلاف في الإلتحاق إلى الخلاف في الملك في زمن الخيار، [وعلى ذلك جرى الإمام وآخرون هاهنا فقالوا: إن قلنا: إن الخيار] (1) لا يمنع ثبوت الملك للمشتري، فكما يملك المشتري المبيع يملك البائع الثمن فينفذ تصرفه فيه بالإبراء لمصادفته ملكه.
قال الإمام: وفيه احتمال لأن الثمن متعلق حق المشتري.
وإن قلنا: الملك للبائع أو موقوف ففي صحة الحط وجهان عن القاضي.
أحدهما: الصحة لجريان الناس عليه في الأعصار الخالية.
والثانية: المنع، لأنه تصرف فيما ليس بمملوك له. هذا كلامه.
وهو على العكس كما تقدم ذكره، ثم إنه في الشفعة جعل قول الوقف
(1) سقط من جـ.