الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب معاملات العبيد
قوله: [يجوز للسيد أن يأذن لعبده في التجارة إلى آخره.
قيده الشيخ في "التنبيه" والجرجاني في "التحرير" و"الشافي" بما إذا كان العبد رشيدًا، وسبقهما إليه الماوردي فقال: يشترط أن يصح تصرفه لنفسه لو كان حرًا.
ومقتضى ما ذكروه: اشتراط ذلك أيضًا عند شرائه لنفسه، وكتابته عليها وإنجازه وغير ذلك. وفيه نظر.
قوله: ] (1) ومنها العبد المأذون لا ينعزل بالإباق، بل له التصرف في البلد الذي خرج إليه إلا إذا خص السيد الإذن بهذا البلد.
وقال أبو حنيفة: يصير محجورًا عليه.
ثم قال: ولو أذن لجاريته في التجارة، ثم استولدها ففيه هذا الخلاف. انتهى كلامه.
واعلم أن نسخ الرافعي مختلفة في مسألة الاستيلاد، ففي بعضها التعبير بقوله: ففيه هذا الخلاف كما تقدم.
وأشار إلى الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة، [وعلى هذه النسخة فلا ينعزل عندنا، وينعزل عند أبي حنيفة](2)، وفي بعضها التعبير بقوله: ففي هذا اختلاف، وعلى هذا فلا تصحيح في هذه المسألة في الكتاب.
وقد اختصر في "الروضة" هذا الموضع فقال: ولو أذن لأمته ثم استولدها لم تنعزل على الصحيح، وهذا الاختصار غير مطابق له.
أما على النسخة الأولى: فلا خلاف عندنا، وأما على الثانية: فلا تصحيح.
(1) سقط من أ، جـ.
(2)
سقط من جـ.
ولم يذكر المسألة في "الشرح الصغير"، والأقرب ما في النسخة الأولى لبعد ثبوت الخلاف في هذه المسألة لأنه يبعد أن يقع من مصنف لكتاب مبسوط متأخر محرر لاسيما الرافعي، والاستقراء أن يذكر خلافًا في فرع من الفروع النظرية من غير ذكر ترجيح ما، ولا تعليل لشيء من ذلك الخلاف ولا بيان أن الخلاف عند العلماء أو عندنا، وهل هو وجهان أو قولان؟ فظهر بذلك صحة النسخة الأولى، وحينئذ فيكون الحكم هو الجزم بالصحة في هذه المسألة، وقد جزم به صاحب "التتمة" و"التهذيب" وغيرهما.
قوله: ومنها: إذا ركبته الديون لم يزل ملك سيده عما في يده، فلو تصرف فيه ببيع أو هبة أو إعتاق بإذن المأذون والغرماء جاز، ويكون الدين في ذمة العبد، وإن أذن العبد دون الغرماء لم يجز، وإن أذن الغرماء دون العبد فوجهان. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنه قد سوى في النكاح في باب المولى عليه بين إذن الغرماء دون العبد وبين العكس، وحكى في المسألتين وجهين، على عكس ما جزم به هاهنا من المخالفة.
الأمر الثاني: أن الصحيح من هذين الوجهين في ما عدا العتق هو عدم الصحة، كذا ذكره الرافعي في النكاح أيضًا في الموضع المذكور، وصححه في "الروضة" هنا من "زياداته" في الجميع.
ولنذكر ما قاله الرافعي هناك لتعرف عبارته في الأمرين فقال: وإن كان عليه دين، فإن زوجها السيد بإذن العبد [والغرماء صح، لأن الحق لا يعدوهم، وإن زوجها بإذن العبد](1) دون الغرماء أو بإذن الغرماء دون العبد لم يصح على أظهر الوجهين.
(1) سقط من جـ.
ثم قال: وبيع السيد وهبته ووطؤه هذه الجارية كالتزويج في حال قيام الدين وعدمه.
الثالث: أن ما ذكره في العتق هنا قد ذكر فيه ما يخالفه في النكاح في الموضع المذكور فقال: ولو أعتق عبدًا لمأذون وعلى المأذون دين، أو أعتق الوارث عبدًا من التركة وعلى المورث دين، قال صاحب "التهذيب": قيل في نفوذ العتق [قولان](1) كما في إعتاق المرهون.
والمذهب أنه إن كان معسرًا لم ينفذ العتق، وإن كان موسرًا نفذ. انتهى.
وهذا التفصيل الذي ذكره [فيه وهو الفرق بين الموسر والمعسر وتابعه عليه في "الروضة" لم يذكره في هذا الباب بالكلية، والذي ذكره هنا إنما يستقيم في المعسر، ثم إن الذي ذكره](2) في النكاح إنما يصح إذا كان بغير إذن فاعلمه.
قوله: وإقرار المأذون بدين المعاملة مقبول سواء أقر لأبيه وابنه أو لأجنبي. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة"، وفيه أمران ذكرهما الرافعي في أوائل كتاب الإقرار، وفيهما شرح لهذا الكلام فقال: إذا أقر المديون بدين لا يتعلق بالتجارة كالقرض ونحوه تعلق بذمته، ولو أطلق ولم يبين الجهة لم ينزل على دين المعاملة على أصح الوجهين لاحتمال أنه إتلاف.
ولو أقر بعد الحجر بدين معاملة أضافه إلى حال الإذن، لم تقبل إضافته على الأصح.
قوله: فإذا باع المأذون سلعة وقبض الثمن فاستحقت السلعة، وقد تلف الثمن في يد العبد فللمشتري الرجوع ببدله على العبد، لأنه المباشر للعقد.
وفي وجه لا رجوع عليه، وفي مطالبة السيد ثلاثة أوجه رتبها الإمام:
(1) في جـ: وجهان.
(2)
سقط من جـ.
أصحها: أنه يطالب أيضًا، لأن العقد له.
والثاني: لا.
والثالث: إن كان في يد العبد وفاء فلا يطالب وإلا طولب.
ثم قال: ولو اشترى المأذون شيئًا للتجارة، ففي مطالبة السيد بالثمن الأوجه. انتهى.
وهو صريح في أن ديون معاملات العبد تجب على السيد، ويؤمر بقضائها.
إذا علمت ذلك فقد ذكر بعد ذلك بدون ورقة ما يخالفه فقال: ولا تتعلق ديون معاملة العبد برقبته ولا بذمة السيد. انتهى.
وهو غريب جدًا، ولا يستقيم أن يجمع بينهما بأن يقال: لا شيء في ذمته، لكن يطالب ليؤدي من أموال التجارة عنه، لأن أحد الأوجه أنه إن كان في يد العبد وفاء لم يطالب وإلا طولب.
وقد وقع هذا الاختلاف في "الشرح الصغير" و"المحرر" و"المنهاج" ووقع أيضًا في "الروضة" على وجه أشد مما وقع في الشرح، فإنه ادعى نفي الخلاف في الموضع الثاني فقال: ولا بذمة السيد قطعًا.
قوله في المسألة: والوجه الأول والثاني جاريان في عامل القراض مع رب المال لتنزيل رب المال منزلة العمرة على المال المعين. انتهى كلامه.
وهذا التعليل الذي ذكره الرافعي رحمه الله تعليل للوجه الثاني، وكأنه ترك تعليل الأول لوضوحه.
قوله: ولو اشترى بألف في الذمة، فتلفت الألف قبل أن ينفذها ففي انفساخ العقد وجهان:
أصحهما: أنه لا ينفسخ، وعلى هذا فوجهان:
أحدهما: أنه يجب على السيد ألف آخر، لأن العقد وقع له.
والثاني: لا يلزمه، ولكنه إن أخرج ألفا آخر مضى العقد، وإلا فللبائع الفسخ.
ويشبه أن يكون هذا أظهر. انتهى ملخصًا.
وهذا الوجه الذي رجحه الرافعي بحثًا، قد صرح بتصحيحه في "الشرح الصغير" فقال: إنه أظهر الوجهين، وكذلك النووي في أصل "الروضة" فقال: إنه الأصح.
وتصحيح هذا الوجه منهما لا يوافق ما ذكراه في القاعدة المتقدمة، وهي لزوم دين معاملة العبد للسيد، فإنا إن قلنا بلزومه عليه لزم إيجاب الألف هنا، وأن يكون العقد باقيًا.
وإن قلنا بعدم اللزوم، لزم الانفساخ فالتخيير لا يوافق تلك القاعدة، والموافق للأصح منها: هو لزوم الألف.
لا جرم أن الإمام لما ذكر الخلاف في لزوم دين المعاملة على السيد، وصحح قول اللزوم، وعلله بما علله الرافعي، ثم ذكر هذه المسألة صحح أن العقد باقٍ، ويلزم السيد ألف أخرى.
وأيضًا فإن التلف هنا هو نظير التلف في يد الوكيل وعامل القراض.
ولما ذكر مسألة القراض في بابها لم يحكِ فيها الوجه الذي رجحه في هذه المسألة فضلًا عن ترجيحه، ولم يرجح فيها أيضًا شيئًا.
وأما مسألة الوكيل فحكاه وفيها غير أنه لم يصرح فيها بتصحيح، وتابعه في "الروضة" على ذلك كله، غير أنه صحح في "تصحيح التنبيه" في مسألة القراض انقلاب العقد إلى العامل، وهو أقرب من تصحيح التخيير.
قوله: وهل تتعلق ديون التجارة بما يكسبه بعد الحجر؟ فيه وجهان:
قال في "التهذيب": أصحهما: أنه لا تتعلق به. انتهى.
وما قاله البغوي هو الصحيح، كذا صححه النووي في أصل "الروضة".
قوله من "زياداته": قال في "التهذيب": لو جنى على المأذون، أو كلانت أمة فوطئت بشبهة، لا تقضي ديون التجارة من الأرش والمهر. انتهى كلامه.
وما ذكره هنا من عدم التعلق بالمهر، وجزم به ولم يذكر في الباب خلافه، قد جزم بعكسه في كتاب النكاح في باب المولى عليه في الكلام على الولاية على الرقيق، وهو من زوائده أيضًا، وستعرف لفظه في موضعه فراجعه.
قوله أيضًا من "زياداته": ولو [اشترى](1) المأذون من يعتق على سيده بغير إذنه لم يصح على الأظهر.
فإن قلنا: يصح، ولم يكن على المأذون دين عتق على المولى، وإن كان فقي عتقه قولان كما لو اشترى بإذن المولى، وإن اشترى بإذنه صح، فإن لم يكن على المأذون دين عتق وإلا فقولان:
أحدهما: لا يعتق.
والثاني: يعتق ويغرم قيمته للغرماء. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذه الزيادة جميعها قد ذكره [الرافعي في الباب الثاني من أبواب القراض وذكرها](2) في "الروضة" أيضًا تبعًا له.
الثاني: أن النووي في "تصحيح التنبيه" قد صحح من القولين في ما
(1) في أ: ابتدأ.
(2)
سقط من أ.
إذا اشترى بإذن السيد، وكان عليه دين أنه لا يعتق.
ونقل ابن الرفعة في باب القراض من "المطلب" عن الأصحاب: أنه كالراهن فقال: نعم قالوا: إن كان عليه دين ففي عتقه عليه الخلاف في عتق الراهن، وأجروه فيما إذا باشر السيد عتق عبد اشتراه المأذون للتجارة، وقد ركبته الديون. هذا كلامه.
وأشار إليه الرافعي أيضًا في باب القراض، فإنه شبهه بالمرهون، وحينئذ فيكون الصحيح: التفصيل بين الموسر وغيره، ولا يتجه غيره، هذا كله إذا اشتراه بالإذن.
فإن اشتراه بغير الإذن، وكان عليه دين ففي العتق أيضًا قولان.
لكن هل هما مخرجان على القولين فيما إذا وقع الشراء بالإذن حتى يكون الصحيح الذي في إحداهما تصحيحًا في الأخرى أو مرتبان وأولى بالبطلان؟ ، اختلف فيه كلام "الروضة"، فالمذكور في هذا الباب كما تقدم نقله عنه هو التخريج، وفي باب القراض هو الترتيب.
وينبني على هذا الاختلاف ما إذا قلنا بالترجيح المستفاد من كلام الرافعي و"المطلب"، وهو إلحاقه بالمرهون فكان السيد في مسألتنا وهو الشراء بغير الإذن موسرًا.
فعلى المذكور في "الروضة" هنا يستفاد [تصحيح الإعتاق، وعلى المذكور هناك لا يستفاد](1).
واعلم أن شراء القريب بإذن السيد بمنزلة إعتاق السيد، وقد تقدم في أول الباب أنه يفصل فيه بين الموسر والمعسر.
(1) سقط من أ.
قوله: فرع:
لو أذن لعبده في التجارة مطلقًا ولم يعين مالًا، فعن أبي طاهر الزيادي: أنه لا يصح هذا الإذن، وعن غيره: أنه يصح، وله التصرف في أنواع الأموال. انتهى.
لم يصحح شيئًا في "الروضة" أيضًا، ولا تعرض لها في "المحرر" ولا في "الشرح الصغير".
فمراد الرافعي بقوله: (ولم يعين مالًا) أي نوعًا من المال يتجر منه.
قوله: وأصح الوجهين: أنه لا يصح شراؤه دون إذن السيد، لأنه لو صح، فإن أثبتنا الملك له فليس أهلًا لذلك، وإن أثبتناه للسيد بعوض عليه فهو لم يرض به، وإن كان بعوض على العبد فيلزم حصول أحد العوضين لغير من يلزمه مقابله. انتهى ملخصًا.
وما صححه الرافعي في هذه المسألة سبقه إليه الإمام والمتولي، وهو مخالف للجمهور.
فإن الماوردي والقاضي أبا الطيب قد صرحا بأن الجمهور على الصحة.
وما ذكره في دليل [المنع](1) فهو منقوض بالمأذون، فإنهم اتفقوا على أن ما اشتراه يكون ملكًا للسيد مع اختلافهم في من يكون الثمن في ذمته.
قوله من "زياداته": ولا يحل للمكاتب التسري بغير إذن سيده، وبإذنه قولان كتبرعه. انتهى.
وهذا الكلام يشعر برجحان الجواز، لأنه الصحيح في التبرع بالإذن، لكن الصحيح منع التسري، وسيأتي بسطه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(1) في أ: القطع.