الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب التفليس
قوله: أما في الشرع، فقد قال الأئمة رحمهم الله: المفلس من عليه ديون لا تفي بماله. انتهى كلامه.
وهذا التفسير تبعه عليه في "الروضة"، وهو غير مستقيم لأمرين:
أحدهما: أن أهل الشرع متى أطلقوا المفلس، فقالوا: هل يصح بيعه أم لا؟ فيه خلاف.
وهل يصح شراؤه؟ أيضًا فيه خلاف، إلى غير ذلك من المسائل، لا يريدون به ما قاله الرافعي قطعًا، فإنه لا خلاف في صحة بيعه وشرائه، بل إنما يريدون المحجور عليه بسبب الديون المذكورة، فالصواب تفسيره بذلك.
وقد فسره به الماوردي والبندنيجي والمحاملي وغيرهم.
الأمر الثاني: أنه لابد من تقييد الديون، بأن تكون لآدميين فلو كان عليه دين لله تعالى ودين لآدمي والمجموع ناقص عن ماله، ودين الآدمي على حدته لا ينقص، فإنه لا [يحجر](1) لأجله.
فإن الرافعي قال في الباب الثاني من كتاب الأيمان بعد ذكره الأقوال الثلاثة في اجتماع حقوق الله تعالى [وحقوق الآدمين ما نصه: ولا تجري هذه الأقوال الثلاثة في المحجور عليه الفلس إذا اجتمعت حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين بل تقدم حقوق الآدميين وتؤخر حقوق الله تعالى](2) ما دام حيًا. هذا لفظه.
وهي مسألة نفيسة استفدنا منها: تخصيص قولهم هنا أن ماله يقسم
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
على نسبة ديونه.
ويلزم من ذلك أن لا يعتبر دخول هذه الديون في الحساب كما ذكرناه، لأنا إذا قدمنا ديون الآدميين وكان مال المفلس وافيًا بها، فكيف يحجر مع إمكان وفائهم؟
قوله: الذي يدل عليه كلام الأصحاب تعريضًا، وتصريحًا. . . . إلى آخره.
قد تقدم الكلام عليه في الكلام على القبض.
قوله في الضابط المتقدم: وأما الثاني وهو أن يكون ماله قاصرًا عن الوفاء بالديون، فيجوز أن يقال: إنه لا حاجة إليه، بل مجرد الدين يكفي لجواز الحجر منعًا له من التصرف فيما عساه يحدث له باصطياد واتهاب، والظفر بركاز وغيرها.
فإن كان كذلك فليفسر المفلس بالذي ليس له مال يفي بديونه لينتظم من لا مال له أصلًا، ومن له مال قاصر. انتهى كلامه.
وحاصله أن الرافعي متوقف في هذه المسألة، ولا نقل عنده فيها، ولم يذكر النووي في "الروضة" شيئًا من هذا الكلام، وهو غريب.
قوله: لا يجوز الحجر لدين الغائبين، لأنه لا يستوفي ما لهم في الذمم، إنما يحفظ أعيان أموالهم. انتهى.
اعلم أن قبض الحاكم أموال الغائبين أعيانًا كانت أو ديونًا، قد ذكرها الرافعي في مواضع متفرقة، وبعض المواضع يخالف بعضًا، أو يزيد عليه، فلنذكر تلك المواضع لعموم الحاجة إلى هذه المسألة، فنقول: قد ذكر ما يوافق المذكور هنا في أوائل استيفاء القصاص، فقال: وذكر ابن الصباغ أن الحاكم ليس له أخذ مال الغائب المغصوب.
وفي كلام الإمام وغيره ما ينازع فيه، ويشعر بأنه يأخذه له ويحفظه. انتهى.
وقال أيضًا في كتاب الوديعة: إن المودع إذا حمل الوديعة إلى القاضي عند تعذر الإعطاء إلى المالك، يجب عليه الأخذ على الأصح.
ثم قال: ولو حمل الغاصب المغصوب إلى القاضي، ففي وجوب القبول الوجهان، لكن هذا أولى بالمنع ليبقى مضمونًا للمالك. انتهى.
وهذا الكلام مقتضاه الوجوب، لأن قوله: وهذا أولى، لا يقتضي تصحيح العكس، بل يقتضي الأولوية فقط مع الاشتراك في التصحيح.
وقد نبه عليه [ابن الرفعة](1) في كتاب التيمم.
إذا علمت ذلك كله، فقد قال في أوائل الباب الثاني من أبواب السرقة: ولو أقر بغصب مال غائب لم يحبس، لأن الحاكم لا يطالب بمال الغائبين، هذا كلامه.
وقال في باب اللقطة في التقاط العبد: لو أخذ [القاضي](2) المغصوب من الغاصب ليحفظه للمالك، هل يبرأ الغاصب من الضمان؟ فيه وجهان، ظاهر القياس فيهما البراءة، لأن يد القاضي نائبة عن يد المالك.
فإن قلنا: لا يبرأ، فللقاضي أخذها.
وإن قلنا: يبرأ، فإن كان المالك عرضه للضياع والغاصب، بحيث لا يبعد أن يفلس إن تغيب وجهه فكذلك، وإلا فوجهان.
وليس لآحاد الناس أخذ المغصوب، إذا لم يكن في معرض الضياع،
(1) في ب: الرافعي.
(2)
سقط من ب.
ولا الغاصب، بحيث تفوت مطالبته ظاهرًا، وإن كان كذلك فوجهان:
أظهرهما: المنع، لأن القاضي نائب عن الغائبين. انتهى.
واعلم أن العين إذا مات صاحبها ووارثه غائب، فإن القاضي يأخذها نظرًا إلى حق الميت، هكذا نبه عليه الرافعي في استيفاء القصاص، وجعل محل الخلاف فيما عدا ذلك، لكنه ذكرها في أثناء الباب الرابع المعقود للشاهد واليمين.
ثم قال: وينبغي أن يجري فيها الخلاف في العين المغصوبة، وهو ذهول عما قرره هناك.
واعلم أيضًا أن الرافعي صحح في الباب [الرابع المعقود للشاهد واليمين](1): أن القاضي لا يجب عليه قبول دين الغائب.
قال: سواء كان مخلفًا عن ميت أم لا.
وصححه أيضًا في كتاب الوديعة، وهو يوهم جواز قبضه، وليس كذلك، فاعلمه لما سبق في هذا الباب، ولما ذكره في الكتابة عقب الكلام على الإيتاء، فإنه قال: ولو أتى بالنجم قبل المحل والسيد غائب قبضه الحاكم إذا علم أن السيد لا ضرر عليه في أخذه.
قال الصيدلاني: ومثله لو كان للغائب دين على حر، فأتي به الحاكم، فالأصح منع قبضه منه لأنه ليس للمؤدي غرض إلا سقوط الدين والحظ للغائب في أن يبقي المال في ذمة الملى فإنه خير من أن يصير أمانة عند الحاكم. انتهى.
وقد صرح الشافعي في "الأم" أيضًا بمنع ذلك، فقال في أواخر الكتابة في باب ميراث سيد المكاتب ما نصه: فإذا كان الورثة كبارًا فسأل المكاتب أن يدفع الكتابة -يعني النجوم- إلى عدل يقبضه لهم إن لم يكن
(1) سقط من جـ.
لهم وكيل كان ذلك له.
فإذا دفعه عتق المكاتب، وليس هذا الدين لهم على رجل، ثم غابوا عنه فجاء به إلى الحاكم ليدفعه هذا لا يدفعه إلا إليهم، أو وكيل، فإن لم يكن لهم وكيل تركه الحاكم فلم يأمر بقبضه من صاحبه الذي هو عليه، لأن في الكتابة عتقًا للعبد فلا يحبس بالعتق، وليس في الدين شيء يحبس عنه صاحب الدين. هذا لفظ الشافعي. بحروفه.
وهو يدل على أن الدين إذا كان به رهن يقبضه الحاكم فاعلمه.
وقال الفارقي: محل الخلاف إذا كان المديون ثقة مليًا، فإن لم يكن كذلك وجب على الحاكم قبضه بلا خلاف.
قوله: ولا تحل ديونه بالإفلاس في أصح القولين، وعن الشيخ أبى محمد ترتيب هذين القولين على القولين في أن من عليه الدين المؤجل لو جن، هل يحل الأجل؟ ، وأن الحلول في صورة الجنون أولى، لأن المجنون لا استقلال له كالميت.
ورأى الإمام الترتيب بالعكس أولى، لأن قيم المجنون له أن يبتاع له بثمن مؤجل عند ظهور المصلحة.
فإذا لم يمنع الجنون الأجل ابتداء فلأن لا يقطع الأجل دوامًا كان أولى. انتهى كلامه.
وحاصله أنه لم يصحح في مسألة الجنون شيئًا أصلًا، وقد صحح النووي في أصل "الروضة" الحلول، وجعل مقابله ضعيفًا فقال: ولو جن وعليه دين مؤجل حل على المشهور. هذا لفظه، ومن خطه نقلت.
وهو بعيد في المعنى، مخالف لكلام الرافعي، إلا أن خطه الذي نقلت منه وقع فيه كشط قبيل التعبير بالمشهور.
قوله: وإذا اشترى أعيانًا بثمن مؤجل، ثم حجر عليه دخلت الأعيان في البيع.
ثم قال: وعلى هذا فإن لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الأجل ففي جواز الفسخ الآن وجهان. انتهي كلامه.
والصحيح منهما هو جواز الفسخ، كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير" في أوائل الكلام على الرجوع وعبر بالأصح، ولم يصحح في "الروضة" أيضًا شيئًا غير أنه نقل من "زياداته" أن الصحيح في "الوجيز" الجواز. وهذا التصحيح الذي نقله عن "الوجيز" هو مذكور فيه في الكلام على الرجوع على ما نقله [عنه الرافعي هناك فافهمه، فإنه قد يعترض على النووي بعدم وجدانه](1) في موضعه.
ولم يذكر المسألة في "المحرر".
ومن نظائر المسألة: ما إذا باع بثمن مؤجل وحل الأجل قبل التسليم، ففي الشرح و"الروضة" قبيل الكلام على التولية الجزم بأنه لا حبس.
وجزم به الرافعي هنا أيضًا.
ومن نظائرها أيضًا ما إذا وقع ذلك في الصداق، فهل للمرأة أن تمنع من تسليم نفسها؟ فيه اضطراب في الترجيح، ستعرفه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله في أصل "الروضة": وإذا حجر عليه في صورة المساواة، فهل لمن وجد عين ماله الرجوع؟ فيه وجهان. انتهى.
والأصح منهما أن له ذلك، كذا صححه الرافعي في "الشرح الكبير" وعبر بالأصح، هذا هو الموجود في النسخ الصحيحة، ويوجد في بعضها بلا تصحيح، ولعلها التى وقعت للنووي.
(1) سقط من جـ.